06 نوفمبر 2024
كل هذا الغضب في العراق
ملفتٌ تصاعد الحراك الشعبي العراقي في مواجهة سلطة بغداد، وجنوحه نحو صيغٍ وممارساتٍ تعكس غضباً متفاقماً، لم يعد سهلا احتواؤه، ففي نهاية آخر أسبوع للفجائع في العراق، والتي تتناسل فصولاً منذ دزينة سنين، وجد أهل الضحايا الذين تناثرت جثثهم في شوارع وأسواق مدينة الصدر وأحياء الشعب والرشيد والتاجي، وسواها من شوارع وأسواق مدن وقصبات العراق أنهم معنيون، وقد وحّدهم الدم، بتصعيد هذا الحراك، وقد اكتشفوا أن ليس ثمّة ما يغيّر أحوالهم سوى التمرد على سلطةٍ غاشمة، استباحت كل شيء. وهكذا أقدم أهل الضحايا على اقتحام أسوار "المنطقة الخضراء" المحصّنة، وظهروا فجأة في الأماكن التي لم يتوقع رجال السلطة أن يصل المحتجون إليها، قاعات البرلمان ومكاتب رئاسة الوزراء وصالات الاجتماعات الرسمية، من دون أن يجرؤ أحد من زبانية السلطة على منعهم من الوصول إلى الأماكن التي أرادوها، وقد هرب من كان فيها كي ينجو بجلده.
ملفت ثانياً إقدام قوات الأمن على فتح النار بوجه المتظاهرين المحتجين العزّل، واستخدام الرصاص الحي وهراوات الصاعق الكهربائي، على نحو ما ذكره شهود العيان، وصوّرته مواقع التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى مقتل ثلاثة وجرح عشرات، إلى جانب اعتقال ناشطين عديدين، في واقعة تعتبر، بالمنظار القانوني، معياراً لتعامل دولة، أو قل بقايا دولة، تزعم أنها تنهج نهجاً ديمقراطياً مع مواطنيها الذين يمارسون حقهم في التعبير عن سخطهم على الأوضاع الماثلة في بلادهم، عبر التظاهر والاحتجاج، وهو حقٌّ كفلته لهم كل الشرائع، وبضمنها "الدستور" الهجين الذي فرضته حكومة الاحتلال الأولى، وإذا كان هناك من يعتبر اقتحام "المنطقة الخضراء" تجاوزاً لهذا الحق، فإن هذه "الخطوة" العفوية ما كانت لتحدُث لولا إصرار رجال السلطة على تجاهل مطاليب الناس العاديين بالإصلاح والتغيير ومعالجة المشكلات، التي تنوء بها البلاد.
ملفتٌ، ثالثاً، ما اعترى الطبقة السياسية النافذة من مخاوف، خشية أن تفتح واقعة يوم الجمعة الماضي الطريق نحو إسقاط "العملية السياسية" الطائفية الماثلة، والتأسيس لعمليةٍ سياسيةٍ وطنيةٍ تقيم دولة المواطنة والقانون، وقد تحدّث عن مخاوف كهذه غير واحدٍ من رجال السلطة. أشار عمار الحكيم إلى خروج التظاهرة عن هدفها، ونوري المالكي ندّد بمن "يريد السوء بالعملية السياسية، وفرض التصحيح بالقوة وبسطوة الشارع"، وإياد علاوي حذر من احتمال حدوث ما أسماها "انتفاضة مسلحة" إن لم يتم تدارك الأمور. فيما ظلّ مقتدى الصدر أسير مواقفه
الملتبسة كما عادته، مرّةً يركب الموجة، واصفاً التظاهرة الاحتجاجية بأنها "ثورة سلمية، تفضي إلى إنهاء الطائفية والمحاصصة والفساد"، ومرّة يغيّب نفسه عن المشهد، وثالثةً يوجّه أتباعه كي يكونوا أكثر امتثالاً للنظام، ودفعت تلك المخاوف رجال "العملية السياسية" إلى التوحد وتجاوز الخلافات، لأن انهيار الوضع الماثل يضع مصائرهم الشخصية على كف عفريت.
ملفت رابعاً التوافق الأميركي- الإيراني في التنبيه، كلٌّ من طرفه، إلى خطورة ما قد ينجم من تداعياتٍ سلبية على "العملية السياسية"، ربما تتجاوز "الخطوط الحمر"، وإشارتهما الواضحة إلى أنهما لن يسمحا بانهيارها، وبدا أن كلا من الطرفين كان يغني على ليلاه.
ملفتٌ خامساً تجاوز المحتجين سقف مطاليبهم في الإصلاح والتغيير إلى الدعوة إلى رحيل الطبقة السياسية كلها، ومحاسبتها على ما اقترفته من جرائم وخطايا، وأظهرت واقعة الجمعة أن ما كان ممكناً أن تنجزه حكومة حيدر العبادي لم يعد مقبولاً من جموع الناس، الذين فقدوا آخر بقية أملٍ لهم في أن تسعفهم "العملية السياسية"، بحلولٍ ومعالجاتٍ للأدواء التي استفحلت في ميادين الأمن والخدمات والاقتصاد والمجتمع، واكتشفوا، وإنْ متأخرين، أن الحل لا بد أن يكون جذرياً وكاملاً.
