21 فبراير 2018
السياسة والدين والجنس
تنشغل مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة المحلية في المغرب بقصة (عمر وفاطمة)، والتي اجتمع فيها الثلاثي الذي يجعل من الخبر قنبلة، الدين والسياسة والجنس. ولذلك، برز نقاش سياسي وحقوقي مهم على ضفافها، وأخرجها شيء ما من طابعها الفضائحي إلى أبعادها القانونية والفكرية والسياسية.
اعتقلت الشرطة القضائية قياديين في حركة التوحيد والإصلاح (الذراع الديني لحزب العدالة والتنمية) على شاطئ البحر، ونسبت إليهما القيام بالفعل الفاضح في السيارة، ومن ثم توجيه تهمة الخيانة الزوجية لهما، وقد صرحا لدى الشرطة أنهما متزوجان عرفياً، وأن ظروفهما العائلية منعتهما من توثيق هذا الزواج الذي لا يعترف به القانون المغربي. ونشب جدل لم ينته بعد حول الحريات الفردية، وحول أحقية الشرطة في اقتحام خلوة رجل وامرأة ومطالبتها بالكشف عن نوع العلاقة بينهما، وقيادتهما إلى مركز الشرطة، بعد تفتيش سيارتهما والعثور عما يدينهما في جريمةٍ لم تعاينها الشرطة.
المحافظون، وخصوصاً الإسلاميون الذين كانوا تقليدياً يتوجسّون من موضوع الحريات الفردية، أصبحوا يدافعون عنها، لأن واحداً منهم سقط بفعل خرقها. والحداثيون وجدوها فرصة للشماتة من المحافظين الذين كانوا يقفون مع السلطة ضد الدفاع عن الحريات الفردية ومرجعية حقوق الإنسان العالمية.
المحافظون الذين كانوا يَرَوْن في القانون الجنائي المغربي خط الدفاع الأول والأخير عن القيم، متوهمين أن الدولة تتشدّد إزاء الحريات الفردية والعلاقات الرضائية بين البالغين، دفاعاً عن الأخلاق والقيم الإسلامية، تحول بعضهم إلى الضفة الأخرى، محاولا إشهار مبادئ حقوق الإنسان في وجه من يريد استغلال الحادثة، لاعتباراتٍ سياسيةٍ، على بعد أسابيع من الانتخابات البرلمانية. .
لا يتطور الفكر القانوني في المجتمعات بمعزلٍ عن الأحداث والأزمات والنوازل التي تهزّه، وتفتح الأعين على مشكلات النصوص القانونية، وعلى تجاوزات الممارسات القضائية والحقوقية، وقصة (عمر وفاطمة) قد تتحول درساً في تاريخ القانون الجنائي المغربي يُدرس في الجامعات، باعتبارها التي فتحت الطريق نحو تغييره، وخروج السلطة من موضوع العلاقات الخاصة بين الأفراد، ما داموا لا يهددون الأمن العام، ولا يعتدون على حقوق الغير.
يتم تدخل القانون الجنائي في العلاقات الجنسية الرضائية بين الرجل والمرأة البالغيْن بانتقائية بين الأفراد والطبقات، وحسب الظروف والأحوال، حتى أن هناك نصوصاً في القانون الجنائي المغربي كانت توظف في سنوات القمع لردع المعارضين، وتشويه سمعتهم، وإعطاء سلاح للدولة غير الديمقراطية لبسط سلطويتها على المجتمع المحافظ، تحت يافطة حماية الأخلاق والدفاع عن القيم، وكأن تزوير الانتخابات وتعذيب البشر في السجون ونهب المال العام ليست مناقضة للأخلاق والقيم الإسلامية!
لسنواتٍ طويلةٍ، لعبت السلطة في الدول العربية لعبة ذكية بين طرفي المجتمع، الحداثي والمحافظ، حيث تضع الدولة قانوناً جنائياً قاسياً وتحكمياً وفضفاضاً يعطيها سلطةً كبيرةً على الفرد والجماعة، وفي كل مناحي النشاط الإنساني. تقول الدولة السلطوية للحداثيين، في تبرير تشدّد نصوصها القانونية، وخصوصاً الجنائية: إن قاعدة المجتمع محافظة، ولابد من أخذ رأيها ومشاعرها وتوجهاتها بالاعتبار، في حين إنكم، أيها الحداثيون، قلة القلة، وأنتم لا تمثلون قوة في المجتمع. ولهذا، الحل هو نص قانوني يرضي الأغلبية، وتطبيق عملي يرضي الأقلية، تقوم به سلطة الأمن والقضاء باسم الملاءمة.
ومع المحافظين، تقول السلطة العربية إن الدولة إسلامية، ودينها الرسمي هو الإسلام. ولهذا فالنصوص القانونية موجودة لتترجم هذه الهوية التي ترضيكم، لكن التطبيق شيء آخر. التطبيق يجب أن يراعي الظروف والأحوال في الداخل والخارج، والأمير أو الرئيس أو الملك هو صاحب السياسة الشرعية. ولهذا ثقوا فيه واتركوا الأمر له. يعطي هذا اللعب على الحبلين للدولة، وأجهزتها الأمنية، نصوصاً قانونية، بها تخنق الفرد والمجتمع، وتصرف سلطويتها متى أرادت ووقت ما تشاء. ازدواجية النص وتطبيقه هذه تعطي للدولة هامشاً تحل به تناقض الخطاب السياسي مع النص القانوني. ولأن المحافظين لا يتحاورون مع الحداثيين، ولا يضعون دولة الحق والقانون والديمقراطية أولوية في برنامجهم، بعيداً عن التخندقات الإيديولوجية، اللعبة تستمر.
