09 نوفمبر 2024
تحدّيات أمام غوتيريس.. المدير الجديد للعالم
منصب الأمين العام للأمم المتحدة من أرفع المناصب شبه الفخرية في العالم. إنه مدير العالم، لكن الخمسة الكبار الدائمين هم من يختارون، في المقام الأول، مرشحا لهذا المنصب، قبل أن يحال الأمر الى الجمعية العمومية (193 دولة، منها الدول الخمس الكبيرة!). وفي العادة، يتم اختيار مرشح لدولةٍ من خارج نادي الكبار. ليس من باب الكرم، ولكن لأن الكبار لا يتفقون على مرشح لدولةٍ من بينهم. ومن جهة ثانيةٍ، من باب الزلفى للدول "الصغيرة".
صوّتت 13 دولة، أخيراً، لاختيار البرتغالي أنطونيو غوتيريس أميناً عاماً لخمس سنوات مقبلة، ليخلف الأمين العام الحالي الموشكة ولايته على الانتهاء، الكوري الجنوبي بان كي مون. وامتنعت، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، نيوزيلندا، عن الاقتراع، لأن لها مرشحاً للمنصب (رئيسة الوزراء السابقة هيلين كلارك)، وشاطرتها روسيا، بحجة أن التسلسل الجغرافي يجب أن يذهب، هذه المرة، إلى أوروبا الشرقية (تحنّ موسكو بوتين إلى شرق أوروبا حديقة خلفية لها، كما أيام المنظومة الاشتراكية).
اتسمت الترشيحات لهذه الدورة بأن نصف المترشحين الثمانية من النساء، يمثلن، إضافة إلى نيوزيلندا، كرواتيا وبلغاريا ومولدافيا. لم يحالف الحظ أيا منهن، ما يشكل نكسة للحركات النسوية ولعموم المتحرّرين الذين يؤمنون بأن الجدارة المهنية على جميع المستويات لا تقتصر على جنس الرجال، غير أن ترشيح نساءٍ بهذا العدد، إذ يشكل سابقةً في تاريخ الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، فإنه يمهّد لوصول سيدة إلى المنصب الأرفع. ويُلاحظ ان الدول الثلاث التي تنتمي لها المترشحات، عدا نيوزيلندا، تعتبر في عداد الدول الصغيرة السائرة بصعوبةٍ على طريق التقدّم، وتحتاج إلى دعم خارجي. خلافاً للبرتغال في جنوب أوروبا التي تعد من البلدان المتقدّمة، وتحتل المرتبة 19عالمياً، من حيث جودة الحياة، وفقاً لوحدة معلومات الإيكونوميست. وتصنف الدولة 13 الأكثر سلميةً، والبلد الثامن الأكثر عولمة، والعضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والاتحاد اللاتيني.
ليس الأمين العام الجديد غيتريس الذي ينتظر تزكيته من الجمعية العامة غريباً عن الأمم المتحدة، فقد تولى، حتى العام الماضي 2015، منصب الأمين العام المساعد للشؤون الإنسانية وشؤون اللاجئين، وهي منظمة دولية كبيرة، تضم تسعة آلاف موظف، يتوزعون على 123 دولة، غير أن العالم شهد أكبر موجة لجوء في عهده، وهي موجة اللجوء السوري. وما زالت هذه المحنة قائمة بعد نحو خمس سنوات على بدئها. وتتولى الأمم المتحدة تقديم المساعدات والأعمال الإغاثية في مخيمات اللجوء السوري، وقلّما نجحت في تقديم المعونات إلى المحاصرين السوريين داخل وطنهم، نتيجة تعنّت النظام الحاكم، فيما تشهد وكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وإغاثتهم تقلصاً مستمراً في ميزانيتها، نتيجة تقاعس الدول الأعضاء في تقديم المساهمات الكافية، وكذلك نتيجة التحريض الإسرائيلي على وقف أعمال هذه الوكالة التي تشهد على محنة اللجوء الفلسطيني، وهي محنةٌ لم تجد حلاً لها بعد 68 عاماً على نشوئها نتيجة التعنت الإسرائيلي والممالأة الأميركية لتل أبيب.
