04 نوفمبر 2024
تونس والاستثمار في الديموقراطية
تستعد تونس في الأيام القليلة المقبلة لاحتضان مؤتمر دولي عن الاستثمار، ترعاه عدة دول، منها فرنسا وقطر، وهو المؤتمر الثاني الذي يعقد بعد مؤتمر أكتوبر/ تشرين الأول 2014، غير أن كل تلك الجهود ذهبت سدى، وربما كان الأمر مجرد وعودٍ ظلت حبراً على ورق. بل ازداد الوضع سوءاً. إذ تقلص الاستثمار الداخلي والخارجي، وأغلقت عدة مؤسسات أجنبية، وتراجعت نسب النمو الاقتصادي بشكل خطير. وتفاقمت معضلة البطالة إلخ.
لعلنا نتذكّر أيضا "مخطط الياسمين" الذي عبرت فيه دول مجموعة الثماني سنة 2011 عن دعمها الاقتصاد التونسي، كدعم للديموقراطية الناشئة آنذاك. ولكن النتائج كانت أيضاً مخيبة للآمال التي أطلقت، خصوصاً أن الثورة كانت في عنفوانها، قبل أن ترتطم بانكسارات عديدة، أبرزها موجات العنف والإرهاب التي تتالت فشوهت صورة الثورة والبلاد معا.
ونحن نتهيأ في تونس للاحتفال بالذكرى السادسة للثورة، ونستعد لمؤتمر الاستثمار، يبدو أن الوضع الاقتصادي أكثر حرجاً مما كنا عليه، بل هناك من يراه كارثياً، استنادا إلى عدة تقارير وطنية ودولية، صدرت عن خبراء وهيئات مالية واقتصادية رصينة.
كنا نعتقد أن الثورة بمفردها ستكون جالبةً للاستثمار، فالديموقراطية والحرية، بما فيها حرية المبادرة الاقتصادية والشفافية والنزاهة، ظلت في جل الحالات وصفةً للإقلاع الاقتصادي، ونمو الاستثمار، بقطع النظر إن كان داخليا أو خارجيا. ولكن، لم يحدث، في الحالة التونسية، شيء من ذلك، بل على خلاف ذلك، كانت الثورة، حسب بعضهم، ممن يتحرّشون بها أساساً طاردة للاستثمار مجلبة للركود، فالبلد على حافة الانهيار، فلقد أقفلت مئات المؤسسات الأجنبية و الوطنية أبوابها. كيف نفسر هذا الأمر؟
يسارع بعضهم بإدانة الثورة التي ترادف الفوضى الاجتماعية والتدهور الاقتصادي، وخصوصا
أن الإضرابات والأشكال المختلفة لإيقاف الإنتاج والمطلبية المشطة إلى حد العبث، ناهيك عن أن المخاطر الأمنية دفعت إلى انكماش الاستثمار. وسرعان ما بدا المناخ الاقتصادي العام منذراً بالخطر، خصوصا أمام تدهور التوازنات المالية البلاد، واستفحال المديونية إلى حد ارتهان البلاد إلى الهيئات الدولية المالية، وخصوصا صندوق النقد الدولي، ما فتح الباب لضغوط متزايدة قد تكون مست من السيادة الوطنية، في ظل إملاءات بعض الشروط، على غرار وقف الانتداب في القطاع العمومي، وتشجيع خصخصة المؤسسات العمومية، غير عابئة بتفاقم مشكلة البطالة التي تحطم حالياً أرقاماً قياسية.
ولكن، علينا أن نعترف بأن الأسباب الموضوعية المتعلقة بالفوضى الاجتماعية والمخاطر الأمنية لم تكن لتتفاقم، لولا عزوف الدول الصديقة والشقيقة و"المحبّة للديموقراطية" عن مساعدة تونس، وأعتقد أن ذلك ناجم عن سبيين، فبعض الدول، خصوصاً التي كانت تدعم الاستبداد، وقد أغدقت على نظام زين العابدين بن علي أموالاً ضخمة، لم تكن راغبة أصلاً في أن تتحول البلاد نحو الديموقراطية، فكأنها بهذا السلوك تعاقب تلك الإرادة الشعبية التي نشدت الحرية والديموقراطية. كانت تصريحات بعض زعماء الدولة، حتى في أثناء الثورة، تستكثر على هذا الشعب ثورته وأحلامه. أما السبب الثاني عن هذا العزوف المحير في دعم تونس، فهو صعود الإسلاميين في تونس بالذات إلى سدة الحكم، ولقد عبّر بعضهم صراحة أيضاً عن هذا الموقف.
