هي أوهى من بيت العنكبوت فماذا عن بيتنا؟
كان معلّم الثقافة الاشتراكية في السنة الجامعية الأولى يبيّن لنا وهن بيت إسرائيل، التي وصفها حسن نصر الله في خطاب شهير عرف باسم "خطاب بيت العنكبوت"، بأنّها أوهى من بيت العنكبوت، فهم أخلاطٌ من أشكناز وسفارديم وحريديم، وأمشاجٌ من فلاشا و"ناتاشا"، و"عمل" و"ليكود"، و"ناطوري كارتا"، وسواها من تشكيلات خريطتها الحزبية، وإنَّ الصراع الخفي بينهم مُحتدِم. فماذا عنّا نحن؟
ثمّ إنّه رأى طالباً يتثاءب، والتثاؤب جنسٌ من الضحك الساخر والحكم بالملل، وهو، في الأثر، ضحكة الشيطان، فأمره بالوقوف وشهَّر به، ثمّ طرده على أعين الطلبة، وكان من أعزّ أصدقائي وألطفهم، فخرج مكسوراً أمام الطالبات الجميلات، ثمّ إنّي سألت نفسي الخاطئة، والسؤال نصف الجواب: ماذا عن بيتنا؟
نحن أيضاً كذلك، وشعوبنا جاء من أشتات الأرض، من القفقاس وآسيا الوسطى والأناضول واليمن، وتُظهِر فحوصات الحمض النووي (إن صحّت) أجناسنا العجيبة. فنحن أيضاً سفارديم وأشكناز، و"عمل" و"منكود"، بل قلَّ أن تجد بلديةً منتخبةً. ولحظتُ مُبكِّراً أنّ أعزَّ مادّتين في السوق السوري بعد الخبز الإسمنت والحديد، وهما مادّتان شبه خام، مثل الماء والكلأ والنار، هما مادّتا بناء البيت، لولا بعض الصناعة فيهما، وكانت رخصة البناء أغلى من عتق رقبة، وكان الناس يهدمون الأبنية القديمة ويستخرجون أضلاعها وعظامها، ويصلّحونها ويقوّمونها، ليبنوا بها من جديد، وقد خسرتْ متانتَها وعلاها الصدأُ، غير الجهد المبذول في استخراجها وتقويمها.
قال معلّم الثقافة إنّ إسرائيل تظلم الفلسطيني، وهي خنجر في خاصرة العرب، وتفتح على أهل غزّة المجاري، وتسرق المياه من باطن الأرض، لكن أليست أنظمتنا خناجر مزروعة في خاصرة الشعب (يحبّون الخاصرة لأنّها مدار الرقص)، ومن المعلوم أنَّ حكومتنا السورية البعثية الراشدة، التي بعثت حديد المباني القديم من قبره، فتحت المجاري على بحر حاضنتها في طرطوس، وأذكر ما جرى لنهر بردى، الذي أمسى مجروراً للقاذورات، والنيل الأسير في الحبشة.
يشرح العلماء "واهنية" إسرائيل بأنّها "واهنية" مزدوجة، في العائلة وفي العمران، مع أنَّ خيط بيت العنكبوت من أقوى الخيوط المعروفة، فهو أقوى من الفولاذ بآلاف المرات، وإنَّ الأنثى في بعض أجناسه تأكل الذكر بعد أن تقضي وطرها منه، لأنّها أكبر حجماً وأكثر شراسة منه، وفي بعض الحالات تلتهم الأنثى صغارها من دون أدنى رحمة، وعندما يفقس البيض تخرج العناكب فتجد نفسها في بيت شديد الازدحام بالإخوة الأعداء، فتبدأ حربٌ أهليةٌ في العش.
لكن مهلاً أيها السادة! فـ"سبايدر مان" حلَّ محل "سوبر مان" في أفلام الخيال العلمي والفنتازيا، وله ستّ عيون يتجسّس بها على خصومه من العرب والديلم. وبعض أجناس العنكبوت له سمّ قاتل، وهو أشدّ أنواع العنكبيات شرّاً، وسيّدها في أفلام الرعب، فاستأنستْ به هووليود، وجعلته بطلها مثل إسرائيل في "الشرق الأوسط". ورأيت خبراً طريفاً، زفّته لنا الوكالات العالمية في نشرات الأخبار الكبرى، أنهم اكتشفوا نوعاً راقصاً في نيوزلندا اسمه العنكبوت الطاووس، يرقص رقصاتٍ بديعةً. تقول مجلّات علمية متخصّصة إنَّ العنكبوت تغزل خيوطاً وتبثّها مسافة فرسخ، ولا مشاحة في أنَّ الإنسان تعلّم صناعة المظلّات الجوّية من هذه الدويبة العجيبة، وأنّ إسرائيل الأوهى من بيت العنكبوت بارعةٌ في فنِّ الجاسوسية واصطناع العملاء والغزل، واستخدام الذكاء الصناعي، وهو أهمّ سلاح عسكري وعلمي معاصر، وإنَّ العنكبوت تصطاد ضحاياها من الحشرات الكبيرة، بل تصطاد الفئران وترفعها من غير "كرين"، وهي تزيد عن وزنها مئات المرّات.
ويذهب السوريون الذين ذاقوا الأمرّين من كتائب حزب الله، التي أنجدت أشقى حاكم عرفه السوريون في تاريخهم، إلى أنَّ سبب وهن الحزب وانكشاف قادته الذين قتلوا صرعى، هو غزوه سورية، ونجدته أطغى الحكّام العرب، وإنَّ ردَّ الحزب واهن ومتأخّر (وقد يكون معذوراً لكنّه مخالف لشعاراته)، وقد أشار إلى ذلك غير قليل من فقهاء التحليل السياسي، وإنَّ الحزب لم يعدّ العدّةَ اللازمة أيضاً، و"يلعب دفاع" ويريد الفوز بالنقاط في وجه عدوٍّ يضرب الضربات القاضية، وإنّه شاخ قبل الأوان، فوقع فريسةً في خيوط شبكة العنكبوت، وبيته الواهن "الذي لا يَحْتَمِلُ مَسَّ أدْنى الحَيَواناتِ وأضْعَفِ الرِّياحِ، لا يُكِنُّ مِن حَرٍّ، ولا يَصُونُ مِن بَرْدٍ، ولا يُحَصِّنُ عَنْ طالِبٍ".