وعلى الرغم من أن منصب الأمين العام شبه شرفي، وذو طبيعة إدارية وتنظيمية، إذ لا دور له في صدور قرارات مجلس الأمن، إلا أن كلمة الأمين العام مسموعةٌ في العالم، وتحظى بقيمةٍ أدبيةٍ ومعنوية كبيرة. وقد لحق الأمين العام الحالي، بان كي مون، الكثير من التندّر في مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره المسؤول الدولي الأرفع، المتخصّص في الإعراب عن القلق. وقد وجّه، في الأسبوعين الماضيين، اتهاماتٍ صريحةً، وبالاسم، لكل من روسيا ونظام الأسد في خرق الهدنة، واستهداف المدنيين، الهدنة التي تدّعي موسكو رعايتها، حيث لم تجد موسكو أحداً في العالم، بما في ذلك الصين، يدافع عنها، لأن سلوكها الإجرامي تجاه المدنيين لا يستحق الدفاع عنه أو تسويغه. وكان من شأن هذا النقد من الأمانة العامة، ومن مسؤولين دوليين، وصفوا الوضع في حلب بأنه مسلخ، وليس أقل من ذلك، أن دفع التوتر إلى الأمام، مع انكشاف الحقائق عن الدور غير النزيه والتخريبي الذي تؤديه موسكو. وسبق للرجل (كي مون) أن وجّه انتقاداتٍ صريحة لتل أبيب، في زياراتٍ قام بها إلى المنطقة، ونال تعريضاً من قادة الاحتلال.
وهكذا، فإن كل كلمة يقولها الأمين العام تكتسب أهمية كبيرة، وتعكس حياد الموقع الذي يتطلب النزاهة. وقد دفع الأمين العام الأسبق، داغ همرشولد (سويدي)، حياته ثمناً لمواقفه في أغسطس/ آب 1960، وبعد نحو سبع سنوات على توليه منصبه (الولاية الواحدة خمس سنوات) عندما سقطت طائرته في ظروف غامضةٍ فوق الكونغو وسط القارة الإفريقية، بعيد صدور قرار لمجلس الأمن يدعو إلى خروج قوات الغزو البلجيكي (ضمت مرتزقة بريطانيين وقوات من روديسيا)، وامتنعت بريطانيا وفرنسا عن التصويت. كما صدر قرار لاحق يدعو إلى إحلال جنود القبعات الزرق في البلد الذي كان يشهد اضطراباتٍ أهلية، كان من نتيجتها اغتيال الزعيم الكونغولي التحرّري، باتريس لومومبا. وقد سعى همرشولد إلى تطبيق القرار، وقام بتحركاتٍ نحو الكونغو، إلا أن طائرته سقطت في ظروفٍ مريبة، وهو ما أعاد التذكير باغتيال وسيط الأمم المتحدة، الكونت فولك برنادوت (سويدي أيضا)، في أحد شوارع القطاع الغربي من القدس في سبتمبر/ أيلول 1948، وقد وجهت أصابع الاتهام لعصاباتٍ صهيونيةٍ في مقتله، نتيجة موقفه الرافض ضم أراضٍ فلسطينية إلى الدولة الإسرائيلية الناشئة قبل أربعة أشهر على جريمة الاغتيال، وفق قرار التقسيم الذي صدر في نوفمبر/ تشرين الثاني 1947. وألقى ذلك الحادث المأساوي الضوء على أهمية منصب الأمين العام (زاد من مأساويته عدم الكشف عن ملابسات سقوط الطائرة). لم تكن الدول الاستعمارية الغربية آنذاك قد غادرت الإرث الاستعماري، في سلوكها وطريقة تفكير زعمائها، في فترةٍ شهدت العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر عام 1956، والذي دانه همرشولد.
