21 فبراير 2018
ملح غربي في جرح شرقي
لو دعيت إلى توقيع مقال مجلة "ذي إيكونوميست" في عددها الجديد (عنوانه انهيار الدول العربية...الحرب الداخلية) لما تردّدت، ففيه تشخيص دقيق، وموضوعية ليست غريبة على أعرق مجلة في أوروبا. تكتب المجلة في مقالها الافتتاحي"عندما رسم مارك سايكس وفرانسوا جورج بيكو، سراً، خطوطهما على خريطة الشام، لتقسيم الإمبراطورية العثمانية في مايو 1916 لم يتصوّرا الفوضى التي كانا بصدد إعطاء انطلاقتها: قرن من الخيانة الإمبريالية والغضب العربي والاضطرابات والانقلابات والحروب والترحيل والاحتلال ومفاوضات السلام الفاشلة في فلسطين، والقمع والتطرف والإرهاب".
هذا هو الإطار التاريخي لمحنة اليوم، حيث الدول تنهار والحروب تشتعل، لكن المجلة تلوم العرب أنفسهم، فتكتب "كل ما يجري يبدو أقرب إلى حرب داخل الحضارة العربية منه إلى صراع حضارات، ما يعني أن أزمات العرب لا يمكن أن تحلها الأطراف الخارجية. .. فأولاً وأخيراً، يجب أن تخرج التسوية من عند العرب أنفسهم".
ينبه كاتب مقال "حذار من الحلول السهلة" إلى أربع أفكار، هي ألغام خطيرة، ستعقد الوضع في العالم العربي، أول هذه الأفكار التي يجب التخلص منها: إعادة رسم حدود الدول العربية، حتى تتلاءم مع الدوائر العرقية والدينية للسكان، بحثاً عن استقرار مزعوم. هذا خطأ، لا توجد خطوط فاصلة في منطقةٍ تتعدّد فيها المجموعات العرقية والطوائف من قرية إلى قرية، ومن شارع إلى آخر. "سايكس بيكو" جديد يهدد بإحداث مآس جديدة، بل يمكن أن يؤدي إلى مزيد من إراقة الدماء، في ظل سعي الكل إلى بسط النفوذ على الأرض وإقصاء الخصوم.. على العكس، يجب فهم أن اللامركزية والنظام الفدرالي، في منطقة حسّاسة مثل هذه، قد يحمل أجوبة مناسبة وتسويات مرضية. الفكرة الثانية، وتراها المجلة مدمرة، هي النصيحة، إن الاستبداد العربي هو السبيل لمواجهة التطرّف والفوضى. يجمع حكم عبد الفتاح السيسي في مصر القمع والاستبداد والتخبط الاقتصادي، بالموازاة مع غضب شعبي متصاعد. وفي سورية، يحاول بشار الأسد وحلفاؤه أن يصوّروا نظامه الوحيد القادر على السيطرة على الفوضى، علماً أن العكس هو الصحيح، فعنف الأسد أول سبب لاضطراب البلاد. السلطوية العربية ليست أساس الاستقرار. هذا ما يجب أن يكون قد اتضح بجلاء بعد انتفاضات 2011. ثالث الأفكار المدمرة التي يجب إسقاطها حسب "ذي إيكونوميست"، أن الإسلام سبب الفوضى. وهذا أشبه بالقول، إن المسيحية سبب حروب أوروبا ومعاداة السامية. وإن قيل إن الإسلام هو المشكل، فأي إسلام بالضبط؟ إسلام أبو بكر البغدادي الذي يتبنى قطع الرؤوس، أم النموذج الثوري الإيراني، أم إسلام رجال حركة النهضة التونسية الذين يرتدون بذلات عصرية، ويسمون أنفسهم "مسلمين ديمقراطيين"؟ لا تصبّ شيطنة الإسلام إلا في مصلحة الرؤية الثنائية للعالم التي يتبناها "داعش". آخر فكرة يجب إبعادها من جدول العمل المقبل لإنقاذ العالم العربي، حسب المجلة، أن على أميركا أن تتوقف عن التدخل في شؤون المنطقة كلياً. هذه فكرة خاطئة، فعدم التدخل الأميركي قد يُنتج اضطراباتٍ لا تقل عن التي ينتجها التدّخل، كما تشهد بذلك الكارثة السورية. عانى العالم العربي من خيبات كثيرة، السبب فيها الاستبداد وشراء الولاء، توظيف فلسطين ووعد الوحدة العربية شعاران لتغطية الاستبداد.
ترى "ذي إيكونوميست" أن حل أزمات العالم العربي "يتطلب هزم "داعش"، وتسوية سياسية يحظى السنة بموجبها، في العراق وسورية، بكامل حقوقهم، واتفاقاً ينهي خلافات إيران والسعودية. ويجب تشجيع الإصلاحات في الدول التي تمكّنت من تجاوز الانتفاضات. وعلى الدول العربية أن تعرف أن الأدوات القديمة للسلطة لم تعد مجدية: النفط سيظل رخيصاً وقتاً طويلاً، والبوليس السرّي لا يمكنه وقف المعارضين في عالمٍ متشابك تكنولوجياً،... ومن المهم أن تساعد السعودية مجتمعها على الانفتاح، وتنجح في إصلاحاتها الهادفة إلى فطم البلاد عن النفط".
