الجولان في ظل تحولات المشهد السوري
إسرائيل والأهمية الاستراتيجية للهضبة
يعتبر أصحاب القرار في إسرائيل أن هضبة الجولان المحتلة تشكل موقعاً مهماً لإسرائيل، وكذلك هي الحال في الجانب العسكري، أيضاً، بسبب تكوين التضاريس والمرتفعات التي تطل على أجزاء مهمة من فلسطين المحتلة، فضلاً عن الأهمية المائية التي أشارت الأدبيات الصهيونية الصادرة عن المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية في أغسطس/آب من عام 1897 إليها بوضوح، حيث لا حياة للدولة اليهودية المنشودة من دون تحقيق ذلك، حسب قادة الحركة الصهيونية. وقد أكدت المؤتمرات الصهيونية على ذلك، ومع إنشاء الدولة العبرية في مايو/أيار من عام 1948 على الجزء الأكبر من مساحة فلسطين التاريخية، ومحاولة أصحاب القرار فيها جذب مزيد من يهود العالم إليها، بات التفكير الإسرائيلي ينصب على احتلال أجزاء من الأراضي العربية المحيطة بفلسطين، غنية بالمياه لدعم النشاط الاستيطاني في فلسطين، وتحقيق خطوات متقدمة من المشروع الصهيوني برمته، عبر التوسع مائياً باتجاه الشمال والشمال الشرقي من فلسطين المحتلة، وكانت هضبة الجولان وجنوب لبنان وروافد نهر الأردن في إطار الهاجس المائي الإسرائيلي على الدوام لأسباب ذكرت.
فرض جغرافيا سياسية
يلحظ متابع الشؤون الإسرائيلية أنه، على الرغم من مرور نحو 47 عاماً على احتلال هضبة الجولان السورية (1967-2014)، ودخول إسرائيل عملية مفاوضات منذ نهاية عام 1991، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، منذ ذلك الحين، تسعى إلى فرض وقائع استيطانية على الأرض، يصعب الانفكاك عنها، في حال تمت انطلاق مفاوضات مع سورية.
وتذكر إحصاءات إسرائيلية أن هناك 33 مستوطنة، تم بناؤها في الجولان فيها 18 ألف مستوطن إسرائيلي في منتصف العام الحالي 2014، وتنوي حكومة نتنياهو جذب مزيد من المهاجرين اليهود إلى الهضبة السورية المحتلة، بتوسيع المستوطنات الإسرائيلية القائمة هناك، وإقامة عدد آخر، بغرض مضاعفة عدد المستوطنين حتى عام 2020. وتشير معطيات إحصائية إسرائيلية إلى وجود نحو 20 ألف سوري في أرضهم خلال العام الحالي 2014، يتركزون في خمس قرى سورية في الهضبة المحتلة، مسعدة، بقعاتا، عين قنية، مجدل شمس، والغجر.
في الجانب الجغرافي، تشكل مساحة هضبة الجولان السورية 1% من إجمالي مساحة سورية، حيث تصل إلى 1860 كيلومتراً مربعاً، من أصل 185 ألف كيلومتر مربع، هي مساحة سورية، وقد احتل الجيش الإسرائيلي في الخامس من يونيو/حزيران 1967 نحو 67.2 % من مساحة الهضبة السورية، أي تمت السيطرة الإسرائيلية المباشرة على 1250 كيلومتراً مربعاً. وبسقوط القسم الأكبر من الجولان في القبضة الإسرائيلية، تحققت الأهداف التي ذكرتها الحركة الصهيونية، وتعود إلى القرن التاسع عشر، حيث تقدم زعماء الحركة إلى المجلس الأعلى لمؤتمر السلام في باريس في الثالث من فبراير/شباط 1919 بمذكرة يعتبرون فيها جبل الشيخ للدولة اليهودية مصدراً غنياً بالمياه. وجاء في مؤلف الكاتب الصهيوني هوارس مئير كالين "الصهيونية والسياسة العالمية" أنَّ فلسطين، بأكملها، بأيدي الدولة التي تبسط سيطرتها على نهري الليطاني واليرموك ومنابع نهر الأردن.