أحجمت عدة بلدان عن دعم تجربة الانتقال الديموقراطي، لمعاقبة النخب الحاكمة الجديدة. كانت هناك إرادة جلية في خنق التجربة، أو على الأقل التدخل فيها وتوجيهها، حتى عبرت بعض الدول، مباشرة وبشكل صريح، عن استعدادها للمساهمة في رفع الضائقة المالية عن تونس، وتنشيط الاقتصاد، لو تم إبعاد الإسلاميين عن الحكم، وإرجاعهم إلى السجون. وقد تبنت هذه الأطروحات بعض الأحزاب التونسية التي تم الرهان عليها في حملاتها الانتخابية خلال انتخابات 2014، حين بشّرت الناخبين أن رحيل الإسلاميين سيفتح جنة الاستثمار. لقد غادر الإسلاميون الحكم، ولم يأت الاستثمار بعد.
ربما علينا أن نحتفظ بقدر ما من التفاؤل، حين تستقبل البلاد في هذا المؤتمر قرابة أربعة آلاف
مشارك، منهم 40 وفداً رسمياً، حتى وإن كان المناخ الداخلي محتقناً، فمناقشة ميزانية الدولة تشهد تعثراً، بعد أن أعلنت عدة منظمات مهنية ونقابية عن رفضها هذه الميزانية، على غرار عمادة المحامين والأطباء والاتحاد العام التونسي للشغل.. إلخ التي رأت فيها جملة من الإجراءات المجحفة، خصوصا في ما يتعلق بجانب الضرائب التي يعتقدون أنها مشطّة، وقد يستقبل المشاركون بسلسلة من الإضرابات، قد تشل البلد، إذا ما نفذ رجال التعليم وبعض قطاعات النقل تهديداتهم. لكن، قد تنزل الحكمة على بعضنا في آخر لحظة، كما دأب التونسيون على ذلك دوماً.
إننا على يقين من أن الاستثمار في الديموقراطية سيكون أكثر مردوديةً ونفعاً للجميع، تونسيين وأجانب، حكومات وشعوباً، أصحاب المال والعمال، من الاستثمار في الاستبداد. بينت التجارب الراهنة أن الدول التي أنجزت تحولاتها الديموقراطية أردفت ذلك بنمو اقتصادي هائل، يكفي أن نستحضر تجربة إسبانيا والبرتغال والبرازيل وجنوب إفريقيا.. إلخ. قد يخشى بعض أصدقائنا وأشقائنا من نجاح التجربة. ولكن نطمئنهم إنها ثورة ليست للتصدير. على الرغم من أننا لا نستطيع أن نمنعها من أن تكون لبعضهم ملهمة.
لكن، علينا في ذلك كله أن نستعيد قيم العمل ونحارب الفساد ونتقاسم التضحيات، وتلك شروطٌ دنيا تظل من مسؤوليتنا، نحن التونسيين، أولا وأخيراً، فما حكّ جلدك مثل ظفرك.
لعلنا نتذكّر أيضا "مخطط الياسمين" الذي عبرت فيه دول مجموعة الثماني سنة 2011 عن دعمها الاقتصاد التونسي، كدعم للديموقراطية الناشئة آنذاك. ولكن النتائج كانت أيضاً مخيبة للآمال التي أطلقت، خصوصاً أن الثورة كانت في عنفوانها، قبل أن ترتطم بانكسارات عديدة، أبرزها موجات العنف والإرهاب التي تتالت فشوهت صورة الثورة والبلاد معا.
ونحن نتهيأ في تونس للاحتفال بالذكرى السادسة للثورة، ونستعد لمؤتمر الاستثمار، يبدو أن الوضع الاقتصادي أكثر حرجاً مما كنا عليه، بل هناك من يراه كارثياً، استنادا إلى عدة تقارير وطنية ودولية، صدرت عن خبراء وهيئات مالية واقتصادية رصينة.
