24 أكتوبر 2024
الاتحاد التونسي للشغل... الدور والمرحلة
انعقد من 22 يناير/ كانون الثاني الجاري إلى 25 منه المؤتمر الثالث والعشرون للاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية الأعرق والأكبر في تونس. وجاء الحدث في سياق عام يتميز بحالةٍ من التجاذبات بين القوى النقابية والحكومة، على خلفية تصاعد الإضرابات المطلبية والتحركات العمالية التي تضغط من أجل افتكاك مزيد من المكاسب لمنظوريها.
وبالنظر إلى حالة التقاطع الحادّة بين النقابي والسياسي في تونس، فإن المؤتمر محطة أخرى على طريق العمل النقابي في تونس، سيكون لها انعكاساتها الاجتماعية والسياسية. فمن الناحية التاريخية، لم يكن الاتحاد العام التونسي للشغل بعيدا عن الصراع السياسي، فقد قام بأدوار مركزية، تفاوتت بين حالاتٍ من الصدام مع السلطة القائمة، مثلما جرى في أحداث يناير 1979 أو ما حصل سنة 1985، أو الانسجام معها مثلما جرى سنوات حكم الرئيس المخلوع بن علي، وصولا إلى المشاركة الفعالة للاتحاد في مرحلة الانتقال الديمقراطي، فمنذ ثورة 14 يناير 2011، بدا واضحا أن المركزية النقابية الكبرى في البلاد تتصرّف بمنطق الشريك السياسي، أكثر مما هي نقاباتٌ تكتفي بالدفاع عن مصالح منظوريها. وإذا لم يكن غريباً أن يتقاطع السياسي بالنقابي، وهو أمر اعتادت عليه الممارسة النقابية في تونس، منذ تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل، إلا أن المستجد بعد الثورة هو تحول الاتحاد إلى مركز قوة فعلي، ينافس الحكومات المتعاقبة، ويعبر عن مواقف سياسية خلافية في أحيان كثيرة، على الرغم من أن منخرطيه ينتمون إلى مختلف ألوان الطيف السياسي والحزبي في تونس.
وقد تكرس الدور الأساسي للاتحاد مع لعبه دور الشريك في الحوار الوطني الذي جرى سنة
2013، وانتهى إلى إقرار انتخابات 2014، وما أفرزته من نتائج سياسية وتحالفات حزبية جديدة وتغير في المشهد الحزبي حكومة ومعارضة. وقد أفضت مساهمته في الحوار الوطني إلى نيله جائزة نوبل للسلام سنة 2015، رفقة باقي الشركاء من المجتمع المدني والمنظمات الوطنية (الاتحاد الوطني للصناعة والتجارة وعمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان).
غير أن السعي المتواصل للمركزية النقابية نحو فرض مطالب تبدو، في بعض الأحيان، غير متلائمة مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي الهش، أو انحياز بعض قياداتها إلى أجندات حزبية، قد مثل مجالا لطرح جملة من الأسئلة بشأن الأجندات التي تنطلق منها النقابات، ومدى خضوعها لتوجهات الأطراف الحزبية التي تنتمي إليها القيادات الكبرى للمنظمة، وإذا كان من حق النقابيين إبداء آرائهم السياسية، بوصفهم مواطنين، فإن الإشكال يكمن في توظيفهم لمواقعهم من أجل تحقيق مكاسب حزبية، قد لا تتحمل البلاد تبعاتها، خصوصاً إذا تم استخدام سلاح الإضراب وتعطيل المصالح العمومية، كما حصل سابقا بشكل متكرّر من أجل إطاحة وزير ما، أو إخضاعه للقبول بشروط النقابة، وحساباتها الداخلية التي يتقاطع فيها المطلبي بما هو سياسي.
