هل يمكن أن نصنع من الكارثة فرصة؟
جاءت كارثة الزلزال التي ضربت تركيا وأجزاء من الشمال السوري بالنسبة لسوريين كثيرين بمثابة امتداد لزلزال مستمر ضرب بلادهم منذ 12 عاما، وكان من نتائجه سقوط مئات آلاف القتلى، ودمار واسع في البنية التحتية، وتشريد أكثر من نصف السكان. أوجه التشابه والاستمرارية لا تقتصر فقط على الخسائر البشرية والمادية، بل تتجاوزها إلى الاستجابة البطيئة، أو حتى عدم المبالاة التي شعر بها السوريون في تعامل المجتمع الدولي مع مصيبتهم. الشعور بالتهميش والإهمال زادَته وطأة محاولات تسييس الأزمة الإنسانية من مختلف الأطراف، فيما كان كثيرون يصارعون من أجل حياتهم تحت الأنقاض.
من الصعب قطعا في مسألةٍ بحجم المسألة السورية وتعقيداتها الامتناع عن تسييس أي حدثٍ مهما كانت ماهيته، فغياب مؤسّسات الدولة عن كارثة الزلزال، والتعقيدات السياسية والقانونية المرتبطة بدخول فرق الإغاثة والإنقاذ عبر المعابر، وتعدّد السلطات، والتي أسفرت عن فقدان حياة كثيرين، مقارنة بالانسيابية على الجانب التركي من الحدود، كلها ناتجة عن فعل سياسي مصدُره الأول فشل النظام في إدارة أزمة، تحوّلت، في النتيجة، إلى كارثة، دمّرت البلد، وأفقدت سلطاتها السيطرة على أجزاء كبيرة منها، وجعلت منها ساحات نفوذٍ للقوى الإقليمية والدولية.
لهذا السبب تحديدا، ولأن كل حدث سوري سياسي بامتياز، شهدنا استمرارا لحالة الاستقطاب الشديد بين السوريين، خصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي على شكل اتهامات متبادلة بشأن محاولات الاستغلال السياسي للأزمة من هذا الطرف أو ذاك، فالنظام حاول أن يستفيد من الأزمة لكسر حالة العزلة التي يعيشها والعودة إلى حضن المجتمع الدولي. وحاولت المعارضة من جهتها استغلال الأزمة لتبييض صورتها بعد سنواتٍ من الأداء البائس. الأطراف الإقليمية والدولية فعلت الشيء نفسه، كل لغاياته.
مع ذلك، ورغم حجم الكارثة التي ما زالت فصولها تتكشّف، خصوصا أن عدد ضحايا الزلزال من السوريين مرشّح للزيادة بشكل كبير، لأن معظم المناطق التي ضربها الزلزال في تركيا كان فيها كثافة سكانية عالية من اللاجئين السوريين، كشفت الأزمة عن جوانب إيجابية ينبغي التركيز عليها وسط بحر من السلبيات وتراشق الاتهامات التي غرقت فيها وسائل التواصل الاجتماعي. أولها حجم التضامن والتعاضد الذي ظهر بين السوريين في مناطق النظام والمعارضة على السواء، بعيدا عن الاستقطاب السياسي السائد، تجاه الكارثة التي أصابتهم من دون تمييز. هذا يعني أن النسيج الاجتماعي السوري الذي مزّقته سنوات من الحرب والصراع ما زال فيه بقية من أمل، وقد برز ذلك بوضوح في حملات جمع التبرّعات وتعالي الدعوات إلى إيصال المساعدات للمنكوبين بغض النظر عن مواقفهم السياسية أو أماكن وجودهم، سواء في مناطق النظام أو مناطق المعارضة.
ثانيا، ساهم الاعتماد على القدرات والإمكانات المحلية في عمليات الإنقاذ والإغاثة، في ضوء تأخّر استجابة المجتمع الدولي للكارثة، رغم المرارة، في استرداد السوريين الثقة بإمكاناتهم الذاتية وقدرتهم على اجتراح الحلول واستعادة زمام المبادرة التي صادرتها الإرادات الإقليمية والدولية بعيدا عن مصالحهم وهمومهم.
ثالثا، وسط التجاهل الأممي والعالمي للمأساة السورية، برز خصوصا التضامن العربي مع نكبة السوريين، على المستويين، الشعبي والرسمي، فمعظم التبرّعات التي جمعت والمساعدات التي وصلت إلى السوريين، سواء في مناطق سيطرة النظام أو المعارضة، جاءت من الدول العربية، الغني منها والفقير. وبرز خصوصا دور فرق الإنقاذ والفرق الطبية التي جاءت من الجزائر ومصر والسودان وتونس والأردن، والتبرّعات الكبيرة التي جاءت من قطر والسعودية والإمارات والكويت وغيرها.
مظاهر التضامن العربي الكبير مع السوريين في نكبتهم يمكن، إذا أحسن استثمارُها، تحويلها إلى فعل سياسي إيجابي، انطلاقا من أن سورية جزء من الأمة العربية، وهي مسؤولية عربية بالدرجة الأولى، وأن الغياب العربي عن أزمتها سنوات طويلة كان له آثار مدمّرة على قضيتها، أقلها تركها نهبا للمصالح الأجنبية التي صادرت قضيتها وحولتها إلى مناطق نفوذ.
بهذا المعنى، يمكن تحويل محنة الزلزال إلى فرصة تسهم في لمّ شمل السوريين، واستعادة زمام المبادرة باتجاه حلٍّ سياسي يحقّق مصالحهم بدعم ورعاية عربيين.