08 نوفمبر 2024
مداخل اختراق المغرب أفريقيا
محمد طيفوري
كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.
تتسارع خطوات الدبلوماسية المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، في مسار عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي الذي انسحب منه في سبتمبر/ أيلول عام 1984، احتجاجاً على قبول انضمام "الجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية"، المطالبة باستقلال الصحراء عن المغرب، إلى منظمة الوحدة الأفريقية التي وضعت المعالم الأولى لتأسيسها في الدار البيضاء سنة 1961.
تحرّكات مكثفة في عمق القارة الأفريقية في الآونة الأخيرة، عرفت سابقة تاريخية من نوعها، حين اختار محمد السادس العاصمة السنغالية داكار مكاناً لإلقاء خطاب الذكرى 41 للمسيرة الخضراء. وكان المغرب قد بعث، قبل أشهر، رسالةً إلى القمة 27 للاتحاد الأفريقي في العاصمة الرواندية كيغالي، يعلن فيها نيته العودة إلى المنتظم الأفريقي. علاوة على الحضور المتزايد أخيراً لمشكلات القارة الأفريقية وأزماتها في الخطب الملكية. ناهيك عن الزيارات المتوالية، والمتكررة أحياناً، لبلدان عديدة في أفريقيا جنوب الصحراء، قبل أن تضاف إليها دول من أفريقيا الغربية في الزيارة أخيراً.
يستغرب مراقبون عديدون الإيقاع المرتفع للدبلوماسية المغربية على الجبهة الأفريقية، سعيا إلى حشد الدعم من أجل حل سلمي لقضية الصحراء، بعدما وصل تداولها إلى الباب المسدود بين أيدي القوى الكبرى، ممن حوّلوا الملف إلى ورقة ضغط وابتزاز تجاه المغرب. لكن إمعان النظر في بعض التطورات المتلاحقة للدبلوماسية المغربية على أكثر من صعيد يظهر أن الأمر لا يعدو أن يكون تحصيل حاصل، فهو حصاد سياسة الاختراق الهادئة وخطة التغلغل التدريجي التي نهجها المغرب تجاه هذه القارة منذ سنوات، معتمداً في ذلك على تعددية في المداخل (الاقتصادي، الديني)، وتنوع في المقاربات (الهجرة، الأمن) بهدف استعادة مكانته الطبيعية داخل القارة السمراء.
وقد أدرك المغرب أن الرهان الاقتصادي على أفريقيا رابح على المدى المتوسط، فالقارة مرشّحة لأن تتحول إلى إحدى أكبر الأسواق العالمية؛ أزيد من ملياري نسمة في أفق 2050. لذا، أضحت استراتيجية التعاون الاقتصادي (جنوب – جنوب) تحظى بالأولوية في الأجندة الاقتصادية المغربية، إلى درجة أغضبت بعض الشركاء التقليديين للمغرب، من بينهم فرنسا التي زاحمها المد المغربي في الأسواق الأفريقية.
هذا التوجه ترجمته على أرض الواقع، في السنوات الأخيرة، مجموعة من المقاولات المغربية ورجال الأعمال في شعار "أفريقيا والتنمية.. حان وقت الاستثمار"، حيث ازداد حجم الحضور
الاقتصادي للمغرب في البلدان الأفريقية. إذ نجد، مثلا، أن الاستثمارات المغربية في منطقة غرب أفريقيا (مالي، غينيا، الغابون، ساجل العاجل...) تشكل حوالي نصف الاستثمارات الأجنبية المباشرة هناك. وشملت مجالات التمويل والتأمين والاتصالات والبنية التحتية والإسكان والمعادن... إلخ، ما أهّل المغرب ليكون المستثمر الأول في غرب أفريقيا، متقدماً على دول قوية مثل فرنسا والصين وتركيا، وإجمالاً سجل المغرب حضورا اقتصاديا في العمق الأفريقي داخل 21 دولة.
تظل ميزة الخطة المغربية تجاه أفريقيا في هذا الاختراق الاقتصادي اعتمادها قاعدة "رابح/ رابح" في التعامل مع هذه البلدان، ما شجعها على الانخراط المتزايد في الشراكات والمشاريع مع المغرب، ضدا على دولٍ تنهج في تعاملها سياسات الإرث الكولونيالي، حيث ترى أفريقيا مستعمراتٍ لها أن تتصرّف فيها كما تشاء.
