11 سبتمبر 2024
الإعلام في الجزائر.. صراع بين السلطة والمعارضة
انتبهت السلطة في الجزائر، أخيراً، إلى أن أكثر من 55 قناة تلفزيونية تعمل من دون ترخيص قانوني، وأن عمل هذه القنوات وبثها يتمّان بترخيصٍ مؤقتٍ من وزارة الإعلام، مدرجٍ تحت صفة مكاتب قنوات مسجلة قانونياً في الخارج، ولم يسلم من هذه الاستفاقة المتأخرة إلا خمس قنواتٍ، تقول الحكومة إنها سمحت لها بالعمل ضمن القانون الجزائري. استفاقة مصطنعة جاءت على لسان الوزير الأول، عبدالمالك سلال، والذي يعرف حق المعرفة أن هذه القنوات ما كان لها أن تبث من الجزائر، وتوظف صحافيين وفنيين، وتصور في الشارع، وتجوب المناطق البعيدة، طولاً وعرضاً، وتقابل مسؤولين وتحاورهم، إلا بموافقة حكومية بائنة أو مبطنة. يصف سلال الحالة التي آل إليها القطاع السمعي البصري في الجزائر بالفوضوية، ويعترف أن هذه الفوضى كانت تتم تحت أعين الحكومة، إنْ لم تكن بإيعازٍ منها، ويضيف أنه آن الأوان لـ "تطهير" هذا القطاع الإعلامي الذي يتهمه سلال بأنه أصبح يمسّ الثوابت الوطنية، ويصطاد في الماء العكر.
تناست السلطة التي تعتزم إغلاق كل القنوات التي لا تستجيب لمعاييرها أنها هي التي سمحت لهذه القنوات بالعمل بلا رخصة قانونية، وحتى قبل صدور قانون السمعي ـ البصري، في أبريل/ نيسان 2014، والذي ما زالت بنوده حبراً على ورق، ولم تترجم بعد إلى مراسيم تنفيذية، وما زالت هيئة الضبط التي أقرّها هذا القانون محل تجاذبات إدارية وسياسية، لم تسمح لها بالخروج إلى العلن، وممارسة مهامها المخولة لها قانوناً لتنظيم قطاع السمعي البصري.
وإذا أضفنا إلى أزمة القنوات التلفزيونية أزمة جريدة الخبر، أعرق الصحف الجزائرية الخاصة، والتي رفضت الحكومة صفقة بيعها لرجل الأعمال الجزائري، يسعد ربراب، يقفز إلى الأذهان مباشرة أن قبضةً حديديةً حكوميةً جديدةً، تريد أن تتحكّم في زمام أمور الصحافة والإعلام في الجزائر، وأن مسوغات هذه القبضة تعود إلى اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والمحلية في سنة 2017، وإلى رغبة السلطة في رسم معالم معارضة على المقاس، تريدها أن تكون طيعةً مهادنةً، لا يرتفع لها صوتٌ في الحديث عن صحة الرئيس، عبدالعزيز بوتفليقة، ولا عن معالم خريطة طريق من يخلفه. وبذلك، تسعى السلطة في الجزائر إلى استبعاد أي صوتٍ إعلاميٍّ، أو سياسي، يشوّش عليها هدوء خطتها المستقبلية في استتباب الأمور لصالحها.
تحوّلت قضية بيع مجمع الخبر الإعلامي إلى رجل الأعمال ربراب إلى مادةٍ دسمةٍ للمعارضة، وهي قضية مطروحة أمام العدالة، لكن الفصل الأصعب فيها هو في أخذها أبعاداً جهوية ومناطقية، على الرغم من أن وزارة الإعلام التي رفعت قضية بطلان صفقة مجمع الخبر تؤكد أن القضية تخضع للقانون التجاري، ولا تستهدف رجل الأعمال، يسعد ربراب، ولا "الخبر" كمجمع إعلامي.
حاول ربراب أن يدافع عن موقفه، من وجهة نظر قانونية وتجارية، وهو ما دفعه، أخيراً إلى إعلان نيته طرح أسهم مجمع "الخبر" الذي اشتراه في بورصة الجزائر، لكن القضية أخذت
أبعاداً سياسية بامتياز، فعبرت أحزاب وجمعيات مدنية وأهلية عن تضامنها مع "الخبر"، واعتبرت أن وقوف السلطة في وجه صفقة بيع المجمع تضييقاً على حرية التعبير، ومحاولة للتخلص من جريدة الخبر باعتبارها صرحاً إعلامياً، تمكّن، بعد جهودٍ متكرّرة، من التميز بخط افتتاحي مستقل. ولم يكتف يسعد ربراب من الماء بما ورد، فارتفع صوته، بنبرةٍ مناطقيةٍ لم تعهدها الجزائر، واتهم السلطة بتهميشه ومحاربة اسثماراته لأنه من منطقة القبائل، وهو ما دعا سعيد سعدي، الرئيس السابق لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (حزب قبائلي ينتمي لمنطقة تيزي وزو) إلى القول، إن الحملة ضد ربراب لأنه ينتمي إلى منطقة القبائل. وقال الرئيس الحالي للحزب، محسن بلعباس، "إن يسعد ربراب أصبح هدفاً للمافيا، لأنه يرفض الدخول في صف السلطة".
