وماذا كان يظنّ الإسرائيليون؟
في أول اختبارٍ حقيقيٍّ شعبيٍّ موسّع لاتفاقيات التطبيع الإسرائيلية مع حكومات عربية، فشلت تلك الاتفاقيات فشلا ذريعا! فمن اليوم الأول لبطولة كأس العالم لكرة القدم المقامة حاليا في قطر، بدأ العالم كله يتابع، إلى جانب المباريات، مشاهد لم يتوقعها كثيرون لجماهير عربية رافضة أي تواصل أو تماسّ مع الكيان الصهيوني، ممثلا بوسائل إعلامية أتت لتغطّي أجواء البطولة الرياضية، ففوجئت بواقع عربي حقيقي يرفض وجودها مطلقا.
في مشهد تلو الآخر تتغير الوجوه، لكن الفعل وردوده هي نفسها، فبمجرّد أن يعرف المشجّعون الآتون من كل البلاد العربية، وأحيانا غير العربية، أن من يقف وراء الكاميرا ومن يمسك بالميكرفون آتيان من البلاد التي يسمّونها اسرائيل يبادرون بالرفض التام والانسحاب من المكان فورا. بدأ الأمر عفويا في الأيام الأولى، قبل أن يتطوّر لاحقا لتتحوّل المشاهد كلها إلى أداة جديدة للتعريف بالقضية الفلسطينية عبر الهتاف باسم فلسطين، مع رفع علمها والتوكيد على عروبتها، وأنها هي الباقية وهم العابرون.
لم تكن مجرّد حالة فردية من واحد أو اثنين، ولم يقتصر الأمر على جنسية أو أخرى، بل حتى تلك الدول التي ظن الصهاينة أنها واقعةٌ لا محالة في فخّ التطبيع قريبا، اتضح أن مواطنيها هم الأشد في رفض التطبيع مع الصهاينة، وأن تواقيع حكوماتهم وأنظمتهم مجرّد حبر على ورق لا بد أنه سيهترئ قريبا لتتضح الحقيقية الناصعة، وهي أن الكيان الصهيوني مرفوضٌ من كل العرب، وأن لا سلام قبل عودة الحق إلى أهله، وأن ما يسمّونه سلاما ليس سوى كذبة لن يصدّقها في النهاية سواهم!
ورغم أن استخبارات الكيان الصهيوني وأجهزة الرصد ومراكز الأبحاث فيه لا تفوتها شاردة ولا واردة في سياق الصراع العربي الصهيوني، وردود فعل الجماهير العربية على ما يحدُث، إلا أن الإعلام الإسرائيلي تحديدا بدا مندهشا مما عايشه في قطر، ومفاجأ من الردود الصريحة التي ووجه بها، فقد كتبت صحيفة يديعوت أحرنوت الصهيونية، على غلافها قبل أيام، عنوانا رئيسا لما يحدُث، مطلقة على بطولة كأس العالم اسم "مونديال الكراهية"، باعتبار أن ما تواجهه الأطقم الإعلامية الإسرائيلية من رفض عربي موحد ليس سوى كراهية، متجاهلة بذلك أساس القضية العربية ومساراتها وتداعيات تلك المسارات في الوجدان العربي كله.
نقلت صحيفة يسرائيل هيوم بدورها تصريحات العاملين في تلك الأطقم الإسرائيلية من قطر: "إنهم لا يحبوننا.. لا يريدوننا، العرب يكرهوننا ويرفضون اللقاء معنا، رغم أننا ندعوهم للسلام، ورغم أننا في مناسبة رياضية.."! وهي تصريحات نقلتها أكثر من قناة إسرائيلية على الهواء مباشرة مع مذيعيها ومصوّريها في ملاعب كأس العالم وحولها، وسط تعبيراتٍ تدلّ على الاستغراب الشديد مما يحدث لهم!
وماذا كنتم تتوقعون إذن؟ بماذا أقنعتكم حكوماتكم والأنظمة العربية المطبّعة معها؟ هل أقنعوكم أننا نسينا فلسطين؟ وأنها لم تعد قضيتنا؟ وأن الدم قد أصبح ماء؟ وأنكم بعد أن حصلتم على الأرض ستحصلون على السلام؟ وأنها مجرّد مسألة وقت، لينتهي كل شيء بيننا وبينكم؟
واهمون إذن.. واهمون جدا. وها هو مونديال قطر يثبت لكم حجم الوهم الذي عشتم به طويلا، واعتقدتم عبر تصديقه أنكم ستعبرون عقبة العداء التاريخي بيننا وبينكم، بمجرّد توقيعكم على أوراقٍ سميتموها معاهدات سلام قبلت بها بعض الأنظمة ورفضتها كل الشعوب، وإن ادّعيتم عكس ذلك.
لن تموت القضية ولن يحلّ السلام، قبل أن تعود فلسطين حرّة عربية مستقلة عاصمتها القدس، وليس هذا بإذن الله، رغم ما تعتقدون، ببعيد.