يحدُث في الأحزاب الإسرائيلية
من المنتظر أن تجرى انتخابات الكنيست المبكرة في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بعد أن وافق الكنيست منذ أكثر من أسبوعين على قانون حله، والذهاب إلى هذه الانتخابات في ظل حالة الانسداد السياسي وفقدان حكومة لبيد/ بينت الأغلبية المطلقة التي تتيح لها تمرير القوانين وتسيير شؤون الدولة.
بغضّ النظر عما يمكن أن تسفر عنه الانتخابات، وبقاء الاحتمالية الأكبر في أنها لن تفرز تغييراً كبيراً يمكن أن يؤدي إلى الوصول إلى أغلبية مريحة تمكّن من تشكيل حكومة مستقرّة، فإن ما يدركه المتابع للشأن الإسرائيلي، خلال الأسبوعين الماضيين، والمرشّح أن يستمر حتى إجراء الانتخابات، أننا أمام صراعاتٍ حزبيةٍ كبيرة تظهر أن إسرائيل على موعد مع انتخابات كنيست ساخنة، تبدو ملامحها واضحةً فيما يحصل داخل الأحزاب، وما يجري من محاولات اتحاد بعضها أو تفتيت بعضها الآخر في صراع بين الأحزاب.
حين نشاهد وضع كل حزب منفرداً يتبين حجم المشكلات والتحدّيات التي تواجه الأحزاب والقوى الإسرائيلية؛ ففي حزب الليكود هناك صراع على طريقة اختيار المرشّحين قائمة الانتخابات؛ إذ يضغط نتنياهو لكي يكون اختيار ممثلي المناطق الذين سيشكلون قائمة الليكود من كل أعضاء الحزب الذين يقدّر عددهم بـ 120 ألفاً تقريباً كل حسب منطقته، بينما يضغط آخرون لكي يختار المرشحين "مركز الليكود"، وهو الهيئة المركزية للحزب التي يقدّر أعضاؤها بـ 3700 عضو فقط، ويتزعم هذا الاتجاه عضو الكنيست والوزير السابق يسرائيل كاتس، الذي يشغل حالياً منصب رئيس أمانة الحزب، ويقال إنه يخطّط لأن يكون رئيساً للحزب في مرحلة ما بعد نتنياهو، ويسانده عضو كنيست آخر؛ الوزير السابق حاييم كاتس، والذي يشغل حالياً منصب رئيس مركز الليكود، ورئيس مكتب الحزب ديفيد بيطان.
وقد أحيل هذا النزاع إلى المحكمة الداخلية لحزب الليكود التي قرّرت انتخاب ممثلي المناطق الذين سيشكلون قائمة الليكود عن طريق كل أعضاء الحزب، كل حسب منطقته، وليس أعضاء مركز الليكود وحدهم. ولم يلق قرار المحكمة قبول الفريق المنافس لنتنياهو، وطالبوا المحكمة بأن تعيد النظر في القرار على أساس أن لائحة الحزب تنصّ على أنه "يتم انتخاب ممثلي المناطق عن طريق أعضاء مركز الحزب"، واعتبروا أن قرار المحكمة صدر نتيجة حساباتٍ سياسية من أجل تحقيق رغبة رئيس الحزب نتنياهو.
وفي المقابل، يدفع مؤيّدو القرار إلى أن المحكمة أصدرت قرارها لأسباب موضوعية تتعلق بانتهاء مدة صلاحية مركز الحزب، وأنه لم يعد مخوّلاً له القيام بانتخاب قائمة مرشّحي الحزب، ومن ثم قرّرت المحكمة إعادة هذا الحق لكل أعضاء الحزب.