يعيش العالم في ظروفٍ مختلفة الآن، حيث يتقاسم الخمسة الكبار النفوذ على العالم، كما على المنظمة الدولية. وبعد عقود من ممارسة الولايات حق النقض (الفيتو)، دار الزمن، وأصبحت روسيا والصين من تواظبان على استخدامه بالضد من إرادة بقية المجتمع الدولي. وكما كان عليه حال أميركا، وما زال، فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي. ومنذ 15عاماً، فإن القضية التي تتصدّر الأجندات الدولية هي قضية الإرهاب. وقد أسهم التركيز على هذه القضية دون سواها، مع قصر مفهوم الإرهاب على نشاطاتٍ إجرامية تقوم بها جماعات وأفراد دون الدول، أسهم في استغلال هذا التوجه للتغطية على اختلالاتٍ أخرى في عالمنا، فوفق التصنيفات السائدة، فإن الاحتلال لا يندرج في الإرهاب. بل إن الاحتلال الإسرائيلي يدّعي أن له موقعاً بارزاً في مكافحة الإرهاب. وموجات اقتلاع المدنيين وتهجيرهم، كما في جنوب السودان وفي سورية، لا تخضع لمفهوم الإرهاب.. حتى أن روسيا تنشط، منذ عام مضى، في استهداف المدنيين (3264 مدنياً سوريا قضوا خلال عام في القصف الروسي، بما يفوق عدد ضحايا داعش الإرهابية)، والمنشآت المدنية في سورية، وبالذات المشافي والمخابز، وذلك كله بزعم مكافحة الإرهاب.
تشكو الأمانة العامة للأمم المتحدة من الاستخدام المفرط لحق الفيتو. وتشكو دولٌ عديدة من غياب أفريقيا وأميركا اللاتينية عن نادي الكبار. والأمين العام الجديد يأتي من بلد ذي ماضٍ استعماري، غير أن البرتغال قطعت مع ذلك الإرث. وسبق للأمين العام غيتريس أن تولى رئاسة الحكومة في بلاده عن الحزب الاشتراكي (حزب في موقع يسار الليبرالية)، إضافة إلى خدمته في الأمم المتحدة على رأس هيئاتها الإنسانية. والمأمول أن يبدأ مهمته في مطلع العام المقبل (2017) من حيث انتهى سلفه بالمجاهرة بالمظالم التي تكتنف عالمنا، وتسمية الذين يريدون العودة بشعوب الكرة الأرضية إلى صراعات القرون الوسطى، حيث يتم استخدام البربرية في مواجهةٍ مزعومة مع الإرهاب. والسعي إلى منع استخدام الفيتو في أمورٍ تتعلق بحماية المدنيين جوهر رسالة الأمم المتحدة في حفظ الأمن والسلام في العالم.
صوّتت 13 دولة، أخيراً، لاختيار البرتغالي أنطونيو غوتيريس أميناً عاماً لخمس سنوات مقبلة، ليخلف الأمين العام الحالي الموشكة ولايته على الانتهاء، الكوري الجنوبي بان كي مون. وامتنعت، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، نيوزيلندا، عن الاقتراع، لأن لها مرشحاً للمنصب (رئيسة الوزراء السابقة هيلين كلارك)، وشاطرتها روسيا، بحجة أن التسلسل الجغرافي يجب أن يذهب، هذه المرة، إلى أوروبا الشرقية (تحنّ موسكو بوتين إلى شرق أوروبا حديقة خلفية لها، كما أيام المنظومة الاشتراكية).
اتسمت الترشيحات لهذه الدورة بأن نصف المترشحين الثمانية من النساء، يمثلن، إضافة إلى نيوزيلندا، كرواتيا وبلغاريا ومولدافيا. لم يحالف الحظ أيا منهن، ما يشكل نكسة للحركات النسوية ولعموم المتحرّرين الذين يؤمنون بأن الجدارة المهنية على جميع المستويات لا تقتصر على جنس الرجال، غير أن ترشيح نساءٍ بهذا العدد، إذ يشكل سابقةً في تاريخ الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، فإنه يمهّد لوصول سيدة إلى المنصب الأرفع. ويُلاحظ ان الدول الثلاث التي تنتمي لها المترشحات، عدا نيوزيلندا، تعتبر في عداد الدول الصغيرة السائرة بصعوبةٍ على طريق التقدّم، وتحتاج إلى دعم خارجي. خلافاً للبرتغال في جنوب أوروبا التي تعد من البلدان المتقدّمة، وتحتل المرتبة 19عالمياً، من حيث جودة الحياة، وفقاً لوحدة معلومات الإيكونوميست. وتصنف الدولة 13 الأكثر سلميةً، والبلد الثامن الأكثر عولمة، والعضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والاتحاد اللاتيني.
