09 نوفمبر 2024
خيبة أمل متبادلة بين أوباما والعالم العربي
تفيد تصريحات الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لصحيفة أتلانتك، أخيراً، بأن الرجل على عجلة من أمره لمغادرة البيت الأبيض، وذلك قبل نحو ثمانية أشهر على المغادرة الرسمية، وعشرة على المغادرة الفعلية، فالرئيس يتحدّث كأن ولايته الثانية انتهت، وليس هناك ما يقيده في التعبير عن آرائه.
لطالما أضفى أوباما على نفسه، سواء كان ذلك مقصوداً أو غير مقصود، صفة الرئيس اللارئيس، المتحرّر نسبياً من الاعتبارات التقليدية لمنصبه. وذلك ينسجم مع نزعته الليبرالية الديمقراطية، ومع مزاياه الشخصية رئيساً غير سلطوي، يترك للمؤسسات أن تقرّر، ثم يعترض أو يوافق على القرارات قبل صدورها.
أجل، يبدو أوباما كأنه مُبشر بحقوق الإنسان، وبعالمٍ لا حروب فيه، أو أستاذاً للعلوم السياسية، أو كاتباً سياسياً يستهويه وضع تصور جديد لحضور أقوى أمة في العالم. من يقرأ تصريحاته الجديدة يشعر أن الرجل ينفر من الصراعات والحروب، ولا يرغب بتدخل بلاده وإدارته بها، ويؤيد ضمنياً تقديم تنازلاتٍ أحياناً لمشعلي الحروب والصراعات، من أجل إنهاء ما يرتكبون. إنه ينتقد، على سبيل المثال، رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لأنه لم يسر في حل الدولتين، ولأن نظرته للعرب الفلسطينيين الذين اجتاحوا صناديق الانتخاب ليست كما يجب، بيد أن الرجل معجب بصمود إسرائيل الدائم أمام الإرهاب، فالاحتلال يتعرض لإرهاب، ومن الواجب، حسب الأخلاق السياسية لأوباما، الوقوف مع الاحتلال ضد الإرهاب! وسوى ذلك، فإن النقد الذي يتوجه به إلى نتنياهو نقد ضمن العائلة، نقد عائلي كما قال. مبروك لأوباما الذي بدأ عهده بمرافعةٍ قويةٍ في جامعة القاهرة ضد الاحتلال، وها هو على وشك الانتهاء من ولايته الثانية والأخيرة، يكتفي بنقد عائليٍّ لعدم السير في حل الدولتين، لكن عدم السير هذا لا يؤثر بشيء على العلاقات الأميركية الإسرائيلية. إذن، ليواصل نتنياهو، هو ومن يخلفه، وكما فعل الأسلاف، عدم السير في الحلول السياسية. المهم محاربة الإرهاب والعناية بالبيئة، أما العنصرية التي تتجلى في إنكار الوجود السياسي والحقوقي لشعب آخر، هو شعب فلسطين، فإنها لا تستحق الوقوف ضدها بسياسةٍ صلبةٍ من رئيس أميركي ذي أصل إفريقي.
يبدو أوباما، في حديثه، غير قادر على كتمان شعوره بالخيبة إزاء الحلفاء العرب. ومن حقه أن يعرف، الآن، أن أصدقاءه والمعجبين به، وهم الكثرة الكاثرة بين العرب، يشعرون بخيبة أمل
مريرة، فالرجل مختلف عن بقية الرؤساء، وهو ربما أفضل في سياساته الداخلية، لكنه ليس بالضرورة الأفضل في سياسته الخارجية، فقد شهد العالم نمو قوى توسعية، أو شريرة في عهده. لو لم يكن أوباما ما كان عليه لما استمرت المأساة السورية خمس سنوات، ولما تم تشريد عشرة ملايين سوري وقتل نصف مليون، وتهديم مدن كاملة. رفض دائماً تقييد حركة النظام القائم، وبينما كان يراقب، وعلى مدى ثلاث سنوات، إلقاء براميل متفجرة بصورة شبه يومية على مدنيين ومرافق مدنية، رفض حظر الطيران السوري، أما استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في غوطة دمشق، فلم يدفع الرئيس أوباما للتعامل مع الكارثة التي تحيق بالسوريين، بل أراد استلام المنشآت الكيماوية، وضمان عدم استخدام هذا السلاح ضد إسرائيل، ثم ترك النظام لشأنه. سياسة المراقبة عن بُعد للمسرح السوري وطمأنة واشنطن النظام أدت إلى تدفق عشرات المليشيات المتطرفة الشيعية والسنية وقوات الحرس الثوري الإيرانية وحزب الله وداعش ثم الروس. أما السياسة التي اتبعت، بعدئذ، بقصر الحرب على داعش، من دون سواها، فقد أدت إلى ازدهار العنف وتفاقمه من النظام وحلفائه، وتعظيم محنة السوريين وتعقيد عموم الوضع.
