10 نوفمبر 2024
كيف التخلص من الإسلاميين؟
سيبقى السؤال في عنوان المقال راسخاً فترة طويلة في عقول خصوم حركة النهضة ومكونات الساحة العريضة لما يسميه بعضهم "الإسلام السياسي". وعلى الرغم من مرور ست سنوات عن الثورة التونسية، وما تخلل ذلك من تعايش ظاهري بين الأطراف الحزبية والأيديولوجية، إلا أن هناك من لم يستطع إلى اليوم أن يستوعب (أو يهضم) وجود إسلاميين يشاركون في السلطة، بسبب حصولهم على تأييد شعبي في مختلف المحطات الانتخابية التي تمت، كما يتمتعون باعتراف دولي ملحوظ وقائم.
عاد النقاش حول هذه المسألة، بمناسبة وصول الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض. وتعتبر صفحات "فيسبوك" المجال الأكثر إفصاحاً عما يختلج في الصدور، ويتداول في الأوساط السياسية وغيرها. وهنا، نريد التوقف عند تعليق نشر بتوقيع صالح الزغيدي، وهو مناضل تونسي انخرط، منذ بدايات شبابه، في صفوف الحزب الشيوعي، ثم عرف بنشاطه النقابي في صفوف الاتحاد العام التونسي للشغل، قبل أن ينتقل إلى الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، حيث اشتركنا معاً في مواجهة المرحلة الأخيرة من حكم الرئيس زين العابدين بن علي.
جاء في تعليقه أن تونس لم تشهد ثورة "كما يزعمون"، ودليله أنه لو حدثت ثورة حقيقة لما انتقلت السلطة إلى حركة النهضة بتفويضٍ شعبي. وفي هذا السياق، يختلف مع رفاقه الذين يؤكدون، بثقةٍ عاليةٍ، أن الأميركان هم الذين جاءوا بحركة النهضة، ومكّنوها من الحكم في تونس، ويجيبهم بقوله "ليس من العدل القول إن الأميركان هم الذين فرضوا علينا وجود النهضويين في الحكم. نعم ساندوهم، وربما موّلوهم، كما حرصوا على تسويق تجربتهم في المنطقة، وتقديمهم في صورة حركة إسلامية معتدلة، لكن ذلك يجب ألا يحجب عنا أن مئات الآلاف من التونسيين هم الذين، عبر انتخاباتٍ، لنقل بكونها ذات مصداقية، هم الذين مكّنوا هؤلاء الإسلاميين من السلطة". ثم أنهى هذا النقاش المتواصل في صفوف يساريين عديدين، وغيرهم في تونس، بالقول "علينا أن نكون دقيقين وواضحين، ليس الأميركان، ولا ترامب، هم الذين سيخلصوننا من الإسلام السياسي، وإنما هذه مهمتنا نحن التونسيين".
ما يهم، في هذا السياق، أن هناك صنفاً من السياسيين، أو المثقفين والنشطاء، من تعوّدوا على تحميل الآخرين من خارج الحدود مسؤولية فشلهم، ثم يسمحون لأنفسهم باللجوء من جديد إلى الجهة نفسها التي اتهموها سابقاً، يطلبون منها أن تنقذهم من خصومهم، وتعيد إليهم السلطة والنفوذ الضائعين.
ما يهم في هذه الشهادة أنها سلطت الضوء على نمطٍ من التفكير غير المنتج، والذي لن يساعد أصحابه على تحقيق ما يحلمون به، فالصراع، في أساسه وجوهره، داخلي، ويحسم عبر الآليات الديمقراطية التي تراعي قواعد الاستقلالية وحماية السيادة الوطنية.
في هذا السياق، تقوم حالياً في تونس مساع لإعادة تشكيل الخريطة الحزبية الراهنة، فالخريطة التي أفرزتها نتائج الانتخابات البرلمانية لسنة 2014 تآكلت بسرعة، ولم تعد تحقق التوازن المطلوب لحماية الديمقراطية الناشئة. لكن ما يخشى حقيقة أن يتورّط أصحاب بعض هذه المحاولات في فهم خاطئ للمتغيرات، المحلية منها والدولية.
ستبقى منافسة حركة النهضة هدفاً مشروعاً، لأنها الحزب الأقوى والأكثر تماسكاً، على الرغم من الخلافات التي تشقها. والأحزاب القوية تكون مصدر إثارة الخوف منها، حتى لا تحتكر الفضاء السياسي، وتتمكّن من إعادة إنتاج نظام الحزب المهيمن. لكن، يجب ألا يكون الخوف والنزوع نحو شيطنة المنافس الأقوى العاملين المحدّدين في بناء كتل حزبية جديدة. وفي كل الحالات، لا يمكن الرهان على صعود قوى أقصى اليمين في أميركا أو في أوروبا، حتى يتم التخلص من خصم سياسي وأيديولوجي، مهما اختلفنا معه. فالديمقراطية تعلم الشعوب القاعدة الذهبية التالية "الذي وصل عبر صندوق الاقتراع يتم إخراجه بالوسيلة نفسها التي جاء بها".