شاطئ بحيرة طبريا من طرف هضبة الجولان (12يونيو/2014/Getty) |
ديموغرافيا الجولان
طرد الجيش الإسرائيلي في 1967 أكثر من 90 ألفاً، بينهم تسعة آلاف فلسطيني، من الهضبة السوريةـ من أصل عدد سكانها آنذاك البالغ 130 ألف، ومن أصل 139 قرية و61 مزرعة ومدينتين، لم تبق سوى ست قرى يقطنها نحو 20 ألف عربي سوري في عام 2014، كما أسلفنا، وتدرجهم المجموعات الإحصائية الإسرائيلية السنوية في سياق مجموع الأقلية العربية في داخل الخط الأخضر. ولكي تمنع السلطات الإسرائيلية عودة المهجرين من السوريين إلى قراهم، قام الجيش الإسرائيلي، ويقوم، بين فترة وأخرى، بإعلان تلك المناطق مغلقة وعسكرية، ويطلق الجيش النار على كل من يحاول العودة إلى مكان سكناه، وقد شمل التحذير والقرارات، أيضاً، السكان الذين صمدوا في القرى الخمس.
ولتثبيت خطواتها الاستيطانية على الأرض، استصدرت إسرائيل قراراً بضم الجولان عام 1980، وعلى الرغم من رفضه من الأمم المتحدة، واعتباره لاغياً وباطلاً من أساسه، فإن المخططات الإسرائيلية استطاعت، بالزحف الاستيطاني المنظم، إقامة نحو ثلاثين مستوطنة في الهضبة المحتلَّة، ويسكن فيها نحو 18 ألف مستوطن، وتسعى حكومة شارون إلى بناء مزيد من المستوطنات في الهضبة المحتلة وجذب مزيد من المهاجرين اليهود إليها بإغراءات مالية، لفرض وقائع استيطانية على الأرض، يصعب الانفكاك عنها في حال التفاوض بشأنها، إلا أن أهل الجولان يؤكدون في المناسبات الوطنية كافة، وخصوصاً في يوم الاستقلال، في 17 إبريل/نيسان من كل عام، على أنَّ الجولان جزء من الوطن الأم سورية.
إسرائيل والجولان المائي
في الجانب الإجرائي، استطاعت إسرائيل، بسياساتها المائية، السيطرة على نحو 600 مليون متر مكعَّب سنوياً من مياه هضبة الجولان السورية، حيث تمثل نحو 30% من حاجات الدولة الصهيونية المائية السنوية، والمقدرة بنحو 2000 مليون متر مكعب. في مقابل ذلك التعنت الإسرائيلي، المرتكز على الأهمية المائية والاستراتيجية للجولان، نلحظ أنَّ الخطابات العربية، وخصوصاً بعد انطلاقة مؤتمر مدريد في 1991، تمحورت حول ضرورة عودة الأراضي السورية المحتلة إلى السيادة السورية الكاملة غير منقوصة، ورفض أي فكرة لانسحاب إسرائيلي جزئي من هضبة الجولان السوري، وثمة قرارات دولية أكدت على بطلان الإجراءات الإسرائيلية في الهضبة السورية، وفي مقدمتها قرار الضم الإسرائيلي الصادر في 1980.
تبقى الإشارة إلى أنه، وبعد انطلاقة الاحتجاجات في سورية، طلباً للحرية والعدالة في ربيع 2011، تقوم المؤسسات الإسرائيلية المختلفة بمراقبة تحولات المشهد السوري، وثمة هواجس إسرائيلية، وخصوصاً في مراكز البحث الإسرائيلية، من تحولات دراماتيكية قد تحصل في سورية، تجعل المطالبة بتحرير هضبة الجولان السورية المحتلة واستعادتها إلى الوطن السوري من أولويات العمل السياسي اليومي.