10 ابريل 2019
السودان بين "الإنقاذ" والعقوبات
لم تشفع التوقيعات على العريضة التي تمّ تقديمها للبيت الأبيض الأميركي، والبالغة أكثر من 100 ألف، وهو الرقم المطلوب لرفع العقوبات الأميركية عن السودان في تحقيق هدفها. وعلى الرغم من المظالم التي وردت في العريضة بأنّ العقوبات المفروضة منذ 1997 اضطهادٌ للفقراء وقتلٌ للأبرياء، إلّا أنّ ردّ البيت الأبيض جاء موضحاً أرشفتها، بحجة أنّها لم تستوف شروط التوقيع. وبينما سلك السودانيون طريق البيت الأبيض لرفع هذه المظلومية، كانت الحكومة قد أراقت كثيراً من ماء وجهها على طرقات إسرائيل وسور دولة الجنوب، لتُتوج هرولة اللحظة الأخيرة باعتماد مجلس الأمن الدولي تمديد ولاية لجنة العقوبات المفروضة على السودان، مدة 13 شهراً تنتهي في مارس/ آذار 2017.
قامت الحكومة السودانية بتحولات كبيرة في سياستها الخارجية، قبيل صدور قرار مجلس الأمن مباشرة، ظنّاً منها أنّها ستبعث إليها عصا موسى لتحلّ مشكلاتها. تراءت لها العصا السحرية، هذه المرة، في محاولات كسب الرضا الأميركي عن طريق تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومحاولات تحسين العلاقة مع دولة جنوب السودان، بالوصول إلى هدنة، يعلم الطرفان أنّها ستنتهي بانتهاء أغراضها.
عندما أعلن وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، قبل شهرٍ، وجود تفاهمات بين بلاده وأميركا بشأن رفع العقوبات، لم يدرِ من يتابع أنّ هذه التفاهمات إشارة إلى خطوات التطبيع مع إسرائيل، إلّا بعد إعلانه ذلك مباشرة. وكانت هذه العلاقة مع إسرائيل، والتي وُصفت بأنّها "مشروطة"، حتى وقت قريب، مثار غضب بالنسبة للحكومة. فقد اتهم الرئيس السوداني، عمر البشير، العام الماضي، موقعي اتفاق باريس من قوى المعارضة، والتي تضم مكونات الجبهة الثورية المتمردة وحزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي، بتلقي مساعدات من إسرائيل للاستيلاء على الحكم في البلاد بالقوة. ومن قبل أيضاً، لم تتوان الحكومة عن اهتبال هذه السانحة، لتعرب عن أنّ فتح دولة جنوب السودان سفارة إسرائيل في عاصمتها جوبا، وإقامة العلاقات الدبلوماسية بينها وبين وإسرائيل، يشكّل خطراً على العرب والمسلمين.
كما كان السودان يجرّم السفر إلى إسرائيل، بنص صريح في ختم جوازات السفر، بما يفيد السماح لهم بالسفر لكل الدول ما عداها. أما الآن، فقد تم سحب العبارة من الجوازات الإلكترونية الجديدة التي بدأ العمل بها إلزامياً منذ يناير/ كانون الثاني الماضي.
الشق الآخر مما اعتبرته الحكومة حلّاً هو اتخاذها خطواتٍ نحو تحسين العلاقات مع الجنوب،
بوصفه يمثّل أحد المداخل لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، فكان أول ما قامت به حكومتا السودان تعهدهما بإغلاق ملف الخلاقات بينهما، كالعزم على مراجعة رسوم عبور نفط الجنوب عبر أراضي الشمال لتصديره. ثم توجيه رئيس دولة الجنوب، سلفاكير ميارديت، جيش بلاده بالانسحاب من المناطق الحدودية مع السودان خمسة أميال جنوباً، وهو ما قابله الرئيس البشير بخطوة إيجابية جديدة، تمثلت في إصدار قرار فتح الحدود بين البلدين.
هناك معيقات أساسية قد لا توصل الحكومة إلى إنهاء أجل العقوبات بسهولة، حتى على المدى البعيد، ما لم تتغير بعض الاستراتيجيات في السياسة الأميركية تجاه السودان. ولذا، تبدو عملية التصويت على عريضة البيت الأبيض، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ثم تحسين العلاقات مع جنوب السودان، أكثر كلفة مما يتصور الحزب الحاكم.