لدى حزب ميرتس مشكلاته الخاصة؛ إذ لا يتخطّى الحزب في الاستطلاعات الأخيرة عتبة الدخول إلى الكنيست
ومن الواضح أن قرار محكمة حزب الليكود قد أضرّ بالصفقة الأساسية التي كان يعمل عليها إسرائيل كاتس ومجموعته؛ ومحاولاتهم السيطرة على المناطق من خلال صفقة يتم على أساسها ترشيح أسماء تدين لهم بالولاء؛ بحيث يصبح لديهم سبعة أعضاء كنيست، وحينها يمكن أن يضغطوا بورقة التهديد بالانفصال عن الحزب إن لم يحصلوا على ما يريدون. ويرى أعضاء في "مركز الليكود" أن ما يفعله يسرائيل كاتس ومجموعته خطير إلى الدرجة التي قد تؤدي إلى تفكك الحزب من الداخل.
ورغم ما قرّرته المحكمة من إعادة النظر في القرار، إلا أنه من غير المتوقع أن تصدر المحكمة قراراً مختلفاً، لكن من المؤكّد أن ما يحدُث سوف يلقي بظلاله على تأخير الانتخابات التمهيدية للحزب التي يفترض أن تقرّر أسماء الذين سيجرى ترشيحهم على قائمة الليكود. وبقدر ما يبدو هذا النزاع الداخلي في حزب الليكود قوياً، إلا أنه لم يؤثر على حظوظه في استطلاعات الرأي التي تشير إلى توقع تصدره نتائج الانتخابات المقبلة، وحصوله على ما بين 34 إلى 36 مقعداً في الكنيست المقبل.
لدى حزب ميرتس أيضاً مشكلاته الخاصة؛ إذ لا يتخطّى الحزب في الاستطلاعات الأخيرة عتبة الدخول إلى الكنيست، والتي تتطلب حصوله على 3.25% من إجمالي الأصوات، أو ما يعادل أربعة مقاعد، ما يهدد الحزب بالخروج من الكنيست المقبل، إن لم يتدارك هذا التحدّي. وقبل أيام، أعلن رئيس الحزب، نيتسان هوروفيتس (وزير الصحة في الحكومة الحالية)، أنه لن يخوض انتخابات الحزب الداخلية من أجل رئاسة الحزب، وإنْ كان سيبقى على قائمة مرشّحي "ميرتس" للكنيست، ويطالب كثيرون من أعضاء حزب ميرتس اليساري رئيسة الحزب السابقة، زهفا جلاون، بالعودة إلى الحياة السياسية والمنافسة على رئاسة الحزب؛ خصوصاً وأن بعض استطلاعات الرأي تشير إلى أن ميرتس قد يفوز في حال عودة جلاون إلى رئاسته بستة مقاعد.
ويقدّر المحللون أنه في حال قرّرت جلاون العودة إلى الحياة السياسية، فذلك يجب أن يقلق حزب العمل الذي تتزعمه ميراف ميخائيلي؛ فوضع حزب العمل في استطلاعات الرأي أفضل بهامش ضئيل من حزب ميرتس؛ إذ يتوقع حصوله على أربعة مقاعد أو ستة فقط في الانتخابات المقبلة. ولعل مشكلة الحزبين الأساسية أن كليهما يتنافسان على الشريحة نفسها من الناخبين الإسرائيليين، بحكم أن الحزبين يساريان. وبالتالي، ما قد يكسبه حزب ميرتس بقيادة جلاون، إن قرّرت العودة، يرجّح أن يكون خصماً من رصيد حزب العمل بقيادة ميخائيلي.
