01 نوفمبر 2024
الثابت في علاقة السلطة بإسرائيل
على الرغم من فوز حزب الليكود المفاجئ في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، وتوقع تشكيل بنيامين نتنياهو حكومة يمينية جديدة، وعلى الرغم من حالة الموت السريري التي تعيشها عملية التسوية الفلسطينية-الإسرائيلية، فإن ثَمَّةَ ثابتاً واحداً لا يخالجه شك، ولن يمسه تغيير في سياق العلاقة التي تربط السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بالاحتلال الإسرائيلي، هو "التنسيق الأمني".
مناسبة هذه المقدمة مرتبط بأربعة مستجدات راهنة على الساحة الفلسطينية. أولا، قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير مطلع الشهر الجاري، والمتعلق بـ"وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي، في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين"، و"تحميل سلطة الاحتلال (إسرائيل) مسؤولياتها كافة تجاه الشعب الفلسطيني في دولة فلسطين المحتلة، كسلطة احتلال وفقاً للقانون الدولي". ثانياً، الاعتقالات الواسعة التي شنتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية، أياماً بعد قرار "المركزي" هذا، في صفوف حركة حماس، وشملت محررين سابقين من سجون الاحتلال، ضمن ما تعرف بسياسة "الباب الدوار"، والذي بمقتضاه تتناوب إسرائيل والسلطة على اعتقال المطلوبين لديهما. ثالثاً، ما كشفت عنه وزارة الداخلية التابعة لحماس في قطاع غزة، الأسبوع الماضي، ووصفتها بـ"وثائق" و"معلومات" و"اعترافات" من عناصر أمنية فلسطينية سابقة في القطاع "تؤكد" تورط الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في رام الله، في إثارة الفوضى، وإحداث حالة من الفلتان الأمني في غزة، إلى جانب جمع معلومات عن المقاومة الفلسطينية وأنشطتها خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، عامي 2012 و2014، وتقديمها لإسرائيل. رابعاً، إعلان نتنياهو، قبل أيام من الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، تراجعه عن حل الدولتين، وتأكيده أنه لن يكون هناك انسحابات جديدة من الضفة الغربية.
وكانت حكومة نتنياهو قد أوقفت، مطلع العام الجاري، تحويل أموال ضرائب فلسطينية إلى السلطة، بسبب مسعى الأخيرة إلى الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، ردّاً على تعنت إسرائيل في ملف المفاوضات، واستمرارها في سياسة الاستيطان التي تقضي على أي أمل لقيام دولة فلسطينية مستقلة ومتواصلة جغرافيّاً في الضفة الغربية.
تؤكد هذه التطورات الأربعة أن "التنسيق الأمني" فلسطينيّاً مع إسرائيل لا يمكن المَسُّ به، مهما اتخذ من "قرارات"، ومهما كانت العقبات التي تعترض عملية التسوية بين الطرفين، وبغض
النظر عن مستوى التعنت الإسرائيلي والإهانات التي توجهها دولة الاحتلال للسلطة الفلسطينية ورموزها. فالبعد الأمني في العلاقة هو الجوهر الأساس لِكُنْهِ السلطة الفلسطينية، وضرورة وجودها إسرائيليّاً.
فمنذ إعلان المبادئ المؤسس لنشأة هذه السلطة، والمعروف بـ"اتفاق أوسلو" عام 1993، كان واضحاً أن هذه السلطة ما استدعيت إسرائيليّاً إلا لترفع كلفة الاحتلال المباشر، وتحديداً إنسانيّاً واقتصاديّاً وأمنيّاً، عن الدولة العبرية، وإلقاءها على عاتقي "وكيل" من أهل البيت، أو ما يطلق عليه "الاحتلال الديلوكس". وفعلاً، تلاحقت الاتفاقات التنفيذية، بعد إعلان المبادئ، لتنظم طبيعة العلاقة الأمنية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وأهم اتفاقيتين في هذا السياق واشنطن عام 1995، وواي ريفير عام 1998، ونصتا، صراحةً، على دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية في "محاربة الإرهاب والتصدي لأعمال العنف"، الفلسطينية بالطبع. ولم تخيب أجهزة الأمن الفلسطينية الكثيرة التي شُكلت مع قيام السلطة عام 1994 رجاء إسرائيل، فقد عملت، منذ اليوم الأول، على ملاحقة فصائل المقاومة الفلسطينية وضربها وإضعافها.
وبقيت مهمة الأجهزة الأمنية الفلسطينية هي ذاك إلى حين اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر/أيلول عام 2000، بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية في صيف العام نفسه ما بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، برعاية الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون. حينها أدرك عرفات أن إسرائيل ليس في واردها تحقيق "سلام الشجعان" الذي طالما تغنى به، وبأنه لا فرق إن كان رئيس الحكومة الإسرائيلية القابع في القدس من الليكود "المتشدد" أم العمل "الحمائمي".