والمعروف أن قضية القبائل، أو الأمازيغ عامة، في الجزائر لم تكن أبداً قضية أقلية، فقد حكم الأمازيغ البلاد وما زالوا، فمنهم الرؤساء والوزراء والمدراء، ومارس العرب أيضاً الأدوار وما زالوا، وما تفرقت السبل وتناطحت الإرادات إلا بين أفرادٍ أو جماعاتٍ أو عصبٍ تعارضت مصالحهم السياسية. كان ذلك في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، أما وأن حال البلاد تغير عقب عشرية سوداء، مرّت بها الجزائر في التسعينيات، وما عرفته إبّانها من انفتاح اقتصادي عشوائي ركب موجته الوصوليون والمتسلقون، فأدت بهم التجاذبات المنفعية الضيقة إلى معارك علنية ومستترة، لا دخل للعرق فيها ولا ناقة له ولا جمل، فنزلت الصراعات بين الأفراد والعصب إلى الشارع مستغلةً ضعف السلطة المركزية، وتفشي الفساد، لتنفث سموم الفرقة في أوساط الشعب. وقد عرفت مناطق أمازيغية عديدة في غرداية وباتنة وتيزي وزو وبجاية وغيرها قلاقل ومواجهات بين السكان والسلطة.
سرعان ما تراجع ربراب عن لعبه بورقة انتمائه إلى منطقة القبائل، وكونه ضحية حاله هذا، وهاته الورقة تفتح أبواباً خطيرة. وإذا سلمنا أن قضية ربراب والسلطة قضية حرية رأي، فعلينا ألّا ننسى أن "الخبر" التي أنشأها صحافيون أحرار، في بداية الانفتاح الإعلامي الذي أقرّه رئيس الحكومة، مولود حمروش، سنة 1989 لعبت هي أيضاً دوراً مهماً في تحالفها مع النظام. لقد تحولت، بفعل حاجتها للمال، في بداية مشوارها الإعلامي، إلى موالاة سلطة الانقلاب على انتخابات 1991، سكتت بعدها على اغتيال جريدتي "الصح آفة" و"الرأي"، وجرائد أخرى لم تواكب النظام في سياسته الإقصائية. وضعت "الخبر" أيام الأزمة الدموية في التسعينيات نفسها، رفقة جرائد أخرى، في خدمة النظام، ولم تتضامن مع توقيف منابر إعلامية كثيرة. وعلى أي حال، تبقى "الخبر" منبراً إعلامياً له من الإيجابيات ما فاق ربما سلبياته، وإذا كانت الذاكرة لا تمحو السقطات، إلا أن الواجب المهني يحتّم علينا أن نقف مع هذه الصحيفة في أزمتها، فحرية الصحافة لا تتجزأ، و"الخبر" التي خنقها النظام بمنع الإشهار (الإعلان) عنها، في السنوات الأخيرة، دفعت الثمن، وهو ما دفع بأصحابها إلى بيعها لرجل الأعمال يسعد ربراب الذي كتب عنه مؤلف كتاب سيرته الذاتية، طيب حفصي، إنه يقف دوماً "على أتم الاستعداد، متأهباً للصراع مع الأكابر، مقتنعاً دوماً بأنه سينتصر عليهم". لقد اختار ربراب التعامل مع قضية "الخبر" من وجهة نظر سياسية، ومن زاوية علاقته بالسلطة، والسلطة، وإن أنكرت ذلك، إلا أنها لا تعرف اللعب إلا في ميدان السياسة، وبما يضمن لأزلامها البقاء متحكمين في أوصال حكمٍ أوهنته الصراعات وحب البقاء، ولو على حساب الديمقراطية والشورى والحكامة الاقتصادية.
تناست السلطة التي تعتزم إغلاق كل القنوات التي لا تستجيب لمعاييرها أنها هي التي سمحت لهذه القنوات بالعمل بلا رخصة قانونية، وحتى قبل صدور قانون السمعي ـ البصري، في أبريل/ نيسان 2014، والذي ما زالت بنوده حبراً على ورق، ولم تترجم بعد إلى مراسيم تنفيذية، وما زالت هيئة الضبط التي أقرّها هذا القانون محل تجاذبات إدارية وسياسية، لم تسمح لها بالخروج إلى العلن، وممارسة مهامها المخولة لها قانوناً لتنظيم قطاع السمعي البصري.