واستثمر المغرب متانة العلاقات التاريخية بينه وبين القبائل الأفريقية التي تعود إلى قرون، بدءا من العهد المرابطي، في إعادة إحياء روابط الشرعية الدينية للمملكة مع هذه الدول. وذلك بتجديد الأواصر مع الزوايا الصوفية في ربوع القارة، وفي مقدمتها الزاوية القادرية، وبدرجة أكثر الزاوية التيجانية التي يوجد ضريح مؤسّسها سيدي أحمد التيجاني في مدينة فاس، العاصمة العلمية للمغرب.
استغل المغرب هذا المعطى الذي تضاف إليه حاجة البلدان الأفريقية للدعم، بغية التصدّي للانتشار السريع لموجات التكفير، بفعل نشاط الحركات الجهادية العنيفة من ناحية، وتزايد المد الشيعي الآخذ في الانتشار، بدعم إيراني في الخفاء من ناحية أخرى، كي يقدم تجربته في مجال هيكلة الحقل الديني، لا بل أضحى يسوق نموذج الإسلام المغربي الوسطي المعتدل المتسامح في أفريقيا.
على هذا الأساس تم في المغرب، وبرعايةٍ ملكية، تأهيل أئمة أفارقة عديدين، وترميم مساجد ومدارس قرآنية وإصلاحها، وطبع وتوزيع نسخ من القرآن الكريم في بعض بلدان القارة. كما تم تقديم منح لطلبة قادمين من دول أفريقية مختلفة، قصد متابعة تعليمهم في المعاهد والجامعات المغربية (دار الحديث الحسنية، جامعة القرويين). بالإضافة إلى أنه جرت العادة على توجيه دعوات دائمة للعلماء والفقهاء الأفارقة للحضور والمشاركة في الدروس الدينية التي ينظمها الملك في رمضان.
أثمر هذا الحضور المتزايد للبعد الديني المغربي في أفريقيا احتلال المغرب مكانة مركزية لدى الشعوب الأفريقية، بعدما نجح بامتياز في تصدير نموذج ديني، يؤلف بين المذهب السني المالكي والتجربة الصوفية، حتى أصبح دوره وحضوره في بلدانٍ بعينها مرتبطا بالجانب الديني أكثر من أي جانب آخر.
إلى ذلك، تحول المغرب، بحكم موقعه الجغرافي، بوابة أفريقيا نحو أوروبا؛ في العقود الأخيرة
من القرن الماضي، إلى محطة عبور يقصدها المهاجرون الأفارقة نحو القارة العجوز، بيد أن الحكامة الأمنية وتشديد المراقبة على حدود الضفة الشمالية للأبيض المتوسط حوّل المغرب، مع مرور الوقت، من منطقة عبور إلى محل إقامة واستقرار لهؤلاء، ممن لم يتمكنوا من ولوج أبواب الحلم الأوروبي. وتدريجيا انقلب الأمر إلى أزمةٍ تقض مضجع السلطات المغربية، قبل أن يتم التعاطي معها في أعلى مستويات الدولة، باجتماع حول مشكلات الهجرة ترأسه عاهل البلاد، في سبتمر/ أيلول 2013، ووجه فيه السلطات إلى التعامل مع مسألة الهجرة من منظور شامل وإنساني.
وعزّز هذا التوجه الداخلي بخطوة مهمة على الصعيد الدولي، تمثلت في الدعوة، على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2013، إلى إطلاق مبادرةٍ تحت اسم "تحالف أفريقي للهجرة والتنمية"، بهدف تعميق رؤية أفريقية مشتركة بشأن ظاهرة الهجرة، ترتكز على مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، والمسؤولية المشتركة بين دول المصدر والعبور والاستقبال، وكذا الترابط الوثيق بين الهجرة والتنمية.