ليس الأمين العام الجديد غيتريس الذي ينتظر تزكيته من الجمعية العامة غريباً عن الأمم المتحدة، فقد تولى، حتى العام الماضي 2015، منصب الأمين العام المساعد للشؤون الإنسانية وشؤون اللاجئين، وهي منظمة دولية كبيرة، تضم تسعة آلاف موظف، يتوزعون على 123 دولة، غير أن العالم شهد أكبر موجة لجوء في عهده، وهي موجة اللجوء السوري. وما زالت هذه المحنة قائمة بعد نحو خمس سنوات على بدئها. وتتولى الأمم المتحدة تقديم المساعدات والأعمال الإغاثية في مخيمات اللجوء السوري، وقلّما نجحت في تقديم المعونات إلى المحاصرين السوريين داخل وطنهم، نتيجة تعنّت النظام الحاكم، فيما تشهد وكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وإغاثتهم تقلصاً مستمراً في ميزانيتها، نتيجة تقاعس الدول الأعضاء في تقديم المساهمات الكافية، وكذلك نتيجة التحريض الإسرائيلي على وقف أعمال هذه الوكالة التي تشهد على محنة اللجوء الفلسطيني، وهي محنةٌ لم تجد حلاً لها بعد 68 عاماً على نشوئها نتيجة التعنت الإسرائيلي والممالأة الأميركية لتل أبيب.
وعلى الرغم من أن منصب الأمين العام شبه شرفي، وذو طبيعة إدارية وتنظيمية، إذ لا دور له في صدور قرارات مجلس الأمن، إلا أن كلمة الأمين العام مسموعةٌ في العالم، وتحظى بقيمةٍ أدبيةٍ ومعنوية كبيرة. وقد لحق الأمين العام الحالي، بان كي مون، الكثير من التندّر في مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره المسؤول الدولي الأرفع، المتخصّص في الإعراب عن القلق. وقد وجّه، في الأسبوعين الماضيين، اتهاماتٍ صريحةً، وبالاسم، لكل من روسيا ونظام الأسد في خرق الهدنة، واستهداف المدنيين، الهدنة التي تدّعي موسكو رعايتها، حيث لم تجد موسكو أحداً في العالم، بما في ذلك الصين، يدافع عنها، لأن سلوكها الإجرامي تجاه المدنيين لا يستحق الدفاع عنه أو تسويغه. وكان من شأن هذا النقد من الأمانة العامة، ومن مسؤولين دوليين، وصفوا الوضع في حلب بأنه مسلخ، وليس أقل من ذلك، أن دفع التوتر إلى الأمام، مع انكشاف الحقائق عن الدور غير النزيه والتخريبي الذي تؤديه موسكو. وسبق للرجل (كي مون) أن وجّه انتقاداتٍ صريحة لتل أبيب، في زياراتٍ قام بها إلى المنطقة، ونال تعريضاً من قادة الاحتلال.
