06 نوفمبر 2024
سُكوت.. قاتل كوكس ليس إسلامياً
من قتل النائب البريطانية جو كوكس؟ هذا هو السؤال الذي لن نجد له جواباً في القريب العاجل. حتى منفذ الجريمة بالكاد عُرف اسمه، توماس مير، ولا شيء آخر غير اسمه، وصورة واحدة له، وهو يعتمر قبعة رياضيةً تخفى لون شعره وعينيه. وبعد أن أعلنت الشرطة البريطانية، السبت، توجيه تهمة القتل إليه، يحظر القانون البريطاني نشر أي تفاصيل أخرى عنه بصفته مشتبهاً به، ما يعني أننا لن نعرف المزيد عن هوية القاتل الحقيقي.
وحتى قبل أن يُفتح التحقيق مع منفذ الجريمة، بدأت الصحافة الغربية تهيئ رأيها العام للمسار الذي سيأخذه التحقيق، بتسريب أخبارٍ عن الحالة العقلية والنفسية للجاني، والقول إنه كان يعاني من اضطرابٍ نفسي، وخضع للعلاج، وبقي يعيش وحيداً في بيته بعد وفاة والدته، هكذا قال جيرانه للصحافة. نقطة على السطر، أو نقطة ونهاية.
حتى الاسم اللاتيني للقاتل يريدون أن يمحوه من الذاكرة. ومنذ اليوم الأول للتحقيق، بدأت الصحافة الغربية تروّج لقبه الجديد: "اسمي الموت للخونة...الحرية لبريطانيا"، هكذا عنونت صحف غربية كبرى كثيرة مقالاتها، نسبة إلى جواب المشتبه به، عندما سألته الشرطة عن اسمه. وهذه هي المعلومة الوحيدة التي "تَسربت"، أو تم "تسريبها" من مجريات التحقيق حتى الآن، لتهيئ الرأي العام لنتيجته المفترضة، عندما سيتم تصنيف الجريمة حالةً معزولةً، ارتكبها شخصٌ مختل عقليا، وبه وجب إغلاق الملف.
لا شيء يغري الصحافة الغربية في هذه الجريدة. القاتل المفترض، أو منفذ الجريمة، شخص يحمل اسماً بريطانياً، مريض عقليا، ولا يهم إن كان متديّناً أو ملحداً أو بلا دين، والضحية نائب بريطانية شابة، بدأت حياتها متطوعة في العمل الإنساني عبر العالم، تنتمي إلى حزب العمال اليساري المعارض، معروفة بإشادتها بالتنوع والتسامح داخل المجتمع البريطاني، وبدفاعها عن اللاجئين السوريين.
حقيقة.. لا شيء سيشدّ الصحافة الغربية إلى هذه القصة، وأحسن تعامل معها نسيانها، فالجرائم مثل هذا النوع كثيرة، وتكاد تقع باستمرار في كل العالم. حتى رئيس وزراء بريطانيا، ديفيد كاميرون، عندما أراد تأبين الضحية، اكتفى بالتركيز على الجانب الإنساني من المأساة، بالقول إنها رحلت وخلفت خلفها طفلين صغيرين وزوجاً محباً. لا حديث عن العدالة التي يجب أن تأخذ مجراها حتى تنكشف الحقيقة، ولا دعوة إلى وحدة الأمة ضد الخطر الداهم الذي أزهق حياة النائب البريطانية.
كان كل شيء بسيطاً، ويجب أن يمر بسرعة حتى تطوى الصفحة، وينسى الناس حادث الاغتيال. حفل تأبين بسيط نظّم على عجل، لم يُدع له رؤساء الدول، بدون خطبٍ عصماء. فقط بِضعُ كلماتٍ مرتجلةٍ أمام نصب تذكاري، وضعت تحته باقاتٌ من ورودٍ صفراء. لا مسيرات ضخمة في شوارع لندن، للتنديد بالجريمة، ولا حملات كبيرة على المواقع الاجتماعية تقول "كلنا كوكس"، مع أن الضحية نائب برلمانية، ومثل هذه الجرائم لا تتكرّر يومياً في بريطانيا، فآخر اغتيال لنائب برلماني بريطاني يعود إلى أكثر من ربع قرن.
أما الخبر الذي نُسب إلى منظمة للدفاع عن الحقوق المدنية، ويقول إن الرجل الذي يشتبه بأنه
قاتل النائب كوكس من أنصار مجموعة للنازيين الجدد، تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، فسرعان ما تجاوزته كبريات وسائل الإعلام الغربية التي لم تكلف نفسها عناء البحث عن اسم هذه المجموعة، ومكان وجودها، وفكرها، وأعضائها، وأنشطتها... على الرغم من أن المنظمة التي نشرت الخبر كتبت، على موقعها الإلكتروني، أنها حصلت على وثائق تؤكد أن للجاني "تاريخا طويلا مع التيار القومي الأبيض"، و"كان من الأنصار الأوفياء لـ (التحالف الوطني) الذي كان، عشرات السنين، أكبر منظمة للنازيين الجدد في الولايات المتحدة". وإنه "أنفق أكثر من 620 دولاراً في أعمال لمجموعة (التحالف الوطني) التي تدعو إلى بناء أمةٍ مؤلفةٍ من البيض حصراً، وإلى القضاء على الشعب اليهودي"... كل هذه المعلومات غير مهمة، ولم تستفز الصحافة الغربية للتحقيق فيها، وخير تعامل معها نسيانها.
