21 فبراير 2018
داعش من أين وإلى أين؟
منذ الحرب العالمية الثانية، لم تعرف أوروبا إعلان حالة طوارئ مثل ما تعيشه اليوم. بلجيكا لا تنام بحثاً عن خلايا لداعش تهدد الأمن. فرنسا تداوي جراحها، وتمدد حالة الاستثناء، خوفاً من خطط جديدة لنشر الرعب. المحلات التجارية في ألمانيا تشكو من الكساد، لأن الزبائن لا يخرجون من منازلهم إلا للضرورة. لا يفعل رئيس الحكومة البريطانية، ديفيد كاميرون، شيئاً سوى قراءة التقارير الأمنية، والتنسيق مع جيرانه لمكافحة الاٍرهاب.
تعولم الاقتصاد، والثقافة تعولمت، والإعلام تعولم، ومخاطر البيئة تعولمت، فلماذا تبقى أيديولوجية العنف محلية؟ هذا مستحيل. داعش اليوم تقول لأوروبا إنه لا يمكنها أن تبقى بعيدة عن مشكلات الشرق الأوسط وأزماته، ولا يمكن لطائراتها أن تقصف ثمانية ملايين عراقي وسوري يعيشون رهائن لدى البغدادي، من دون أن تدفع الثمن. وإذا كانت الجيوش الأوروبية غير مستعدة أن تخسر جنودها في حرب على الأرض، فداعش مستعدة لقتل المدنيين في شوارع باريس وبروكسل وبرلين ولندن.
العالم محتار في الجواب على سؤال يؤرقه، في أي رحم كبر هذا الوحش؟ وإلى أين تمضي خطته الإرهابية؟
يمكن للمرء أن يجد ثلاثة آباء شرعيين لداعش. الأول الفوضى الدولية في العالم، فالقانون غائب عن الساحة السياسية والاقتصادية والعسكرية والبيئية والطاقية، فلماذا لا تمتد الفوضى إلى السوق الأيديولوجية راكبة ظهر العولمة الذي حملها إلى كل بيت وهاتف وكمبيوتر محمول. أصبحت الأمم المتحدة منبراً للخطابة كل سنة، والدول الكبرى التي تملك حق الفيتو في مجلس الأمن وقوة السلاح والاقتصاد لا تؤمن بشيء اسمه القانون الدولي، ولا السلم العالمي. انظروا كيف كانت تُرى داعش، أشهراً قبل مجزرة باريس: إسرائيل تنظر بإعجاب إلى داعش، وتراها هدية تضعف نظام الأسد، وتورط حزب الله في المستنقع السوري. تركيا لا تراها الخطر الأول، بل الأكراد الذين إن انتصروا على داعش فسيشكلون دولة جديدة على حدودها. أكراد العراق لا يعتبرون داعش المشكلة الأولى، فهاجسهم الرئيس الخوف من عودة الدولة المركزية إلى بغداد، ما يؤجل استقلالهم. لا يرى نظام الأسد داعش كلها سوءاً، بل ورقة لتخويف العالم من مغامرة إطاحته. لم تكن أميركا ترى في داعش خطراً، لأنها لا تنظر برضى إلى تمدد النفوذ الإيراني في العراق وسورية، أما السعودية، فلا تنام بسبب الكابوس الإيراني، أما داعش فإنها تعرفها وتعرف فكرها، وترى أن توظيف التطرف ليس لعبة خطيرة.
الأب الثاني لداعش الاستبداد العربي الذي يخلق بيئة خالية من الحرية والتنمية والتعددية، وكلها مقومات ضرورية لإذابة جليد التطرف والكراهية والعنف الذي يولد من رحم الدول والمجتمعات السلطوية التي تمنع الأفراد من تحقيق ذواتهم، والتعبير عن أفكارهم، والوصول إلى جزء من الثروة والسلطة والوجاهة، وهي عناصر ثلاثة تشكل وقود الحياة اليوم.
الأب الثالث لداعش وأخواتها هو غياب الإصلاح الديني. منذ أكثر من قرن، ودعوة الإصلاح الديني على طاولة العالم الإسلامي. منذ جمال الدين الأفغاني لم يجد أتباع الدين الإسلامي مشروعاً تجديديا يخلص قيم الدين الإسلامي العالمي من ثقافة الجهل والتخلف والعنف الذي يحاصرهم منذ نزولهم عن عرش الحضارة المعاصرة قبل قرون، وتحولهم من منتجين لقيم التقدم إلى مستهلكين. لم نعثر بعد، نحن المسلمين، على وصفة لتكييف أنماط التدين مع قيم العصر الحديث، ولم نهتدِ إلى مصالحة تاريخية بين التراث الإسلامي وبين مشروع الديمقراطية المعاصرة. أصبح الفهم الضيق للنصوص والتأويل العنيف للدين والاستعمال المسيس للقرآن والتوظيف السيئ للسنة النبوية تقاليد مستحكمة في بنية الجماعات الأصولية المتطرفة، ولأن المناخ السياسي والاقتصادي في العالم العربي معبأ بالاستبداد والفقر والحرمان والجهل، فإن داعش، وقبلها القاعدة، وقبلهما "التكفير والهجرة"، وجدوا البارود الكافي لبنادقهم، ووجدوا الذخيرة الحية لمدافعهم.
