وممّا يسعدني...
أشعر براحة وطمأنينة ورضا في مقابلات "البودكاست"، التي تُجرى معي، مقارنةً بمقابلات البرامج التلفزيونية، التي تُشعرني بالتوتّر والتحفّز، سواء تُبثّ مباشرة أم مُسجّلة. لا أعرف سبب ذلك، وإن أعتقد أنّ شعور الألفة والاسترسال والعفوية التي تمنحها مقابلات "البودكاست" للضيف يمكنها أن تمنحه ذلك الشعور الخفي بالراحة والطمأنينة والرضا.
قبل أيام، أجرى الإعلامي المخضرم إياد الشارخ معي مقابلة في "البودكاست" الخاصّ به، "مرافئ"، الذي يُبثّ عبر منصّة سراة الإعلامية في الكويت. ويبدو أنّني تحدّثت في تلك المقابلة كما لم أتحدّث من قبل. حتّى أنّ حصّتي التقليدية من خليط الراحة والرضا والطمأنينة كانت مضاعفة هذه المرّة. فهمت ذلك من ردّات الفعل من المتلقّين بعد بثّ المقابلة فوراً.
أحتفي، دائماً، بردّات الفعل على ما أكتب وأقول، شعراً ونثراً، وأنتبه لها، بل أبحث عنها وأستدرجها كلّما غابت تاركةً إياي في انتطار الفراغ وحده. أحاول أن أقرأها بموضوعيةٍ بعيداً عن مشاعري الخاصّة، وإنّ كانت سلبيةً أو قاسيةً، لكنّني عند ثلاث تغريدات كَتَبَتها إحدى الفتيات في "إكس" تعليقاً على المقابلة، توقّفتُ أكثر مما أفعلُ عادةً.
ورغم أنّني لا أستسيغ إعادة نشر أيّ مديح مباشر يوجّه إلي في وسائل التواصل الاجتماعي، إلّا أنّني أريد أن أعيد الآن نشر هذه التغريدات الثلاث، ليس لأنّها لامست جانباً مُهمّاً من جوانبي الشخصية وحسب، بل لأنّ ذلك الجانب يُعبّر عن أحد أسبابي الشخصية في الاستمرار في الكتابة بالحماسة نفسها التي بدأت بها الرحلة قبل ما يقرب من أربعة عقود.
كتبت الفتاة في تغريداتها نصّاً: "انتهيت للتوّ من سماع ومشاهدة المقابلة، ربِ يعطيكِ الصحة والعافية أستاذة/ سعدية، لو تعلمين مكانتك عند قارئات من بيئة مقاربة جداً في جذورها ومحافظتها، كن يتابعن بحرص وفخر وأمل بأن تجد ابنة تلك البيئة فرصتها في التعبير عن ذاتها وإثبات قدراتها وتحقيق أحلامها… كان لظهور الشاعرة/ سعدية مفرح المثقفة الرزينة الرصينة فرحة كبيرة كبيرة.. لمقالاتها قيمة ونصوصها كانت معبأة بالبصيرة، مضمون ينطلق من معاناة وكفاح إنساني صادق والتزام بمعايير مهنية عالية، مع أن الموجة وقتها كانت تقبل بأقل من ذلك.. ربما كان يكفيها قدر محدود من التلاعب بالألفاظ... أو كان يكفيها التألق على المنابر تحت لأضواء… ذلك كان سيفي بالغرض بعد أن أثبتت سعدية جدارتها وحجزت لاسمها مكاناً لامعاً… لكنها كانت تعي وتدرك ما تريده من هذا الطريق الشاق وكانت تصدق نفسها في الالتزام الثقافي الذي يحمل صاحبه من المشقة والعناء ما تنوء بها الكواهل".
هل تتحدّث هذه الفتاة اللطيفة، التي لا تضع اسمها صريحاً في حسابها على منصة إكس، بهذا الحب كلّه والأناقة والجمال عنّي أنا فعلاً؟ ... لن أنشغل بحثاً وراء إجابة مُؤكّدة ترضي غروراً، لا بدّ أنّه تسلّل إلى ذاتي من بين ركام الكلمات الجميلة، ولكنّني أؤكّد أنّ لمثلها أكتب.
لمثل هذه الفتاة، التي لا بدّ أنّها تشبهني، في الظروف العامة والبيئة الاجتماعية الخاصّة، رغم فارق العمر الكبير بيني وبينها. لمثلها أوجّه رسائلي الصغيرة والكبيرة، المباشرة وغير المباشرة، عندما أكتب عن ضرورة التحلّي بالصبر وتعزيز الثقة بالنفس وعدم اليأس عند فشل المحاولة تلو الأخرى، والانحناء قليلاً للرياح العاتية إن هاجمتنا من أقرب الأبواب والنوافذ.. وما أكثرها حولنا!
لمثلها أؤكّد أهمية الفوز بالحرب في النهاية، وإن خسرنا معركة أو أكثر في البداية.. ومن كلماتها أستمدّ المزيد من الزاد للسير مطمئنّة في وحشة الطريق، وهذا ممّا يُسعدني جدّاً.