28 أكتوبر 2024
تقرير الأمم المتحدة... الممنوع
"الظلم في العالم العربي والطريق إلى العدل"، عنوان التقرير الجريء الذي كان من المُفترض أن يصدر عن الأمم المتحدة قبل أن يُمنع رسميًا، ليُضيف إلى واقعنا ظلمًا متجدّدًا، وليُثبت أن حكايات الظلم وقصصه مسلسل طويل لا تنتهي حلقاته، ولن تتم فصوله إلا عبر الطريق إلى عدل منشود.
تصف الدكتورة ريما خلف، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا)، والمُشرفة على التقرير بمشاركة ما يزيد عن أربعين باحثًا ومفكرًا عربيًا، تَصِف واقعنا العربي، في مقدّمتها اللافتة، بأنّه "حفرة من النار، لا تكفّ عن الاتساع. في العالم العربي، نزاعات واقتتالات أهلية تعصف بثلث بلدانه. فِتنٌ طائفية تمزّق شعوبه، دول تتنازل عن سيادتها طوعًا أو إجبارًا. بلاد تتداعى، في عالم عربيّ لا عربيّ، يصنعه الآخرون، ويفرضونه على أهله بقوة السلاح. أمّا الناس فيخيّرون بين السيئ والأسوأ، بين جور الدولة وجور غيابها، بين ظلم الوطن وظلم المنفى، بين الموت والمذلّة".
بدأت قصة منع التقرير حين صادرت السلطات المصرية مسوّدة له من عابرٍ في مطار القاهرة، يعمل ضمن طاقم إعداده وتحريره. ومن حينها قامت الدنيا ولم تقعد، فالتقرير يكشف عورات كثيرين في مصر وفي غيرها، ويفضح خصوصاً تلك الثورات المضادّة، والتدخّل الأجنبي، ويقدّم تشخيصًا للإرهاب وأسبابه الحقيقية، ويكشف بوضوحٍ الظلم الذي لحِق بالشعب الفلسطيني ولا يزال، في محاولةٍ للبحث عن العلّة في هذا كلّه، ولسبل الخروج ممّا نحن فيه، في ضوء تحليل علميّ ومحايد معزّز بالدراسات والوثائق والمراجع والجداول.
كان لا بدّ من انتظار تعيين أمين عام جديد للأمم المتحدة قبل اشتداد الحملة التي بدأت قبل أشهر، وقادها السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، بالتعاون مع أطراف عربية، فالأمين العام السابق لم يكن في وارد منع التقرير في نهاية ولايته، وهو قد اعتاد التقارير المتعلّقة بالوضع العربي، والتي دأبت ريما خلف الإشراف عليها وإصدارها، منذ كانت مسؤولةً عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة UNDP التي أثارت أيضًا في حينها ضجّةً كبيرة. كان الوضع الحالي مثاليًا لمنع التقرير؛ ضغوط عربية وصهيونية وأميركية، فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية، أمين عام جديد لا يريد أن يبدأ عهده في الأمم المتحدة بمواجهاتٍ عاصفة مع كل هذه الأطراف، ومديرة للإسكوا يكاد عقدها أن ينتهي، ولا تنوي تجديده.
لكن ما حدث يبقى غريبًا؛ فليس من تقاليد الأمم المتحدة أن تمنع تقريرًا صادرًا عن إحدى هيئاتها الإقليمية، وقبل إشهاره بأيام، ما يشكّل سابقةً غير مألوفةٍ في تاريخها الطويل. لذا، كان الحلّ أن تتنازل الأمم المتحدة عن حقوقها الفكرية في التقرير، وتتركها للمشاركين فيه الذين من المفترض أن يجتمعوا بعد غد، الخميس (2 فبراير/ شباط)، لبحث مصير التقرير الموجود في المطبعة.
أهمية التقرير (324 صفحة) في أنّه يعلن، بوضوح، أن الإصلاحات الشكلية لم تعد تُجدي، وينحاز بوضوح كامل إلى حقّ الإنسان العربي في الحرية، ويخصّص فصولًا عن مفهوم العدالة وعن العدل في الدول العربية، وبين الفئات المختلفة فيها. كذلك عن الغياب الكامل للعدالة في فلسطين، وعن ملامح أزمتها وأسبابها في المنطقة العربية، موضحًا أثر الاستعمار والتدخّل الأجنبي في تكوينها. كما يستعرض تبعات الظلم ومخاطر الارتهان إلى الخارج، محلّلًا أسباب وَهَن الأمة العربية، داعيًا إلى أن تكون إقامة العدل وسيلةً لاسترداد كرامة الإنسان، موضحًا شروط إنهاء الظلم وإقامة العدل عبر حزمةٍ من الإصلاحات، ودعوة لإنهاء الحروب الأهلية.
لافتٌ ما تضمّنه التقرير ومقدّمته، حول الإرهاب الذي يصرّ الصهاينة على توسيع تعريفه، ليشمل حركات التحرّر من الاحتلال، وتصرّ النخب الحاكمة على توسيعه ليشمل كلّ معارضة داخلية، ويعتبر بعضهم أن سببه فكرٌ منحرفٌ لا بدّ من تقويمه، في حين يصرّ ساسة أجانب أن سببه كامن في طبيعة العرب والمسلمين، ما يضع ملياراً ونصف المليار مسلم في هذه الدائرة، ويتجاهل بذلك الاحتلال الأجنبي أراض عربية، والحكومات الفاسدة والقمعية، وغياب أبسط مظاهر العدل والحرية والمساواة.