من الطريف أن الرئيس أوباما لا يلاحظ التوسع الإيراني، وسياسات طهران التدخلية ونزعتها الأصولية الطائفية. وكأن النمو في الوزن الإيراني، في السنوات الثماني الماضية، كان نمواً طبيعياً، وليس نتيجة سياسة التوسع! ومع هذا التغاضي، يدعو الرجل إلى سلام بارد بين طهران والرياض. وكأن الخلافات بين الجانبين شخصية أو حدودية. من دواعي الغرابة أن تحظى سياسة التوسع الإسرائيلية والإيرانية بـ"احترام" لدى ساكن البيت الأبيض، فيما سهام النقد تتوجه نحو الرياض، وغيرها من العواصم العربية التي لا تحتل أي بلد، وما الحرب على الانقلابيين الحوثيين سوى محاولة استباقية ووقائية، لعدم وصول الذراع الإيرانية إلى عمق البحر الأحمر، وداخل الأراضي السعودية. يحق لأوباما وغيره انتقاد وضع النساء في مجتمعات خليجية، وهو وضع ليس جيداً على صعيد المساواة البشرية، أما النزعة المحافظة عموماً فهي قائمة في السعودية، وفي غيرها من الدول. إيران لا تسمح ببناء مسجد سني واحد، وتقمع الأكراد، ومن هم من أصول عربية قمعاً دموياً لا رحمة فيه، وكذلك بقية الأقليات القومية والدينية، في حال تمت المطالبة بحقوق سياسية، كما أن إيران تحتل المركز الثاني بين دول العالم التي تنفذ أحكام إعدام بعد الصين. يحق ذلك لأوباما من دون أن يحق له اتهام السعودية بتأجيج الصراعات، لأن الاتهام باطل، ويعكس وجهة نظر المحافظين الإيرانيين، فالصراعات تؤججها تل أبيب وطهران، كما يؤججها الحكم القائم في دمشق بحربه المفتوحة ضد شعبه.
من المؤسف أن توقيت نشر التصريحات الرئاسية يعكس تثبيتاً للسياسات والرؤى، ويومئ إلى الامتناع عن مراجعتها في الفترة الرئاسية المتبقية. هذا التثبيت غير مفهوم، ويشبه حال الشركات الكبيرة التي تضع سياسة ثابتة مسبقة. لكن، حتى الشركات قد تعيد النظر في السياسات المتبعة، حين يتبين لها وجود خسائر. وليس معلوماً كيف يمكن أن تؤدي مجاملاتٌ سوف يبديها أوباما، في أثناء مشاركته في قمة خليجية في إبريل/ نيسان المقبل، إلى إصلاح حال اهتزاز الثقة.
نعم، تغيّرت سياسة أميركا الخارجية في عهد أوباما. ولكن، ليس إلى الأحسن، بل إلى الأسوأ بخصوص الوضع في الشرق الأوسط الذي تحول إلى غابةٍ، تتقاسمها الوحوش. وباستثناء الموقف من وحش داعش، ثمة إعجاب أميركي بالوحشية الإسرائيلية والإيرانية، مع إبداء "ما يلزم" من سلبيةٍ تجاه محنة ملايين السوريين المقتلعين من ديارهم، أو المحاصرين داخلها.
لطالما أضفى أوباما على نفسه، سواء كان ذلك مقصوداً أو غير مقصود، صفة الرئيس اللارئيس، المتحرّر نسبياً من الاعتبارات التقليدية لمنصبه. وذلك ينسجم مع نزعته الليبرالية الديمقراطية، ومع مزاياه الشخصية رئيساً غير سلطوي، يترك للمؤسسات أن تقرّر، ثم يعترض أو يوافق على القرارات قبل صدورها.
