خصمان يتنازعان "شخصية العام" في العراق
أبو بكر إبراهيم البغدادي الذي يلقب نفسه "الحسيني القرشي"، لكي يكتسب نوعاً من الشرعية الدينية، وإن على هامش التاريخ، وقاسم سليماني الذي يصفه أنصاره وتابعوه بأنه "حفيد الكرار علي بن أبي طالب"، وإن لم يكن في حقيقة الأمر كذلك، لكي يضفوا القداسة على قراراته. خصمان لدودان، لا يمكن أن يلتقيا، يتمنى كل منهما، لو استطاع، أن يقضي على خصمه، من دون أن يرف له جفن. لكن، ما يجمع بينهما، هو أن خصومتهما نشأت على أرض العراق، ومن أجل السيطرة عليه، ولا يتمنى العراقيون، وهم على أبواب عام جديد سوى أن يكفيهم الله شرور أفعالهما!
الاثنان يمكن أن يكونا من رجال جون لوكاريه أو أرسين لوبين، ورأساهما مطلوبان من أكثر جهة في العالم، لكنهما يقيمان تحت سمع العالم وبصره في بلد واحد، هو العراق، ويتنازعان، مع نهاية عام 2014، على احتلال موقع "شخصية العام" فيه، فقد استأثر كلاهما باهتمام العراقيين، كما حظيا، أيضاً، باهتمام أوساط عربية وعالمية واسعة. ترعرع الأول في كنف الأميركيين، ولا يُعرف، بالضبط، ما إذا كانوا قد استخدموه أو استخدمهم، إلا أن الثابت أن الطرفين استفاد أحدهما من الآخر، فإعلان "الدولة الإسلامية" مكّن الأميركيين من العودة إلى العراق، بطلب من أهله، وضمنوا إقامة طويلة فيه، ربما تتحول إلى إقامة دائمة. والبغدادي مكّنه الأميركيون من أن يضع قدمه على أرض الموصل التي أرادها عاصمة لدولة الخلافة التي أينما أمطرت سماؤها فخراجها له ولأتباعه، وإذا كان البغدادي قد سعى إلى أن يكون ملكاً، فإن خصمه اللدود سليماني كان أكثر دهاءً ومكراً، إذ أصبح صانعاً للملوك، وهو وإن لم يجد، عندما كان في سن مبكرة، فرصة له عامل بناء، فإنه، بعد أربعة عقود، أصبح خبيراً في بناء الدول. هكذا وصفه دبلوماسي إيراني سابق على معرفة شخصية به، والذي زاد: "نجح سليماني في أن يضع كل أفراد الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، اليوم، في جيبه، بمن فيهم ممثلو السنة المشاركون في العملية السياسية"!
يميل ساسة عراقيون عديدون إلى الإقرار بهذه الحقيقة، وبينهم خصوم أشداء لإيران، ينقل عن شخصية سياسية فاعلة قولها: "من الصعب أن نقول لا لسليماني، لو قلنا لا فسيعم الخراب، ولن يستطيع الأميركيون إنقاذنا!". يؤكد آخر أن سليماني يحرك رجال العراق، كما يحرك البيادق على لوحة الشطرنج.
أدرك الأميركيون هذه الحقيقة، وبدأوا يتكيفون معها. المهم بالنسبة لهم الحفاظ على مصالحهم النفطية والاستراتيجبة، ولا بأس من مشاركة طرف إقليمي نافذ إذا لم يكن من ذلك بد!
منذ "السقوط"، كان لسليماني رأي في ترتيب الأوضاع في العراق، إذ شارك، من وراء ستار، في اختيار وزراء ومستشارين، كما أشرف على نقل وحدات من "فيلق القدس" إلى العراق، ونظم "مليشيات " تخضع له مباشرة، هو، أيضاً، صاحب فكرة "الحشد الشعبي"، ووراء الفتوى التي أطلقها السيستاني للجهاد، ولم يعد سراً أنه يدير، اليوم، العمليات العسكرية في مواجهة "داعش".
ويكشف عارفوه أنه، بخلاف ما يشاع عنه، "براغماتي" حد النخاع، ويحسب لكل خطوة حسابها، وخصوصاً في العلاقة مع الأميركيين، إذ هو من اقترح على عمار الحكيم زيارة واشنطن، عام 2004، وإطلاق الدعوة من هناك إلى "تحالف استراتيجي" بين النجف وواشنطن، بهدف كسب الوقت لسيطرة إيران الكاملة على العراق، وهذا ما فعله الحكيم، إلا أن الأميركيين لم يكونوا في وارد مناقشة أفكار كهذه.
صحافي إيراني معارض وصفه بأنه "أقرب إلى شخصيات أفلام الكارتون، يختفي فجأة، عندما يحدق به الخطر، ويظهر فجأة عندما تكون هناك حاجة إليه. وفي مواجهته الأزمات، يحوز على إعجاب خصومه قبل أعوانه"، ولإعطائه هالة أسطورية ينسب أعوانه تصريحاً مختلقاً للرئيس باراك أوباما، يتمنى فيه لو كان من بين رجاله الأمنيين من بقدرة سليماني ودهائه.
هو، أيضاً، كان وراء استدراج أبي بكر البغدادي إلى الموصل، لتخفيف الضغط على الحليف السوري، ولإيجاد المناخ المناسب لإحكام سيطرة إيران على العراق، ونشر مليشياتها في كل المناطق، والحجة مبررة: مقاتلة "داعش". حجة الإسلام جابر رجبي ممثل "عصائب أهل الحق" في إيران أشار إلى ذلك صراحة، أما البغدادي فقد اعتبر استدراجه ضربة حظ بالنسبة له، وأخذ يتصرف على هذا الأساس.
يرفض العراقيون الاثنين معاً، ويبحثون، منذ التاسع من أبريل/نيسان عام 2003، عن "مخلص"، بفتح الخاء وتشديد اللام، يعينهم على فتح الطريق السوي. لكن، يبدو أن عليهم الانتظار وقتاً أطول.