أخلاق في الإعلام المصري
لم يتوقف استهجان وسائل الإعلام المصرية اعتراض مصريين في الولايات المتحدة المذيع، يوسف الحسيني، والهجوم عليه في أثناء وجوده لتغطية زيارة عبد الفتاح السيسي إلى الأمم المتحدة، ورأينا كيف تباكى هؤلاء على القيم والأخلاق الحميدة، التي انتهكها "الإخوان المسلمون" من وجهة نظرهم.
تأثر المذيع، عمرو أديب، بشدة لهذا الهجوم غير الأخلاقي، من وجهة نظره، لكنه رد عليه بأحسن منه، عندما سبّ "الإخوان"، ووصفهم بقلة الأدب وقلة التربية والانحطاط. ولأديب نفسه سوابق عديدة في التلفظ بألفاظ خادشة للحياء، ومنحطة، عندما وصف "الإخوان"، قبل عام، بأنهم "ولاد وسخة".
وبغض النظر عن أن وسائل الإعلام تجاهلت كيف تعامل المذيع "الخلوق" يوسف الحسيني مع منتقديه، وكيف بادلهم السباب، فما رأي "السادة المحترمين" في الإعلام المصري في تذكيرهم بِغَيْض من فيض أخلاقهم الكريمة؟
ما رأي سادتنا الأفاضل في وصلات الردح، التي يقوم بها يوسف الحسيني نفسه على الهواء، وسبابه وشتائمه، التي تملأ مواقع الإنترنت؟ بل إن البصق الذي قام به في نيويورك لم يكن الأول له، فقد فعله في أثناء حديثه عن الداعية السلفي، محمد حسين يعقوب.
ما رأي وسائل إعلامنا في وصلات الخوض في الأعراض، التي قدمها مذيعون ضد كل من يختلف معهم، بدءاً من الفتاة، التي عرّاها جنود عام 2011، عندما خرج توفيق عكاشة ليشرح ملابسها الداخلية بالتفصيل، إلى درجة أن السيسي نفسه انزعج من تدني مستوى الردح الإعلامي إلى هذا المستوى الرخيص والفج، وناشدهم التوقف عن هذا الأمر؟.
ما رأي المتباكين على الأخلاق والقيم بعشرات البرامج التلفزيونية، التي تحض على الكراهية ليل نهار، وتكرر وصف المعارضين للسلطة الحالية بأنهم "خرفان"؟ وهي كلمة تتضمن تحقيراً من شأن الموصوف، وتستوجب مساءلة قائلها قانوناً. ما رأي المسؤولين عن الأخلاق في تلاعب المذيعين المحترمين باسمي القرضاوي وأردوغان، وكأنهم بذلك يقدمون ردوداً ساحقة ماحقة على منتقدي السيسي؟ وقبل ذلك، وصفوا القرضاوي بأوصاف منحطة لا أستطيع كتابتها هنا.
إبراهيم عيسى، الكاتب الذي أصبح يتعبد في محراب عشق السيسي، هذه الأيام، كان قد وصف منتقديه من الشباب المنتمين إلى ثورة يناير/كانون الثاني بالمخنثين سياسياً و"فيزيقياً" حسب قوله، ولم نجد كل هذه الحمية من الإعلاميين. والمذيع محمد الغيطي كان قد تعرض لسخريةٍ كثيرة، عندما قال إن "الإخوان" هم سبب سقوط الأندلس ولكن، غطت هذه السخرية على ما قاله بعدها من لعن "الإخوان" جميعاً، وسبهم بآبائهم، بالحرف.
ومنذ حكم مرسي "الديكتاتور الفاشي الفاشل"، كما يحلو لأولئك الصحافيين والمذيعين أن يكتبوا ويقولوا، لم يخل مقال لمحمود الكردوسي من أوصاف مثل الكلاب، المرتزقة، فئران المراحيض، الجزم القديمة، في وصف "الإخوان" وثوار يناير، مع دعوات متكررة للفاشية، وسحق المعارضين.. إلخ.