مع انطلاقة انتفاضة الأقصى، حاول عرفات أن يغير قليلاً في "عقيدة" الأمن الفلسطيني، وفعلاً، انخرط كوادر في الأجهزة الأمنية في المقاومة، وتحديداً عبر "كتائب شهداء الأقصى"، الجناح العسكري لحركة فتح، حينئذ، غير أن "عقيدة" وولاء البنية الصلبة لهذه الأجهزة وقادتها بقي دوماً وفيّاً "للتنسيق" مع إسرائيل. فوجودهم ومصالحهم ومعاشهم مرتبط بالدور الوظيفي الذي استجلبوا من أجله. وهكذا، ما أن تمَّ التخلص من عرفات، أواخر عام 2004، حتى "عادت حليمة إلى عادتها القديمة"، خصوصاً في ظل رئيس جديد، هو محمود عباس (أبو مازن)، والذي لم يتردد، يوماً، في أن يكرر معزوفة أن "التنسيق الأمني" مع إسرائيل من ثوابته التي لن يتراجع عنها، ولن يخجل من إعلانها. وفي هذا السياق، يندرج تصريحه المتوتر عام 2012 عندما تحدث عن الدعوات المتتالية حينها لوقف "التنسيق الأمني"، قائلاً: "عندما يكون لدينا أمن؛ فإن هذا لمصلحتنا؛ والتنسيق الأمني ليس لطرف واحد؛ ولكن، أيضاً للأرض الفلسطينية؛ ونحن حريصون على التنسيق الأمني، لأننا نريد أمن المواطن الفلسطيني؛ وبالتالي، ما يقال بهذا الشأن هو في رأيي مزايدات رخيصة". ولكن، أي مصلحة للطرف الفلسطيني في "التنسيق الأمني" عناه أبو مازن؟
ربما يكون من الحري بنا، هنا، أن نذكّر بحقيقة مفهوم "التنسيق الأمني" الذي أشرف على صياغته الجنرال الأميركي، كيث دايتون، بدءاً من عام 2005، وبتوجيه من إدارة الرئيس السابق، جورج بوش. ففي محاضرة لدايتون عام 2009 في مركز دراسات صهيوني في واشنطن، هو "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، تحدث دايتون عما وصفه "الفلسطيني الجديد"، ويقصد به رجل الأمن الفلسطيني. وبحسبه، يخضع رجال الأمن الفلسطينيون لعملية فحص لخلفياتهم الأمنية والفكرية والسياسية من ثلاثة أجهزة أمنية، أميركية وإسرائيلية وأردنية. وهدف الأجهزة الأمنية الفلسطينية الأساس، حسب دايتون، يتمثل باستهداف حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وأي تيارات أخرى تسعى إلى مقاومة إسرائيل. وفي عبارة لا تخلو من سخرية، قال دايتون، إن القادة الأمنيين الإسرائيليين ذهلوا من مستوى أداء الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى درجة أنهم سألوه "كم تستطيع أن تنتج من هؤلاء الفلسطينيين الجدد، وبأي سرعة؟".
هؤلاء "الفلسطينيون الجدد" هم من كتب عنهم الصحافي الإسرائيلي في "يديعوت أحرنوت"، ناحوم برنياع، في يناير/كانون ثاني من عام 2009، عندما وصف لقاء سريّاً جمع قادة من الأجهزة الأمنية الفلسطينية بنظرائهم الإسرائيليين. نقل برنياع عن مسؤول أمني فلسطيني كبير قوله: "أصبح لنا عدو مشترك هو حماس؛ نحن نتحرَّك الآن ضِدَّها، على الرغم من أننا في شهر رمضان؛ لقد قرَّرنا شن الحرب عليها؛ لأن من يريد قتلك؛ عليك أن تُبادِر بقتلهِ"!
إذن، هذا هو دور السلطة الفلسطينية، الوظيفي للأسف، والذي عبر عنه كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، في أحد وثائق قناة الجزيرة المسربة أواخر عام 2010، بقوله: "استثمرنا وقتاً وجهداً؛ وحتى قتلنا أبناء شعبنا لأجل حفظ النظام وحكم القانون. رئيس الوزراء (سلام فياض) يقوم بكل ما هو ممكن من أجل بناء المؤسَّسات. لسنا دولة بعد؛ لكننا الوحيدون في العالم العربي الذين يراقبون الزكاة، والخُطب في المساجد. نحن نجتهد للقيام بما علينا".