عمليا انطلقت، بداية عام 2014، مسألة تسوية وضعية المهاجرين الأفارقة، ممن كانوا في وضعيةٍ غير قانونية فوق التراب المغربي، بتمكينهم على وثائق للإقامة الشرعية، ما يعني السماح لهم بالبقاء في المغرب بصفة قانونية. وبلغ عدد المشمولين بالإجراءات الجديدة مئات آلاف من المهاجرين من جنسيات مختلفة، وكان لهذه السياسة تأثيرها في البلدان المصدرة للهجرة التي اعتبرتها خطوةً نوعيةً تفرّد بها المغرب من بين الدول المعنية بمشكلات الهجرة في حوض الأبيض المتوسط.
ويبقى المدخل الدبلوماسي التقليدي حاضراً في سياسة العودة التدريجية إلى أفريقيا، بحرص المغرب على اقتناص أي فرصةٍ تمكنه من تحسين وضعه داخل القارة، وتسجيل حضوره داخل أكبر عدد ممكن من دولها. وبناء عليه، حرص المغرب على الحضور الدائم في الأزمات التي تشهدها القارة؛ إما بالمشاركة في العسكرية تحت مظلة الأمم المتحدة في عمليات حفظ السلام التي يتولاها رجال القبعات الزرق (الكونغو، النيجر، كينيا، روندا، كوت ديفوار،...)، أو بالتدخل بناءً على طلب من بعض الدول الأفريقية (السنغال، مالي، جزر القمر، أفريقيا الوسطى...). يذكر أن حجم المشاركة المغربية في البعثة الأممية لوحدها بلغ ما مجموعه 2314 جنديا مغربيا في 18 دولة أفريقية.
إلى جانب الحضور ذي الطابع العسكري، بدأ المغرب يعتمد أسلوب المبادرات السلمية خطة للتغلغل في أفريقيا، ومن ضمنها مبادرة الرباط للوساطة بين الحركة الوطنية لتحرير أزواد وحكومة بامكو، حيث استقبل الملك محمد السادس في فبراير/ شباط 2014 وفداً من هذه الحركة برئاسة الأمين العام، بلال أغ الشريف، في خطوة من الرباط، لطي صفحة الخلافات بين الأطراف المتنازعة في مالي.
يظهر مما سبق أن المغرب ناجح إلى حد كبير في أسلوب الاختراق التدريجي والبطيء الذي اعتمده في تعامله مع دول غرب وشرق ووسط أفريقيا، بتنويع المداخل والمقاربات الهادفة إلى نيل مكانة مركزية في القارة، مستثمرا في ذلك مكاسبه على الصعيد الدولي (وضع متقدّم مع أوروبا، إشادة بنموذج الإصلاح في ظل الاستقرار...). غير أن نجاح التغلغل وحده غير كاف، فهو يبقى مجرد أداة من أجل تحقيق غايةٍ أكبر تتمثل في تتويجه بمحاصرة خصوم وحدته الترابية (بوليساريو والجزائر...) أولاً. وضمان تأييد هذه الدول التي يحسبها المغرب في صفه عن عودته إلى الاتحاد الأفريقي ثانياً. ودعم مبادرة مشروع "الحكم الذاتي" المقترح حلاً سلمياً لقضية الصحراء ثالثا.
تحرّكات مكثفة في عمق القارة الأفريقية في الآونة الأخيرة، عرفت سابقة تاريخية من نوعها، حين اختار محمد السادس العاصمة السنغالية داكار مكاناً لإلقاء خطاب الذكرى 41 للمسيرة الخضراء. وكان المغرب قد بعث، قبل أشهر، رسالةً إلى القمة 27 للاتحاد الأفريقي في العاصمة الرواندية كيغالي، يعلن فيها نيته العودة إلى المنتظم الأفريقي. علاوة على الحضور المتزايد أخيراً لمشكلات القارة الأفريقية وأزماتها في الخطب الملكية. ناهيك عن الزيارات المتوالية، والمتكررة أحياناً، لبلدان عديدة في أفريقيا جنوب الصحراء، قبل أن تضاف إليها دول من أفريقيا الغربية في الزيارة أخيراً.
