متى يصبح السيسي إلهاً؟
متى يعلن الإعلام في مصر عبد الفتاح السيسي إلهاً؟
المتابع لما يدور في المشهد الإعلامي المصري يجد أن هذا هو التطور الطبيعي لحالة التمجيد غير المسبوقة لأول رئيس بعد الانقلاب العسكري.
تقول الأسطورة إن التيارات الإسلامية استخدمت القنوات الدينية لترويج سياساتها، وتكفير من يرفضها، ولذلك، خرج الشعب المصري ضد "الإخوان" للخلاص منهم، ولمنع استخدام الدين في السياسة مرة أخرى.
لكن، منذ الانقلاب، لم يتوقف إعلاميو السلطة عن استخدام الدين في كل موقع يتيح لهم ذلك، وكان جديدها عنوان جريدة اليوم السابع قبل أيام، متضمناً الآية الكريمة "يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار"، في حديثها عن شهادات استثمار قناة السويس، والتي وصفتها بالملحمة.
وبغض النظر عن أن تلك ليست ملحمةً ولا يحزنون، لأن من اشتروا الشهادات سحبوا ودائعهم الموجودة أصلاً في البنوك، وحولوها شهادات، بسبب عائدها المرتفع، فإن الجريدة لم تجد حرجاً في وصف معارضي السيسي بالكفار، وتشبيه السيسي بالرسول محمد، صلى الله عليه وسلم.
ومثلما شبهت جريدة اليوم السابع السيسي بسيدنا محمّد، وصفته جريدة "الموجز" قبل ذلك بالمسيح المخلص، في مشهد يعبر، بالتأكيد، عن الوحدة الوطنية.
منذ عام 2010، وعلى مدار أربع سنوات، ترقّى السيسي من لواء في الجيش، إلى مدير المخابرات الحربية، ثم وزيراً للدفاع برتبة فريق أول، ثم تقلد رتبة المشير قبل ترشحه للرئاسة، وأصبح خلال تلك المرحلة قائد ثورة الثلاثين من يونيو، ومنقذ البلاد من الإخوان المسلمين.
لكن، يبدو أن هذه الأوصاف "التقليدية" لم تعجب آخرين، أرادوا تقديم إبداعاتهم الخاصة، فرأينا كيف بعث الله السيسي، ومحمد إبراهيم، رسولَين وفقاً للأستاذ في جامعة الأزهر، سعد الدين الهلالي، في محاضرةٍ أمامهما. ولم تبق سوى الخطوة الأخيرة: الإله.
كنت أتوقع إعلان السيسي إلهاً، منذ أن أعربت الإعلامية نائلة عمارة عن خشيتها من الوقوف بين يديه يوم القيامة. وكأنه من سيحاسبها. قلت، وقتها، ها قد حان أوان إعلان السيسي إلهاً بصورة رسمية، وتصبح خيالات كوريا الشمالية واقعاً. لكن، هذا لم يحدث، واستمر التعامل مع السيسي باعتباره نبياً ورسولاً فقط، وفقاً لما جاء به عنوان "اليوم السابع"، إلى حين.
استدعاء الدين بقوة في الخطاب الإعلامي ضد المعارضين بدأ، منذ اللحظة الأولى لانقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، ففي الخطاب الذي ألقاه السيسي في ذلك اليوم، كان لافتاً الحرص على وجود شيخ الأزهر والبابا تواضروس جالسَين بجواره، وعرضت الفضائيات الصورة، وركّزت عليها مراراً في أثناء إلقاء السيسي خطابه، للدلالة على الإجماع الذي يحظى به تحركه ضد محمد مرسي، ولا ننسى، بالطبع، لحية حزب النور التي كانت ضرورية للغاية، لإخراج المشهد كما ينبغي، وفقاً لاعتراف الصحافي إبراهيم عيسى نفسه، قبل أيام. وكان ذلك المشهد إيذاناً بعملية تصدير للدين في الحرب الدائرة ضد معارضي الانقلاب.
في مقابل هذا التمجيد للسيسي، ورفعه إلى مرتبة غير بشرية، لم يجد الإعلام حرجاً في وصف معارضيه بأوصاف عديدة، تخرجهم من الملة، وفقاً لتأكيد أماني الخياط، المذيعة المستبعدة من قناة "أون تي في" في إحدى تجلياتها. ليسوا، إذن، كفاراً فقط، وفقاً لجريدة اليوم السابع، وإنما هم أيضاً: المبشرون بجهنم، وكلاب أهل النار، وغيرها من أوصاف امتلأت بها صفحات الجرائد وساعات بث القنوات التلفزيونية على لسان شيوخ وعلماء أزهريين وسلفيين، تطوعوا، أو تم تطويعهم في المعركة.
من بين هؤلاء: مظهر شاهين الذي كان أحد وجوه تم تصديرها في أثناء ثورة يناير، وتحول بعدها إلى نجم تلفزيوني، يقدم برامج في الفضائيات، وأطلق "فتوى" تؤكد أن الشراء من محال مملوكة للإخوان "حرام شرعاً".
أما أحمد كريمة، وهو أحد أساتذة الأزهر، فقد أفتى بأن صيام المعتصمين في ميداني رابعة العدوية والنهضة باطل شرعاً، فيما قال عبد الله النجار، أستاذ الشريعة والقانون في جامعة الأزهر، إن القتلى الذين وقعوا في أثناء فض اعتصامي الميدانين ليسوا شهداء، "ومن يقول فيهم ذاك جاهل".
هذا عن الأزهر، أما على مستوى التيار السلفي، فلم يجد الإعلام أفضل من "الدعوة السلفية"، وذراعها السياسي "حزب النور" الذي شارك في الانقلاب ودعمه، وتسابقت الصحف والقنوات إلى نشر تصريحات مسؤولي الدعوة السلفية التي تؤكد أن الانقلاب على مرسي يتوافق مع الشريعة الإسلامية، وأن الخروج في مظاهرات ضد الانقلاب حرام شرعاً. وهي تصريحات تنشر دورياً، قبل أي مظاهرات ينظمها معارضو الانقلاب.
ولم يقتصر استخدام الدين على استخدام الشيوخ والعلماء فقط، وإنما امتد ذلك أيضاً إلى الصحافيين والإعلاميين، فوجدنا أحدهم يكتب مقالاً بعنوان "العشرة المبشرون بجهنم"، وآخر يكتب مقالاً يحرّف فيه آيةً قرآنية ليصبح "وسيق الذين تأخونوا إلى جهنم زمرا"، وثالث يكتب مقالاً يؤكد فيه أن طاعة السيسي تتوافق مع الشريعة الإسلامية.
علماء وشيوخ الأزهر (الراعي الرسمي للتدين المصري الوسطي الجميل المستنير.. إلخ) ينتفضون من أجل برنامج لتعليم الرقص، أما إسقاط أوصاف الإيمان والكفر على السياسة، فلا يبدو أنها تتضمن جدول أعمالهم المنشغل بمصلحة الوطن والمواطن.