باختصار، سواء نتنياهو على رأس قمة الهرم السياسي الإسرائيلي أم غيره، وسواء تقدمت مسيرة التسوية أم بقيت تراوح مكانها، فإن أمراً واحداً لن يتغير في سياق علاقة السلطة الفلسطينية بإسرائيل، وهو "التنسيق الأمني"، أو إن شئت فقل: "العمالة الأمنية". فبدون هذا "التنسيق"، فإن السلطة تفقد مبرر وجودها. ويبقى السؤال الأصعب قائماً: إلى متى يبقى مصير قضية عادلة كفلسطين رهينة في أيدي منتفعين ويائسين من عطاء شعبهم؟
مناسبة هذه المقدمة مرتبط بأربعة مستجدات راهنة على الساحة الفلسطينية. أولا، قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير مطلع الشهر الجاري، والمتعلق بـ"وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي، في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين"، و"تحميل سلطة الاحتلال (إسرائيل) مسؤولياتها كافة تجاه الشعب الفلسطيني في دولة فلسطين المحتلة، كسلطة احتلال وفقاً للقانون الدولي". ثانياً، الاعتقالات الواسعة التي شنتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية، أياماً بعد قرار "المركزي" هذا، في صفوف حركة حماس، وشملت محررين سابقين من سجون الاحتلال، ضمن ما تعرف بسياسة "الباب الدوار"، والذي بمقتضاه تتناوب إسرائيل والسلطة على اعتقال المطلوبين لديهما. ثالثاً، ما كشفت عنه وزارة الداخلية التابعة لحماس في قطاع غزة، الأسبوع الماضي، ووصفتها بـ"وثائق" و"معلومات" و"اعترافات" من عناصر أمنية فلسطينية سابقة في القطاع "تؤكد" تورط الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في رام الله، في إثارة الفوضى، وإحداث حالة من الفلتان الأمني في غزة، إلى جانب جمع معلومات عن المقاومة الفلسطينية وأنشطتها خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، عامي 2012 و2014، وتقديمها لإسرائيل. رابعاً، إعلان نتنياهو، قبل أيام من الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، تراجعه عن حل الدولتين، وتأكيده أنه لن يكون هناك انسحابات جديدة من الضفة الغربية.
وكانت حكومة نتنياهو قد أوقفت، مطلع العام الجاري، تحويل أموال ضرائب فلسطينية إلى السلطة، بسبب مسعى الأخيرة إلى الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، ردّاً على تعنت إسرائيل في ملف المفاوضات، واستمرارها في سياسة الاستيطان التي تقضي على أي أمل لقيام دولة فلسطينية مستقلة ومتواصلة جغرافيّاً في الضفة الغربية.
تؤكد هذه التطورات الأربعة أن "التنسيق الأمني" فلسطينيّاً مع إسرائيل لا يمكن المَسُّ به، مهما اتخذ من "قرارات"، ومهما كانت العقبات التي تعترض عملية التسوية بين الطرفين، وبغض
فمنذ إعلان المبادئ المؤسس لنشأة هذه السلطة، والمعروف بـ"اتفاق أوسلو" عام 1993، كان واضحاً أن هذه السلطة ما استدعيت إسرائيليّاً إلا لترفع كلفة الاحتلال المباشر، وتحديداً إنسانيّاً واقتصاديّاً وأمنيّاً، عن الدولة العبرية، وإلقاءها على عاتقي "وكيل" من أهل البيت، أو ما يطلق عليه "الاحتلال الديلوكس". وفعلاً، تلاحقت الاتفاقات التنفيذية، بعد إعلان المبادئ، لتنظم طبيعة العلاقة الأمنية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وأهم اتفاقيتين في هذا السياق واشنطن عام 1995، وواي ريفير عام 1998، ونصتا، صراحةً، على دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية في "محاربة الإرهاب والتصدي لأعمال العنف"، الفلسطينية بالطبع. ولم تخيب أجهزة الأمن الفلسطينية الكثيرة التي شُكلت مع قيام السلطة عام 1994 رجاء إسرائيل، فقد عملت، منذ اليوم الأول، على ملاحقة فصائل المقاومة الفلسطينية وضربها وإضعافها.
وبقيت مهمة الأجهزة الأمنية الفلسطينية هي ذاك إلى حين اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر/أيلول عام 2000، بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية في صيف العام نفسه ما بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، برعاية الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون. حينها أدرك عرفات أن إسرائيل ليس في واردها تحقيق "سلام الشجعان" الذي طالما تغنى به، وبأنه لا فرق إن كان رئيس الحكومة الإسرائيلية القابع في القدس من الليكود "المتشدد" أم العمل "الحمائمي".
