02 نوفمبر 2024
من يفهم رسالة الناخبين البريطانيين؟
استيقظ الناخبون البريطانيون، غداة الانتخابات على عالم سياسي جديد. جاءت نتائج الانتخابات العامة البريطانية صادمة، بعدما أوحت استطلاعات الرأي بمعركة كسر عظم بين "المحافظين" و"العمال"، قد توقع البلاد في أزمة دستورية غير مسبوقة. في الواقع، جاءت نتائج الانتخابات لتؤكد اكتساح "المحافظين" وسقوطاً مدوياً للعمال. ماذا جرى؟ ذلك هو السؤال الأبرز الذي سيسعى الجميع للإجابة عنه في الأسابيع المقبلة. على نسق السياسيين، انساق الإعلام وراء نتائج استطلاعات الرأي في الحملة الانتخابية، وأثبت عجزاً يماثل عجز هؤلاء السياسيين عن فهم آليات اقتراع الناخبين والهواجس التي تحرك قرارهم الانتخابي في صناديق الاقتراع.
من المسؤول عن هذا التشويش؟ مؤسسات استطلاع الرأي؟ الإعلام؟ أم الساسة؟
تبدو نتائج الانتخابات وكأنها ميلودراما سياسية مثيرة، عنوانها الأول استقالة ثلاثة زعماء سياسيين من الحلبة السياسية، غداة إعلان النتائج التي جاءت مفاجأة، كما كان متوقعاً، ولكن، باتجاه مغاير تماما. صوت الناخبون للاستقرار، ولما يرونه مخرجا لمأزق دستوري، كان من شأنه أن يعكر مسار حياتهم المستتب. كان الخيار المحافظ هو الأكثر ضماناً لتفادي هزة سياسية، ولو أنه أدى إلى تسونامي سياسي، وصل بمحللين إلى وصفه "نهاية السياسة البريطانية".
يبدو المشهد السياسي مربكاً مع أزمات، ليس فقط في القيادة السياسية، وإنما أيضاً في هوية وخطاب أحزاب بارزة، في مقدمتها حزب العمال الذي مني بخسارة مدوية، يردها المراقبون إلى ضبابية سياسة زعيم الحزب المستقيل، إد ميليباند، الذي وقف مع الجميع، وأغضب الجميع، فقد استاء الناخبون اليساريون من تبنيه طرحاً وضع سقفاً للهجرة، متماهياً مع خطاب المحافظين، في حين لم يقتنع ناخبو المعسكر المضاد، أو المترددون، بقدرة الحزب على اتخاذ إجراءات حازمة، للحد من موجات الهجرة. لم يقنع خطاب الزعيم العمالي القلقين من حكومة عمالية، قد تبدي ليناً في قضية الهجرة، في وقت سجل الخطاب المعادي للمهاجرين حضوراً قوياً، علنا في خطاب اليمين المتطرف، وضمناً في خطاب المحافظين. في المقابل، لم تقنع محاولة ميليباند تبني سياسة وسطية الطبقة العاملة، بل زاد من شكوكها في قدرة أي حكومة عمالية، على تقديم خيار مختلف فعلاً، عبر اتخاذ موقف حاسم من سياسات التقشف والاقتطاع في موازنات الخدمات العامة.
سيكون على حزب العمال، على مدى أسابيع طويلة، أن يواجه تحدي إعادة بلورة الخطاب والأهداف، وهي عملية ستكون، لا شك، معقدة، بعد استقالة ميليباند: هل المشكلة في الرجل نفسه، أم في خطاب الحزب وعجزه عن تحديد سياسة واضحة بين من يطالبه بمزيد من السياسات اليسارية الصرفة ومن يطلب سياسات وسطية مماثلة لنموذج حكومات رئيس الوزراء العمالي السابق، توني بلير؟ وكيف يمكن التوفيق بين التوقعات المتناقضة لمن يرى في الحزب نموذجاً مكرراً لكنه أكثر تقدمية عن المحافظين ومن يريد من سياسة الحزب أن تقدم نموذجا يسارياً صرفاً، يخشى أن لا يكون قادراً على الاستجابة لتحديات البلاد الاقتصادية؟
لم يقدم إد ميليباند صورة الزعيم القادر على قيادة البلاد، على الرغم من حملة انتخابية ديناميكية. ولعل الصورة التي عكسها الإعلام، بحسب مناصري الحزب، والتي ركزت على القصور في إمكانات ميليباند القيادية، ساهمت في ترسخ انطباع الناخبين بتدني قدراته القيادية. إلا أن تركيز الإعلام على تحليل النتائج المرتقبة للانتخابات، بناء على توقعات استطلاعات الرأي، ساهم، في شكل أساسي، في إشاعة رعب انتخابي لدى الناخبين الذين توقعوا أزمة دستورية، لم يسبق للنظام أن واجهها، وقد لا يملك الأدوات المناسبة لمواجهتها. وكانت النائبة السابقة لحزب العمال، مارغريت بيكيت، انتقدت في حوار مع شبكة سكاي نيوز ما اعتبرته تركيزاً مبالغاً فيه للإعلام على كل ما يثير الجدل والصراع في تغطية الحملة الانتخابية، بما في ذلك التخويف من أزمة قيادة، بعد الانتخابات قد تؤدي إلى تفكك النظام.
جاءت النتائج مخيبة لقسم من الناخبين، وسارّة للقسم الآخر، إلا أن الجانبين تنفسا الصعداء، لانتهاء الانتخابات إلى نتيجة حاسمة، من دون الدخول في صراعات انتخابية، قد تمتد أسابيع. إنه اقتراع مدفوع بالخوف، وليس بالأمل، كما انتقد ناشطو حزب العمال مع اعترافهم بالتقصير في القدرة على مخاطبة الناخبين وإقناعهم، وهو اقتراع لخيار الاستقرار الذي تمثله حكومة المحافظين، على الرغم من عدم إيفائها بمعظم الوعود التي قطعتها في الانتخابات الأخيرة.