شيء آخر نسيناه جميعاً. كلمة لم نسمعها تتردّد في مثل هذه الحوادث. إنها كلمة "إرهاب". لا أحد استعملها لوصف الجريمة، أو لنعت مرتكبها. فجأة اختفت الكلمة عن تحاليل وسائل الإعلام الغربية التي كانت تسارع إلى استعمالها في أحداث مشابهةٍ، حتى قبل أن تعرف من يقف وراءها. أليس ما قام به توماس مير إرهاباً؟ ألا يعتبر هذا الشخص إرهابياً؟ وإلا فما هو تعريف الإرهاب في قاموس الإعلام الغربي؟ أنبئونا بالله عليكم.
لنتوقف لحظةً. ماذا لو أن الجاني كان يحمل اسماً عربياً، أو أنه ينتسب أو انتسب إلى الإسلام؟ أو فقط لو أن صورته نُشرت، قبل تحديد هويته وقبل القبض عليه، وبدت فيها بشرته سمراء أو بلحية خفيفة أو بملامح عربية.. كيف كانت ستكون ردة فعل ساسة الغرب ووسائل إعلام الغرب؟ لا يتعلق الأمر هنا بما يسميه بعضهم "التحليل المبني على نظرية المؤامرة"، وإنما بأسئلةٍ حقيقيةٍ، يجب أن نطرحها على وسائل الإعلام الغربية التي تكيل بمكيالين، عندما يتعلق الأمر بجرائم يتورّط فيها مسلمون أو عرب.
التعصب والكراهية والعنف والتطرف والحقد والعنصرية والإرهاب.. كلها أمراض بشرية، لا دين ولا عرق ولا جنسية لها، ويجب التعامل معها كأمراض حقيقية، أصحابها مختلون ومجانين وحمقى، لا يمكن أن يكونوا أصحاب فكر أو مشروع أو مبادئ أو قيم، حتى لو انتظموا في جماعاتٍ وأسّسوا تنظيمات.. فالتاريخ البشري يحفل بأخبار جماعات المجانين والحشاشين والطوائف التي يسوقها جلادون وقتلة متوحشون.
جريمة مقتل النائب كوكس محزنةٌ ومأساوية، تستحق الإدانة والشجب، ويجب أن تكون درساً للإعلام الغربي في التعامل مستقبلاً مع جرائم من طبيعتها، حتى لو حاول مرتكبوها أن يبرّروها باسم العرق أو الدين، أو تتبناها جماعات متطرفة من الحمقى والمجانين، لتروج بشاعاتها وفظاعاتها. توماس مير مجرم قاتل مثل عمر متين، منفذ جريمة أورلاندو في الولايات المتحدة الأميركية، ومثل منفذي جرائم باريس وبروكسل وسوسة وبيروت ولاهور. كلهم قتلة مرضى، لا دين ولا ملة ولا فكر لهم، وكل من يتبنى أو يدافع أو يبرّر جرائمهم يتحمل معهم مسؤوليتها الجنائية والأخلاقية.
وحتى قبل أن يُفتح التحقيق مع منفذ الجريمة، بدأت الصحافة الغربية تهيئ رأيها العام للمسار الذي سيأخذه التحقيق، بتسريب أخبارٍ عن الحالة العقلية والنفسية للجاني، والقول إنه كان يعاني من اضطرابٍ نفسي، وخضع للعلاج، وبقي يعيش وحيداً في بيته بعد وفاة والدته، هكذا قال جيرانه للصحافة. نقطة على السطر، أو نقطة ونهاية.
حتى الاسم اللاتيني للقاتل يريدون أن يمحوه من الذاكرة. ومنذ اليوم الأول للتحقيق، بدأت الصحافة الغربية تروّج لقبه الجديد: "اسمي الموت للخونة...الحرية لبريطانيا"، هكذا عنونت صحف غربية كبرى كثيرة مقالاتها، نسبة إلى جواب المشتبه به، عندما سألته الشرطة عن اسمه. وهذه هي المعلومة الوحيدة التي "تَسربت"، أو تم "تسريبها" من مجريات التحقيق حتى الآن، لتهيئ الرأي العام لنتيجته المفترضة، عندما سيتم تصنيف الجريمة حالةً معزولةً، ارتكبها شخصٌ مختل عقليا، وبه وجب إغلاق الملف.
