01 نوفمبر 2024
البرادعي مجدّداً... حقّ المستقبل بعد حقّ الذاكرة
مرة أخرى، نتحدّث عن حق الذاكرة، حينما يدلي هؤلاء الذين كانوا قريبين، أو مشاركين في الحدث في مصر، بشهاداتهم، بعد أن حاول بعضهم، ممن كانت لهم، وما زالت، مصلحة في طمس الحقائق ونشر الأكاذيب، في محاولةٍ منهم لاستحداث سرديةٍ تقوم على الإفك وترويجها، واصطناع الأحداث بما يرغبون، وبما يروّجون، هؤلاء الذين قطعوا الطريق على مسار ديمقراطي بانقلاب عسكري، وحاولوا، بشكل أو بآخر، أن يستروا قبح فعلهم بغطاء شعبي، كثير من مشاهده مصنوعة أو مصطنعة. أبعد من ذلك، لقد أراد هؤلاء أن يجعلوا من ذلك الانقلاب ثورةً شعبيةً، أو مطلباً جماهيرياً، أو كما يدعون، تجنباً لحربٍ أهلية محتملة. هكذا برّروا، وهكذا تقوّلوا، وهكذا نسجوا سرديتهم، على قاعدة من تلك الأكاذيب، فرية كبرى أرادوا من خلالها أن يفرضوا على الناس تصديق ما لا يمكن أن يصدّق، وتكذيب ما لا يمكن أن يكذب.
نسجوا ذلك كله تحت قعقعة السلاح والتلويح به، وتكميم الأفواه وتجريم التظاهر، واعتقال الآلاف من دون جريرةٍ، وقتل الناس استخفافاً بأرواحهم ترويعاً وتفزيعاً، واختطاف قسري يكاد يكون طقساً يومياً في محاولةٍ لفرض حالة التخويف التي يريدون لها أن تعمّ أو تسود، وتصفياتٍ جسدية، لم يعد هؤلاء يطيقون أن يقدّموا بعضهم إلى محاكماتٍ، على الرغم من شكليتها، بل انتقلوا إلى هذه التصفيات المباشرة، مستخفين فيها بالأرواح والنفوس، وهم أيضا يطاردون من يخالفهم، حتى صار الوطن سجناً كبيراً يتحرك فيه هؤلاء، مفتخرين بإنجازهم الأوحد، ببناء سجون أكثر وأكبر، حتى تستوعب معتقلين جدداً، يروّجون سجونهم وكأنها مشروعات لفنادق سياحية.
في هذا الإطار، أصدر محمد البرادعي بياناً حمل بعض الحقائق، تشير، في مجملها، إلى إدانةٍ دامغةٍ لنظام فاشي فاجر، ارتكب القتل وبرّره، وارتكب المجازر، المجزرة تلو المجزرة، على الرغم من أنه كان، في وسعه، أن يتجنب ذلك، إلا أن نظام جنرالات العسكر، بعد انقلابهم الفاجر، رفض إلا أن يقتل بدمٍ بارد، ويحرق بأعصابٍ هادئة، ويعتقل بأساليب وحشية، ما رغب في ذلك. كانت هذه الشهادة من البرادعي ناقصةً، حتى ألحقها ببيانه الثاني الذي أفصح فيه عما تلقاه من تهديداتٍ، بأساليب متنوعة من جهةٍ سياديةٍ، وبذريعة أنه بات يمثل خطراً كبيراً، أو تهديداً للأمن القومي، تورّط فيها كاتبٌ يسمونه كبيراً، بما يدل على مدى تغلغل الأجهزة الأمنية بين هذه النخبة التي امتطاها العسكر، ورضيت بذلك.
