04 نوفمبر 2024
الإرهاب يغذّي الإسلاموفوبيا مجدداً
شكّلت أحداث سبتمبر 2011 في الولايات المتحدة تحولاً نوعياً في صورة العربي (المسلم) في مخيال الغرب، على الرغم من أن ذلك يعود إلى ترسبات عشرات القرون التي خلت. كثفت الهجمات التي استهدفت برجي التجارة في نيويورك، والتي خلفت آلاف الضحايا من الأبرياء، تلك الصورة السلبية، وغذّتها بأخرى لا تقل رعباً: المسلم ذلك القاتل المتوحش يستهدف الآن رموز الحرية والمدنية والجمال. كل التمثلات والأحكام المسبقة وجدت ما يبرّرها وما يشرّع نشرها في رأيٍ عام لم يعش الحقبة الاستعمارية، كما لم يعش، أيضاً، تلك الالتقاءات العنيفة التي جمعت الإسلام بالغرب فيما بعد الحروب الصليبية، وتحديدا في القرنين الأخيرين (غزو نابليون مصر). لكن "بفضل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، يعاد تنظيم هذا اللقاء المرعب أمام أعين ملايين البشر، حتى يتابعوه متسمرين أمام شاشات التلفزيون. إنهم يعيشون كل تلك التفاصيل المؤلمة والمرعبة في آن.
الجديد في ذلك كله ليس المضمون المرتبط بالصور السلبية والمنفرة لعالم "الإسلام"، بل بالجمهور المستهدف في كل تلك التعبئة التي حصلت "بفضل" تكنولوجيات التواصل الاجتماعي في العصر الرقمي. كانت الصور السلبية عن ذلك المسلم متفشيةً، بلا شك، لكنها كانت محصورةً، إما في أوساط ضيقة من المثقفين، المتمترس أغلبهم في معاقل "الاستشراق العالم"، المتمركز على الإثنية- الأوروبية، أو في أوساط شعبية رثة، لا تنظر إلى الإسلام إلا من خلال السلوكات الفردية "الغربية" للمهاجرين، وهم يواجهون سياساتٍ عبثية من الاندماج.
لكل تلك العوامل السابقة، صاغت تلك الهجمات، هذه المرة، أكثر من أي وقت مضى، سياساتٍ، وأملت إجراءاتٍ، ونفذت برامج. ليس الأمر مجرد جفاء ثقافي متبادل، يصوغ أمزجة طرفين متباينين ووجدانهما، بل تحوّل إلى سياساتٍ مدمرة كارثية. سالت دماءٌ كثيرة، وهتكت أوطان وأبيدت تراثاتٌ نتيجة تلك الهجمات العبثية، ووضعت حركة البشر، وخصوصاً المسلمين، تحت أطنان مفزعة من آليات تكنولوجيا الرقابة. فرضت التأشيرات، واخترعت مئات التقنيات من التثبت في الهويات، إلى حد الإذلال أحياناً.
في مناخ الإرهاب هذا الذي تُعاد تغذيته حالياً، إثر هجمات بروكسل، مروراً بهجمات باريس،
من دون أن ننسى هجمات باردو وسوسة التي استهدفت رعايا غربيين، تدعمت تلك الصور النمطية عن عالم "الإسلام"، بعد أن ظننا أن الربيع العربي سيمنح العرب والمسلمين فرصةً نادرةً، لتعديل تلك الصورة القاتمة. فنحن، بفضل هذا الربيع، نستوي بشراً يستحق الحرية وننهض أمةً، تشارك الكون قيمه، وتمحو كل الاستثناءات التي أقصتها من دوائر الإنسانية الحديثة. لم نعد متحفاً للمشين من تاريخ البشر فحسب، بل ها نحن نسبي النساء ونحتطب ونجزّ الرؤوس... لقد تبخّر التفاؤل بربيعنا، تحت مفاعيل الإرهاب هذا.
بقطع النظر عن ردود الفعل السياسية والعسكرية المباشرة التي تتلو كل تلك الهجمات، والتي تتخذها بعض تلك الدول الضحية مبرّرات أو ذرائع للتدخل العسكري، وتصفية حسابات تاريخية، عبرت عنها، أكثر من مرة، زلات اللسان الفصيحة والبليغة لبعض الساسة الغربيين، فإننا لا نستطيع الادعاء مطلقاً أن هؤلاء "ليسوا منا". ربما نستطيع أن نتبرأ من أعمالهم، وأن تتسابق الألسنة الخشبية لبعضنا، حين تعلن "أن أعمالهم المشينة لا تلزمنا". ولكن، لا نستطيع، في كل الحالات، أن ننكر أنهم من "إنتاجنا"، حتى ولو كانوا قد نشأوا في الغرب.
يقتضي هذا الاعتراف أن نخفف من نشوة السلوان التي تنتابنا، حينما نهرول إلى تذكّر أن سياساتهم الظالمة وراء تلك البشاعات، وأنهم وراء صناعة الإرهاب، ذلك أن الصناعات تبور حين لا تجد من يقبل عليها. ستكون إحدى أمارات الساعة لو وجدت صناعة الإرهاب، حتى ولو ثبت أنهم من كانوا وراءها، أتباعا من الإسبان أو الصينيين أو حتى البرازيليين، بالأعداد التي تتكاثر فيه خلاياهم النائمة بين ظهرانينا.
