11 نوفمبر 2024
رهان حماية تونس اقتصادياً
لا تنتفض الشعوبُ في ثوراتٍ، أو تسعى إلى تغيير الأنظمة والحكومات، إلا من أجل أن يتحسّن عيشُها، ليصير كريماً بحق، عدالةً وحرياتٍ، وإذا لم يأت أيّ تغييرٍ بالعيش المشتهى أن يكون كريماً، ومهما بلغت مقادير الحريات ومناسيب النزاهة في مواسم الانتخابات ومستويات جرعات الانتقاد في الصحافة، فإن هذا كله لن يعني للشعوب منجزاً كبيراً. ومعلومٌ أن أسوأ الأنظمة هي المستبدّة، والخائبة، في الوقت نفسه، في تيسير فرص العمل، وتوفير التعليم والطبابة بأقل كلفة، وغير ذلكما من استحقاقات الحياة الآمنة، وهذا بديهيٌّ، ومن الميسور، في تعليقات الصحافة ودردشات الفضائيات، التأشير إليه، غير أن الذهاب إلى الشواهد الدّالة عليه يقتضي معاينةً أعمق، وإحاطةً أوفى. ومن ذلك أنه إذا كان في وسع مراقب مستجدّات ما بعد انتفاضات الربيع العربي أن يرى انتكاسةً مريعةً في مصر على صعيدي الحريات والعيش الكريم، أي نقصانهما، بعد أن نجحت الثورة المضادّة، بالانقلاب العسكري المشهود، أيّما نجاحٍ، في مراكمة نوبات الفشل في الملفيْن، الاجتماعي المعيشي والحقوقي، إذا كان في الوسع أن يُرى هذا ساطعاً في مصر، فإن تبيّن الأمر في تونس أصعب، ذلك أن نهوض قوى النظام المخلوع ووصول أعلامٍ (ورموز) منها إلى الحكم والسلطة، بل وإلى مواقع النفوذ والتأثير أيضاً، جاء محمولاً بانتظارات أن يُسعف هذا الأمر في حماية البلد من السقوط في متاعب اقتصادية ومعيشية مقلقة، طالما أن القوى التي جاءت بها جولةٌ انتخابيةٌ بعيْد الثورة اجتهدت، وواجهت تحدياتٍ عويصة، لكنها لم تفلح تماماً في تنزيل شعاراتها في الواقع.
تبدّى أن تونس، في حالة اقتصادية حرجة، بعد انعطافة ربيعها، والتي وصفت بحقّ بأنها الأنجح عربياً، مع التسليم بأن عواراً غير قليلٍ شابها، وهي حالةٌ أحدثتها التركة الثقيلة الموروثة من العهد المنتفَض عليه، ونوبةُ الإرهاب الأسود التي طرأت، وكذا الحلول الكلاسيكية، والفقيرة الخيال، التي طرحتها حكوماتٌ، تبدّلت وتعدّلت وتعثرت، في سبيل إقامة نظامٍ اقتصاديٍّ منتج، قادرٍ على أن ينجز حدّاً للبطالة ظاهراً، وسيطرةً على الأسعار، وتحسيناً لدخول الطبقة الوسطى، وغير ذلك من استحقاقاتٍ ملحّة، اشتهى التونسيون تحقّقها، مستعجلين ربما، وهم الذين غالب شبابُهم المتعلم والجامعي، مثلاً، في زمن زين العابدين بن علي، إحباطاً غير هيّن، من تفشّي البطالة الواسعة في صفوفهم.
كذب العالم على التونسيين، عندما وعدهم بإعانتهم في الطّوْر الانتقالي الذي عبروا إليه، و"الديمقراطية الناشئة" التي استجدّت عليهم، عندما أعلنت دول مجموعة الثماني في عام 2011 خطةً في هذا الأمر، خابت لاحقاً الآمال التي تعلقت بها. كان لا بد من عونٍ من الخارج، يتوازى مع حكامةٍ رشيدةٍ في الداخل، تواجه الفساد حقاً، وتنشط في تيسير كل سبيلٍ ممكنٍ لإنشاء المشاريع وتوفير فرص التشغيل، وكان لا بد من الحذر من الوقوع في مطبّات صندوق النقد الدولي ما أمكن. وفي الأثناء، أدركت دولة قطر المخاطر المقلقة التي قد تعصف، لا سمح الله، بالمنجز التونسي في الربيع العربي، وهي التي شملت باهتمامها تونس منذ ذهب هذا البلد إلى تمرينه الديمقراطي الذي نعرف، فبادرت قطر إلى الدعوة إلى مؤتمر استثماري، انتظم الأسبوع الماضي، وكان الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وحده من القادة العرب في هذه التظاهرة، وأعلن فيها عن تقديم بلاده 1,250 مليار دولار لتونس، عدا عن اتفاقيات ومساعدات أخرى، موصولة بما سبقها من مشاريع تبنتها الدوحة في البلاد. وحتى يصحّ ما قاله رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، إن ما تحقّق في المؤتمر هو الطريق الأول ليكون المستقبل أفضل لتونس، فإن الرهان هو على استثمار الزخم الذي أحدثه نجاح التظاهرة في سبيل حماية تونس من أي تراجعٍ اقتصادي، وهي البلد التي تتوفّر على إمكاناتٍ وحوافز استثمار جاذبة. وفي المستطاع، بحسب خبراء وأهل اختصاص، أن يُبنى على المنح والقروض والودائع التي وصلت إلى 15,4 مليار دولار، في هذا السبيل. ولا يسع واحدُنا إلا أنْ يغشاه الأمل في أن تمثّل تونس النجاح في ما سمي "الاستثمار في الديمقراطية"، وهو أملٌ كبير، بحجم ما أشعلته تونس من أشواقٍ عربيةٍ عريضةٍ لما أخذتنا إلى الربيع الذي يواجه الحرب المستعرة والماثلة المتواصلة ضده.