أزيد نقطةً، هي وقفة حازمة للغرب والشرق ضد إسرائيل لحل قضية فلسطين بما يرضي العرب والفلسطينيين، فهذا الجرح يغذّي جروحاً أخرى في جسم الأمة التي تشعر بالإهانة من تمزيقها بقلم سايكس بيكو منذ مائة عام.
هذا هو الإطار التاريخي لمحنة اليوم، حيث الدول تنهار والحروب تشتعل، لكن المجلة تلوم العرب أنفسهم، فتكتب "كل ما يجري يبدو أقرب إلى حرب داخل الحضارة العربية منه إلى صراع حضارات، ما يعني أن أزمات العرب لا يمكن أن تحلها الأطراف الخارجية. .. فأولاً وأخيراً، يجب أن تخرج التسوية من عند العرب أنفسهم".
ينبه كاتب مقال "حذار من الحلول السهلة" إلى أربع أفكار، هي ألغام خطيرة، ستعقد الوضع في العالم العربي، أول هذه الأفكار التي يجب التخلص منها: إعادة رسم حدود الدول العربية، حتى تتلاءم مع الدوائر العرقية والدينية للسكان، بحثاً عن استقرار مزعوم. هذا خطأ، لا توجد خطوط فاصلة في منطقةٍ تتعدّد فيها المجموعات العرقية والطوائف من قرية إلى قرية، ومن شارع إلى آخر. "سايكس بيكو" جديد يهدد بإحداث مآس جديدة، بل يمكن أن يؤدي إلى مزيد من إراقة الدماء، في ظل سعي الكل إلى بسط النفوذ على الأرض وإقصاء الخصوم.. على العكس، يجب فهم أن اللامركزية والنظام الفدرالي، في منطقة حسّاسة مثل هذه، قد يحمل أجوبة مناسبة وتسويات مرضية. الفكرة الثانية، وتراها المجلة مدمرة، هي النصيحة، إن الاستبداد العربي هو السبيل لمواجهة التطرّف والفوضى. يجمع حكم عبد الفتاح السيسي في مصر القمع والاستبداد والتخبط الاقتصادي، بالموازاة مع غضب شعبي متصاعد. وفي سورية، يحاول بشار الأسد وحلفاؤه أن يصوّروا نظامه الوحيد القادر على السيطرة على الفوضى، علماً أن العكس هو الصحيح، فعنف الأسد أول سبب لاضطراب البلاد. السلطوية العربية ليست أساس الاستقرار. هذا ما يجب أن يكون قد اتضح بجلاء بعد انتفاضات 2011. ثالث الأفكار المدمرة التي يجب إسقاطها حسب "ذي إيكونوميست"، أن الإسلام سبب الفوضى. وهذا أشبه بالقول، إن المسيحية سبب حروب أوروبا ومعاداة السامية. وإن قيل إن الإسلام هو المشكل، فأي إسلام بالضبط؟ إسلام أبو بكر البغدادي الذي يتبنى قطع الرؤوس، أم النموذج الثوري الإيراني، أم إسلام رجال حركة النهضة التونسية الذين يرتدون بذلات عصرية، ويسمون أنفسهم "مسلمين ديمقراطيين"؟ لا تصبّ شيطنة الإسلام إلا في مصلحة الرؤية الثنائية للعالم التي يتبناها "داعش". آخر فكرة يجب إبعادها من جدول العمل المقبل لإنقاذ العالم العربي، حسب المجلة، أن على أميركا أن تتوقف عن التدخل في شؤون المنطقة كلياً. هذه فكرة خاطئة، فعدم التدخل الأميركي قد يُنتج اضطراباتٍ لا تقل عن التي ينتجها التدّخل، كما تشهد بذلك الكارثة السورية. عانى العالم العربي من خيبات كثيرة، السبب فيها الاستبداد وشراء الولاء، توظيف فلسطين ووعد الوحدة العربية شعاران لتغطية الاستبداد.
ترى "ذي إيكونوميست" أن حل أزمات العالم العربي "يتطلب هزم "داعش"، وتسوية سياسية يحظى السنة بموجبها، في العراق وسورية، بكامل حقوقهم، واتفاقاً ينهي خلافات إيران والسعودية. ويجب تشجيع الإصلاحات في الدول التي تمكّنت من تجاوز الانتفاضات. وعلى الدول العربية أن تعرف أن الأدوات القديمة للسلطة لم تعد مجدية: النفط سيظل رخيصاً وقتاً طويلاً، والبوليس السرّي لا يمكنه وقف المعارضين في عالمٍ متشابك تكنولوجياً،... ومن المهم أن تساعد السعودية مجتمعها على الانفتاح، وتنجح في إصلاحاتها الهادفة إلى فطم البلاد عن النفط".
أزيد نقطةً، هي وقفة حازمة للغرب والشرق ضد إسرائيل لحل قضية فلسطين بما يرضي العرب والفلسطينيين، فهذا الجرح يغذّي جروحاً أخرى في جسم الأمة التي تشعر بالإهانة من تمزيقها بقلم سايكس بيكو منذ مائة عام.