سيكون من شأن هذا التسونامي الانتخابي أن يعيد رسم معالم السياسة البريطانية على مدى الأشهر المقبلة، وقد تؤدي هذه النتائج المذهلة إلى طرح السؤال حول النظام الانتخابي الذي لا يسمح للأحزاب الصغيرة بتمثيل عادل، على المستوى الوطني، ودور الإعلام في التأثير على خيارات السياسة والناخبين. وقد تؤدي الخسارة المدوية لحزب العمال إلى مزيد من سياسات الوسط في إعادة رسم هويته، وهو ما يعتبره المحازبون، أو قسم منهم، تحولاً نحو اليمين، على نسق نموذج توني بلير، وهو تحول قد ينقذ مستقبل الحزب، أو يزيده هامشية.
تبدو نتائج الانتخابات وكأنها ميلودراما سياسية مثيرة، عنوانها الأول استقالة ثلاثة زعماء سياسيين من الحلبة السياسية، غداة إعلان النتائج التي جاءت مفاجأة، كما كان متوقعاً، ولكن، باتجاه مغاير تماما. صوت الناخبون للاستقرار، ولما يرونه مخرجا لمأزق دستوري، كان من شأنه أن يعكر مسار حياتهم المستتب. كان الخيار المحافظ هو الأكثر ضماناً لتفادي هزة سياسية، ولو أنه أدى إلى تسونامي سياسي، وصل بمحللين إلى وصفه "نهاية السياسة البريطانية".
يبدو المشهد السياسي مربكاً مع أزمات، ليس فقط في القيادة السياسية، وإنما أيضاً في هوية وخطاب أحزاب بارزة، في مقدمتها حزب العمال الذي مني بخسارة مدوية، يردها المراقبون إلى ضبابية سياسة زعيم الحزب المستقيل، إد ميليباند، الذي وقف مع الجميع، وأغضب الجميع، فقد استاء الناخبون اليساريون من تبنيه طرحاً وضع سقفاً للهجرة، متماهياً مع خطاب المحافظين، في حين لم يقتنع ناخبو المعسكر المضاد، أو المترددون، بقدرة الحزب على اتخاذ إجراءات حازمة، للحد من موجات الهجرة. لم يقنع خطاب الزعيم العمالي القلقين من حكومة عمالية، قد تبدي ليناً في قضية الهجرة، في وقت سجل الخطاب المعادي للمهاجرين حضوراً قوياً، علنا في خطاب اليمين المتطرف، وضمناً في خطاب المحافظين. في المقابل، لم تقنع محاولة ميليباند تبني سياسة وسطية الطبقة العاملة، بل زاد من شكوكها في قدرة أي حكومة عمالية، على تقديم خيار مختلف فعلاً، عبر اتخاذ موقف حاسم من سياسات التقشف والاقتطاع في موازنات الخدمات العامة.
لم يقدم إد ميليباند صورة الزعيم القادر على قيادة البلاد، على الرغم من حملة انتخابية ديناميكية. ولعل الصورة التي عكسها الإعلام، بحسب مناصري الحزب، والتي ركزت على القصور في إمكانات ميليباند القيادية، ساهمت في ترسخ انطباع الناخبين بتدني قدراته القيادية. إلا أن تركيز الإعلام على تحليل النتائج المرتقبة للانتخابات، بناء على توقعات استطلاعات الرأي، ساهم، في شكل أساسي، في إشاعة رعب انتخابي لدى الناخبين الذين توقعوا أزمة دستورية، لم يسبق للنظام أن واجهها، وقد لا يملك الأدوات المناسبة لمواجهتها. وكانت النائبة السابقة لحزب العمال، مارغريت بيكيت، انتقدت في حوار مع شبكة سكاي نيوز ما اعتبرته تركيزاً مبالغاً فيه للإعلام على كل ما يثير الجدل والصراع في تغطية الحملة الانتخابية، بما في ذلك التخويف من أزمة قيادة، بعد الانتخابات قد تؤدي إلى تفكك النظام.
جاءت النتائج مخيبة لقسم من الناخبين، وسارّة للقسم الآخر، إلا أن الجانبين تنفسا الصعداء، لانتهاء الانتخابات إلى نتيجة حاسمة، من دون الدخول في صراعات انتخابية، قد تمتد أسابيع. إنه اقتراع مدفوع بالخوف، وليس بالأمل، كما انتقد ناشطو حزب العمال مع اعترافهم بالتقصير في القدرة على مخاطبة الناخبين وإقناعهم، وهو اقتراع لخيار الاستقرار الذي تمثله حكومة المحافظين، على الرغم من عدم إيفائها بمعظم الوعود التي قطعتها في الانتخابات الأخيرة.
سيكون من شأن هذا التسونامي الانتخابي أن يعيد رسم معالم السياسة البريطانية على مدى الأشهر المقبلة، وقد تؤدي هذه النتائج المذهلة إلى طرح السؤال حول النظام الانتخابي الذي لا يسمح للأحزاب الصغيرة بتمثيل عادل، على المستوى الوطني، ودور الإعلام في التأثير على خيارات السياسة والناخبين. وقد تؤدي الخسارة المدوية لحزب العمال إلى مزيد من سياسات الوسط في إعادة رسم هويته، وهو ما يعتبره المحازبون، أو قسم منهم، تحولاً نحو اليمين، على نسق نموذج توني بلير، وهو تحول قد ينقذ مستقبل الحزب، أو يزيده هامشية.