طالب كاتب هذه السطور البرادعي، في مقال سابق في "العربي الجديد"، بألا يصمت عن
أمورٍ وجب الإفصاح عنها، ووجبت المراكمة عليها، وطالبناه بمزيدٍ من الحقائق. تكشف هذه الشهادة عن كلاب الحراسة الذين استنفروا واتهموا كل من تحفظ، ووصفوه بالجبن والتراجع والتخاذل والخذلان. أرادوا بذلك أن يفتحوا الطريق لممارساتٍ دمويةٍ، قرّروا القيام بها، قتلا وحرقاً، مع سبق الإصرار والترصد، ومن دون هوادة، ومن دون البحث عن مسالك، لتجنب مزيدٍ من إراقة دماءٍ وإزهاق أرواح. كان ذلك قراراً، حينما طالب الجنرال تفويضاً اتخذ منه ذريعةً، عندما كان وزيرا للدفاع، متخطياً رئيساً مؤقتاً، عيّنه "طرطوراً"، ليكون ستاراً لفعله القميء وقراره القبيح. أتى ذلك كله في مشاهد أخطر ما تكون، لتعبر عن تلك الحالة الانقلابية، وما أراد هؤلاء لمصر من استدعاء لحالة الكراهية، ومحاولة التمييز بين تكوينات هذا الشعب، والنيْل من تماسك جماعته الوطنية.
ولا شك في أن ما أفصح عنه البرادعي، في استكماله شهادته، والذي نطالبه بالمزيد، وألا يكون ذلك الأخير، حيث ما زال في جعبته مما يجب أن يُقال، حقاً للذاكرة وحق تمام هذه الشهادة، بما يعبر عن ضرورة أن استنهاض همم كل الذين عايشوا الأحداث، أو كانوا قريبين منها، أن يصدعوا بشهادة حقّ لمصر، وهو أمر رأيناه في شهادة مكملة من وزير الدولة المصري للشؤون النيابية والقانونية، الدكتور محمد محسوب، الذي ثمّن كلام البرادعي، وطالبه بالمزيد.
المشاهد التي رسمها البرادعي في شهادته الأولى، والمشهد الذي تعلق بمحاولات تهديده، وتدميره على حد قوله، تشكل إجمالاً لشهادةٍ وجب أن يُبنى عليها، وأن يحولها من هم معنيون بالأمر إلى حالةٍ اتهاميةٍ لكل هؤلاء الذين استخفوا بلحمة الوطن، واستمرأوا تفتيته، ومحاولة النيل من جماعته الوطنية. وفي هذا المقام، لا بد من فضح هذه الفئة من جنرالات العسكر التي قفزت إلى صدارة المشهد، وتحكّمت بمفاصله، وقرّرت أن تعلن حرباً داخل الوطن، ولا توجه سلاحها إلى عدوٍّ حقيقي، متمثلا في الكيان الصهيوني، لكنها اصطنعت عدواً متوهماً وإرهاباً محتملاً. ونسجت من الأحداث ما اصطنعت، وزوّرت ما أرادت، في محاولةٍ منها لإحكام سيطرتها على كامل الوطن ومقدّراته، وبدا لهم، بعد أن كانوا يتحرّكون من وراء ستار، أن يتصدّروا المشهد عياناً بياناً، واتخذوا من كل مسالك هذا الأمر، ليكون لهم اليد العليا، والسطوة الكبرى، والسلطان الباطش. وبدا لهذه الفئة أن تستهدف مؤسسات الوطن، لا قواه السياسية فحسب، من جيش وقضاء، نعم من جيش وقضاء، فحاولوا سرقة مؤسسة الجيش وظيفةً ودوراً، وفرضوا على القضاء رؤيتهم وخطتهم، وألزموه بها بعيداً عن الحق والحقيقة والعدل والعدالة.
ومن ثم، فإن ما أشار إليه محسوب، توضيحا لشهادة البرادعي، في توضيح هدف هؤلاء
الجنرالات في وضع الجيش بشكل معين، ومحاولة السيطرة عليه، بإشغاله بمعارك وهمية، بعيداً عن العاصمة على أطراف البلاد الشمالية الشرقية، أو حتى في الغربية، والقيام بحركة تنقلات كبرى، شملت 90% من القيادات، تحل محلها قياداتٌ أكثر ولاءً لهم. وكانت الخطة الخبيثة هي توريط الجيش في الشارع المصري، وكشف كل من محسوب والبرادعي أن جهةً سيادية، هددتهما بالتدمير الكامل، بحيث أراد هؤلاء أن يكتموا أمراً ويروّجوا شيئاً ما، وتعمدت تلك الجهة سد آفاق كل ما يشير إلى تسويةٍ ما، بل اصطنعت صراعاً، وأدارت آخر مكتوماً بين تلك الجهة ومؤسسات عدة داخل الدولة. لم يكن الأمر إلا خديعةً لكل القوى الوطنية التي كانت ضحيةً، بصورة أو بأخرى، لخديعةٍ وتهديداتٍ لم تتوقف منذ يناير/ كانون الثاني 2011، منذ بدء اتهام رموزها بالعمالة والتموّل من الخارج، إلى اتهامهم بأنهم يرغبون في الاستئثار بالسلطة، وحتى اتهام بعضهم، في هذه الآونة، بأنهم سبب لانهيار سعر العملة، واختفاء السلع الأساسية.
