09 نوفمبر 2024
وهم الفيدرالية في لبنان
ليست الفيدرالية في لبنان موضوعاً جديداً. كانت أحد شعارات الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990). طُرحت تحت القصف والدمار، كما تُطرح الآن في زمن سكوت المدافع، دائماً باسم الطائفية والمذهبية. لم تنجح الفيدرالية في تكريس ذاتيتها، لا باسم الطوائف، ولا باسم اللامركزية الإدارية، حسبما نصّ عليه اتفاق الطائف (اتفاق وقّعه نواب لبنانيون في مدينة الطائف السعودية في 30 سبتمبر/ أيلول 1989، وتمّ إقراره في مجلس النواب اللبناني في 22 أكتوبر/ تشرين الأول من العام عينه)، الذي أوقف الحرب.
يعود طرح الفيدرالية في لبنان، من بوابة محاولة كرديةٍ حديثةٍ للفدرلة في شمال سورية، وإنْ بخجل، تحت عنوان "تطبيق الطائف أولاً وإلا". هذه الـ"وإلا" دونها عقبات، لن تسمح في تحوّل الفيدرالية إلى واقع. عوامل كثيرة تمنع حصول مثل هذا الأمر. تبدأ من زمن الحرب التي أسقطت الدويلات، دستورياً على الأقلّ، لصالح لبنان الـ10452 كيلومتراً مربّعاً، وتمرّ بالنموذج المجتمعي اللبناني الذي، وإن كان يشبه زواجاً بين أطيافٍ، لا يجمعها سوى أرضٍ واحدة وسماء واحدة، وتُشهر فعل الانتماء لبلدان خارج حدود الوطن إلى دول إقليمية وعظمى، إلا أنه السبب عينه الذي يمنع تطبيق الفيدرالية بنياتٍ تقسيمية. حصيلة الواقع أن ما سقط بالحرب، على الرغم من الاحتلالات الإسرائيلية والسورية للبنان، لن ينجح بالسياسة، سوى في حال وقوع حربٍ أهليةٍ جديدة، وهو أمر غير وارد إطلاقاً.
قد تكون الغرائز متفلّتة حالياً، لكنها ليست سبباً حتمياً لاستيلاد فيدرالية متأخرة. في الواقعية السياسية، على من يعمل في السياسة اللبنانية الاستناد على قوةٍ عسكريةٍ وثانيةٍ خارجية، كي يتمكّن من فرض معادلةٍ داخليةٍ متأثرةٍ بفعلٍ إقليمي (خطوة أكراد سورية). الشيء غير المتوفر لدى معظم الأطراف السياسية في لبنان. حتى وإن توفّرت تلك القوة، فإنها لن تُفضي إلى ترسيم حدودٍ جديدة، بل فقط إلى غالبٍ ومغلوب هذه المرة، وبصورة شاملة. بالتالي، يُصبح لبنان تحت سيطرة فريق دون آخر.
سبب إضافي يمنع فدرلة لبنان بطريقةٍ تقسيميةٍ، لا تتجلّى فقط في صغره، بل أيضاً في المجتمعات "النقية" طائفياً، والتي بطبيعة الحال لن تتعايش مع بعضها، بسبب صراعاتٍ زعاماتية، شهدناها في الحرب أيضاً، وفي زمن السياسة، خصوصاً متى انتفى الخطر "الخارجي" المتأتي من طائفة أخرى. الفيدرالية بالمفهوم اللبناني تُبعد خطر الطوائف الأخرى على طائفة، لكنها تسمح في نشوب صراعات داخلية، تؤدي، حكماً، إلى الفناء الذاتي. يكفي أنه، في الحرب الأهلية اللبنانية، استُدعي الجيش اللبناني، للفصل في النزاعات المسلّحة داخل كل طائفة، مرّات كثيرة، أفلح حيناً وفشل أحياناً أخرى. أي أن الطوائف، وفي لحظة وصولها إلى الحضيض، احتاجت لعنصرٍ "وطني" كي يُنجدها، ولو إلى حين، من قتال أبنائها.
يُمكن تجاوز موضوع الفدرالية بحلّ من اثنين: تطبيق اللامركزية الإدارية، كما ذكرها اتفاق الطائف، بما يسمح لكل قضاءٍ إداري، ليس بالضرورة أن يكون من لونٍ طائفي معيّن، بجباية ضرائبه والتركيز على نموّه الداخلي، مع تخصيص جزءٍ من الضرائب لنمو المناطق الأقل حرماناً في لبنان، والتي لا تقع ضمن نطاقه الإداري. الحلّ الثاني، يقضي بإبعاد كل رموز الطبقة الحاكمة التي خرجت من رحم الحرب اللبنانية، من دون محاسبتها على جرائمها، ناقلة معها مليشياتها إلى داخل البنية الدولتية، لتسمح بمزيد من الترهّل والفساد، وهي التي، بطبيعة الحال، أفضت إلى أزمةٍ كأزمة النفايات مثلاً. قد يكون هذا الحلّ وهماً في زمننا الحالي، لكن الزمن كفيل باستيلاده في يومٍ من الأيام.
