24 سبتمبر 2020
اليمن بين الحلم والحزم
الحلم هو حلم الإمامة الزيدية في عباءتها الحوثية، وثوب الولي الفقيه الذي ارتداه الزعيم الجديد، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي. لم يأتِ من فراغ، إنه يعود إلى نحو قرن، وبالتحديد في العام 1918، عندما كان شمال اليمن تحت الحكم العثماني، وجنوبه محمية بريطانية. انهارت دولة الخلافة العثمانية نتيجة الحرب العالمية الأولى، وكانت فرصة للزعيم الزيدي القوي الإمام يحيى حميد الدين، فأعلن استقلال اليمن الشمالي، وتأسيس المملكة المتوكلية اليمنية، وأقام حكماً ثيوقراطياً مغلقاً، همش فيه الطائفة الشافعية التي كانت تمثل 60 – 70% من اليمنيين، وكذا الطائفة الإسماعيلية التي لم تكن تتجاوز 6%، واعتبر اليهود اليمنيين أهل ذمة. أغلق الإمام يحيى أبواب اليمن، وحكم بالسلطة الدينية، وباللعب على التناقضات القبلية، وتمكّن، وخليفته الإمام أحمد، من الحفاظ على المملكة المتوكلية 44 عاماً (1918-1962)، على الرغم من تعرضها لأكثر من محاولة انقلاب ومحاولة اغتيال للإمام، حتى كانت المحاولة الناجحة، وقتل الإمام أحمد في 19 سبتمبر/أيلول 1962، وتولى بعده ابنه الإمام سيف الإسلام محمد البدر الذي لم يستمر سوى أسبوع في سدة الإمامة، حيث انقلب عليه قائد حرسه الإمامي، العقيد عبد الله السلال، بمشاركة زملاء له، وبالتنسيق مع مجموعة من المدنيين، أبرزهم عبد الرحمن البيضاني، وسقطت المملكة المتوكلية اليمنية، وهرب آخر الأئمة إلى المملكة العربية السعودية. وقام في شمال اليمن نظام جمهوري برئاسة السلال الذي ترفع إلى رتبة المشير. لم تمر الأمور بسلام. وقفت مصر، بقيادة جمال عبد الناصر، مع الثورة اليمنية، لتثبيت أركانها، ووقفت السعودية مع الإمام البدر والقبائل المؤيدة له، سعياً إلى إعادته إلى سدة الإمامة (الزيدية)، ودار صراع مرير على جبال اليمن ووديانه وسهوله، استمر ما يزيد على خمس سنوات، أريقت فيه دماء الآلاف، وأهدرت ثروات ومقدرات هائلة. ومن دون الدخول في تفاصيل عديدة، قد لا يكون هذا وقتها، أفاق الجميع على كارثة كبرى لحقت بالعرب، هي هزيمة يونيو/حزيران 1967، على يد العدو الإسرائيلي.
عاد الجيش المصري من اليمن، لينخرط في عملية إعادة بناء القوات المسلحة، استعداداً لحرب كانت حتمية لتحرير الأرض، وانشغلت الأمة ليس باليمن، بل بالعمل على إزالة آثار العدوان الصهيوني. لم تعد الإمامة إلى اليمن، وبدلاً من ذلك، وقع فيه أول انقلاب عسكري على من قام بالانقلاب على الإمام، وتم عزل المشير السلال في نوفمبر/تشرين الثاني 1967، واتجه إلى القاهرة ليتخذها ملجأً له. وفي العام نفسه، أنهت بريطانيا احتلال عدن والجنوب اليمني، وقامت جمهورية اليمن الديمقراطية، اشتراكية التوجه، وانشغلت الأمة العربية عن اليمن، شماله وجنوبه، بهمومها وصراعاتها الخارجية والداخلية.