تذهب العقبة التي تواجه التطبيع مع إسرائيل في اتجاهين. الأول، أنّ الحكومة بدأت تواجهها عاصفة شعبية عارمة، كإدانات من أئمة المساجد في خُطب الجمعة، وتبعتها إدانة شعبية مكتومة، لم تصل إلى حد الاحتجاج بعد. وهنا، ينتصب السؤال عن مدى تعاطي النظام مع القضية الفلسطينية التي طالما أقام من أجلها المسيرات الشاجبة للعدوان على الشعب الفلسطيني، ثم احتوائها قادة المقاومة الإسلامية (حماس)، والدعم المادي والمعنوي للاجئين الفلسطينيين، ووصلت الحكومة، في عقد التسعينيات، إلى حدّ بناء مجسم للمسجد الأقصى، يفتح على مطار العاصمة الخرطوم مباشرة. ويتمثل الاتجاه الثاني في جدوى التطبيع من أساسه، والذي يبدو من بعض ما رشح عن مسؤولين في الكيان الإسرائيلي أنّهم زاهدون فيه. وعلى افتراض أنّه تمّ، فالتجارب الحالية لدول أفريقية وعربية وصلت إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، لم تُحلّ قضاياها، بل عملت على اتساع الفجوة بأكثر مما هي عليه بين النظام الحاكم وشعبها.
أمّا الإجراء الخاص بتحسين العلاقات مع جنوب السودان، فهذا يُتوقع أن يكون حلّاً مؤقتاً، تمّ بناءً على اتفاق سري بين الطرفين. وما يرجّح هذا الزعم أنّ المشكلة الأساسية مع جنوب السودان، منذ كان إقليماً تابعاً للدولة، هي مشكلة تاريخية، تحمل أبعاداً ثقافية وإثنية وعرقية ودينية. فعامل النفط وما صحبه من أزمات طارئة، لم تكن لتلغي جذور المشكلة الأساسية والموجودة قبل اكتشافه، كما أنّ البلدين يعانيان من انقساماتٍ داخلية، مصحوبةٍ بدعم كل دولة متمردي الدولة الأخرى.
قد لا تأخذ العقوبات زمناً طويلاً حتى يتمّ إلغاؤها، وهذا ليس بسبب تعاون الحكومة السودانية مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، وليس بسبب الموقف الأميركي ضد السودان، والذي يزعم "نظام الإنقاذ" بأنّه موقف سياسي. غالباً ما تنتهي العقوبات الأميركية على السودان، بعد أن تجد الولايات المتحدة ضالتها، فهي ما زالت تبحث فيما يمكن أن يقدّمه لها السودان من فائدة أو ميزة نسبية، أسوةً ببقية الدول في المنطقة؛ فهو ليس عربياً ولا أفريقياً، كما أنّ موقعه ليس شمال الصحراء ولا جنوبها.
قامت الحكومة السودانية بتحولات كبيرة في سياستها الخارجية، قبيل صدور قرار مجلس الأمن مباشرة، ظنّاً منها أنّها ستبعث إليها عصا موسى لتحلّ مشكلاتها. تراءت لها العصا السحرية، هذه المرة، في محاولات كسب الرضا الأميركي عن طريق تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومحاولات تحسين العلاقة مع دولة جنوب السودان، بالوصول إلى هدنة، يعلم الطرفان أنّها ستنتهي بانتهاء أغراضها.
عندما أعلن وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، قبل شهرٍ، وجود تفاهمات بين بلاده وأميركا بشأن رفع العقوبات، لم يدرِ من يتابع أنّ هذه التفاهمات إشارة إلى خطوات التطبيع مع إسرائيل، إلّا بعد إعلانه ذلك مباشرة. وكانت هذه العلاقة مع إسرائيل، والتي وُصفت بأنّها "مشروطة"، حتى وقت قريب، مثار غضب بالنسبة للحكومة. فقد اتهم الرئيس السوداني، عمر البشير، العام الماضي، موقعي اتفاق باريس من قوى المعارضة، والتي تضم مكونات الجبهة الثورية المتمردة وحزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي، بتلقي مساعدات من إسرائيل للاستيلاء على الحكم في البلاد بالقوة. ومن قبل أيضاً، لم تتوان الحكومة عن اهتبال هذه السانحة، لتعرب عن أنّ فتح دولة جنوب السودان سفارة إسرائيل في عاصمتها جوبا، وإقامة العلاقات الدبلوماسية بينها وبين وإسرائيل، يشكّل خطراً على العرب والمسلمين.