اعتقلت الشرطة القضائية قياديين في حركة التوحيد والإصلاح (الذراع الديني لحزب العدالة والتنمية) على شاطئ البحر، ونسبت إليهما القيام بالفعل الفاضح في السيارة، ومن ثم توجيه تهمة الخيانة الزوجية لهما، وقد صرحا لدى الشرطة أنهما متزوجان عرفياً، وأن ظروفهما العائلية منعتهما من توثيق هذا الزواج الذي لا يعترف به القانون المغربي. ونشب جدل لم ينته بعد حول الحريات الفردية، وحول أحقية الشرطة في اقتحام خلوة رجل وامرأة ومطالبتها بالكشف عن نوع العلاقة بينهما، وقيادتهما إلى مركز الشرطة، بعد تفتيش سيارتهما والعثور عما يدينهما في جريمةٍ لم تعاينها الشرطة.
المحافظون، وخصوصاً الإسلاميون الذين كانوا تقليدياً يتوجسّون من موضوع الحريات الفردية، أصبحوا يدافعون عنها، لأن واحداً منهم سقط بفعل خرقها. والحداثيون وجدوها فرصة للشماتة من المحافظين الذين كانوا يقفون مع السلطة ضد الدفاع عن الحريات الفردية ومرجعية حقوق الإنسان العالمية.
المحافظون الذين كانوا يَرَوْن في القانون الجنائي المغربي خط الدفاع الأول والأخير عن القيم، متوهمين أن الدولة تتشدّد إزاء الحريات الفردية والعلاقات الرضائية بين البالغين، دفاعاً عن الأخلاق والقيم الإسلامية، تحول بعضهم إلى الضفة الأخرى، محاولا إشهار مبادئ حقوق الإنسان في وجه من يريد استغلال الحادثة، لاعتباراتٍ سياسيةٍ، على بعد أسابيع من الانتخابات البرلمانية. .
لا يتطور الفكر القانوني في المجتمعات بمعزلٍ عن الأحداث والأزمات والنوازل التي تهزّه، وتفتح الأعين على مشكلات النصوص القانونية، وعلى تجاوزات الممارسات القضائية والحقوقية، وقصة (عمر وفاطمة) قد تتحول درساً في تاريخ القانون الجنائي المغربي يُدرس في الجامعات، باعتبارها التي فتحت الطريق نحو تغييره، وخروج السلطة من موضوع العلاقات الخاصة بين الأفراد، ما داموا لا يهددون الأمن العام، ولا يعتدون على حقوق الغير.
يتم تدخل القانون الجنائي في العلاقات الجنسية الرضائية بين الرجل والمرأة البالغيْن بانتقائية بين الأفراد والطبقات، وحسب الظروف والأحوال، حتى أن هناك نصوصاً في القانون الجنائي المغربي كانت توظف في سنوات القمع لردع المعارضين، وتشويه سمعتهم، وإعطاء سلاح للدولة غير الديمقراطية لبسط سلطويتها على المجتمع المحافظ، تحت يافطة حماية الأخلاق والدفاع عن القيم، وكأن تزوير الانتخابات وتعذيب البشر في السجون ونهب المال العام ليست مناقضة للأخلاق والقيم الإسلامية!
لسنواتٍ طويلةٍ، لعبت السلطة في الدول العربية لعبة ذكية بين طرفي المجتمع، الحداثي والمحافظ، حيث تضع الدولة قانوناً جنائياً قاسياً وتحكمياً وفضفاضاً يعطيها سلطةً كبيرةً على الفرد والجماعة، وفي كل مناحي النشاط الإنساني. تقول الدولة السلطوية للحداثيين، في تبرير تشدّد نصوصها القانونية، وخصوصاً الجنائية: إن قاعدة المجتمع محافظة، ولابد من أخذ رأيها ومشاعرها وتوجهاتها بالاعتبار، في حين إنكم، أيها الحداثيون، قلة القلة، وأنتم لا تمثلون قوة في المجتمع. ولهذا، الحل هو نص قانوني يرضي الأغلبية، وتطبيق عملي يرضي الأقلية، تقوم به سلطة الأمن والقضاء باسم الملاءمة.
ومع المحافظين، تقول السلطة العربية إن الدولة إسلامية، ودينها الرسمي هو الإسلام. ولهذا فالنصوص القانونية موجودة لتترجم هذه الهوية التي ترضيكم، لكن التطبيق شيء آخر. التطبيق يجب أن يراعي الظروف والأحوال في الداخل والخارج، والأمير أو الرئيس أو الملك هو صاحب السياسة الشرعية. ولهذا ثقوا فيه واتركوا الأمر له. يعطي هذا اللعب على الحبلين للدولة، وأجهزتها الأمنية، نصوصاً قانونية، بها تخنق الفرد والمجتمع، وتصرف سلطويتها متى أرادت ووقت ما تشاء. ازدواجية النص وتطبيقه هذه تعطي للدولة هامشاً تحل به تناقض الخطاب السياسي مع النص القانوني. ولأن المحافظين لا يتحاورون مع الحداثيين، ولا يضعون دولة الحق والقانون والديمقراطية أولوية في برنامجهم، بعيداً عن التخندقات الإيديولوجية، اللعبة تستمر.