21 فبراير 2018
عن الربيع المغربي
يتذكّر المغاربة في 20 فبراير يوماً مشهوداً في بلادهم، حيث خرجت 54 تظاهرة ومسيرة في المملكة، شعارها "لا للفساد لا للاستبداد". وحّد الربيع العربي مئات آلاف الشباب، وجمعهم نداء الحرية، على الرغم من اختلافاتهم السياسية والأيديولوجية والاجتماعية. ولكن، هل حقق حراك 20 فبراير أهدافه؟ يميل رأي سائد بين الشباب المغربي إلى الاعتراف بالفشل، فالمغرب لم ينجز دستوراً ديمقراطياً على يد لجنة تأسيسية منتخبة، وصولاً إلى ملكية برلمانية، يسود فيها الجالس على العرش ولا يحكم. ولم تُفتح الزنازين للذين نهبوا المال العام، ولم تختفِ أحزاب السلطة من المشهد، ولم تعرف المملكة إصلاحات اقتصادية واجتماعية عميقة. وإجمالاً، لم ينزع المغرب رداء الاستبداد، ولم يلبس جبة الديمقراطية. ضاعت فرصة للتحرر، ولن تتكرر قريباً، فحركة الشعوب أبطأ من حركة سلحفاة بحرية على الشواطئ الرملية.
أختلف مع هذا الرأي، وأوضح أن "20 فبراير" حركة اجتماعية ولدت من رحم الربيع العربي، ولم تكن حزباً ثورياً. خرج شبابها إلى ساحات التظاهر عفوياً، من دون نضال ثوري، وبرنامج لإطاحة النظام. كانت التظاهرات، طوال سنة، تطالب بالحرية والكرامة والشغل ومحاربة الفساد. والاحتجاجات الاجتماعية والانتفاضات السياسية تدخل في التوجهات الإصلاحية، لا في الحركات الثورية. والحركات الإصلاحية مبنية على منطق التراكم، لا القطيعة. وبالتالي، مفعول هذه الحركات ممتد عبر الزمن، في السياسة والثقافة والذاكرة والعقل الجماعي.
ومما حققه الحراك المغربي، في فترة وجيزة جداً، دستور جديد لأول مرة يضعه مغاربة، وليس خبراء فرنسيون، ومع الملاحظات عليه، الدستور وثيقة تعكس موازين القوة في لحظتها، وكانت هذه في 2011 شبه متعادلة بين الدولة، وفيها القصر ومحيطه، والأحزاب ونخبها، ورأس المال ومصالحه، والإدارة، من جهة، والشباب والحركات اليسارية وجماعة العدل والإحسان وجمعيات من المجتمع المدني، من جهة أخرى. بقيت الكتلة الحرجة، أي الطبقات الوسطى، في الوسط، متحمسة للتغيير، لكن، في ظل الاستقرار، تساند الإصلاحات، وفي كنف القصر. وهذا ما أعطى دستوراً متقدماً اقتسم فيه الملك جزءاً من سلطاته مع رئيس الحكومة، وانتخابات هي الأكثر شفافية، وحكومة هي الأكثر تمثيلية مقارنة بحكومات التكنوقراط المطعمة بوجوه سياسية لا تمثل شيئاً.
الربيع المغربي، كما قال رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، نار "سخنت الطاجين المغربي، ولم تحرقه"، ليس لأنه جاء ضعيفاً أو متهاوناً، ولكن، لأن الأوضاع في المغرب مختلفة عنها في تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن، حيث الرؤساء هناك فقدوا المشروعية، فيما الملكية في المغرب مازالت تتوفر على المشروعية، لأنها تتعامل، بمرونة وبراغماتية، مع التحولات في الداخل والخارج، وتجدد نفسها، وتتكئ على مخزون ديني لم تفرّط فيه، في بلاد ومجتمع عُرفا تاريخياً بمحافظتهما.
لم يقتل الحراك المغربي حزب الأصالة والمعاصرة مثلاً (صنعته الدولة سنة 2008)، لكنه غيّر من وظيفته، وقزّم من طموحه تسلّم مفاتيح الحكم في 2012، والقضاء على خصومه، وبناء النموذج التونسي في المغرب، حيث الأولوية للنمو الاقتصادي على حساب الحرية والديمقراطية والتعددية. الآن، صار أقصى طموح هذا الحزب أن يوقف زحف الإسلاميين الموجودين في الحكومة الحالية، ويبطئ حركتهم، وربما المشاركة في الحكم معهم سنة 2016، وشتان بين المخطط الأول والواقع الآن.