تعولم الاقتصاد، والثقافة تعولمت، والإعلام تعولم، ومخاطر البيئة تعولمت، فلماذا تبقى أيديولوجية العنف محلية؟ هذا مستحيل. داعش اليوم تقول لأوروبا إنه لا يمكنها أن تبقى بعيدة عن مشكلات الشرق الأوسط وأزماته، ولا يمكن لطائراتها أن تقصف ثمانية ملايين عراقي وسوري يعيشون رهائن لدى البغدادي، من دون أن تدفع الثمن. وإذا كانت الجيوش الأوروبية غير مستعدة أن تخسر جنودها في حرب على الأرض، فداعش مستعدة لقتل المدنيين في شوارع باريس وبروكسل وبرلين ولندن.
العالم محتار في الجواب على سؤال يؤرقه، في أي رحم كبر هذا الوحش؟ وإلى أين تمضي خطته الإرهابية؟
يمكن للمرء أن يجد ثلاثة آباء شرعيين لداعش. الأول الفوضى الدولية في العالم، فالقانون غائب عن الساحة السياسية والاقتصادية والعسكرية والبيئية والطاقية، فلماذا لا تمتد الفوضى إلى السوق الأيديولوجية راكبة ظهر العولمة الذي حملها إلى كل بيت وهاتف وكمبيوتر محمول. أصبحت الأمم المتحدة منبراً للخطابة كل سنة، والدول الكبرى التي تملك حق الفيتو في مجلس الأمن وقوة السلاح والاقتصاد لا تؤمن بشيء اسمه القانون الدولي، ولا السلم العالمي. انظروا كيف كانت تُرى داعش، أشهراً قبل مجزرة باريس: إسرائيل تنظر بإعجاب إلى داعش، وتراها هدية تضعف نظام الأسد، وتورط حزب الله في المستنقع السوري. تركيا لا تراها الخطر الأول، بل الأكراد الذين إن انتصروا على داعش فسيشكلون دولة جديدة على حدودها. أكراد العراق لا يعتبرون داعش المشكلة الأولى، فهاجسهم الرئيس الخوف من عودة الدولة المركزية إلى بغداد، ما يؤجل استقلالهم. لا يرى نظام الأسد داعش كلها سوءاً، بل ورقة لتخويف العالم من مغامرة إطاحته. لم تكن أميركا ترى في داعش خطراً، لأنها لا تنظر برضى إلى تمدد النفوذ الإيراني في العراق وسورية، أما السعودية، فلا تنام بسبب الكابوس الإيراني، أما داعش فإنها تعرفها وتعرف فكرها، وترى أن توظيف التطرف ليس لعبة خطيرة.
الأب الثاني لداعش الاستبداد العربي الذي يخلق بيئة خالية من الحرية والتنمية والتعددية، وكلها مقومات ضرورية لإذابة جليد التطرف والكراهية والعنف الذي يولد من رحم الدول والمجتمعات السلطوية التي تمنع الأفراد من تحقيق ذواتهم، والتعبير عن أفكارهم، والوصول إلى جزء من الثروة والسلطة والوجاهة، وهي عناصر ثلاثة تشكل وقود الحياة اليوم.
الأب الثالث لداعش وأخواتها هو غياب الإصلاح الديني. منذ أكثر من قرن، ودعوة الإصلاح الديني على طاولة العالم الإسلامي. منذ جمال الدين الأفغاني لم يجد أتباع الدين الإسلامي مشروعاً تجديديا يخلص قيم الدين الإسلامي العالمي من ثقافة الجهل والتخلف والعنف الذي يحاصرهم منذ نزولهم عن عرش الحضارة المعاصرة قبل قرون، وتحولهم من منتجين لقيم التقدم إلى مستهلكين. لم نعثر بعد، نحن المسلمين، على وصفة لتكييف أنماط التدين مع قيم العصر الحديث، ولم نهتدِ إلى مصالحة تاريخية بين التراث الإسلامي وبين مشروع الديمقراطية المعاصرة. أصبح الفهم الضيق للنصوص والتأويل العنيف للدين والاستعمال المسيس للقرآن والتوظيف السيئ للسنة النبوية تقاليد مستحكمة في بنية الجماعات الأصولية المتطرفة، ولأن المناخ السياسي والاقتصادي في العالم العربي معبأ بالاستبداد والفقر والحرمان والجهل، فإن داعش، وقبلها القاعدة، وقبلهما "التكفير والهجرة"، وجدوا البارود الكافي لبنادقهم، ووجدوا الذخيرة الحية لمدافعهم.