لم يعد السؤال منصبًا على ماذا سيقرّر المجتمعون في بيروت، وإن كنت أرجّح أنّهم، في أغلبيّتهم، سيتحمّلون مسؤولية إصدار هذا التقرير المهم تحت أسمائهم. لكن السؤال ينصبّ على من سيتولّى إصدار تقارير مماثلة في الأشهر والسنوات المُقبلة، مع استمرار تراجع الحريات وغياب العدل وبقاء الظلم؟
تصف الدكتورة ريما خلف، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا)، والمُشرفة على التقرير بمشاركة ما يزيد عن أربعين باحثًا ومفكرًا عربيًا، تَصِف واقعنا العربي، في مقدّمتها اللافتة، بأنّه "حفرة من النار، لا تكفّ عن الاتساع. في العالم العربي، نزاعات واقتتالات أهلية تعصف بثلث بلدانه. فِتنٌ طائفية تمزّق شعوبه، دول تتنازل عن سيادتها طوعًا أو إجبارًا. بلاد تتداعى، في عالم عربيّ لا عربيّ، يصنعه الآخرون، ويفرضونه على أهله بقوة السلاح. أمّا الناس فيخيّرون بين السيئ والأسوأ، بين جور الدولة وجور غيابها، بين ظلم الوطن وظلم المنفى، بين الموت والمذلّة".
بدأت قصة منع التقرير حين صادرت السلطات المصرية مسوّدة له من عابرٍ في مطار القاهرة، يعمل ضمن طاقم إعداده وتحريره. ومن حينها قامت الدنيا ولم تقعد، فالتقرير يكشف عورات كثيرين في مصر وفي غيرها، ويفضح خصوصاً تلك الثورات المضادّة، والتدخّل الأجنبي، ويقدّم تشخيصًا للإرهاب وأسبابه الحقيقية، ويكشف بوضوحٍ الظلم الذي لحِق بالشعب الفلسطيني ولا يزال، في محاولةٍ للبحث عن العلّة في هذا كلّه، ولسبل الخروج ممّا نحن فيه، في ضوء تحليل علميّ ومحايد معزّز بالدراسات والوثائق والمراجع والجداول.
كان لا بدّ من انتظار تعيين أمين عام جديد للأمم المتحدة قبل اشتداد الحملة التي بدأت قبل أشهر، وقادها السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، بالتعاون مع أطراف عربية، فالأمين العام السابق لم يكن في وارد منع التقرير في نهاية ولايته، وهو قد اعتاد التقارير المتعلّقة بالوضع العربي، والتي دأبت ريما خلف الإشراف عليها وإصدارها، منذ كانت مسؤولةً عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة UNDP التي أثارت أيضًا في حينها ضجّةً كبيرة. كان الوضع الحالي مثاليًا لمنع التقرير؛ ضغوط عربية وصهيونية وأميركية، فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية، أمين عام جديد لا يريد أن يبدأ عهده في الأمم المتحدة بمواجهاتٍ عاصفة مع كل هذه الأطراف، ومديرة للإسكوا يكاد عقدها أن ينتهي، ولا تنوي تجديده.
لكن ما حدث يبقى غريبًا؛ فليس من تقاليد الأمم المتحدة أن تمنع تقريرًا صادرًا عن إحدى هيئاتها الإقليمية، وقبل إشهاره بأيام، ما يشكّل سابقةً غير مألوفةٍ في تاريخها الطويل. لذا، كان الحلّ أن تتنازل الأمم المتحدة عن حقوقها الفكرية في التقرير، وتتركها للمشاركين فيه الذين من المفترض أن يجتمعوا بعد غد، الخميس (2 فبراير/ شباط)، لبحث مصير التقرير الموجود في المطبعة.
أهمية التقرير (324 صفحة) في أنّه يعلن، بوضوح، أن الإصلاحات الشكلية لم تعد تُجدي، وينحاز بوضوح كامل إلى حقّ الإنسان العربي في الحرية، ويخصّص فصولًا عن مفهوم العدالة وعن العدل في الدول العربية، وبين الفئات المختلفة فيها. كذلك عن الغياب الكامل للعدالة في فلسطين، وعن ملامح أزمتها وأسبابها في المنطقة العربية، موضحًا أثر الاستعمار والتدخّل الأجنبي في تكوينها. كما يستعرض تبعات الظلم ومخاطر الارتهان إلى الخارج، محلّلًا أسباب وَهَن الأمة العربية، داعيًا إلى أن تكون إقامة العدل وسيلةً لاسترداد كرامة الإنسان، موضحًا شروط إنهاء الظلم وإقامة العدل عبر حزمةٍ من الإصلاحات، ودعوة لإنهاء الحروب الأهلية.
لافتٌ ما تضمّنه التقرير ومقدّمته، حول الإرهاب الذي يصرّ الصهاينة على توسيع تعريفه، ليشمل حركات التحرّر من الاحتلال، وتصرّ النخب الحاكمة على توسيعه ليشمل كلّ معارضة داخلية، ويعتبر بعضهم أن سببه فكرٌ منحرفٌ لا بدّ من تقويمه، في حين يصرّ ساسة أجانب أن سببه كامن في طبيعة العرب والمسلمين، ما يضع ملياراً ونصف المليار مسلم في هذه الدائرة، ويتجاهل بذلك الاحتلال الأجنبي أراض عربية، والحكومات الفاسدة والقمعية، وغياب أبسط مظاهر العدل والحرية والمساواة.
لم يعد السؤال منصبًا على ماذا سيقرّر المجتمعون في بيروت، وإن كنت أرجّح أنّهم، في أغلبيّتهم، سيتحمّلون مسؤولية إصدار هذا التقرير المهم تحت أسمائهم. لكن السؤال ينصبّ على من سيتولّى إصدار تقارير مماثلة في الأشهر والسنوات المُقبلة، مع استمرار تراجع الحريات وغياب العدل وبقاء الظلم؟