المهم أن شطري اليمن توحدا في العام 1990، تحت اسم الجمهورية العربية اليمنية، وتحت رئاسة العقيد علي عبد الله صالح الذي كان قد استولى على السلطة في اليمن الشمالي في عام 1978، عقب فترة من القلاقل، اغتيل فيها رئيسان للبلاد على التوالي، إبراهيم الحمدي وأحمد الغشمي، وتنحى الثالث عبد الكريم العرشي. وكان المقدم على عبد الله صالح قد نجح في إقناع مشايخ قبائل حاشد وبكيل، عبد الله الأحمر وسنان أبو لحوم، بقدرته على تولي الرئاسة، وفرض السيطرة على أجهزة الدولة. وقد كان، نجح صالح في الحفاظ على السلطة 32 عاماً، مستخدماً كل وسائل الخداع والمراوغة واستغلال التناقضات القبلية داخلياً، والإقليمية، والدولية خارجياً، إضافة الى صنوف القهر والقمع في مواجهة المعارضة، حتى جاءت رياح الربيع العربي في 2011، لتهز أركان نظام صالح. ووقعت التصدعات السياسية والاجتماعية العنيفة التي أيقظت، من جديد، كل الموروثات التاريخية الكامنة، قبلية وطائفية، وفي ظل ظروف إقليمية ودولية جديدة على المشهد اليمني.
وكان من أهم تلك الموروثات حلم الإمامة الزيدية الذي تصدى لتحقيقه الحوثيون، منطلقين من معقلهم في صعدة، بغطاء سياسي، هو جماعة أنصار الله، مدعومين بحليف خارجي هو الأقرب إليهم مذهبياً، هو إيران. وفي ظل فشل سياسي داخلي في إدارة المرحلة الانتقالية، ما بعد صالح، ونكوص الأخير عما التزم به تجاه المبادرة الخليجية. وعلى الرغم من صراعه التقليدي مع الحوثي وقتاله لهم، تلاقت مصالح الحوثي مع صالح. وفي ظل اضطراب كبير يسود المنطقة، خصوصاً مع الصعود المزعج لتنظيم داعش، وإعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام، ونمو الحركات المتطرفة وانتشار أذرعها، تصورت إيران أن هذا كله يمثل الفرصة الذهبية لصعود حليفها في اليمن إلى السلطة، لإقامة دولة الولي الفقيه متمثلة في السيد عبد الملك بن بدر الدين، ليكون آية الله الحوثي في اليمن، ولاؤه الروحي لآية الله العظمى في قم، وانتشر الحوثي وتغلغل في جبال اليمن وربوعه، شمالاً وشرقاً وغرباً. وانهارت السلطة الانتقالية، على الرغم من مشروعيتها، واضطر رئيسها إلى الذهاب إلى عدن يحتمى بها، فاتجه الحوثي جنوباً في اتجاه عدن. ولم يتمالك الحليف الإيراني نفسه من الفرحة، فخرج مستشار للرئيس الإيراني يفتخر بأن نفوذ بلاده بلغ باب المندب والبحر الأحمر بعد بغداد وبيروت ودمشق.
وهكذا بدا الحلم، وكأنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من التحقق، دولة زيدية بزعامة حوثية وتبعية إيرانية فارسية، على مضيق باب المندب ومدخل البحر الأحمر. ذلك كان هو الحلم الذي ما كان في وسع المملكة العربية السعودية أن تقبله، ولم يكن في وسع دول مجلس التعاون تقبله، ولم يكن في طاقة دول المنطقة أن ترضى به، وتفهمت الولايات المتحدة الأميركية ذلك جيداً، وما كان لها أن تقف أمام أي تحرك جاد وعملي للتصدي للمشروع الإيراني على مداخل البحر الأحمر، وفي خاصرة المملكة، ومشارف دول الخليج. فكان الحزم، متمثلا في عملية عسكرية منسقة، تقودها الرياض، بتحالف وثيق مع أربع دول خليجية، وتحالف داعم من خمس دول عربية وإسلامية، أُطلق عليها اسم عاصفة الحزم.
