09 نوفمبر 2024
شباب الداخل السوري
أليس الغائب الوحيد عن محادثات جنيف التي تستقطب اهتمام العالم، وهو يتابع المبعوث الدولي ونشاطه الدؤوب، وهو مكتوم الأنفاس، هو المبعوث السوري الذي يحمل في صدره جروح الشعب وآلامه وأحلامه، فيما لو كان بقيت لديه أحلام؟ المفاوضون، من كل الأطراف، لا تنبض في عروقهم دماء الشعب الآنية، بكل ما تحمل من أوجاع وقلق وخوف ويأس، حتى لو كانوا عارفين بها، لا أشكك بالنيات، لكن الواقع يختلف عن التنظير.
هذا المبعوث عن الشعب الغائب عن تقرير مصيره يعرف الواقع الداخلي أكثر من غيره بكثير، ويحمل نبض الشعب المتألم المصاب بالذعر من الغد، بعدما لم تبقَ أمامه أي بقعة مضيئة، تشعره بدفقةٍ من الأمان. يخسر الشعب السوري في الداخل نواة الحياة المستقبلية، جيل الشباب، بمقولة بسيطة "إذا أردت أن تقضي على التاريخ، فاقضِ على جيل الشباب"، فإن الأفق مخيف. من بقوا في سورية من الشباب، أو الأطفال الذين اقتربوا من جيل الشباب بعد خمس سنوات من عمر الحراك المتحوّل إلى أزمة كبيرة، يشكلون شريحةً معروضةً للإفساد والتخريب بطرق مباشرة، وأخرى غير مباشرة. فهم يعيشون تحت بقايا خيمة الفساد التي كانت أحد أسباب اندلاع الانتفاضة الشعبية، خيمة متهتّكة زادت فيها تنويعات الفساد، وأخطرها التي تفرضها المنظومات المتخلّقة على هامش الحروب، المافيات المتنوعّة التي تمسك الأسواق وتمسك الأقدار. جيل فاقد للطموح، مثلما هو فاقد مقومات الحياة بأبسط أشكالها، يهرب إلى تخدير إحساسه بشتى الطرق المتاحة، وما أكثرها، بجهود تجار الحروب والأزمات، يهرب من الأسئلة التي لا تلاقي أجوبةً أمام واقع فاجر، خصوصاً في تلك المدن المكتظة التي يديرها النظام، مدن تتعرّض مجتمعاتها إلى هزّاتٍ وأزماتٍ حياتيةٍ غير مسبوقة، فتبرز المفارقات والمتناقضات بصورةٍ فاجرة، طبقة من الأغنياء الذين أثروا بالنهب غير المشروط، مستفيدين من الأزمة حتى القطرة الأخيرة، يفردون أمام الجميع صور حياتهم الجديدة، مثلما لو كانوا في مقاطعاتٍ بعيدةٍ ترفل بفائض ترفٍ لا تصل إليها الأزمات الحياتية، من بطالة وفقر وجوع، أمام شبابٍ يعيش بلا أمل، ولا أدنى إشباع لحاجة من حاجاته الحياتية.