كنا نعتقد أن الثورة بمفردها ستكون جالبةً للاستثمار، فالديموقراطية والحرية، بما فيها حرية المبادرة الاقتصادية والشفافية والنزاهة، ظلت في جل الحالات وصفةً للإقلاع الاقتصادي، ونمو الاستثمار، بقطع النظر إن كان داخليا أو خارجيا. ولكن، لم يحدث، في الحالة التونسية، شيء من ذلك، بل على خلاف ذلك، كانت الثورة، حسب بعضهم، ممن يتحرّشون بها أساساً طاردة للاستثمار مجلبة للركود، فالبلد على حافة الانهيار، فلقد أقفلت مئات المؤسسات الأجنبية و الوطنية أبوابها. كيف نفسر هذا الأمر؟
يسارع بعضهم بإدانة الثورة التي ترادف الفوضى الاجتماعية والتدهور الاقتصادي، وخصوصا
ولكن، علينا أن نعترف بأن الأسباب الموضوعية المتعلقة بالفوضى الاجتماعية والمخاطر الأمنية لم تكن لتتفاقم، لولا عزوف الدول الصديقة والشقيقة و"المحبّة للديموقراطية" عن مساعدة تونس، وأعتقد أن ذلك ناجم عن سبيين، فبعض الدول، خصوصاً التي كانت تدعم الاستبداد، وقد أغدقت على نظام زين العابدين بن علي أموالاً ضخمة، لم تكن راغبة أصلاً في أن تتحول البلاد نحو الديموقراطية، فكأنها بهذا السلوك تعاقب تلك الإرادة الشعبية التي نشدت الحرية والديموقراطية. كانت تصريحات بعض زعماء الدولة، حتى في أثناء الثورة، تستكثر على هذا الشعب ثورته وأحلامه. أما السبب الثاني عن هذا العزوف المحير في دعم تونس، فهو صعود الإسلاميين في تونس بالذات إلى سدة الحكم، ولقد عبّر بعضهم صراحة أيضاً عن هذا الموقف.
أحجمت عدة بلدان عن دعم تجربة الانتقال الديموقراطي، لمعاقبة النخب الحاكمة الجديدة. كانت هناك إرادة جلية في خنق التجربة، أو على الأقل التدخل فيها وتوجيهها، حتى عبرت بعض الدول، مباشرة وبشكل صريح، عن استعدادها للمساهمة في رفع الضائقة المالية عن تونس، وتنشيط الاقتصاد، لو تم إبعاد الإسلاميين عن الحكم، وإرجاعهم إلى السجون. وقد تبنت هذه الأطروحات بعض الأحزاب التونسية التي تم الرهان عليها في حملاتها الانتخابية خلال انتخابات 2014، حين بشّرت الناخبين أن رحيل الإسلاميين سيفتح جنة الاستثمار. لقد غادر الإسلاميون الحكم، ولم يأت الاستثمار بعد.
ربما علينا أن نحتفظ بقدر ما من التفاؤل، حين تستقبل البلاد في هذا المؤتمر قرابة أربعة آلاف
إننا على يقين من أن الاستثمار في الديموقراطية سيكون أكثر مردوديةً ونفعاً للجميع، تونسيين وأجانب، حكومات وشعوباً، أصحاب المال والعمال، من الاستثمار في الاستبداد. بينت التجارب الراهنة أن الدول التي أنجزت تحولاتها الديموقراطية أردفت ذلك بنمو اقتصادي هائل، يكفي أن نستحضر تجربة إسبانيا والبرتغال والبرازيل وجنوب إفريقيا.. إلخ. قد يخشى بعض أصدقائنا وأشقائنا من نجاح التجربة. ولكن نطمئنهم إنها ثورة ليست للتصدير. على الرغم من أننا لا نستطيع أن نمنعها من أن تكون لبعضهم ملهمة.
لكن، علينا في ذلك كله أن نستعيد قيم العمل ونحارب الفساد ونتقاسم التضحيات، وتلك شروطٌ دنيا تظل من مسؤوليتنا، نحن التونسيين، أولا وأخيراً، فما حكّ جلدك مثل ظفرك.