وفي قراءة سريعة لما تمخض عنه مؤتمر الاتحاد، يمكن ملاحظة جملة من المعطيات، أهمها صعود قيادة جديدة/ قديمة، من جهة أن تسعة من عناصرها هم من أعضاء المكتب
التنفيذي المتخلي، بالإضافة إلى قياداتٍ نقابيةٍ أخرى، تم ضمها إليها في إطار ما سميت القائمة الوفاقية التي فازت بكل المقاعد، وبفارق شاسع عن القائمة المنافسة، ما يعني استمرارية السياسات المعتادة، وعدم حصول تغيير جذري، يمكن أن يؤثر على المرحلة المقبلة، سواء في العلاقة مع الحكومة، أو من حيث طبيعة الممارسة النقابية. الأمر الثاني، تم تسجيل صعود شخصياتٍ نسائيةٍ إلى المكتب التنفيذي، للمرة الأولى في تاريخ الاتحاد. وعلى الرغم من أن المشهد العام في تونس بعد الثورة قد عرف تقنين ما عُرف بمبدأ التناصف، حيث يتم فرض المرأة في كل الهياكل المنتخبة، إلا أن الاتحاد استجاب جزئيا لهذا التمشّي، من حيث تصعيده نساءً إلى موقع القيادة، ولكن من دون تناصف، وهو أمر يمكن تفهمه من جهة غياب النساء عن العمل النقابي، والحاجة إلى شخصيات قادرة فعليا على تسيير هياكل الاتحاد، تتمتع بالخبرة والتأثير.
من جهة أخرى، كشف التقرير المالي للاتحاد عن عجز مالي واضح بين جملة مداخيل السنوات الأربع الماضية ومصاريفها، على الرغم من ارتفاع ميزانية المنظمة بشكل كبير، وهي حالة مستمرة منذ عقود، الأمر الذي يطرح السؤال حول قدرة الاتحاد على التصرّف الرشيد في موارده، والخروج من حالة المديونية، وهو الذي لا يكف عن انتقاد الحكومات المتعاقبة حول عجزها عن وقف حالة المديونية والعجز المالي الذي تعانيه ميزانية الدولة.
والقيادة النقابية الجديدة مدعوّة إلى مراعاة التوازنات السياسية، والمرحلة الانتقالية في البلاد،
ذلك أن أي انحرافٍ عن مسار التوافقات ومنطق الحوار، والميل نحو التصعيد في المرحلة المقبلة، قد تفضي إلى عكس ما تدعو إليه المنظمة النقابية، خصوصاً في ظل توجّس الشارع من أي مطلبيةٍ مبالغ فيها، لمصلحة الموظفين في ظل تصاعد معدلات البطالة. وإذا كانت التجارب السابقة تثبت أن الاتحاد، وإن بدا خطابه تصعيدياً، فإنه، في النهاية، يسعى إلى إيجاد سبل التفاوض مع الدولة، للحفاظ على الحد الأدنى المشترك، لتحقيق مصالح منظوريه. المطلوب في هذه المرحلة هو محاولة إيجاد نوعٍ من التوافقات الممكنة بين القوى الحاكمة والطرف النقابي، فالبلاد لا تتحمل هزاتٍ اجتماعية، أو اضطرابات غير محسوبة، وهو ما يستوجب إيجاد صيغةٍ توافقيةٍ، تحفظ مصالح الشغالين، وتمنع تغوّل الرأسمال، وتلتزم فيها كل الأطراف بالحرص على الصالح العام، بما يخدم محاولات الحكومة للتغلب على الأزمة الاقتصادية الحادة الحالية، وجلب الاستثمارات الضرورية للخروج من عنق الزجاجة.
وبالنظر إلى حالة التقاطع الحادّة بين النقابي والسياسي في تونس، فإن المؤتمر محطة أخرى على طريق العمل النقابي في تونس، سيكون لها انعكاساتها الاجتماعية والسياسية. فمن الناحية التاريخية، لم يكن الاتحاد العام التونسي للشغل بعيدا عن الصراع السياسي، فقد قام بأدوار مركزية، تفاوتت بين حالاتٍ من الصدام مع السلطة القائمة، مثلما جرى في أحداث يناير 1979 أو ما حصل سنة 1985، أو الانسجام معها مثلما جرى سنوات حكم الرئيس المخلوع بن علي، وصولا إلى المشاركة الفعالة للاتحاد في مرحلة الانتقال الديمقراطي، فمنذ ثورة 14 يناير 2011، بدا واضحا أن المركزية النقابية الكبرى في البلاد تتصرّف بمنطق الشريك السياسي، أكثر مما هي نقاباتٌ تكتفي بالدفاع عن مصالح منظوريها. وإذا لم يكن غريباً أن يتقاطع السياسي بالنقابي، وهو أمر اعتادت عليه الممارسة النقابية في تونس، منذ تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل، إلا أن المستجد بعد الثورة هو تحول الاتحاد إلى مركز قوة فعلي، ينافس الحكومات المتعاقبة، ويعبر عن مواقف سياسية خلافية في أحيان كثيرة، على الرغم من أن منخرطيه ينتمون إلى مختلف ألوان الطيف السياسي والحزبي في تونس.