لا شيء يغري الصحافة الغربية في هذه الجريدة. القاتل المفترض، أو منفذ الجريمة، شخص يحمل اسماً بريطانياً، مريض عقليا، ولا يهم إن كان متديّناً أو ملحداً أو بلا دين، والضحية نائب بريطانية شابة، بدأت حياتها متطوعة في العمل الإنساني عبر العالم، تنتمي إلى حزب العمال اليساري المعارض، معروفة بإشادتها بالتنوع والتسامح داخل المجتمع البريطاني، وبدفاعها عن اللاجئين السوريين.
حقيقة.. لا شيء سيشدّ الصحافة الغربية إلى هذه القصة، وأحسن تعامل معها نسيانها، فالجرائم مثل هذا النوع كثيرة، وتكاد تقع باستمرار في كل العالم. حتى رئيس وزراء بريطانيا، ديفيد كاميرون، عندما أراد تأبين الضحية، اكتفى بالتركيز على الجانب الإنساني من المأساة، بالقول إنها رحلت وخلفت خلفها طفلين صغيرين وزوجاً محباً. لا حديث عن العدالة التي يجب أن تأخذ مجراها حتى تنكشف الحقيقة، ولا دعوة إلى وحدة الأمة ضد الخطر الداهم الذي أزهق حياة النائب البريطانية.
كان كل شيء بسيطاً، ويجب أن يمر بسرعة حتى تطوى الصفحة، وينسى الناس حادث الاغتيال. حفل تأبين بسيط نظّم على عجل، لم يُدع له رؤساء الدول، بدون خطبٍ عصماء. فقط بِضعُ كلماتٍ مرتجلةٍ أمام نصب تذكاري، وضعت تحته باقاتٌ من ورودٍ صفراء. لا مسيرات ضخمة في شوارع لندن، للتنديد بالجريمة، ولا حملات كبيرة على المواقع الاجتماعية تقول "كلنا كوكس"، مع أن الضحية نائب برلمانية، ومثل هذه الجرائم لا تتكرّر يومياً في بريطانيا، فآخر اغتيال لنائب برلماني بريطاني يعود إلى أكثر من ربع قرن.
أما الخبر الذي نُسب إلى منظمة للدفاع عن الحقوق المدنية، ويقول إن الرجل الذي يشتبه بأنه
شيء آخر نسيناه جميعاً. كلمة لم نسمعها تتردّد في مثل هذه الحوادث. إنها كلمة "إرهاب". لا أحد استعملها لوصف الجريمة، أو لنعت مرتكبها. فجأة اختفت الكلمة عن تحاليل وسائل الإعلام الغربية التي كانت تسارع إلى استعمالها في أحداث مشابهةٍ، حتى قبل أن تعرف من يقف وراءها. أليس ما قام به توماس مير إرهاباً؟ ألا يعتبر هذا الشخص إرهابياً؟ وإلا فما هو تعريف الإرهاب في قاموس الإعلام الغربي؟ أنبئونا بالله عليكم.
لنتوقف لحظةً. ماذا لو أن الجاني كان يحمل اسماً عربياً، أو أنه ينتسب أو انتسب إلى الإسلام؟ أو فقط لو أن صورته نُشرت، قبل تحديد هويته وقبل القبض عليه، وبدت فيها بشرته سمراء أو بلحية خفيفة أو بملامح عربية.. كيف كانت ستكون ردة فعل ساسة الغرب ووسائل إعلام الغرب؟ لا يتعلق الأمر هنا بما يسميه بعضهم "التحليل المبني على نظرية المؤامرة"، وإنما بأسئلةٍ حقيقيةٍ، يجب أن نطرحها على وسائل الإعلام الغربية التي تكيل بمكيالين، عندما يتعلق الأمر بجرائم يتورّط فيها مسلمون أو عرب.
التعصب والكراهية والعنف والتطرف والحقد والعنصرية والإرهاب.. كلها أمراض بشرية، لا دين ولا عرق ولا جنسية لها، ويجب التعامل معها كأمراض حقيقية، أصحابها مختلون ومجانين وحمقى، لا يمكن أن يكونوا أصحاب فكر أو مشروع أو مبادئ أو قيم، حتى لو انتظموا في جماعاتٍ وأسّسوا تنظيمات.. فالتاريخ البشري يحفل بأخبار جماعات المجانين والحشاشين والطوائف التي يسوقها جلادون وقتلة متوحشون.
جريمة مقتل النائب كوكس محزنةٌ ومأساوية، تستحق الإدانة والشجب، ويجب أن تكون درساً للإعلام الغربي في التعامل مستقبلاً مع جرائم من طبيعتها، حتى لو حاول مرتكبوها أن يبرّروها باسم العرق أو الدين، أو تتبناها جماعات متطرفة من الحمقى والمجانين، لتروج بشاعاتها وفظاعاتها. توماس مير مجرم قاتل مثل عمر متين، منفذ جريمة أورلاندو في الولايات المتحدة الأميركية، ومثل منفذي جرائم باريس وبروكسل وسوسة وبيروت ولاهور. كلهم قتلة مرضى، لا دين ولا ملة ولا فكر لهم، وكل من يتبنى أو يدافع أو يبرّر جرائمهم يتحمل معهم مسؤوليتها الجنائية والأخلاقية.