قد يكون الوقت متأخراً بعض الشيء، وهو ما قد يزيد التكلفة. ولكن، للأسف هذا هو المبدأ الذي يتمسك به العرب، أن تأتي متأخراً، خير من أن لا تأتي أبداً.
ومضى على عاصفة الحزم أسبوع، ضربات جوية نوعية، تستهدف البنية العسكرية الأساسية للحوثي وحليفه صالح، نجحت في إيقاف تقدم وانتشار قواتهم واستيلائها على عدن جنوباً. وتتجنب الضربات الجوية إصابة المدنيين قدر الإمكان، وهو أمر شديد الصعوبة.
إلى أي مدى سيصل حلم الإمامة الزيدية الحوثية، برعاية إيرانية؟ وهل انهيار الحلم يدفع أطرافه إلى محاولة تدمير اليمن؟
وهل ستنجح عاصفة الحزم فى حسم الموقف لصالح الشعب اليمنى وأمنه واستقراره، بالقضاء على الدور المدمر الذى يلعبه علي عبد الله صالح بتدمير قواته، وبدفع الحوثي إلى طاولة تفاوض حقيقية، لا يتجاوز فيها حجمه الحقيقي؟
في النهاية، هل سيبقى الصراع مفتوحاً، أم سيعود اليمن سعيدا؟ الشعب اليمني من يملك الإجابة.
(باحث وخبير عسكري مصري)
عاد الجيش المصري من اليمن، لينخرط في عملية إعادة بناء القوات المسلحة، استعداداً لحرب كانت حتمية لتحرير الأرض، وانشغلت الأمة ليس باليمن، بل بالعمل على إزالة آثار العدوان الصهيوني. لم تعد الإمامة إلى اليمن، وبدلاً من ذلك، وقع فيه أول انقلاب عسكري على من قام بالانقلاب على الإمام، وتم عزل المشير السلال في نوفمبر/تشرين الثاني 1967، واتجه إلى القاهرة ليتخذها ملجأً له. وفي العام نفسه، أنهت بريطانيا احتلال عدن والجنوب اليمني، وقامت جمهورية اليمن الديمقراطية، اشتراكية التوجه، وانشغلت الأمة العربية عن اليمن، شماله وجنوبه، بهمومها وصراعاتها الخارجية والداخلية.
المهم أن شطري اليمن توحدا في العام 1990، تحت اسم الجمهورية العربية اليمنية، وتحت رئاسة العقيد علي عبد الله صالح الذي كان قد استولى على السلطة في اليمن الشمالي في عام 1978، عقب فترة من القلاقل، اغتيل فيها رئيسان للبلاد على التوالي، إبراهيم الحمدي وأحمد الغشمي، وتنحى الثالث عبد الكريم العرشي. وكان المقدم على عبد الله صالح قد نجح في إقناع مشايخ قبائل حاشد وبكيل، عبد الله الأحمر وسنان أبو لحوم، بقدرته على تولي الرئاسة، وفرض السيطرة على أجهزة الدولة. وقد كان، نجح صالح في الحفاظ على السلطة 32 عاماً، مستخدماً كل وسائل الخداع والمراوغة واستغلال التناقضات القبلية داخلياً، والإقليمية، والدولية خارجياً، إضافة الى صنوف القهر والقمع في مواجهة المعارضة، حتى جاءت رياح الربيع العربي في 2011، لتهز أركان نظام صالح. ووقعت التصدعات السياسية والاجتماعية العنيفة التي أيقظت، من جديد، كل الموروثات التاريخية الكامنة، قبلية وطائفية، وفي ظل ظروف إقليمية ودولية جديدة على المشهد اليمني.