يستغرب مراقبون عديدون الإيقاع المرتفع للدبلوماسية المغربية على الجبهة الأفريقية، سعيا إلى حشد الدعم من أجل حل سلمي لقضية الصحراء، بعدما وصل تداولها إلى الباب المسدود بين أيدي القوى الكبرى، ممن حوّلوا الملف إلى ورقة ضغط وابتزاز تجاه المغرب. لكن إمعان النظر في بعض التطورات المتلاحقة للدبلوماسية المغربية على أكثر من صعيد يظهر أن الأمر لا يعدو أن يكون تحصيل حاصل، فهو حصاد سياسة الاختراق الهادئة وخطة التغلغل التدريجي التي نهجها المغرب تجاه هذه القارة منذ سنوات، معتمداً في ذلك على تعددية في المداخل (الاقتصادي، الديني)، وتنوع في المقاربات (الهجرة، الأمن) بهدف استعادة مكانته الطبيعية داخل القارة السمراء.
وقد أدرك المغرب أن الرهان الاقتصادي على أفريقيا رابح على المدى المتوسط، فالقارة مرشّحة لأن تتحول إلى إحدى أكبر الأسواق العالمية؛ أزيد من ملياري نسمة في أفق 2050. لذا، أضحت استراتيجية التعاون الاقتصادي (جنوب – جنوب) تحظى بالأولوية في الأجندة الاقتصادية المغربية، إلى درجة أغضبت بعض الشركاء التقليديين للمغرب، من بينهم فرنسا التي زاحمها المد المغربي في الأسواق الأفريقية.
هذا التوجه ترجمته على أرض الواقع، في السنوات الأخيرة، مجموعة من المقاولات المغربية ورجال الأعمال في شعار "أفريقيا والتنمية.. حان وقت الاستثمار"، حيث ازداد حجم الحضور
تظل ميزة الخطة المغربية تجاه أفريقيا في هذا الاختراق الاقتصادي اعتمادها قاعدة "رابح/ رابح" في التعامل مع هذه البلدان، ما شجعها على الانخراط المتزايد في الشراكات والمشاريع مع المغرب، ضدا على دولٍ تنهج في تعاملها سياسات الإرث الكولونيالي، حيث ترى أفريقيا مستعمراتٍ لها أن تتصرّف فيها كما تشاء.
واستثمر المغرب متانة العلاقات التاريخية بينه وبين القبائل الأفريقية التي تعود إلى قرون، بدءا من العهد المرابطي، في إعادة إحياء روابط الشرعية الدينية للمملكة مع هذه الدول. وذلك بتجديد الأواصر مع الزوايا الصوفية في ربوع القارة، وفي مقدمتها الزاوية القادرية، وبدرجة أكثر الزاوية التيجانية التي يوجد ضريح مؤسّسها سيدي أحمد التيجاني في مدينة فاس، العاصمة العلمية للمغرب.
استغل المغرب هذا المعطى الذي تضاف إليه حاجة البلدان الأفريقية للدعم، بغية التصدّي للانتشار السريع لموجات التكفير، بفعل نشاط الحركات الجهادية العنيفة من ناحية، وتزايد المد الشيعي الآخذ في الانتشار، بدعم إيراني في الخفاء من ناحية أخرى، كي يقدم تجربته في مجال هيكلة الحقل الديني، لا بل أضحى يسوق نموذج الإسلام المغربي الوسطي المعتدل المتسامح في أفريقيا.
على هذا الأساس تم في المغرب، وبرعايةٍ ملكية، تأهيل أئمة أفارقة عديدين، وترميم مساجد ومدارس قرآنية وإصلاحها، وطبع وتوزيع نسخ من القرآن الكريم في بعض بلدان القارة. كما تم تقديم منح لطلبة قادمين من دول أفريقية مختلفة، قصد متابعة تعليمهم في المعاهد والجامعات المغربية (دار الحديث الحسنية، جامعة القرويين). بالإضافة إلى أنه جرت العادة على توجيه دعوات دائمة للعلماء والفقهاء الأفارقة للحضور والمشاركة في الدروس الدينية التي ينظمها الملك في رمضان.
أثمر هذا الحضور المتزايد للبعد الديني المغربي في أفريقيا احتلال المغرب مكانة مركزية لدى الشعوب الأفريقية، بعدما نجح بامتياز في تصدير نموذج ديني، يؤلف بين المذهب السني المالكي والتجربة الصوفية، حتى أصبح دوره وحضوره في بلدانٍ بعينها مرتبطا بالجانب الديني أكثر من أي جانب آخر.
