هل يقلق بايدن إسرائيل؟
كان جو بايدن نائبا للرئيس باراك أوباما، عندما تم التوقيع في عام 2015 على الاتفاقية مع إيران بشأن برنامجها النووي. ويعلل كثيرون تمدّد إيران السريع في المنطقة في عهد أوباما بأنه كان نتيجة سياسية لتلك الاتفاقية، فإيران تعتمد على إنتاج قنبلتها النووية، لتفرض على محيطها تنفيذ ما ترغب فيه، لكن الاتفاقية حققت لها ما تريد من دون أن تلجأ إلى الألاعيب العلمية والسياسية لإنجاز القنبلة. يجلس بايدن نفسه الآن في المكتب البيضاوي، وقد أزيح كابوس ترامب الذي ألغى من السياسة الأميركية كل ما يمت لأوباما بصلة. ويبدو أن الوقت والمسرح متاحان لبايدن لترتيب الفوضى التي خلّفها ترامب، وعلى الجميع أن يعيد التفكير في وضعه السياسي، خصوصا إسرائيل التي حققت مكاسب كانت تأتيها على شكل أحلامٍ لذيذةٍ تحولت على يد ترامب إلى حقائق، بدءا من الاعتراف بالقدس عاصمة لها، وبالجولان جزءا جغرافيا منها، والتضييق المالي الذي أجراه ترامب على منظمة التحرير الفلسطينية، ووصولا إلى قطار التطبيع الذي أعطى إسرائيل مساحةً جغرافيةً شاسعةً تمارس فيها اقتصادا وسياسة بعائد مضمون.. كان بايدن، السياسي الديمقراطي التقليدي، شاهدا على سياسة أوباما السابقة، والتي لم تعتبرها إسرائيل في صالحها، وقد يجعل وجود هذا الرئيس في البيت الأبيض إسرائيل تفكر في خطواتٍ جديدةٍ تستطيع بها مجابهة ما يمكن أن يبدر عن بايدن..
في التقاليد الرئاسية الأميركية، عند تغير الحزب الذي يفوز بالرئاسة، تجري مراجعة عامة لكل ما قام به الرئيس السابق. والمراجعة تعني إعادة قراءة كل القرارات والسياسات المتبعة، من دون أن تعني بالضرورة تغيير هذه كلها. وهذا ينطبق على ما كان متبعا نحو إسرائيل، وقد صرّح وزير الخارجية الأميركي الجديد، أنتوني بلينكن، بأنه يعرف أهمية الجولان لإسرائيل، ولكنه لا يؤيد اعتراف ترامب بها جزءاً من إسرائيل. تظهر القراءة الأولى، والثانية كذلك، للتصريح تمايزا أميركيا حاليا عن زمن ترامب، ولكنه تمايزٌ أدبي فقط، فعدم موافقة بلينكن على ما قام به ترامب لن يغير من واقع الأمر كثيراً، وقد ربط بلينكن أهمية هذه المنطقة بالنسبة إلى إسرائيل بوجود مليشيا إيرانية، ما يعني أنه لن يمانع من دوام السيطرة الإسرائيلية عليها، لتحاشي أي طغيان عسكري إيراني قادم من سورية، محتمل. وقد خرج رئيس حكومة الاحتلال، نتنياهو، في اليوم التالي، ليؤكد أن الجولان سيبقى تحت السيادة الإسرائيلية باتفاق أو من دونه، وهذا هو الموقف الإسرائيلي الدائم الذي كرّره كل رؤساء وزراء إسرائيل منذ مقتل إسحق رابين في 1995.
على الرغم من أن الصحافة الإسرائيلية تردّد "بقلق" تأخر الاتصال الهاتفي الأول بين بايدن ونتنياهو، ولكن هذا القلق الظاهري لا يدعو إلى قلق سياسي عام، فإدارة الرئيس الجديد لن تراجع خطوة ترامب السياسية، نقل السفارة إلى القدس، بعد أن صارت خطوة نهائية. ولن يكون لديها إلا خيار متابعة ما بدأت به الإدارة السابقة من تعبيد طريق التطبيع السريع، وقد تساعد هذه الإدارة في تدشين مزيد من اتفاقيات التطبيع، بما يوفره هذا النوع من الإنجازات من دعاية سياسية مجانية. ولكن المعضلة هي الاتفاق النووي، وهو الملف المهم لإيران ولدول الخليج ولإسرائيل بدرجة أكبر، فالاتفاق الذي ألغاه ترامب قد يكون من الصعب العودة إليه بصيغته السابقة، وقد شهدنا تراشقا أميركيا إيرانيا بشأنه، والتمهيد لاتفاق جديد لن يبدأ حالا. وهنا ستظهر قوة العلاقات الإسرائيلية الأميركية، فشكل الاتفاق الجديد أو مستوى التعديل الذي يمكن أن يدخل على القديم، سيوضح مدى حميمية العلاقة بين الدولتين، ولكن اتفاقا جديدا أو تعديلا محتملا قد لا تحتمله ولاية واحدة لبايدن، وهو بحاجةٍ إلى فترة ثانية، ليعبر مثل هذا الاتفاق حقول الألغام المحيطة به. ووفق هذه المعطيات، قد يكون انتظار نتنياهو اتصال بايدن الأول به مجرد تفصيل بروتوكولي لا يهم إلا الصحافة المتحرّقة لخبر مثير.