وكان من أهم تلك الموروثات حلم الإمامة الزيدية الذي تصدى لتحقيقه الحوثيون، منطلقين من معقلهم في صعدة، بغطاء سياسي، هو جماعة أنصار الله، مدعومين بحليف خارجي هو الأقرب إليهم مذهبياً، هو إيران. وفي ظل فشل سياسي داخلي في إدارة المرحلة الانتقالية، ما بعد صالح، ونكوص الأخير عما التزم به تجاه المبادرة الخليجية. وعلى الرغم من صراعه التقليدي مع الحوثي وقتاله لهم، تلاقت مصالح الحوثي مع صالح. وفي ظل اضطراب كبير يسود المنطقة، خصوصاً مع الصعود المزعج لتنظيم داعش، وإعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام، ونمو الحركات المتطرفة وانتشار أذرعها، تصورت إيران أن هذا كله يمثل الفرصة الذهبية لصعود حليفها في اليمن إلى السلطة، لإقامة دولة الولي الفقيه متمثلة في السيد عبد الملك بن بدر الدين، ليكون آية الله الحوثي في اليمن، ولاؤه الروحي لآية الله العظمى في قم، وانتشر الحوثي وتغلغل في جبال اليمن وربوعه، شمالاً وشرقاً وغرباً. وانهارت السلطة الانتقالية، على الرغم من مشروعيتها، واضطر رئيسها إلى الذهاب إلى عدن يحتمى بها، فاتجه الحوثي جنوباً في اتجاه عدن. ولم يتمالك الحليف الإيراني نفسه من الفرحة، فخرج مستشار للرئيس الإيراني يفتخر بأن نفوذ بلاده بلغ باب المندب والبحر الأحمر بعد بغداد وبيروت ودمشق.
وهكذا بدا الحلم، وكأنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من التحقق، دولة زيدية بزعامة حوثية وتبعية إيرانية فارسية، على مضيق باب المندب ومدخل البحر الأحمر. ذلك كان هو الحلم الذي ما كان في وسع المملكة العربية السعودية أن تقبله، ولم يكن في وسع دول مجلس التعاون تقبله، ولم يكن في طاقة دول المنطقة أن ترضى به، وتفهمت الولايات المتحدة الأميركية ذلك جيداً، وما كان لها أن تقف أمام أي تحرك جاد وعملي للتصدي للمشروع الإيراني على مداخل البحر الأحمر، وفي خاصرة المملكة، ومشارف دول الخليج. فكان الحزم، متمثلا في عملية عسكرية منسقة، تقودها الرياض، بتحالف وثيق مع أربع دول خليجية، وتحالف داعم من خمس دول عربية وإسلامية، أُطلق عليها اسم عاصفة الحزم.
قد يكون الوقت متأخراً بعض الشيء، وهو ما قد يزيد التكلفة. ولكن، للأسف هذا هو المبدأ الذي يتمسك به العرب، أن تأتي متأخراً، خير من أن لا تأتي أبداً.
ومضى على عاصفة الحزم أسبوع، ضربات جوية نوعية، تستهدف البنية العسكرية الأساسية للحوثي وحليفه صالح، نجحت في إيقاف تقدم وانتشار قواتهم واستيلائها على عدن جنوباً. وتتجنب الضربات الجوية إصابة المدنيين قدر الإمكان، وهو أمر شديد الصعوبة.
إلى أي مدى سيصل حلم الإمامة الزيدية الحوثية، برعاية إيرانية؟ وهل انهيار الحلم يدفع أطرافه إلى محاولة تدمير اليمن؟
وهل ستنجح عاصفة الحزم فى حسم الموقف لصالح الشعب اليمنى وأمنه واستقراره، بالقضاء على الدور المدمر الذى يلعبه علي عبد الله صالح بتدمير قواته، وبدفع الحوثي إلى طاولة تفاوض حقيقية، لا يتجاوز فيها حجمه الحقيقي؟
في النهاية، هل سيبقى الصراع مفتوحاً، أم سيعود اليمن سعيدا؟ الشعب اليمني من يملك الإجابة.
(باحث وخبير عسكري مصري)