إلى ذلك، تحول المغرب، بحكم موقعه الجغرافي، بوابة أفريقيا نحو أوروبا؛ في العقود الأخيرة
وعزّز هذا التوجه الداخلي بخطوة مهمة على الصعيد الدولي، تمثلت في الدعوة، على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2013، إلى إطلاق مبادرةٍ تحت اسم "تحالف أفريقي للهجرة والتنمية"، بهدف تعميق رؤية أفريقية مشتركة بشأن ظاهرة الهجرة، ترتكز على مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، والمسؤولية المشتركة بين دول المصدر والعبور والاستقبال، وكذا الترابط الوثيق بين الهجرة والتنمية.
عمليا انطلقت، بداية عام 2014، مسألة تسوية وضعية المهاجرين الأفارقة، ممن كانوا في وضعيةٍ غير قانونية فوق التراب المغربي، بتمكينهم على وثائق للإقامة الشرعية، ما يعني السماح لهم بالبقاء في المغرب بصفة قانونية. وبلغ عدد المشمولين بالإجراءات الجديدة مئات آلاف من المهاجرين من جنسيات مختلفة، وكان لهذه السياسة تأثيرها في البلدان المصدرة للهجرة التي اعتبرتها خطوةً نوعيةً تفرّد بها المغرب من بين الدول المعنية بمشكلات الهجرة في حوض الأبيض المتوسط.
ويبقى المدخل الدبلوماسي التقليدي حاضراً في سياسة العودة التدريجية إلى أفريقيا، بحرص المغرب على اقتناص أي فرصةٍ تمكنه من تحسين وضعه داخل القارة، وتسجيل حضوره داخل أكبر عدد ممكن من دولها. وبناء عليه، حرص المغرب على الحضور الدائم في الأزمات التي تشهدها القارة؛ إما بالمشاركة في العسكرية تحت مظلة الأمم المتحدة في عمليات حفظ السلام التي يتولاها رجال القبعات الزرق (الكونغو، النيجر، كينيا، روندا، كوت ديفوار،...)، أو بالتدخل بناءً على طلب من بعض الدول الأفريقية (السنغال، مالي، جزر القمر، أفريقيا الوسطى...). يذكر أن حجم المشاركة المغربية في البعثة الأممية لوحدها بلغ ما مجموعه 2314 جنديا مغربيا في 18 دولة أفريقية.
إلى جانب الحضور ذي الطابع العسكري، بدأ المغرب يعتمد أسلوب المبادرات السلمية خطة للتغلغل في أفريقيا، ومن ضمنها مبادرة الرباط للوساطة بين الحركة الوطنية لتحرير أزواد وحكومة بامكو، حيث استقبل الملك محمد السادس في فبراير/ شباط 2014 وفداً من هذه الحركة برئاسة الأمين العام، بلال أغ الشريف، في خطوة من الرباط، لطي صفحة الخلافات بين الأطراف المتنازعة في مالي.
يظهر مما سبق أن المغرب ناجح إلى حد كبير في أسلوب الاختراق التدريجي والبطيء الذي اعتمده في تعامله مع دول غرب وشرق ووسط أفريقيا، بتنويع المداخل والمقاربات الهادفة إلى نيل مكانة مركزية في القارة، مستثمرا في ذلك مكاسبه على الصعيد الدولي (وضع متقدّم مع أوروبا، إشادة بنموذج الإصلاح في ظل الاستقرار...). غير أن نجاح التغلغل وحده غير كاف، فهو يبقى مجرد أداة من أجل تحقيق غايةٍ أكبر تتمثل في تتويجه بمحاصرة خصوم وحدته الترابية (بوليساريو والجزائر...) أولاً. وضمان تأييد هذه الدول التي يحسبها المغرب في صفه عن عودته إلى الاتحاد الأفريقي ثانياً. ودعم مبادرة مشروع "الحكم الذاتي" المقترح حلاً سلمياً لقضية الصحراء ثالثا.
محمد طيفوري
كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.
محمد طيفوري
مقالات أخرى
23 أكتوبر 2024
11 أكتوبر 2024
22 سبتمبر 2024