هل يتعثَّر التطبيعُ المغربي الإسرائيلي؟
من المؤكّد أن ''طوفان الأقصى'' خلط الأوراق في الإقليم والعالم بشكل لم يتصوّره أحد، وأعاد القضية الفلسطينية إلى واجهة المشهد الدولي بعد تهميشها سنواتٍ طوالا، نتيجة تواطؤ إقليمي ودولي مكشوف. ومن المؤكّد أيضا أن أسئلة كثيرة تتدحرج الآن على امتداد الجغرافيا العربية بشأن مآلات الاتفاقات الإبراهيمية التي وقّعتها دول عربية مع إسرائيل، في ظل التداعيات التي يُرجَّحُ أن يخلفها العدوان الصهيوني على قطاع غزّة على أكثر من صعيد.
ضمن هذا السياق، يواجه التطبيع المغربي الإسرائيلي مأزقا حقيقيا، فما يحدُث في غزّة ليس مجرّد جولة من جولات المواجهة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، بقدر ما هي حرب إبادة جماعية ممنهجة، تنفذها قوات الاحتلال ضد النساء والأطفال والرُضّع والشيوخ. وهو ما يعني أن السلطةُ في المغرب ستجد صعوبةً بالغة في إدارة التوازن الصعب، الذي نجحت فيه نسبيا خلال السنوات الماضية، بين دفاعها عن التطبيع مع إسرائيل، بمخرجاته الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية، مع استمرارها، في الوقت ذاته، في الـتأكيد على دعم القضية الفلسطينية التي سبق أن عدَّها بيانٌ سابقٌ للديوان الملكي المغربي ''من أولويات السياسة الخارجية للملك محمد السادس''.
سيكون من الصعب على الدبلوماسية المغربية الانخراط فيما قد تشهده القضية الفلسطينية من تحوّلات، بصرف النظر عما يمكن أن تؤول إليه المواجهة الدائرة حاليا في قطاع غزّة، فمن ناحية، بات هامش المناورة أمام هذه الدبلوماسية ضيّقا في الموضوع الفلسطيني، على اعتبار أن هجوم المقاومة على العمق الإسرائيلي، يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، جاء ردّا على مخطّطات تهويد القدس والمسجد الأقصى، والتي كانت تتطلّب من المغرب، الذي يرأس لجنة القدس، الحدّ الأدنى من الصرامة في مواجهة واحدةٍ من أكثر الحكومات يمينيّةً وتطرّفا في تاريخ الكيان الصهيوني. يُضاف إلى ذلك أن وزارة الخارجية المغربية في البيان الذي أصدرته بعد ''طوفان الأقصى'' دانت ''استهداف المدنيين من أي جهة كانت''، ما بدا استبعادا للأسباب والحيثيات التاريخية التي دفعت المقاومة الفلسطينية إلى تنفيذ هجومها، الذي جاء ردّا على سياسات التهويد والأسرلة والاستيطان التي مرّت فيها إسرائيل إلى السرعة القصوى. ومع تحوّل العدوان على غزّة إلى مذبحة مفتوحة بحقّ المدنيين الأبرياء بتغطية إقليمية ودولية، بدا أن الدبلوماسية المغربية باتت خارج الحراك الدبلوماسي التي تشهده المنطقة بشأن الوقف النهائي أو المؤقت لإطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين والأجانب لدى فصائل المقاومة.
بالتوازي مع ذلك، عكست المظاهرات الحاشدة التي شهدتها مدنٌ مغربيةٌ دعما للمقاومة الفلسطينية، وتضامنا مع سكّان غزّة في مأساتهم، رفْضَ الشعب المغربي، بمختلف مكوناته، كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، في ما يشبه الاستفتاء الشعبي على المكانة المعلومة للقضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي المغربي، على الرغم من الجهود التي بذلتها دوائر إعلامية وثقافية قريبة من السلطة، منذ توقيع اتفاق التطبيع في ديسمبر/ كانون الأول 2020، لإقناع الرأي العام المغربي بالمكاسب التي سيجنيها المغرب منه، مستثمرة في ذلك ورقة اليهود الإسرائيليين من أصل مغربي وما يتمتعون به من نفوذ في دولة الاحتلال، يُمكن أن يُوظّف، حسب مزاعم هذه الدوائر، في خدمة المصالح المغربية، وفي مقدمها الدفاع عن مغربيّة الصحراء.
كانت رسالة المظاهرات الشعبية المؤيدة للمقاومة الفلسطينية واضحة؛ رفض المغاربة القاطع التطبيع مع كيانٍ متوحّش لا يتورّع عن إبادة المدنيين. لقد كان لوحشية المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق سكان غزة أثر عميق في اتساع قاعدة رافضي التطبيع داخل المجتمع.
قد يكون من السابق لأوانه القول إن ''طوفان الأقصى'' سيُسقط التطبيع المغربي الإسرائيلي ضمن ما قد يترتّب عليه من تداعيات في الإقليم. لكن المرجّح أن هذا التطبيع سيتعثر، على الأقلّ في المنظور القريب، بالنظر إلى هول الجرائم الوحشية التي ارتكبتها قوات الاحتلال ومخلفاتها المأساوية على قطاع غزّة.