27 سبتمبر 2019
من دفتر الأحوال السورية
قبل بداية الثورة السورية، كان سعر الدولار بين 45 و50 ليرة سورية، وكانت الألف ليرة تعادل 32 ألف ليرة لبنانية. وبعد دخول الثورة المُنتهكة والمسروقة عامها السادس، أصبح الدولار بأكثر من 500 ليرة سورية، وأصبحت الألف ليرة تشتري زجاجة ماء واحدة بسعة ليتر (!)، أي ألفي ليرة لبنانية. ماذا يعني هذا الانهيار المُريع في الليرة السورية، وهل يعقل أن تساوي الألف ليرة سورية زجاجة مياه معدنية في لبنان، فيما كانت الألف ليرة، قبل بداية الثورة، تشتري ثلاثة كيلو من اللحم، والآن لا تشتري أوقية. العملة الجديدة من الألف والخمسمائة ليرة سورية أشبه بشيك بلا رصيد، قيمتها الشرائية شبه معدومة، وأصبح، كما قال تاجر، حليب الأطفال أكثر غلاء من البترول. يقبض الشعب السوري هباء وأوراقاً نقدية بلا قيمة، فيما يشتري كل شيء محسوباً سعره باليورو أو الدولار. أصبحت مظاهر الفقر الفاقع لا تخفى في سورية، مشاهد رجال وأطفال ونساء ينبشون في القمامة، كما مشاهد أطفال ينامون في الشارع، عادية، وأفواج المتسولين، وخصوصاً الأطفال، عادية، كما لو أنها من تفاصيل الحياة السورية.
تغيّر مظهر الحياة في سورية بشكلٍ يبعث على العجب، ويمكن اختصار شكل الحياة في اللاذقية بالتدخين ودكاكين الألبسة المستعملة، فعلى الرغم من انقطاع أهم الأدوية وغلائها الفاحش، في الوقت نفسه، وعلى الرغم من الجوع وانعدام القوة الشرائية للعملة السورية، إلا أن كل أنواع الدخان موجودة، بما فيها المعسل والتنباك للأراجيل. وتحولت أهم الدكاكين، وفي أرقى شوارع اللاذقية، محلات لبيع الدخان، ومقاهٍ لتقديم الأراجيل تعج دوماً بالناس، كما لو أن وجودهم يتلخص في نفخ همومهم مع دخان السيجارة أو الأرجيلة، وبلغ عدد دكاكين الألبسة المستعملة ومحلاتها بالآلاف. تتلخص الحياة المزدهرة ظاهرياً في اللاذقية والساحل السوري في الدخان والألبسة المستعملة، كما لو أن هذه خطة الدولة لحل الأزمة. لكن، حتى الألبسة المستعملة باهظة الثمن، للألف ليرة سورية التي تعادل زجاجة ماء.
طعم الحياة السورية، إن كان لها طعم، هو الذل. على من يضطر أن يسافر إلى لبنان، حسب القانون، أن يبرز على الحدود ألف دولار، أي أن يملك نصف مليون ليرة سورية! من أين يحصل عليها إذا كان متوسط الرواتب 25 ألفاً إلى 30 ألف ليرة، أي 60 دولاراً في الشهر، وعليه أن يُعيل أسرته بهذا المبلغ الوهمي. والبنك المركزي والبنوك الخاصة تمنع بيع الدولار، والمهربون تجار العملة يدخلون السجن، من حين إلى آخر، بتهمة الاتِّجار بالعملة الصعبة، فيما أسياد تجارة الدولار واليورو طليقون، ويجمعون أرباحاً وفيرة من تصريف العملات.
أصبحت أحاديث السوريين متناسبة مع شكل الحياة اللامنطقي والعجيب في بلدهم، فكم من عائلاتٍ اضطرت لبيع كثيرٍ من أثاث منازلها، لتؤمن أجرة المهربين الذين سينقذون أولادها من شرف لقب "الشهيد البطل". وكم من عائلاتٍ تدفع راتباً للضابط المسؤول عن ابنها المجند، لكي لا يقذفه إلى الخط الأول للمعركة، وكم من عائلاتٍ نسي أولادها طعم اللحم والخضر والفاكهة، بسبب غلاء الأسعار.
الانهيار الاقتصادي يعني انهيار الإنسان، وليس مجرد بورصةٍ تعلو وتهبط، أن يتحول متوسط دخل السوري إلى 50 أو 60 دولاراُ في الشهر يعني أن أطفالاً يعانون من نقص التغذية والطبابة والدراسة والأمل والفرح والطمأنينة، أي أن اليأس دفع الناس، بمباركةٍ عظيمةٍ من الدولة، لكي يجدوا حلولاً لأزماتهم الحياتية، بمجرد تدخين معسل التفاح أو أي نوعٍ يريدون، وأن يلبسوا كنزةً من سوق الألبسة المستعملة. أن تُختزل الحياة وتُنتهك بتلك الطريقة، ويشعر المواطن السوري أنه لا يساوي شيئاً، وأن ما يملأ جيوبه مجرد عملة وهمية، مثل العملات التي تطبع ألعاباً للأطفال.
