27 سبتمبر 2018
الجبهة الشعبية في تونس
ضد انتخاب المنصف المرزوقي، وضد الفساد والاستبداد، ومع التصويت بكثافة. هذا موقف الجبهة الشعبية في تونس، هل فهمنا منه شيئاً؟ كما يظهر بما هو عام، لم نفهم شيئاً. طبعاً، هذا إذا فهمنا أن الوقوف ضد الفساد والاستبداد يعني ممثل النظام القديم في الانتخابات، أي الباجي قايد السبسي. لكن، يشير بيان الجبهة، فيما يخصّ الانتخابات، إلى أن هناك رموزاً من نظام بن علي وحزبه في حركة نداء تونس. وبالتالي، نصل إلى أن المقصود هنا ليس السبسي، بل هؤلاء. ما يعني أن البيان يدعو، مداورةً، إلى انتخاب السبسي. مع الأسف، هذا هو "الجو" الذي حكم كثيرين من قيادات الجبهة الشعبية، منذ تمحور الانتخاب بين السبسي والمرزوقي. ولقد أخرج بهذه الطريقة "الملتوية"، لأن قواعد الجبهة، خصوصاً الشباب فيها، هو ضد انتخاب السبسي.
هذا موقف "متطور" عن موقف أغلبية أحزاب اليسار في تونس التي تركت حرية الانتخاب لأعضائها. بالضبط، لأنه يوحي بانتخاب السبسي. لكن، هل الصراع ضد "الإسلاميين" وصل إلى هذا الحدّ؟ أي أن نعيد النظام القديم؟
ربما هذه من مآسي اليسار، حيث جاهد حزب العمال للتحالف مع حركة النهضة، سنواتٍ قبل الثورة في جبهة 18 أكتوبر ضد بن علي، على أساس التوافق الديمقراطي. على الرغم من أن ذلك التحالف كان خاطئاً منذ البدء، لأنه لا يكفي، لا التوافق الديمقراطي ولا السعي إلى إسقاط بن علي، للتحالف مع هؤلاء، وهذا ما كان يتجاهله حزب العمال. فهؤلاء، مهما تحدثوا عن الديمقراطية، لن يعملوا إلا من أجل إقامة دولة الخلافة، كما ساد لدى "الإخوان" المصريين ولحقهم راشد الغنوشي. هذه بديهية في التعامل مع الإسلاميين. لكن وضوح هدف هؤلاء (على الرغم من الشكل الديمقراطي الذي اضطروا إليه بعد هزيمتهم في مصر) يبدو أنه دفع الجبهة إلى العودة إلى بلع التقارب مع النظام القديم. لكن، بعد التوهيم أن حزب نداء تونس هو ليس النظام القديم، على الرغم من أنه من صلب ذاك النظام، وإن اختفى كثيرون من رموز بن علي، حيث يتقدم الصفّ الثاني أو الثالث بديلاً عن هؤلاء. فقد سرت دعوات للمشاركة في الحكومة التي ستكون برئاسة شخصية من "نداء تونس". لكن "نداء تونس" آثر التقارب مع حركة النهضة، وكان ذلك واضحاً منذ ما قبل الانتخابات الاشتراعية.
ولقد ظهر ذلك واضحاً بعد الثورة الثانية في مصر وسقوط "الإخوان"، حيث سارعت الجبهة الشعبية إلى أسوأ سياسة، قادت إلى أن تصبح القوة الثالثة بفارق كبير، بعد أن كانت قوة المعارضة الأساسية، بعد أن قلّدت تجربة مصر، وشكّلت جبهة الإنقاذ مع "نداء تونس"، فصعد الحزب على أكتافها، وبات هو الحاكم. وبالتالي، باتت تقبل الجبهة لعب دور الداعم للحزب، من أجل إبعاد حركة النهضة، لولا أن واقع الطبقة المافياوية المسيطرة يفرض التحالف بين جناحيها في مواجهة الشعب الذي يتراكم الاحتقان لديه، وهي، كطبقة، تعرف أكثر من الجبهة أنه سيثور مرة جديدة، ولهذا لا بد من ضمان تماسكها.
في كل منظورات حزب العمال والجبهة الشعبية، التي اسمها شعبية، الغائب الأساسي هو الشعب. فهو الذي يُطحن جراء سياسة ليبرالية ما زالت مستمرة. ولهذا، كانت نسبة المشاركة في الانتخابات ضعيفة تماماً، وخصوصاً من الشباب الذي يشكّل الأغلبية، والأغلبية الفاعلة في الصراع. وحيث، هنا، يتراكم الاحتقان الذي سينفجر ثورة جديدة، وليس في صناديق الاقتراع.
مشكلة اليسار المزمنة، والتي أنهته، أنه لا يرى سوى التمظهرات السياسية (الأحزاب والتجمعات السياسية). ولهذا يؤسس استراتيجيته على المناورة بين هذه الأحزاب ومع الدولة. أما الشعب فهو لا شيء، على الرغم من ضخامة الثورات التي قام بها هو، ولم يستفد منها اليسار.