هؤلاء الشباب المغيّبون تتلقفهم الأماكن الكريمة التي تعد بفائض من الأحلام، وعوالم بديلة
يبنون فيها بالسراب والأوهام، ريثما يدهمهم النوم، ليفيقوا على غدٍ أكثر انغلاقاً، ولهفةٍ أشرس، فيهرعون إلى طلب مزيد من الحشيشة، ويهرعون إلى الحبوب المهدئة، وإلى المخدرات التي صارت متوفرةً أكثر من الخبز والملح والماء، أكشاك التبغ، المهرّب بمعظمه، والتي تعرض أنواع سجائر لا يمكن معرفة مصدرها، بسطات القهوة في الشوارع، المقاهي العادية ومقاهي الإنترنت المزدهرة أكثر من حقول الربيع، كلها أماكن عامرة بالحبوب السحرية أو السجائر السحرية، لديها من يؤمّن لها الغطاء، ويحميها من المساءلة القانونية، بمحسوبيات ومنافع مشتركة، مكتظة بالشباب الذين يتعثرون، عن عمدٍ، في التخرج من الجامعات، لكي لا يُساقوا إلى العسكرية، أو يصطدموا بالسؤال المستحيل: ثم بعد؟
ليس هذا فحسب، بل صارت طرق الإدمان تتعدّد في عصرٍ مفتوح على الأعاجيب، المخدرات الرقمية نوع جديد من أدوات الإدمان، تروّجه مواقع عديدة، معظمها بالمجّان، لا يمكن ملاحقتها قانونياً، حتى لو توفرت النية، فكيف والنية مستبعدة؟ هذا هو الواقع بلا رتوش، ولا مغالاة أيضاً، والمشكلة وصلت إلى مستوى الجريمة.
هؤلاء الشباب المغرّر بهم في عهدة من؟ أفقدتهم الحرب غطاء الأمان، حتى لو كان وهماً، غُرّبوا وغُيّبوا عن واقعهم وعن أنفسهم، حتى ألفوا أنفسهم في العراء فجأة. جرّدوا من أي إحساسٍ بذواتهم، حتى إن قسماً كبيراً منهم شعر بأن الانسحاب المفاجئ للقوات الروسية خلّف زلزالاً على وشك الحدوث، بسبب الهزّات التي وقعت في لحظة إعلان القرار، عندما ارتفع الدولار بسرعة جنونية، وارتفع الذهب، وارتفعت الأسعار المحلية، كيف يمكن تفسير واقعٍ كهذا أمامهم؟ أين الأمان الذي يمكن أن يصدّقوه ليحلموا به، والقرائن أسرع من رفة أجفانهم؟ قرار سياسي يُحدث هذه الهزات، ويضمر الزلزال، من سيشرح لهم ما خلف العناوين؟
هم الوطن، وهم الغد، وهم من يحملون جروح الأسئلة الفاجعة، يتابعون الخيبات، يبدون غير آبهين بما يعتمل هناك، على بعد آلاف الأميال، حيث يجتمع العالم، وسوريون موغلون في فواجع هذا الشعب، إن اعترفوا أم لم يعترفوا، يتمنعون ويشترطون ويحسبون أنفسهم أصحاب القرار الوحيدين، بينما الواقع البعيد عنهم، واقع سورية المشروخة يرتجّ، فيفصل الأرض عن بعضها، وتلوح في الأفق طلائع سورية التي لن تعود سورية، فما هي الأسماء المنتظرة؟ يضمر هذا الجيل أسئلةً كبيرةً بحجم أحلامه التي احترقت باكراً، فما الذي ينتظره؟ لا غد لوطنٍ بلا شبابه، فارحموهم لكي يرحمهم العالم.