وهكذا، فإن كل كلمة يقولها الأمين العام تكتسب أهمية كبيرة، وتعكس حياد الموقع الذي يتطلب النزاهة. وقد دفع الأمين العام الأسبق، داغ همرشولد (سويدي)، حياته ثمناً لمواقفه في أغسطس/ آب 1960، وبعد نحو سبع سنوات على توليه منصبه (الولاية الواحدة خمس سنوات) عندما سقطت طائرته في ظروف غامضةٍ فوق الكونغو وسط القارة الإفريقية، بعيد صدور قرار لمجلس الأمن يدعو إلى خروج قوات الغزو البلجيكي (ضمت مرتزقة بريطانيين وقوات من روديسيا)، وامتنعت بريطانيا وفرنسا عن التصويت. كما صدر قرار لاحق يدعو إلى إحلال جنود القبعات الزرق في البلد الذي كان يشهد اضطراباتٍ أهلية، كان من نتيجتها اغتيال الزعيم الكونغولي التحرّري، باتريس لومومبا. وقد سعى همرشولد إلى تطبيق القرار، وقام بتحركاتٍ نحو الكونغو، إلا أن طائرته سقطت في ظروفٍ مريبة، وهو ما أعاد التذكير باغتيال وسيط الأمم المتحدة، الكونت فولك برنادوت (سويدي أيضا)، في أحد شوارع القطاع الغربي من القدس في سبتمبر/ أيلول 1948، وقد وجهت أصابع الاتهام لعصاباتٍ صهيونيةٍ في مقتله، نتيجة موقفه الرافض ضم أراضٍ فلسطينية إلى الدولة الإسرائيلية الناشئة قبل أربعة أشهر على جريمة الاغتيال، وفق قرار التقسيم الذي صدر في نوفمبر/ تشرين الثاني 1947. وألقى ذلك الحادث المأساوي الضوء على أهمية منصب الأمين العام (زاد من مأساويته عدم الكشف عن ملابسات سقوط الطائرة). لم تكن الدول الاستعمارية الغربية آنذاك قد غادرت الإرث الاستعماري، في سلوكها وطريقة تفكير زعمائها، في فترةٍ شهدت العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر عام 1956، والذي دانه همرشولد.
يعيش العالم في ظروفٍ مختلفة الآن، حيث يتقاسم الخمسة الكبار النفوذ على العالم، كما على المنظمة الدولية. وبعد عقود من ممارسة الولايات حق النقض (الفيتو)، دار الزمن، وأصبحت روسيا والصين من تواظبان على استخدامه بالضد من إرادة بقية المجتمع الدولي. وكما كان عليه حال أميركا، وما زال، فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي. ومنذ 15عاماً، فإن القضية التي تتصدّر الأجندات الدولية هي قضية الإرهاب. وقد أسهم التركيز على هذه القضية دون سواها، مع قصر مفهوم الإرهاب على نشاطاتٍ إجرامية تقوم بها جماعات وأفراد دون الدول، أسهم في استغلال هذا التوجه للتغطية على اختلالاتٍ أخرى في عالمنا، فوفق التصنيفات السائدة، فإن الاحتلال لا يندرج في الإرهاب. بل إن الاحتلال الإسرائيلي يدّعي أن له موقعاً بارزاً في مكافحة الإرهاب. وموجات اقتلاع المدنيين وتهجيرهم، كما في جنوب السودان وفي سورية، لا تخضع لمفهوم الإرهاب.. حتى أن روسيا تنشط، منذ عام مضى، في استهداف المدنيين (3264 مدنياً سوريا قضوا خلال عام في القصف الروسي، بما يفوق عدد ضحايا داعش الإرهابية)، والمنشآت المدنية في سورية، وبالذات المشافي والمخابز، وذلك كله بزعم مكافحة الإرهاب.
تشكو الأمانة العامة للأمم المتحدة من الاستخدام المفرط لحق الفيتو. وتشكو دولٌ عديدة من غياب أفريقيا وأميركا اللاتينية عن نادي الكبار. والأمين العام الجديد يأتي من بلد ذي ماضٍ استعماري، غير أن البرتغال قطعت مع ذلك الإرث. وسبق للأمين العام غيتريس أن تولى رئاسة الحكومة في بلاده عن الحزب الاشتراكي (حزب في موقع يسار الليبرالية)، إضافة إلى خدمته في الأمم المتحدة على رأس هيئاتها الإنسانية. والمأمول أن يبدأ مهمته في مطلع العام المقبل (2017) من حيث انتهى سلفه بالمجاهرة بالمظالم التي تكتنف عالمنا، وتسمية الذين يريدون العودة بشعوب الكرة الأرضية إلى صراعات القرون الوسطى، حيث يتم استخدام البربرية في مواجهةٍ مزعومة مع الإرهاب. والسعي إلى منع استخدام الفيتو في أمورٍ تتعلق بحماية المدنيين جوهر رسالة الأمم المتحدة في حفظ الأمن والسلام في العالم.