تبدّى أن تونس، في حالة اقتصادية حرجة، بعد انعطافة ربيعها، والتي وصفت بحقّ بأنها الأنجح عربياً، مع التسليم بأن عواراً غير قليلٍ شابها، وهي حالةٌ أحدثتها التركة الثقيلة الموروثة من العهد المنتفَض عليه، ونوبةُ الإرهاب الأسود التي طرأت، وكذا الحلول الكلاسيكية، والفقيرة الخيال، التي طرحتها حكوماتٌ، تبدّلت وتعدّلت وتعثرت، في سبيل إقامة نظامٍ اقتصاديٍّ منتج، قادرٍ على أن ينجز حدّاً للبطالة ظاهراً، وسيطرةً على الأسعار، وتحسيناً لدخول الطبقة الوسطى، وغير ذلك من استحقاقاتٍ ملحّة، اشتهى التونسيون تحقّقها، مستعجلين ربما، وهم الذين غالب شبابُهم المتعلم والجامعي، مثلاً، في زمن زين العابدين بن علي، إحباطاً غير هيّن، من تفشّي البطالة الواسعة في صفوفهم.
كذب العالم على التونسيين، عندما وعدهم بإعانتهم في الطّوْر الانتقالي الذي عبروا إليه، و"الديمقراطية الناشئة" التي استجدّت عليهم، عندما أعلنت دول مجموعة الثماني في عام 2011 خطةً في هذا الأمر، خابت لاحقاً الآمال التي تعلقت بها. كان لا بد من عونٍ من الخارج، يتوازى مع حكامةٍ رشيدةٍ في الداخل، تواجه الفساد حقاً، وتنشط في تيسير كل سبيلٍ ممكنٍ لإنشاء المشاريع وتوفير فرص التشغيل، وكان لا بد من الحذر من الوقوع في مطبّات صندوق النقد الدولي ما أمكن. وفي الأثناء، أدركت دولة قطر المخاطر المقلقة التي قد تعصف، لا سمح الله، بالمنجز التونسي في الربيع العربي، وهي التي شملت باهتمامها تونس منذ ذهب هذا البلد إلى تمرينه الديمقراطي الذي نعرف، فبادرت قطر إلى الدعوة إلى مؤتمر استثماري، انتظم الأسبوع الماضي، وكان الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وحده من القادة العرب في هذه التظاهرة، وأعلن فيها عن تقديم بلاده 1,250 مليار دولار لتونس، عدا عن اتفاقيات ومساعدات أخرى، موصولة بما سبقها من مشاريع تبنتها الدوحة في البلاد. وحتى يصحّ ما قاله رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، إن ما تحقّق في المؤتمر هو الطريق الأول ليكون المستقبل أفضل لتونس، فإن الرهان هو على استثمار الزخم الذي أحدثه نجاح التظاهرة في سبيل حماية تونس من أي تراجعٍ اقتصادي، وهي البلد التي تتوفّر على إمكاناتٍ وحوافز استثمار جاذبة. وفي المستطاع، بحسب خبراء وأهل اختصاص، أن يُبنى على المنح والقروض والودائع التي وصلت إلى 15,4 مليار دولار، في هذا السبيل. ولا يسع واحدُنا إلا أنْ يغشاه الأمل في أن تمثّل تونس النجاح في ما سمي "الاستثمار في الديمقراطية"، وهو أملٌ كبير، بحجم ما أشعلته تونس من أشواقٍ عربيةٍ عريضةٍ لما أخذتنا إلى الربيع الذي يواجه الحرب المستعرة والماثلة المتواصلة ضده.