وقد تكرس الدور الأساسي للاتحاد مع لعبه دور الشريك في الحوار الوطني الذي جرى سنة
غير أن السعي المتواصل للمركزية النقابية نحو فرض مطالب تبدو، في بعض الأحيان، غير متلائمة مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي الهش، أو انحياز بعض قياداتها إلى أجندات حزبية، قد مثل مجالا لطرح جملة من الأسئلة بشأن الأجندات التي تنطلق منها النقابات، ومدى خضوعها لتوجهات الأطراف الحزبية التي تنتمي إليها القيادات الكبرى للمنظمة، وإذا كان من حق النقابيين إبداء آرائهم السياسية، بوصفهم مواطنين، فإن الإشكال يكمن في توظيفهم لمواقعهم من أجل تحقيق مكاسب حزبية، قد لا تتحمل البلاد تبعاتها، خصوصاً إذا تم استخدام سلاح الإضراب وتعطيل المصالح العمومية، كما حصل سابقا بشكل متكرّر من أجل إطاحة وزير ما، أو إخضاعه للقبول بشروط النقابة، وحساباتها الداخلية التي يتقاطع فيها المطلبي بما هو سياسي.
وفي قراءة سريعة لما تمخض عنه مؤتمر الاتحاد، يمكن ملاحظة جملة من المعطيات، أهمها صعود قيادة جديدة/ قديمة، من جهة أن تسعة من عناصرها هم من أعضاء المكتب
التنفيذي المتخلي، بالإضافة إلى قياداتٍ نقابيةٍ أخرى، تم ضمها إليها في إطار ما سميت القائمة الوفاقية التي فازت بكل المقاعد، وبفارق شاسع عن القائمة المنافسة، ما يعني استمرارية السياسات المعتادة، وعدم حصول تغيير جذري، يمكن أن يؤثر على المرحلة المقبلة، سواء في العلاقة مع الحكومة، أو من حيث طبيعة الممارسة النقابية. الأمر الثاني، تم تسجيل صعود شخصياتٍ نسائيةٍ إلى المكتب التنفيذي، للمرة الأولى في تاريخ الاتحاد. وعلى الرغم من أن المشهد العام في تونس بعد الثورة قد عرف تقنين ما عُرف بمبدأ التناصف، حيث يتم فرض المرأة في كل الهياكل المنتخبة، إلا أن الاتحاد استجاب جزئيا لهذا التمشّي، من حيث تصعيده نساءً إلى موقع القيادة، ولكن من دون تناصف، وهو أمر يمكن تفهمه من جهة غياب النساء عن العمل النقابي، والحاجة إلى شخصيات قادرة فعليا على تسيير هياكل الاتحاد، تتمتع بالخبرة والتأثير.
من جهة أخرى، كشف التقرير المالي للاتحاد عن عجز مالي واضح بين جملة مداخيل السنوات الأربع الماضية ومصاريفها، على الرغم من ارتفاع ميزانية المنظمة بشكل كبير، وهي حالة مستمرة منذ عقود، الأمر الذي يطرح السؤال حول قدرة الاتحاد على التصرّف الرشيد في موارده، والخروج من حالة المديونية، وهو الذي لا يكف عن انتقاد الحكومات المتعاقبة حول عجزها عن وقف حالة المديونية والعجز المالي الذي تعانيه ميزانية الدولة.
والقيادة النقابية الجديدة مدعوّة إلى مراعاة التوازنات السياسية، والمرحلة الانتقالية في البلاد،