بينما رسم الصورة الكاملة يجعلنا كما يقول محسوب "نضع يدنا على السبب المباشر، وربما الوحيد، والمطالبة به للجميع، تحري المكاشفة والمصارحة منذ البداية. ربما لو حدث ذلك، لكنا بأفضل حال"، وانفضح الأمر، وانكشف هؤلاء الذين أرادوا أن يستأثروا بكل الأمر.
ومن هنا، فإن حق الذاكرة هو حق لصناعة مستقبلٍ، يجب أن نعمل له، ويجب أن نتفق على ملامحه، وأن نصطفّ لمواجهة هذه الطغمة الطاغية، هؤلاء الذين سرقوا الوطن، آن الأوان أن يردّ هؤلاء جميعا الاعتبار لذلك الوطن الذي يضيع من بين أيدينا، تباع أرضه، ويفرط في نيله ومياهه، ويتنازل هؤلاء عن موارده وغازه، ويُكبل بالديون الدولية إلى عدة أجيال قادمة، ويكمّمون الأفواه، ويستخفون بكل نفس، ويعتقلون ما يعتبرونه خطراً محتملاً عليهم، إنها العصابة تمكّنت من هذا الوطن، وجعلته سجناً كبيراً، أو وِصيّة تتصرف فيها، وكأنها من بقية أملاكها. إن حق الذاكرة ليس إلا سنداً لحق أبناء الوطن في بناء المستقبل، حق الذاكرة بوابة لحق المستقبل لوطنٍ يئن تحت وطأة عصابةٍ اختطفته، وتلاعبت بشعبه.
نسجوا ذلك كله تحت قعقعة السلاح والتلويح به، وتكميم الأفواه وتجريم التظاهر، واعتقال الآلاف من دون جريرةٍ، وقتل الناس استخفافاً بأرواحهم ترويعاً وتفزيعاً، واختطاف قسري يكاد يكون طقساً يومياً في محاولةٍ لفرض حالة التخويف التي يريدون لها أن تعمّ أو تسود، وتصفياتٍ جسدية، لم يعد هؤلاء يطيقون أن يقدّموا بعضهم إلى محاكماتٍ، على الرغم من شكليتها، بل انتقلوا إلى هذه التصفيات المباشرة، مستخفين فيها بالأرواح والنفوس، وهم أيضا يطاردون من يخالفهم، حتى صار الوطن سجناً كبيراً يتحرك فيه هؤلاء، مفتخرين بإنجازهم الأوحد، ببناء سجون أكثر وأكبر، حتى تستوعب معتقلين جدداً، يروّجون سجونهم وكأنها مشروعات لفنادق سياحية.
في هذا الإطار، أصدر محمد البرادعي بياناً حمل بعض الحقائق، تشير، في مجملها، إلى إدانةٍ دامغةٍ لنظام فاشي فاجر، ارتكب القتل وبرّره، وارتكب المجازر، المجزرة تلو المجزرة، على الرغم من أنه كان، في وسعه، أن يتجنب ذلك، إلا أن نظام جنرالات العسكر، بعد انقلابهم الفاجر، رفض إلا أن يقتل بدمٍ بارد، ويحرق بأعصابٍ هادئة، ويعتقل بأساليب وحشية، ما رغب في ذلك. كانت هذه الشهادة من البرادعي ناقصةً، حتى ألحقها ببيانه الثاني الذي أفصح فيه عما تلقاه من تهديداتٍ، بأساليب متنوعة من جهةٍ سياديةٍ، وبذريعة أنه بات يمثل خطراً كبيراً، أو تهديداً للأمن القومي، تورّط فيها كاتبٌ يسمونه كبيراً، بما يدل على مدى تغلغل الأجهزة الأمنية بين هذه النخبة التي امتطاها العسكر، ورضيت بذلك.