وكان لهجوم باسم يوسف على السيسي والإعلاميين في أثناء مشاجرته مع المحامي خالد أبو بكر، نصيب من حالة الفضيلة المفاجئة، التي انتابت وسائل الإعلام، لكنهم بعدما أعلنوا الاستنفار للرد على "تطاول" باسم على السيسي، لم تختلف ردودهم في انحطاطها عن الألفاظ المنسوبة إلى باسم، لكن الفارق أن باسم قالها في حوار خاص، بينما خرج المذيعون بها إلى الجمهور عبر قنواتهم.
أبى المذيع أسامة منير إلا أن يشارك في حفلة الهجوم على باسم يوسف، بعد "البلاغ الإلكتروني" الذي تقدم به المحامي خالد أبو بكر، واتهم فيه باسم بسب السيسي، في محاولة للتقرب من السلطة وإعلان ولاءه الكامل لها. حاول منير أن يتقمص دور المدافع عن الأخلاق، لكنه فشل فشلاً ذريعاً، فبعد أن هاجم باسم على سبابه المزعوم، وأكد رفضه ما قام به من تطاول وتوجيه الإهانات، انفعل في صورة مفاجئة، ووجه له في الجمل التالية سيلاً من الشتائم الأخرى، والغريب أنه وصف نفسه، في النهاية، بفخر، بأنه "رجل محترم لن ينجر إلى بذاءات باسم".
أحمد موسي (لساني يعف عن وصفه بالصحافي أو الإعلامي أو المذيع) كان له نصيب، هو الآخر، في الهجوم على باسم، ويستطيع القارئ الدخول إلى مواقع الإنترنت لرؤية قائمة الشتائم التي وجهها، ولم تصبح غريبة عليه. بالإضافة إلى قائمة التخوين والاتهام بالعمالة والطابور الخامس المعتادة التي "يرصها" موسى في كلامه. والمضحك أن موسى، بعدما فرغ من وصلة الردح الخاصة به، استعاد هدوءه بصورة مفاجئة، قائلا: طبعا منقدرش نقول ألفاظه، ومش هنقولها، لإن عمرنا ما قلناها، وعندنا شوية أدب!
قبل هذا الهجوم بأيام، هاجم موسى الكاتبة الصحافية، آيات عرابي، وقال إنها تربت في ملهى! وأقسم بالله أن هذا اللفظ أقل ما يمكن قوله عليها، ووصفها أيضا بنعوت نستغرب أن المحطة التلفزيونية تجيز قولها على الشاشة. وبعد انتهاء حلقة برنامج "التوك شو" الصباحي، المعروفة باسم محاكمة القرن، تعالت ضحكات موسى، وهو يستمع إلى مرتضى منصور، وهو يكيل الشتائم للجميع، ويخوض في أعراضهم، كما يحلو له. وقبلها سمح لعزمي مجاهد بوصف ثوار يناير بأنهم شواذ.
هذه عينة من آلاف الأمثلة الموجودة، والمسجلة بالصوت والصورة، لمدرسة الأخلاق الحميدة في الإعلام المصري، ويمكن لمن يشاء الاطلاع على الكثير منها بالبحث في الإنترنت بكتابة اسم أي مذيع يختاره، وبجانبه كلمة "يسب"، لتظهر عشرات الفيديوهات!
يرى أحمد موسي وغيره أن الأخلاق ليست للجميع، وأنهم ليسوا ملزمين بها مع خصومهم، أو خصوم مالكي القنوات، التي يعملون فيها، ويخدمون توجهاتها، فقط عندما يطالهم بعض مما يتفوهون به ليل نهار، يصيحون متسائلين: أين الأخلاق! ساعتها يصبح الرد عليهم بطريقتهم واجباً: ابقي تعالي، وأنا أقولك فين.