06 نوفمبر 2024
فرص نجاح هدنة سورية
للمرة الثانية خلال ستة أشهر، يتوصل الطرفان، الروسي والأميركي، إلى اتفاق "لوقف العمليات القتالية" في سورية، يستثني جبهة النصرة التي غدا اسمها جبهة فتح الشام، وتنظيم الدولة الإسلامية. وعلى الرغم من أن واشنطن وموسكو حاولتا، هذه المرة، معالجة الأسباب التي أدت إلى انهيار الهدنة السابقة، بدليل المفاوضات الماراثونية المستمرة منذ أشهر، سواء على المستوى السياسي (كيري - لافروف) أو على المستوى الفني (اجتماعات روبرت مالي- ألكسندر لافرنتيف في جنيف)، والاعتناء بأدق تفاصيل تنفيذ الاتفاق، إلا أن حظوظ الهدنة التي أعلنها الجانبان يوم الجمعة الماضي لا تبدو مع ذلك أفضل من سابقتها.
ومع أن تفاصيل كثيرة في الاتفاق غير معلنة، وبعضها قد لا يتم الإعلان عنه أبداً، إلا أنه يمكن، مع ذلك، تلمس بعض السمات العامة التي قد تتحول، بمرور الوقت، إلى ألغام تفجر الاتفاق من الداخل. يلاحظ أولاً أن المسألة السورية يتم التعامل معها على نحو متزايدٍ باعتبارها شأناً ثنائياً روسياً - أميركياً خالصاً، بعد أن استبعد كل طرف حلفاءه من المفاوضات الفعلية عندما حان وقتها، مع ترك حق التقاط صور لهم على هامش اجتماعاتٍ يزداد طابعها البروتوكولي كل مرة. وإذا كان مفهوماً أن هدف أي اتفاق هو خدمة مصالح أطرافه، فالمفهوم أيضاً أن المتضرّرين والمستبعدين سوف يسعون إلى إفشاله. ثاني ملامح الضعف في الاتفاق أنه يتعامل مع قضايا ميدانيةٍ بحتةٍ بمعزل عن أي إطار سياسي للحل، فهو يتعامل مع موضوع وقف العمليات القتالية، ومراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، والتنسيق الأمني والعسكري لاستهداف جبهة فتح الشام وتنظيم الدولة، ما يعني فعلياً أن غرض الاتفاق تجميد الوضع الميداني بين النظام والمعارضة، وتأجيل البحث في الحل السياسي إلى ما بعد وصول إدارة أميركية جديدة. لكن الحكمة التقليدية تقول: اتفاق ميداني ناقصٌ إطاراً سياسياً يساوي الفشل.
ثالثاً، صمم الاتفاق، حصراً، للتعامل مع الهواجس الأميركية والروسية، مغفلاً بذلك كل سياقات الصراع المحلية والإقليمية، فالرئيس بوتين كان يسعى وراء هدفين رئيسين، يوشك أن يحققهما له الاتفاق: الأول، والأكثر أهمية، انتزاع موافقة إدارة الرئيس أوباما على التنسيق أمنياً وعسكرياً بين قيادة العمليات الروسية في سورية وقيادة قوات التحالف الذي تقوده واشنطن (ما يعني اعترافاً أميركياً سياسياً وعسكرياً بروسيا دولةً ندّاً)، وثانياً، انتزاع موافقة واشنطن "لفرط" القدرات العسكرية للمعارضة السورية، من خلال استهداف جبهة فتح الشام، ومن ثم تفكيك جيش الفتح الذي يمثل التحدّي العسكري الأكبر لقوات النظام وحلفائه في شمال غرب البلاد. أما إدارة أوباما فقد حصلت، في المقابل، على مبتغاها في موافقة روسيا على وقف استهداف النظام المدنيين في مناطق المعارضة، لأن ذلك يخفف الضغوط عليها في عز موسم الانتخابات، بسبب عدم اكتراثها بمقتل العشرات منهم يومياً، فضلاً عن قذف آلاف اللاجئين باتجاه أوروبا. وثانياً، انتزاع موافقة روسية على تركيز الجهد الحربي على تنظيم الدولة وجبهة النصرة، بدلاً من استهداف "المعارضة المعتدلة". لكن هذا الأمر تحديداً هو ما يمثل العقدة الأكبر في الاتفاق، ففي حين تسعى المعارضة إلى تجنب الدخول في مواجهةٍ مع الروس والأميركيين، إذا هي رفضت الاتفاق، إلا أنها، من جهة أخرى، لن تستطيع الوقوف موقف المتفرّج على استهداف "النصرة" التي تعد جزءاً أصيلاً من جيش الفتح الذي يخوض معارك طاحنة ضد قوات النظام وحلفائه في جنوب غرب حلب وشمال حماة، وهذا ما أدى، فعلياً، إلى سقوط الهدنة السابقة التي كبلت حركة فصائل المعارضة، فيما استمر استهداف الروس والنظام الفصائل الإسلامية المكونة جيش الفتح، بحجة أنها "نصرة" أو تتعاون مع "النصرة".