مع انطلاقة انتفاضة الأقصى، حاول عرفات أن يغير قليلاً في "عقيدة" الأمن الفلسطيني، وفعلاً، انخرط كوادر في الأجهزة الأمنية في المقاومة، وتحديداً عبر "كتائب شهداء الأقصى"، الجناح العسكري لحركة فتح، حينئذ، غير أن "عقيدة" وولاء البنية الصلبة لهذه الأجهزة وقادتها بقي دوماً وفيّاً "للتنسيق" مع إسرائيل. فوجودهم ومصالحهم ومعاشهم مرتبط بالدور الوظيفي الذي استجلبوا من أجله. وهكذا، ما أن تمَّ التخلص من عرفات، أواخر عام 2004، حتى "عادت حليمة إلى عادتها القديمة"، خصوصاً في ظل رئيس جديد، هو محمود عباس (أبو مازن)، والذي لم يتردد، يوماً، في أن يكرر معزوفة أن "التنسيق الأمني" مع إسرائيل من ثوابته التي لن يتراجع عنها، ولن يخجل من إعلانها. وفي هذا السياق، يندرج تصريحه المتوتر عام 2012 عندما تحدث عن الدعوات المتتالية حينها لوقف "التنسيق الأمني"، قائلاً: "عندما يكون لدينا أمن؛ فإن هذا لمصلحتنا؛ والتنسيق الأمني ليس لطرف واحد؛ ولكن، أيضاً للأرض الفلسطينية؛ ونحن حريصون على التنسيق الأمني، لأننا نريد أمن المواطن الفلسطيني؛ وبالتالي، ما يقال بهذا الشأن هو في رأيي مزايدات رخيصة". ولكن، أي مصلحة للطرف الفلسطيني في "التنسيق الأمني" عناه أبو مازن؟
ربما يكون من الحري بنا، هنا، أن نذكّر بحقيقة مفهوم "التنسيق الأمني" الذي أشرف على صياغته الجنرال الأميركي، كيث دايتون، بدءاً من عام 2005، وبتوجيه من إدارة الرئيس السابق، جورج بوش. ففي محاضرة لدايتون عام 2009 في مركز دراسات صهيوني في واشنطن، هو "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، تحدث دايتون عما وصفه "الفلسطيني الجديد"، ويقصد به رجل الأمن الفلسطيني. وبحسبه، يخضع رجال الأمن الفلسطينيون لعملية فحص لخلفياتهم الأمنية والفكرية والسياسية من ثلاثة أجهزة أمنية، أميركية وإسرائيلية وأردنية. وهدف الأجهزة الأمنية الفلسطينية الأساس، حسب دايتون، يتمثل باستهداف حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وأي تيارات أخرى تسعى إلى مقاومة إسرائيل. وفي عبارة لا تخلو من سخرية، قال دايتون، إن القادة الأمنيين الإسرائيليين ذهلوا من مستوى أداء الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى درجة أنهم سألوه "كم تستطيع أن تنتج من هؤلاء الفلسطينيين الجدد، وبأي سرعة؟".
هؤلاء "الفلسطينيون الجدد" هم من كتب عنهم الصحافي الإسرائيلي في "يديعوت أحرنوت"، ناحوم برنياع، في يناير/كانون ثاني من عام 2009، عندما وصف لقاء سريّاً جمع قادة من الأجهزة الأمنية الفلسطينية بنظرائهم الإسرائيليين. نقل برنياع عن مسؤول أمني فلسطيني كبير قوله: "أصبح لنا عدو مشترك هو حماس؛ نحن نتحرَّك الآن ضِدَّها، على الرغم من أننا في شهر رمضان؛ لقد قرَّرنا شن الحرب عليها؛ لأن من يريد قتلك؛ عليك أن تُبادِر بقتلهِ"!
إذن، هذا هو دور السلطة الفلسطينية، الوظيفي للأسف، والذي عبر عنه كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، في أحد وثائق قناة الجزيرة المسربة أواخر عام 2010، بقوله: "استثمرنا وقتاً وجهداً؛ وحتى قتلنا أبناء شعبنا لأجل حفظ النظام وحكم القانون. رئيس الوزراء (سلام فياض) يقوم بكل ما هو ممكن من أجل بناء المؤسَّسات. لسنا دولة بعد؛ لكننا الوحيدون في العالم العربي الذين يراقبون الزكاة، والخُطب في المساجد. نحن نجتهد للقيام بما علينا".
باختصار، سواء نتنياهو على رأس قمة الهرم السياسي الإسرائيلي أم غيره، وسواء تقدمت مسيرة التسوية أم بقيت تراوح مكانها، فإن أمراً واحداً لن يتغير في سياق علاقة السلطة الفلسطينية بإسرائيل، وهو "التنسيق الأمني"، أو إن شئت فقل: "العمالة الأمنية". فبدون هذا "التنسيق"، فإن السلطة تفقد مبرر وجودها. ويبقى السؤال الأصعب قائماً: إلى متى يبقى مصير قضية عادلة كفلسطين رهينة في أيدي منتفعين ويائسين من عطاء شعبهم؟