التنافس الأكبر على الصدارة يدور بين حزبي الليكود ويوجد مستقبل الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي يئير لبيد
أما حزب "أمل جديد" بقيادة جدعون ساعر فهو أسوأ حالاً؛ إذ ترجح استطلاعات الرأي منذ فترة طويلة أنه لن يتخطى عتبة دخول الكنيست، ويبدو أن ذلك يدفعه إلى محاولة إيجاد أي حل يجنّبه هذا المصير. وفي هذا السياق، نشر الصحافي الإسرائيلي، يوفال كرني، مسودة اتفاق بين زعيم حزب أزرق أبيض، بني غانتس، وزعيم "أمل جديد"، جدعون ساعر، تتضمّن دخول الحزبين الانتخابات المقبلة بقائمة مشتركة من الحزبين يكون ترتيب العشرين اسماً الأولى فيها على النحو التالي: حزب غانتس يحصل على المواقع (1، 3، 4، 6، 8، 9، 11، 12، 14، 15، 17، 19) أما نصيب حزب ساعر فيكون: (2، 5، 7، 10، 13، 16، 18، 20) على أن تشكل لجنة لاحقاً لتوحيد موقف الحزبين ما بعد الانتخابات. وإذا كانت استطلاعات الرأي السابقة كانت ترجّح حصول حزب أزرق أبيض على سبعة مقاعد فقط، وعدم تجاوز ساعر عتبة دخول الكنيست، فإن الاتفاق الجديد يرجّح حصول الحزبين معاً على 12 أو 13 مقعداً سيعزّز بها غانتس موقف حزبه في الكنيست، بحصوله على ثمانية مقاعد على الأقل، ويتفادى ساعر سقوط حزبه وخروجه من الكنيست خالي الوفاض.
أما حزب يمينا فإنه يعاني كثيراً في ظل مواقفه التي أعطت لناخبيه شعوراً بالخذلان، ومخالفة الأساس الذي انتخبوه عليه، وقد تراجع تأييد الحزب الذي تقوده حالياً أييلت شاكيد بعد إعلان رئيس الحزب السابق نفتالي بينت اعتزال الحياة السياسية؛ إذ تكشف الاستطلاعات أن الحزب لن يحصل في الانتخابات المقبلة إلا على 2.2% من الأصوات، متراجعاً عن استطلاع سابق كان قد حصل فيه على 2.6%. وهذا يعني أن الحزب غير مرشّح حتى اللحظة لتخطي عتبة دخول الكنيست إلا إن حدثت تغيرات إيجابية خلال الأشهر الثلاثة المتبقية أو اختار الحزب التحالف مع حزب آخر، مثلما فعل جدعون ساعر.
موسم الانتخابات الإسرائيلية ملتهب جداً، والأيام المقبلة حبلى بالأحداث التي يمكن أن تؤثر في استطلاعات الرأي
ومن الواضح أن التنافس الأكبر على الصدارة يدور بين حزبي الليكود ويوجد مستقبل الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي يئير لبيد. ونظراً إلى ما تشير إليه استطلاعات الرأي من احتمال حصول الكتلة التي تؤيد تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الوزراء على 61 مقعداً (الليكود، الصهيونية الدينية، شاس، يهودية التوراة) ما يسمح لنتنياهو بتشكيل حكومة، فإن لبيد يحاول تفتيت أصوات "الحريديم"؛ ويشير الصحافي الإسرائيلي عميت سيغال إلى أن لبيد تواصل مع الإعلامي المعروف بميوله الحريدية مناحم طوكر، وحاول تشجيعه على تشكيل حزب حريدي يمكن أن يكون له دوره في إنهاء مقاطعة الحريديم للبيد وحزبه، ما قد يسمح مستقبلاً بوجود تعاون بين لبيد والحريديم.
ما سبق يظهر أن موسم الانتخابات الإسرائيلية ملتهب جداً، وأن الأيام المقبلة حبلى بالأحداث التي يمكن أن تؤثر في استطلاعات الرأي، لكن السؤال الذي يجب طرحه: هل يمكن أن تنهي الانتخابات المقبلة، وهي الخامسة خلال ثلاث سنوات، أزمة الديمقراطية التي تمر بها إسرائيل، والتي عكسها تقرير مؤشّر الديمقراطية الإسرائيلي الذي صدر نهاية العام الماضي 2021؟.. على الأرجح أن ما ستفرزه الانتخابات لن يتضمن جديداً يمكن أن يحقق ذلك الاستقرار السياسي الذي ينشده الإسرائيليون، وهم يدركون أنه أمر بعيد المنال.