تشكّل الجماعات الإرهابية في كل الحالات اليد العاملة الغبية لأعمال القتل تلك، وهي بذلك تخدم أجنداتٍ موضوعية لصناعة الإسلاموفوبيا، ففي جل الدول التي استهدفها الإرهاب يغذّى صندوق الانتخابات من منسوب الكراهية المتنامي تجاه العرب والمسلمين عموماً، بل رأينا أن الناخبين، حتى في دول عربية أو إسلامية، يصبحون أكثر ريبة من بعض فصائل السلام السياسي المعتدل. كان الإرهاب من أسباب إخراج حركة النهضة من الحكم في تونس، ومعاقبتها فيما بعد انتخابيا.
ينثر الإرهاب رعبه أينما حل، لكنه يوزّع هدايا ثمينة على اليمين الأوروبي وهواة المغامرات القاتلة من سياسيين لا يختلفون عن "رامبو"، بطل أفلام الرعب الأميركية، حيث لا تتواني السينما، بما فيها ألعاب الفيديو القاتلة، عن جعل العربي والمسلم طريدة حلالاً.
يجيب الإرهاب عن السؤال الذي طرح، على الرغم من دهائه ذات يوم "لماذا يكرهوننا؟". ولكن، على طريقته الخاصة: المزيد من القتل.
الجديد في ذلك كله ليس المضمون المرتبط بالصور السلبية والمنفرة لعالم "الإسلام"، بل بالجمهور المستهدف في كل تلك التعبئة التي حصلت "بفضل" تكنولوجيات التواصل الاجتماعي في العصر الرقمي. كانت الصور السلبية عن ذلك المسلم متفشيةً، بلا شك، لكنها كانت محصورةً، إما في أوساط ضيقة من المثقفين، المتمترس أغلبهم في معاقل "الاستشراق العالم"، المتمركز على الإثنية- الأوروبية، أو في أوساط شعبية رثة، لا تنظر إلى الإسلام إلا من خلال السلوكات الفردية "الغربية" للمهاجرين، وهم يواجهون سياساتٍ عبثية من الاندماج.
لكل تلك العوامل السابقة، صاغت تلك الهجمات، هذه المرة، أكثر من أي وقت مضى، سياساتٍ، وأملت إجراءاتٍ، ونفذت برامج. ليس الأمر مجرد جفاء ثقافي متبادل، يصوغ أمزجة طرفين متباينين ووجدانهما، بل تحوّل إلى سياساتٍ مدمرة كارثية. سالت دماءٌ كثيرة، وهتكت أوطان وأبيدت تراثاتٌ نتيجة تلك الهجمات العبثية، ووضعت حركة البشر، وخصوصاً المسلمين، تحت أطنان مفزعة من آليات تكنولوجيا الرقابة. فرضت التأشيرات، واخترعت مئات التقنيات من التثبت في الهويات، إلى حد الإذلال أحياناً.
في مناخ الإرهاب هذا الذي تُعاد تغذيته حالياً، إثر هجمات بروكسل، مروراً بهجمات باريس،
بقطع النظر عن ردود الفعل السياسية والعسكرية المباشرة التي تتلو كل تلك الهجمات، والتي تتخذها بعض تلك الدول الضحية مبرّرات أو ذرائع للتدخل العسكري، وتصفية حسابات تاريخية، عبرت عنها، أكثر من مرة، زلات اللسان الفصيحة والبليغة لبعض الساسة الغربيين، فإننا لا نستطيع الادعاء مطلقاً أن هؤلاء "ليسوا منا". ربما نستطيع أن نتبرأ من أعمالهم، وأن تتسابق الألسنة الخشبية لبعضنا، حين تعلن "أن أعمالهم المشينة لا تلزمنا". ولكن، لا نستطيع، في كل الحالات، أن ننكر أنهم من "إنتاجنا"، حتى ولو كانوا قد نشأوا في الغرب.
يقتضي هذا الاعتراف أن نخفف من نشوة السلوان التي تنتابنا، حينما نهرول إلى تذكّر أن سياساتهم الظالمة وراء تلك البشاعات، وأنهم وراء صناعة الإرهاب، ذلك أن الصناعات تبور حين لا تجد من يقبل عليها. ستكون إحدى أمارات الساعة لو وجدت صناعة الإرهاب، حتى ولو ثبت أنهم من كانوا وراءها، أتباعا من الإسبان أو الصينيين أو حتى البرازيليين، بالأعداد التي تتكاثر فيه خلاياهم النائمة بين ظهرانينا.
تشكّل الجماعات الإرهابية في كل الحالات اليد العاملة الغبية لأعمال القتل تلك، وهي بذلك تخدم أجنداتٍ موضوعية لصناعة الإسلاموفوبيا، ففي جل الدول التي استهدفها الإرهاب يغذّى صندوق الانتخابات من منسوب الكراهية المتنامي تجاه العرب والمسلمين عموماً، بل رأينا أن الناخبين، حتى في دول عربية أو إسلامية، يصبحون أكثر ريبة من بعض فصائل السلام السياسي المعتدل. كان الإرهاب من أسباب إخراج حركة النهضة من الحكم في تونس، ومعاقبتها فيما بعد انتخابيا.
ينثر الإرهاب رعبه أينما حل، لكنه يوزّع هدايا ثمينة على اليمين الأوروبي وهواة المغامرات القاتلة من سياسيين لا يختلفون عن "رامبو"، بطل أفلام الرعب الأميركية، حيث لا تتواني السينما، بما فيها ألعاب الفيديو القاتلة، عن جعل العربي والمسلم طريدة حلالاً.
يجيب الإرهاب عن السؤال الذي طرح، على الرغم من دهائه ذات يوم "لماذا يكرهوننا؟". ولكن، على طريقته الخاصة: المزيد من القتل.