هناك تفاصيل كثيرة تضمنها الاتفاق، وأخرى سكت عنها، مثل وضع المليشيات المدعومة إيرانيا، ووضع وحدات حماية الشعب الكردية، ونطاق حركة طيران النظام، وكل واحدة من هذه القضايا كفيلةٌ بتفجير الاتفاق من الداخل، لكن العنوان الرئيس يبقى أن هذا اتفاق أمني بامتياز، لا يوصل إلى حل في سورية، لا بل يمثل، بشكله الحالي، وصفة لاستمرار الصراع بعد حرفه عن مساره الأصلي.
ومع أن تفاصيل كثيرة في الاتفاق غير معلنة، وبعضها قد لا يتم الإعلان عنه أبداً، إلا أنه يمكن، مع ذلك، تلمس بعض السمات العامة التي قد تتحول، بمرور الوقت، إلى ألغام تفجر الاتفاق من الداخل. يلاحظ أولاً أن المسألة السورية يتم التعامل معها على نحو متزايدٍ باعتبارها شأناً ثنائياً روسياً - أميركياً خالصاً، بعد أن استبعد كل طرف حلفاءه من المفاوضات الفعلية عندما حان وقتها، مع ترك حق التقاط صور لهم على هامش اجتماعاتٍ يزداد طابعها البروتوكولي كل مرة. وإذا كان مفهوماً أن هدف أي اتفاق هو خدمة مصالح أطرافه، فالمفهوم أيضاً أن المتضرّرين والمستبعدين سوف يسعون إلى إفشاله. ثاني ملامح الضعف في الاتفاق أنه يتعامل مع قضايا ميدانيةٍ بحتةٍ بمعزل عن أي إطار سياسي للحل، فهو يتعامل مع موضوع وقف العمليات القتالية، ومراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، والتنسيق الأمني والعسكري لاستهداف جبهة فتح الشام وتنظيم الدولة، ما يعني فعلياً أن غرض الاتفاق تجميد الوضع الميداني بين النظام والمعارضة، وتأجيل البحث في الحل السياسي إلى ما بعد وصول إدارة أميركية جديدة. لكن الحكمة التقليدية تقول: اتفاق ميداني ناقصٌ إطاراً سياسياً يساوي الفشل.
ثالثاً، صمم الاتفاق، حصراً، للتعامل مع الهواجس الأميركية والروسية، مغفلاً بذلك كل سياقات الصراع المحلية والإقليمية، فالرئيس بوتين كان يسعى وراء هدفين رئيسين، يوشك أن يحققهما له الاتفاق: الأول، والأكثر أهمية، انتزاع موافقة إدارة الرئيس أوباما على التنسيق أمنياً وعسكرياً بين قيادة العمليات الروسية في سورية وقيادة قوات التحالف الذي تقوده واشنطن (ما يعني اعترافاً أميركياً سياسياً وعسكرياً بروسيا دولةً ندّاً)، وثانياً، انتزاع موافقة واشنطن "لفرط" القدرات العسكرية للمعارضة السورية، من خلال استهداف جبهة فتح الشام، ومن ثم تفكيك جيش الفتح الذي يمثل التحدّي العسكري الأكبر لقوات النظام وحلفائه في شمال غرب البلاد. أما إدارة أوباما فقد حصلت، في المقابل، على مبتغاها في موافقة روسيا على وقف استهداف النظام المدنيين في مناطق المعارضة، لأن ذلك يخفف الضغوط عليها في عز موسم الانتخابات، بسبب عدم اكتراثها بمقتل العشرات منهم يومياً، فضلاً عن قذف آلاف اللاجئين باتجاه أوروبا. وثانياً، انتزاع موافقة روسية على تركيز الجهد الحربي على تنظيم الدولة وجبهة النصرة، بدلاً من استهداف "المعارضة المعتدلة". لكن هذا الأمر تحديداً هو ما يمثل العقدة الأكبر في الاتفاق، ففي حين تسعى المعارضة إلى تجنب الدخول في مواجهةٍ مع الروس والأميركيين، إذا هي رفضت الاتفاق، إلا أنها، من جهة أخرى، لن تستطيع الوقوف موقف المتفرّج على استهداف "النصرة" التي تعد جزءاً أصيلاً من جيش الفتح الذي يخوض معارك طاحنة ضد قوات النظام وحلفائه في جنوب غرب حلب وشمال حماة، وهذا ما أدى، فعلياً، إلى سقوط الهدنة السابقة التي كبلت حركة فصائل المعارضة، فيما استمر استهداف الروس والنظام الفصائل الإسلامية المكونة جيش الفتح، بحجة أنها "نصرة" أو تتعاون مع "النصرة".
هناك تفاصيل كثيرة تضمنها الاتفاق، وأخرى سكت عنها، مثل وضع المليشيات المدعومة إيرانيا، ووضع وحدات حماية الشعب الكردية، ونطاق حركة طيران النظام، وكل واحدة من هذه القضايا كفيلةٌ بتفجير الاتفاق من الداخل، لكن العنوان الرئيس يبقى أن هذا اتفاق أمني بامتياز، لا يوصل إلى حل في سورية، لا بل يمثل، بشكله الحالي، وصفة لاستمرار الصراع بعد حرفه عن مساره الأصلي.