هناك مكتسبات عديدة خرجت من رحم 20 فبراير، أولها كسر حاجز الخوف من السلطة في نفوس الناس. وقد أدخل الربيع المغربي إلى السياسة عشرات آلاف الشباب الذين كانوا بعيدين عن الاهتمام بالشأن العام. ينشطون، الآن، في المسيرات الاحتجاجية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الصحافة والجامعة والمعاهد، وفي ساحة الفن والمسرح والسينما والتشكيل. بُعثت روح جديدة فيهم، وغداً ينضمّون إلى أحزاب قائمة، أو يؤسسون أحزاباً جديدة، ويواصلون ما بدأوه في 20 فبراير بأشكال وألوان أخرى.
أختلف مع هذا الرأي، وأوضح أن "20 فبراير" حركة اجتماعية ولدت من رحم الربيع العربي، ولم تكن حزباً ثورياً. خرج شبابها إلى ساحات التظاهر عفوياً، من دون نضال ثوري، وبرنامج لإطاحة النظام. كانت التظاهرات، طوال سنة، تطالب بالحرية والكرامة والشغل ومحاربة الفساد. والاحتجاجات الاجتماعية والانتفاضات السياسية تدخل في التوجهات الإصلاحية، لا في الحركات الثورية. والحركات الإصلاحية مبنية على منطق التراكم، لا القطيعة. وبالتالي، مفعول هذه الحركات ممتد عبر الزمن، في السياسة والثقافة والذاكرة والعقل الجماعي.
ومما حققه الحراك المغربي، في فترة وجيزة جداً، دستور جديد لأول مرة يضعه مغاربة، وليس خبراء فرنسيون، ومع الملاحظات عليه، الدستور وثيقة تعكس موازين القوة في لحظتها، وكانت هذه في 2011 شبه متعادلة بين الدولة، وفيها القصر ومحيطه، والأحزاب ونخبها، ورأس المال ومصالحه، والإدارة، من جهة، والشباب والحركات اليسارية وجماعة العدل والإحسان وجمعيات من المجتمع المدني، من جهة أخرى. بقيت الكتلة الحرجة، أي الطبقات الوسطى، في الوسط، متحمسة للتغيير، لكن، في ظل الاستقرار، تساند الإصلاحات، وفي كنف القصر. وهذا ما أعطى دستوراً متقدماً اقتسم فيه الملك جزءاً من سلطاته مع رئيس الحكومة، وانتخابات هي الأكثر شفافية، وحكومة هي الأكثر تمثيلية مقارنة بحكومات التكنوقراط المطعمة بوجوه سياسية لا تمثل شيئاً.
الربيع المغربي، كما قال رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، نار "سخنت الطاجين المغربي، ولم تحرقه"، ليس لأنه جاء ضعيفاً أو متهاوناً، ولكن، لأن الأوضاع في المغرب مختلفة عنها في تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن، حيث الرؤساء هناك فقدوا المشروعية، فيما الملكية في المغرب مازالت تتوفر على المشروعية، لأنها تتعامل، بمرونة وبراغماتية، مع التحولات في الداخل والخارج، وتجدد نفسها، وتتكئ على مخزون ديني لم تفرّط فيه، في بلاد ومجتمع عُرفا تاريخياً بمحافظتهما.
لم يقتل الحراك المغربي حزب الأصالة والمعاصرة مثلاً (صنعته الدولة سنة 2008)، لكنه غيّر من وظيفته، وقزّم من طموحه تسلّم مفاتيح الحكم في 2012، والقضاء على خصومه، وبناء النموذج التونسي في المغرب، حيث الأولوية للنمو الاقتصادي على حساب الحرية والديمقراطية والتعددية. الآن، صار أقصى طموح هذا الحزب أن يوقف زحف الإسلاميين الموجودين في الحكومة الحالية، ويبطئ حركتهم، وربما المشاركة في الحكم معهم سنة 2016، وشتان بين المخطط الأول والواقع الآن.
هناك مكتسبات عديدة خرجت من رحم 20 فبراير، أولها كسر حاجز الخوف من السلطة في نفوس الناس. وقد أدخل الربيع المغربي إلى السياسة عشرات آلاف الشباب الذين كانوا بعيدين عن الاهتمام بالشأن العام. ينشطون، الآن، في المسيرات الاحتجاجية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الصحافة والجامعة والمعاهد، وفي ساحة الفن والمسرح والسينما والتشكيل. بُعثت روح جديدة فيهم، وغداً ينضمّون إلى أحزاب قائمة، أو يؤسسون أحزاباً جديدة، ويواصلون ما بدأوه في 20 فبراير بأشكال وألوان أخرى.