عاد النقاش حول هذه المسألة، بمناسبة وصول الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض. وتعتبر صفحات "فيسبوك" المجال الأكثر إفصاحاً عما يختلج في الصدور، ويتداول في الأوساط السياسية وغيرها. وهنا، نريد التوقف عند تعليق نشر بتوقيع صالح الزغيدي، وهو مناضل تونسي انخرط، منذ بدايات شبابه، في صفوف الحزب الشيوعي، ثم عرف بنشاطه النقابي في صفوف الاتحاد العام التونسي للشغل، قبل أن ينتقل إلى الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، حيث اشتركنا معاً في مواجهة المرحلة الأخيرة من حكم الرئيس زين العابدين بن علي.
جاء في تعليقه أن تونس لم تشهد ثورة "كما يزعمون"، ودليله أنه لو حدثت ثورة حقيقة لما انتقلت السلطة إلى حركة النهضة بتفويضٍ شعبي. وفي هذا السياق، يختلف مع رفاقه الذين يؤكدون، بثقةٍ عاليةٍ، أن الأميركان هم الذين جاءوا بحركة النهضة، ومكّنوها من الحكم في تونس، ويجيبهم بقوله "ليس من العدل القول إن الأميركان هم الذين فرضوا علينا وجود النهضويين في الحكم. نعم ساندوهم، وربما موّلوهم، كما حرصوا على تسويق تجربتهم في المنطقة، وتقديمهم في صورة حركة إسلامية معتدلة، لكن ذلك يجب ألا يحجب عنا أن مئات الآلاف من التونسيين هم الذين، عبر انتخاباتٍ، لنقل بكونها ذات مصداقية، هم الذين مكّنوا هؤلاء الإسلاميين من السلطة". ثم أنهى هذا النقاش المتواصل في صفوف يساريين عديدين، وغيرهم في تونس، بالقول "علينا أن نكون دقيقين وواضحين، ليس الأميركان، ولا ترامب، هم الذين سيخلصوننا من الإسلام السياسي، وإنما هذه مهمتنا نحن التونسيين".
ما يهم، في هذا السياق، أن هناك صنفاً من السياسيين، أو المثقفين والنشطاء، من تعوّدوا على تحميل الآخرين من خارج الحدود مسؤولية فشلهم، ثم يسمحون لأنفسهم باللجوء من جديد إلى الجهة نفسها التي اتهموها سابقاً، يطلبون منها أن تنقذهم من خصومهم، وتعيد إليهم السلطة والنفوذ الضائعين.
ما يهم في هذه الشهادة أنها سلطت الضوء على نمطٍ من التفكير غير المنتج، والذي لن يساعد أصحابه على تحقيق ما يحلمون به، فالصراع، في أساسه وجوهره، داخلي، ويحسم عبر الآليات الديمقراطية التي تراعي قواعد الاستقلالية وحماية السيادة الوطنية.
في هذا السياق، تقوم حالياً في تونس مساع لإعادة تشكيل الخريطة الحزبية الراهنة، فالخريطة التي أفرزتها نتائج الانتخابات البرلمانية لسنة 2014 تآكلت بسرعة، ولم تعد تحقق التوازن المطلوب لحماية الديمقراطية الناشئة. لكن ما يخشى حقيقة أن يتورّط أصحاب بعض هذه المحاولات في فهم خاطئ للمتغيرات، المحلية منها والدولية.
ستبقى منافسة حركة النهضة هدفاً مشروعاً، لأنها الحزب الأقوى والأكثر تماسكاً، على الرغم من الخلافات التي تشقها. والأحزاب القوية تكون مصدر إثارة الخوف منها، حتى لا تحتكر الفضاء السياسي، وتتمكّن من إعادة إنتاج نظام الحزب المهيمن. لكن، يجب ألا يكون الخوف والنزوع نحو شيطنة المنافس الأقوى العاملين المحدّدين في بناء كتل حزبية جديدة. وفي كل الحالات، لا يمكن الرهان على صعود قوى أقصى اليمين في أميركا أو في أوروبا، حتى يتم التخلص من خصم سياسي وأيديولوجي، مهما اختلفنا معه. فالديمقراطية تعلم الشعوب القاعدة الذهبية التالية "الذي وصل عبر صندوق الاقتراع يتم إخراجه بالوسيلة نفسها التي جاء بها".