ما لم تحصل حربٌ داخلية، وهو أمر غير وارد، سيذهب طرح الفيدرالية في لبنان أدراج الرياح، في أي مساومةٍ أو تسويةٍ سياسيةٍ، تنخرط فيها دول إقليمية، واستطراداً، أنصارها في لبنان.
يعود طرح الفيدرالية في لبنان، من بوابة محاولة كرديةٍ حديثةٍ للفدرلة في شمال سورية، وإنْ بخجل، تحت عنوان "تطبيق الطائف أولاً وإلا". هذه الـ"وإلا" دونها عقبات، لن تسمح في تحوّل الفيدرالية إلى واقع. عوامل كثيرة تمنع حصول مثل هذا الأمر. تبدأ من زمن الحرب التي أسقطت الدويلات، دستورياً على الأقلّ، لصالح لبنان الـ10452 كيلومتراً مربّعاً، وتمرّ بالنموذج المجتمعي اللبناني الذي، وإن كان يشبه زواجاً بين أطيافٍ، لا يجمعها سوى أرضٍ واحدة وسماء واحدة، وتُشهر فعل الانتماء لبلدان خارج حدود الوطن إلى دول إقليمية وعظمى، إلا أنه السبب عينه الذي يمنع تطبيق الفيدرالية بنياتٍ تقسيمية. حصيلة الواقع أن ما سقط بالحرب، على الرغم من الاحتلالات الإسرائيلية والسورية للبنان، لن ينجح بالسياسة، سوى في حال وقوع حربٍ أهليةٍ جديدة، وهو أمر غير وارد إطلاقاً.
قد تكون الغرائز متفلّتة حالياً، لكنها ليست سبباً حتمياً لاستيلاد فيدرالية متأخرة. في الواقعية السياسية، على من يعمل في السياسة اللبنانية الاستناد على قوةٍ عسكريةٍ وثانيةٍ خارجية، كي يتمكّن من فرض معادلةٍ داخليةٍ متأثرةٍ بفعلٍ إقليمي (خطوة أكراد سورية). الشيء غير المتوفر لدى معظم الأطراف السياسية في لبنان. حتى وإن توفّرت تلك القوة، فإنها لن تُفضي إلى ترسيم حدودٍ جديدة، بل فقط إلى غالبٍ ومغلوب هذه المرة، وبصورة شاملة. بالتالي، يُصبح لبنان تحت سيطرة فريق دون آخر.
سبب إضافي يمنع فدرلة لبنان بطريقةٍ تقسيميةٍ، لا تتجلّى فقط في صغره، بل أيضاً في المجتمعات "النقية" طائفياً، والتي بطبيعة الحال لن تتعايش مع بعضها، بسبب صراعاتٍ زعاماتية، شهدناها في الحرب أيضاً، وفي زمن السياسة، خصوصاً متى انتفى الخطر "الخارجي" المتأتي من طائفة أخرى. الفيدرالية بالمفهوم اللبناني تُبعد خطر الطوائف الأخرى على طائفة، لكنها تسمح في نشوب صراعات داخلية، تؤدي، حكماً، إلى الفناء الذاتي. يكفي أنه، في الحرب الأهلية اللبنانية، استُدعي الجيش اللبناني، للفصل في النزاعات المسلّحة داخل كل طائفة، مرّات كثيرة، أفلح حيناً وفشل أحياناً أخرى. أي أن الطوائف، وفي لحظة وصولها إلى الحضيض، احتاجت لعنصرٍ "وطني" كي يُنجدها، ولو إلى حين، من قتال أبنائها.
يُمكن تجاوز موضوع الفدرالية بحلّ من اثنين: تطبيق اللامركزية الإدارية، كما ذكرها اتفاق الطائف، بما يسمح لكل قضاءٍ إداري، ليس بالضرورة أن يكون من لونٍ طائفي معيّن، بجباية ضرائبه والتركيز على نموّه الداخلي، مع تخصيص جزءٍ من الضرائب لنمو المناطق الأقل حرماناً في لبنان، والتي لا تقع ضمن نطاقه الإداري. الحلّ الثاني، يقضي بإبعاد كل رموز الطبقة الحاكمة التي خرجت من رحم الحرب اللبنانية، من دون محاسبتها على جرائمها، ناقلة معها مليشياتها إلى داخل البنية الدولتية، لتسمح بمزيد من الترهّل والفساد، وهي التي، بطبيعة الحال، أفضت إلى أزمةٍ كأزمة النفايات مثلاً. قد يكون هذا الحلّ وهماً في زمننا الحالي، لكن الزمن كفيل باستيلاده في يومٍ من الأيام.
ما لم تحصل حربٌ داخلية، وهو أمر غير وارد، سيذهب طرح الفيدرالية في لبنان أدراج الرياح، في أي مساومةٍ أو تسويةٍ سياسيةٍ، تنخرط فيها دول إقليمية، واستطراداً، أنصارها في لبنان.