طالب كاتب هذه السطور البرادعي، في مقال سابق في "العربي الجديد"، بألا يصمت عن
ولا شك في أن ما أفصح عنه البرادعي، في استكماله شهادته، والذي نطالبه بالمزيد، وألا يكون ذلك الأخير، حيث ما زال في جعبته مما يجب أن يُقال، حقاً للذاكرة وحق تمام هذه الشهادة، بما يعبر عن ضرورة أن استنهاض همم كل الذين عايشوا الأحداث، أو كانوا قريبين منها، أن يصدعوا بشهادة حقّ لمصر، وهو أمر رأيناه في شهادة مكملة من وزير الدولة المصري للشؤون النيابية والقانونية، الدكتور محمد محسوب، الذي ثمّن كلام البرادعي، وطالبه بالمزيد.
المشاهد التي رسمها البرادعي في شهادته الأولى، والمشهد الذي تعلق بمحاولات تهديده، وتدميره على حد قوله، تشكل إجمالاً لشهادةٍ وجب أن يُبنى عليها، وأن يحولها من هم معنيون بالأمر إلى حالةٍ اتهاميةٍ لكل هؤلاء الذين استخفوا بلحمة الوطن، واستمرأوا تفتيته، ومحاولة النيل من جماعته الوطنية. وفي هذا المقام، لا بد من فضح هذه الفئة من جنرالات العسكر التي قفزت إلى صدارة المشهد، وتحكّمت بمفاصله، وقرّرت أن تعلن حرباً داخل الوطن، ولا توجه سلاحها إلى عدوٍّ حقيقي، متمثلا في الكيان الصهيوني، لكنها اصطنعت عدواً متوهماً وإرهاباً محتملاً. ونسجت من الأحداث ما اصطنعت، وزوّرت ما أرادت، في محاولةٍ منها لإحكام سيطرتها على كامل الوطن ومقدّراته، وبدا لهم، بعد أن كانوا يتحرّكون من وراء ستار، أن يتصدّروا المشهد عياناً بياناً، واتخذوا من كل مسالك هذا الأمر، ليكون لهم اليد العليا، والسطوة الكبرى، والسلطان الباطش. وبدا لهذه الفئة أن تستهدف مؤسسات الوطن، لا قواه السياسية فحسب، من جيش وقضاء، نعم من جيش وقضاء، فحاولوا سرقة مؤسسة الجيش وظيفةً ودوراً، وفرضوا على القضاء رؤيتهم وخطتهم، وألزموه بها بعيداً عن الحق والحقيقة والعدل والعدالة.
ومن ثم، فإن ما أشار إليه محسوب، توضيحا لشهادة البرادعي، في توضيح هدف هؤلاء
بينما رسم الصورة الكاملة يجعلنا كما يقول محسوب "نضع يدنا على السبب المباشر، وربما الوحيد، والمطالبة به للجميع، تحري المكاشفة والمصارحة منذ البداية. ربما لو حدث ذلك، لكنا بأفضل حال"، وانفضح الأمر، وانكشف هؤلاء الذين أرادوا أن يستأثروا بكل الأمر.
ومن هنا، فإن حق الذاكرة هو حق لصناعة مستقبلٍ، يجب أن نعمل له، ويجب أن نتفق على ملامحه، وأن نصطفّ لمواجهة هذه الطغمة الطاغية، هؤلاء الذين سرقوا الوطن، آن الأوان أن يردّ هؤلاء جميعا الاعتبار لذلك الوطن الذي يضيع من بين أيدينا، تباع أرضه، ويفرط في نيله ومياهه، ويتنازل هؤلاء عن موارده وغازه، ويُكبل بالديون الدولية إلى عدة أجيال قادمة، ويكمّمون الأفواه، ويستخفون بكل نفس، ويعتقلون ما يعتبرونه خطراً محتملاً عليهم، إنها العصابة تمكّنت من هذا الوطن، وجعلته سجناً كبيراً، أو وِصيّة تتصرف فيها، وكأنها من بقية أملاكها. إن حق الذاكرة ليس إلا سنداً لحق أبناء الوطن في بناء المستقبل، حق الذاكرة بوابة لحق المستقبل لوطنٍ يئن تحت وطأة عصابةٍ اختطفته، وتلاعبت بشعبه.