ملفتٌ سادساً اتهام العبادي المحتجين بأنهم بعثيون وداعشيون، في عودةٍ إلى المنطق الذي حكم به سلفه المالكي البلاد ثماني سنوات عجاف، وقد يكون في ما قاله العبادي بعض الصحة. ولكن، لو لم يرتكب النظام كل تلك الخطايا القاتلة، هل كان في وسع البعثيين والداعشيين أن يستولوا على شعارات التغيير، ويحتلوا موقعاً متقدماً في تظاهرات الاحتجاج.
ملفتٌ سابعاً وثامناً وتاسعاً أن العراق بات يقبع في "عنق الزجاجة"، وأن الحلول والمعالجات الترقيعية لم تعد قابلةً للتسويق من جديد، وكل المطروح في الميدان اليوم ينبئنا بأن حال العراق بعد واقعة الجمعة الفائتة لن يكون مثلما كان قبلها، ولسوف يكون القادم ملفتاً أكثر من كل ما سبق.
ملفت ثانياً إقدام قوات الأمن على فتح النار بوجه المتظاهرين المحتجين العزّل، واستخدام الرصاص الحي وهراوات الصاعق الكهربائي، على نحو ما ذكره شهود العيان، وصوّرته مواقع التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى مقتل ثلاثة وجرح عشرات، إلى جانب اعتقال ناشطين عديدين، في واقعة تعتبر، بالمنظار القانوني، معياراً لتعامل دولة، أو قل بقايا دولة، تزعم أنها تنهج نهجاً ديمقراطياً مع مواطنيها الذين يمارسون حقهم في التعبير عن سخطهم على الأوضاع الماثلة في بلادهم، عبر التظاهر والاحتجاج، وهو حقٌّ كفلته لهم كل الشرائع، وبضمنها "الدستور" الهجين الذي فرضته حكومة الاحتلال الأولى، وإذا كان هناك من يعتبر اقتحام "المنطقة الخضراء" تجاوزاً لهذا الحق، فإن هذه "الخطوة" العفوية ما كانت لتحدُث لولا إصرار رجال السلطة على تجاهل مطاليب الناس العاديين بالإصلاح والتغيير ومعالجة المشكلات، التي تنوء بها البلاد.
ملفتٌ، ثالثاً، ما اعترى الطبقة السياسية النافذة من مخاوف، خشية أن تفتح واقعة يوم الجمعة الماضي الطريق نحو إسقاط "العملية السياسية" الطائفية الماثلة، والتأسيس لعمليةٍ سياسيةٍ وطنيةٍ تقيم دولة المواطنة والقانون، وقد تحدّث عن مخاوف كهذه غير واحدٍ من رجال السلطة. أشار عمار الحكيم إلى خروج التظاهرة عن هدفها، ونوري المالكي ندّد بمن "يريد السوء بالعملية السياسية، وفرض التصحيح بالقوة وبسطوة الشارع"، وإياد علاوي حذر من احتمال حدوث ما أسماها "انتفاضة مسلحة" إن لم يتم تدارك الأمور. فيما ظلّ مقتدى الصدر أسير مواقفه
ملفت رابعاً التوافق الأميركي- الإيراني في التنبيه، كلٌّ من طرفه، إلى خطورة ما قد ينجم من تداعياتٍ سلبية على "العملية السياسية"، ربما تتجاوز "الخطوط الحمر"، وإشارتهما الواضحة إلى أنهما لن يسمحا بانهيارها، وبدا أن كلا من الطرفين كان يغني على ليلاه.
ملفتٌ خامساً تجاوز المحتجين سقف مطاليبهم في الإصلاح والتغيير إلى الدعوة إلى رحيل الطبقة السياسية كلها، ومحاسبتها على ما اقترفته من جرائم وخطايا، وأظهرت واقعة الجمعة أن ما كان ممكناً أن تنجزه حكومة حيدر العبادي لم يعد مقبولاً من جموع الناس، الذين فقدوا آخر بقية أملٍ لهم في أن تسعفهم "العملية السياسية"، بحلولٍ ومعالجاتٍ للأدواء التي استفحلت في ميادين الأمن والخدمات والاقتصاد والمجتمع، واكتشفوا، وإنْ متأخرين، أن الحل لا بد أن يكون جذرياً وكاملاً.
ملفتٌ سادساً اتهام العبادي المحتجين بأنهم بعثيون وداعشيون، في عودةٍ إلى المنطق الذي حكم به سلفه المالكي البلاد ثماني سنوات عجاف، وقد يكون في ما قاله العبادي بعض الصحة. ولكن، لو لم يرتكب النظام كل تلك الخطايا القاتلة، هل كان في وسع البعثيين والداعشيين أن يستولوا على شعارات التغيير، ويحتلوا موقعاً متقدماً في تظاهرات الاحتجاج.
ملفتٌ سابعاً وثامناً وتاسعاً أن العراق بات يقبع في "عنق الزجاجة"، وأن الحلول والمعالجات الترقيعية لم تعد قابلةً للتسويق من جديد، وكل المطروح في الميدان اليوم ينبئنا بأن حال العراق بعد واقعة الجمعة الفائتة لن يكون مثلما كان قبلها، ولسوف يكون القادم ملفتاً أكثر من كل ما سبق.