وإذا أضفنا إلى أزمة القنوات التلفزيونية أزمة جريدة الخبر، أعرق الصحف الجزائرية الخاصة، والتي رفضت الحكومة صفقة بيعها لرجل الأعمال الجزائري، يسعد ربراب، يقفز إلى الأذهان مباشرة أن قبضةً حديديةً حكوميةً جديدةً، تريد أن تتحكّم في زمام أمور الصحافة والإعلام في الجزائر، وأن مسوغات هذه القبضة تعود إلى اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والمحلية في سنة 2017، وإلى رغبة السلطة في رسم معالم معارضة على المقاس، تريدها أن تكون طيعةً مهادنةً، لا يرتفع لها صوتٌ في الحديث عن صحة الرئيس، عبدالعزيز بوتفليقة، ولا عن معالم خريطة طريق من يخلفه. وبذلك، تسعى السلطة في الجزائر إلى استبعاد أي صوتٍ إعلاميٍّ، أو سياسي، يشوّش عليها هدوء خطتها المستقبلية في استتباب الأمور لصالحها.
تحوّلت قضية بيع مجمع الخبر الإعلامي إلى رجل الأعمال ربراب إلى مادةٍ دسمةٍ للمعارضة، وهي قضية مطروحة أمام العدالة، لكن الفصل الأصعب فيها هو في أخذها أبعاداً جهوية ومناطقية، على الرغم من أن وزارة الإعلام التي رفعت قضية بطلان صفقة مجمع الخبر تؤكد أن القضية تخضع للقانون التجاري، ولا تستهدف رجل الأعمال، يسعد ربراب، ولا "الخبر" كمجمع إعلامي.
حاول ربراب أن يدافع عن موقفه، من وجهة نظر قانونية وتجارية، وهو ما دفعه، أخيراً إلى إعلان نيته طرح أسهم مجمع "الخبر" الذي اشتراه في بورصة الجزائر، لكن القضية أخذت
والمعروف أن قضية القبائل، أو الأمازيغ عامة، في الجزائر لم تكن أبداً قضية أقلية، فقد حكم الأمازيغ البلاد وما زالوا، فمنهم الرؤساء والوزراء والمدراء، ومارس العرب أيضاً الأدوار وما زالوا، وما تفرقت السبل وتناطحت الإرادات إلا بين أفرادٍ أو جماعاتٍ أو عصبٍ تعارضت مصالحهم السياسية. كان ذلك في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، أما وأن حال البلاد تغير عقب عشرية سوداء، مرّت بها الجزائر في التسعينيات، وما عرفته إبّانها من انفتاح اقتصادي عشوائي ركب موجته الوصوليون والمتسلقون، فأدت بهم التجاذبات المنفعية الضيقة إلى معارك علنية ومستترة، لا دخل للعرق فيها ولا ناقة له ولا جمل، فنزلت الصراعات بين الأفراد والعصب إلى الشارع مستغلةً ضعف السلطة المركزية، وتفشي الفساد، لتنفث سموم الفرقة في أوساط الشعب. وقد عرفت مناطق أمازيغية عديدة في غرداية وباتنة وتيزي وزو وبجاية وغيرها قلاقل ومواجهات بين السكان والسلطة.
سرعان ما تراجع ربراب عن لعبه بورقة انتمائه إلى منطقة القبائل، وكونه ضحية حاله هذا، وهاته الورقة تفتح أبواباً خطيرة. وإذا سلمنا أن قضية ربراب والسلطة قضية حرية رأي، فعلينا ألّا ننسى أن "الخبر" التي أنشأها صحافيون أحرار، في بداية الانفتاح الإعلامي الذي أقرّه رئيس الحكومة، مولود حمروش، سنة 1989 لعبت هي أيضاً دوراً مهماً في تحالفها مع النظام. لقد تحولت، بفعل حاجتها للمال، في بداية مشوارها الإعلامي، إلى موالاة سلطة الانقلاب على انتخابات 1991، سكتت بعدها على اغتيال جريدتي "الصح آفة" و"الرأي"، وجرائد أخرى لم تواكب النظام في سياسته الإقصائية. وضعت "الخبر" أيام الأزمة الدموية في التسعينيات نفسها، رفقة جرائد أخرى، في خدمة النظام، ولم تتضامن مع توقيف منابر إعلامية كثيرة. وعلى أي حال، تبقى "الخبر" منبراً إعلامياً له من الإيجابيات ما فاق ربما سلبياته، وإذا كانت الذاكرة لا تمحو السقطات، إلا أن الواجب المهني يحتّم علينا أن نقف مع هذه الصحيفة في أزمتها، فحرية الصحافة لا تتجزأ، و"الخبر" التي خنقها النظام بمنع الإشهار (الإعلان) عنها، في السنوات الأخيرة، دفعت الثمن، وهو ما دفع بأصحابها إلى بيعها لرجل الأعمال يسعد ربراب الذي كتب عنه مؤلف كتاب سيرته الذاتية، طيب حفصي، إنه يقف دوماً "على أتم الاستعداد، متأهباً للصراع مع الأكابر، مقتنعاً دوماً بأنه سينتصر عليهم". لقد اختار ربراب التعامل مع قضية "الخبر" من وجهة نظر سياسية، ومن زاوية علاقته بالسلطة، والسلطة، وإن أنكرت ذلك، إلا أنها لا تعرف اللعب إلا في ميدان السياسة، وبما يضمن لأزلامها البقاء متحكمين في أوصال حكمٍ أوهنته الصراعات وحب البقاء، ولو على حساب الديمقراطية والشورى والحكامة الاقتصادية.