كما كان السودان يجرّم السفر إلى إسرائيل، بنص صريح في ختم جوازات السفر، بما يفيد السماح لهم بالسفر لكل الدول ما عداها. أما الآن، فقد تم سحب العبارة من الجوازات الإلكترونية الجديدة التي بدأ العمل بها إلزامياً منذ يناير/ كانون الثاني الماضي.
الشق الآخر مما اعتبرته الحكومة حلّاً هو اتخاذها خطواتٍ نحو تحسين العلاقات مع الجنوب،
هناك معيقات أساسية قد لا توصل الحكومة إلى إنهاء أجل العقوبات بسهولة، حتى على المدى البعيد، ما لم تتغير بعض الاستراتيجيات في السياسة الأميركية تجاه السودان. ولذا، تبدو عملية التصويت على عريضة البيت الأبيض، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ثم تحسين العلاقات مع جنوب السودان، أكثر كلفة مما يتصور الحزب الحاكم.
تذهب العقبة التي تواجه التطبيع مع إسرائيل في اتجاهين. الأول، أنّ الحكومة بدأت تواجهها عاصفة شعبية عارمة، كإدانات من أئمة المساجد في خُطب الجمعة، وتبعتها إدانة شعبية مكتومة، لم تصل إلى حد الاحتجاج بعد. وهنا، ينتصب السؤال عن مدى تعاطي النظام مع القضية الفلسطينية التي طالما أقام من أجلها المسيرات الشاجبة للعدوان على الشعب الفلسطيني، ثم احتوائها قادة المقاومة الإسلامية (حماس)، والدعم المادي والمعنوي للاجئين الفلسطينيين، ووصلت الحكومة، في عقد التسعينيات، إلى حدّ بناء مجسم للمسجد الأقصى، يفتح على مطار العاصمة الخرطوم مباشرة. ويتمثل الاتجاه الثاني في جدوى التطبيع من أساسه، والذي يبدو من بعض ما رشح عن مسؤولين في الكيان الإسرائيلي أنّهم زاهدون فيه. وعلى افتراض أنّه تمّ، فالتجارب الحالية لدول أفريقية وعربية وصلت إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، لم تُحلّ قضاياها، بل عملت على اتساع الفجوة بأكثر مما هي عليه بين النظام الحاكم وشعبها.
أمّا الإجراء الخاص بتحسين العلاقات مع جنوب السودان، فهذا يُتوقع أن يكون حلّاً مؤقتاً، تمّ بناءً على اتفاق سري بين الطرفين. وما يرجّح هذا الزعم أنّ المشكلة الأساسية مع جنوب السودان، منذ كان إقليماً تابعاً للدولة، هي مشكلة تاريخية، تحمل أبعاداً ثقافية وإثنية وعرقية ودينية. فعامل النفط وما صحبه من أزمات طارئة، لم تكن لتلغي جذور المشكلة الأساسية والموجودة قبل اكتشافه، كما أنّ البلدين يعانيان من انقساماتٍ داخلية، مصحوبةٍ بدعم كل دولة متمردي الدولة الأخرى.
قد لا تأخذ العقوبات زمناً طويلاً حتى يتمّ إلغاؤها، وهذا ليس بسبب تعاون الحكومة السودانية مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، وليس بسبب الموقف الأميركي ضد السودان، والذي يزعم "نظام الإنقاذ" بأنّه موقف سياسي. غالباً ما تنتهي العقوبات الأميركية على السودان، بعد أن تجد الولايات المتحدة ضالتها، فهي ما زالت تبحث فيما يمكن أن يقدّمه لها السودان من فائدة أو ميزة نسبية، أسوةً ببقية الدول في المنطقة؛ فهو ليس عربياً ولا أفريقياً، كما أنّ موقعه ليس شمال الصحراء ولا جنوبها.