هذه مسؤولية الدولة التي أدّت إلى تدهور حياة السوري، وليكون طعمها طعم الذل وانعدام الكرامة وغياب الأفق لحياة كريمة. تستحق الألف ليرة سورية أن يُرسم عليها زجاجة مياة معدنية بسعة الليتر. ستكون أصدق وأدق معيار لانهيار حياة السوري.
تغيّر مظهر الحياة في سورية بشكلٍ يبعث على العجب، ويمكن اختصار شكل الحياة في اللاذقية بالتدخين ودكاكين الألبسة المستعملة، فعلى الرغم من انقطاع أهم الأدوية وغلائها الفاحش، في الوقت نفسه، وعلى الرغم من الجوع وانعدام القوة الشرائية للعملة السورية، إلا أن كل أنواع الدخان موجودة، بما فيها المعسل والتنباك للأراجيل. وتحولت أهم الدكاكين، وفي أرقى شوارع اللاذقية، محلات لبيع الدخان، ومقاهٍ لتقديم الأراجيل تعج دوماً بالناس، كما لو أن وجودهم يتلخص في نفخ همومهم مع دخان السيجارة أو الأرجيلة، وبلغ عدد دكاكين الألبسة المستعملة ومحلاتها بالآلاف. تتلخص الحياة المزدهرة ظاهرياً في اللاذقية والساحل السوري في الدخان والألبسة المستعملة، كما لو أن هذه خطة الدولة لحل الأزمة. لكن، حتى الألبسة المستعملة باهظة الثمن، للألف ليرة سورية التي تعادل زجاجة ماء.
طعم الحياة السورية، إن كان لها طعم، هو الذل. على من يضطر أن يسافر إلى لبنان، حسب القانون، أن يبرز على الحدود ألف دولار، أي أن يملك نصف مليون ليرة سورية! من أين يحصل عليها إذا كان متوسط الرواتب 25 ألفاً إلى 30 ألف ليرة، أي 60 دولاراً في الشهر، وعليه أن يُعيل أسرته بهذا المبلغ الوهمي. والبنك المركزي والبنوك الخاصة تمنع بيع الدولار، والمهربون تجار العملة يدخلون السجن، من حين إلى آخر، بتهمة الاتِّجار بالعملة الصعبة، فيما أسياد تجارة الدولار واليورو طليقون، ويجمعون أرباحاً وفيرة من تصريف العملات.
أصبحت أحاديث السوريين متناسبة مع شكل الحياة اللامنطقي والعجيب في بلدهم، فكم من عائلاتٍ اضطرت لبيع كثيرٍ من أثاث منازلها، لتؤمن أجرة المهربين الذين سينقذون أولادها من شرف لقب "الشهيد البطل". وكم من عائلاتٍ تدفع راتباً للضابط المسؤول عن ابنها المجند، لكي لا يقذفه إلى الخط الأول للمعركة، وكم من عائلاتٍ نسي أولادها طعم اللحم والخضر والفاكهة، بسبب غلاء الأسعار.
الانهيار الاقتصادي يعني انهيار الإنسان، وليس مجرد بورصةٍ تعلو وتهبط، أن يتحول متوسط دخل السوري إلى 50 أو 60 دولاراُ في الشهر يعني أن أطفالاً يعانون من نقص التغذية والطبابة والدراسة والأمل والفرح والطمأنينة، أي أن اليأس دفع الناس، بمباركةٍ عظيمةٍ من الدولة، لكي يجدوا حلولاً لأزماتهم الحياتية، بمجرد تدخين معسل التفاح أو أي نوعٍ يريدون، وأن يلبسوا كنزةً من سوق الألبسة المستعملة. أن تُختزل الحياة وتُنتهك بتلك الطريقة، ويشعر المواطن السوري أنه لا يساوي شيئاً، وأن ما يملأ جيوبه مجرد عملة وهمية، مثل العملات التي تطبع ألعاباً للأطفال.
هذه مسؤولية الدولة التي أدّت إلى تدهور حياة السوري، وليكون طعمها طعم الذل وانعدام الكرامة وغياب الأفق لحياة كريمة. تستحق الألف ليرة سورية أن يُرسم عليها زجاجة مياة معدنية بسعة الليتر. ستكون أصدق وأدق معيار لانهيار حياة السوري.