أجل، يبدو أوباما كأنه مُبشر بحقوق الإنسان، وبعالمٍ لا حروب فيه، أو أستاذاً للعلوم السياسية، أو كاتباً سياسياً يستهويه وضع تصور جديد لحضور أقوى أمة في العالم. من يقرأ تصريحاته الجديدة يشعر أن الرجل ينفر من الصراعات والحروب، ولا يرغب بتدخل بلاده وإدارته بها، ويؤيد ضمنياً تقديم تنازلاتٍ أحياناً لمشعلي الحروب والصراعات، من أجل إنهاء ما يرتكبون. إنه ينتقد، على سبيل المثال، رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لأنه لم يسر في حل الدولتين، ولأن نظرته للعرب الفلسطينيين الذين اجتاحوا صناديق الانتخاب ليست كما يجب، بيد أن الرجل معجب بصمود إسرائيل الدائم أمام الإرهاب، فالاحتلال يتعرض لإرهاب، ومن الواجب، حسب الأخلاق السياسية لأوباما، الوقوف مع الاحتلال ضد الإرهاب! وسوى ذلك، فإن النقد الذي يتوجه به إلى نتنياهو نقد ضمن العائلة، نقد عائلي كما قال. مبروك لأوباما الذي بدأ عهده بمرافعةٍ قويةٍ في جامعة القاهرة ضد الاحتلال، وها هو على وشك الانتهاء من ولايته الثانية والأخيرة، يكتفي بنقد عائليٍّ لعدم السير في حل الدولتين، لكن عدم السير هذا لا يؤثر بشيء على العلاقات الأميركية الإسرائيلية. إذن، ليواصل نتنياهو، هو ومن يخلفه، وكما فعل الأسلاف، عدم السير في الحلول السياسية. المهم محاربة الإرهاب والعناية بالبيئة، أما العنصرية التي تتجلى في إنكار الوجود السياسي والحقوقي لشعب آخر، هو شعب فلسطين، فإنها لا تستحق الوقوف ضدها بسياسةٍ صلبةٍ من رئيس أميركي ذي أصل إفريقي.
يبدو أوباما، في حديثه، غير قادر على كتمان شعوره بالخيبة إزاء الحلفاء العرب. ومن حقه أن يعرف، الآن، أن أصدقاءه والمعجبين به، وهم الكثرة الكاثرة بين العرب، يشعرون بخيبة أمل
من الطريف أن الرئيس أوباما لا يلاحظ التوسع الإيراني، وسياسات طهران التدخلية ونزعتها الأصولية الطائفية. وكأن النمو في الوزن الإيراني، في السنوات الثماني الماضية، كان نمواً طبيعياً، وليس نتيجة سياسة التوسع! ومع هذا التغاضي، يدعو الرجل إلى سلام بارد بين طهران والرياض. وكأن الخلافات بين الجانبين شخصية أو حدودية. من دواعي الغرابة أن تحظى سياسة التوسع الإسرائيلية والإيرانية بـ"احترام" لدى ساكن البيت الأبيض، فيما سهام النقد تتوجه نحو الرياض، وغيرها من العواصم العربية التي لا تحتل أي بلد، وما الحرب على الانقلابيين الحوثيين سوى محاولة استباقية ووقائية، لعدم وصول الذراع الإيرانية إلى عمق البحر الأحمر، وداخل الأراضي السعودية. يحق لأوباما وغيره انتقاد وضع النساء في مجتمعات خليجية، وهو وضع ليس جيداً على صعيد المساواة البشرية، أما النزعة المحافظة عموماً فهي قائمة في السعودية، وفي غيرها من الدول. إيران لا تسمح ببناء مسجد سني واحد، وتقمع الأكراد، ومن هم من أصول عربية قمعاً دموياً لا رحمة فيه، وكذلك بقية الأقليات القومية والدينية، في حال تمت المطالبة بحقوق سياسية، كما أن إيران تحتل المركز الثاني بين دول العالم التي تنفذ أحكام إعدام بعد الصين. يحق ذلك لأوباما من دون أن يحق له اتهام السعودية بتأجيج الصراعات، لأن الاتهام باطل، ويعكس وجهة نظر المحافظين الإيرانيين، فالصراعات تؤججها تل أبيب وطهران، كما يؤججها الحكم القائم في دمشق بحربه المفتوحة ضد شعبه.
من المؤسف أن توقيت نشر التصريحات الرئاسية يعكس تثبيتاً للسياسات والرؤى، ويومئ إلى الامتناع عن مراجعتها في الفترة الرئاسية المتبقية. هذا التثبيت غير مفهوم، ويشبه حال الشركات الكبيرة التي تضع سياسة ثابتة مسبقة. لكن، حتى الشركات قد تعيد النظر في السياسات المتبعة، حين يتبين لها وجود خسائر. وليس معلوماً كيف يمكن أن تؤدي مجاملاتٌ سوف يبديها أوباما، في أثناء مشاركته في قمة خليجية في إبريل/ نيسان المقبل، إلى إصلاح حال اهتزاز الثقة.
نعم، تغيّرت سياسة أميركا الخارجية في عهد أوباما. ولكن، ليس إلى الأحسن، بل إلى الأسوأ بخصوص الوضع في الشرق الأوسط الذي تحول إلى غابةٍ، تتقاسمها الوحوش. وباستثناء الموقف من وحش داعش، ثمة إعجاب أميركي بالوحشية الإسرائيلية والإيرانية، مع إبداء "ما يلزم" من سلبيةٍ تجاه محنة ملايين السوريين المقتلعين من ديارهم، أو المحاصرين داخلها.