هذا المبعوث عن الشعب الغائب عن تقرير مصيره يعرف الواقع الداخلي أكثر من غيره بكثير، ويحمل نبض الشعب المتألم المصاب بالذعر من الغد، بعدما لم تبقَ أمامه أي بقعة مضيئة، تشعره بدفقةٍ من الأمان. يخسر الشعب السوري في الداخل نواة الحياة المستقبلية، جيل الشباب، بمقولة بسيطة "إذا أردت أن تقضي على التاريخ، فاقضِ على جيل الشباب"، فإن الأفق مخيف. من بقوا في سورية من الشباب، أو الأطفال الذين اقتربوا من جيل الشباب بعد خمس سنوات من عمر الحراك المتحوّل إلى أزمة كبيرة، يشكلون شريحةً معروضةً للإفساد والتخريب بطرق مباشرة، وأخرى غير مباشرة. فهم يعيشون تحت بقايا خيمة الفساد التي كانت أحد أسباب اندلاع الانتفاضة الشعبية، خيمة متهتّكة زادت فيها تنويعات الفساد، وأخطرها التي تفرضها المنظومات المتخلّقة على هامش الحروب، المافيات المتنوعّة التي تمسك الأسواق وتمسك الأقدار. جيل فاقد للطموح، مثلما هو فاقد مقومات الحياة بأبسط أشكالها، يهرب إلى تخدير إحساسه بشتى الطرق المتاحة، وما أكثرها، بجهود تجار الحروب والأزمات، يهرب من الأسئلة التي لا تلاقي أجوبةً أمام واقع فاجر، خصوصاً في تلك المدن المكتظة التي يديرها النظام، مدن تتعرّض مجتمعاتها إلى هزّاتٍ وأزماتٍ حياتيةٍ غير مسبوقة، فتبرز المفارقات والمتناقضات بصورةٍ فاجرة، طبقة من الأغنياء الذين أثروا بالنهب غير المشروط، مستفيدين من الأزمة حتى القطرة الأخيرة، يفردون أمام الجميع صور حياتهم الجديدة، مثلما لو كانوا في مقاطعاتٍ بعيدةٍ ترفل بفائض ترفٍ لا تصل إليها الأزمات الحياتية، من بطالة وفقر وجوع، أمام شبابٍ يعيش بلا أمل، ولا أدنى إشباع لحاجة من حاجاته الحياتية.
هؤلاء الشباب المغيّبون تتلقفهم الأماكن الكريمة التي تعد بفائض من الأحلام، وعوالم بديلة
ليس هذا فحسب، بل صارت طرق الإدمان تتعدّد في عصرٍ مفتوح على الأعاجيب، المخدرات الرقمية نوع جديد من أدوات الإدمان، تروّجه مواقع عديدة، معظمها بالمجّان، لا يمكن ملاحقتها قانونياً، حتى لو توفرت النية، فكيف والنية مستبعدة؟ هذا هو الواقع بلا رتوش، ولا مغالاة أيضاً، والمشكلة وصلت إلى مستوى الجريمة.
هؤلاء الشباب المغرّر بهم في عهدة من؟ أفقدتهم الحرب غطاء الأمان، حتى لو كان وهماً، غُرّبوا وغُيّبوا عن واقعهم وعن أنفسهم، حتى ألفوا أنفسهم في العراء فجأة. جرّدوا من أي إحساسٍ بذواتهم، حتى إن قسماً كبيراً منهم شعر بأن الانسحاب المفاجئ للقوات الروسية خلّف زلزالاً على وشك الحدوث، بسبب الهزّات التي وقعت في لحظة إعلان القرار، عندما ارتفع الدولار بسرعة جنونية، وارتفع الذهب، وارتفعت الأسعار المحلية، كيف يمكن تفسير واقعٍ كهذا أمامهم؟ أين الأمان الذي يمكن أن يصدّقوه ليحلموا به، والقرائن أسرع من رفة أجفانهم؟ قرار سياسي يُحدث هذه الهزات، ويضمر الزلزال، من سيشرح لهم ما خلف العناوين؟
هم الوطن، وهم الغد، وهم من يحملون جروح الأسئلة الفاجعة، يتابعون الخيبات، يبدون غير آبهين بما يعتمل هناك، على بعد آلاف الأميال، حيث يجتمع العالم، وسوريون موغلون في فواجع هذا الشعب، إن اعترفوا أم لم يعترفوا، يتمنعون ويشترطون ويحسبون أنفسهم أصحاب القرار الوحيدين، بينما الواقع البعيد عنهم، واقع سورية المشروخة يرتجّ، فيفصل الأرض عن بعضها، وتلوح في الأفق طلائع سورية التي لن تعود سورية، فما هي الأسماء المنتظرة؟ يضمر هذا الجيل أسئلةً كبيرةً بحجم أحلامه التي احترقت باكراً، فما الذي ينتظره؟ لا غد لوطنٍ بلا شبابه، فارحموهم لكي يرحمهم العالم.
دلالات
مقالات أخرى
05 نوفمبر 2024
27 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024