07 نوفمبر 2024
السيسي غير مسؤول
أعلنت مصر، أخيرا، عن فشل مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، وتجميد المباحثات الفنية بشأنه، وقال وزير الخارجية، سامح شكري، إنه لم يتوقع هذا الفشل، و"يشعر بالقلق". وذلك على الرغم من وضوح تعنت الجانب الإثيوبي ومماطلته طوال السنوات الماضية، بل إن وزير الخارجية الإثيوبي صرّح قبل أشهر أن مصر "أضعف" من أن تدخل حربا مع بلاده، وأن الجانب المصري يعلم تمامًا أنه وافق على كل الاتفاقات الخاصة بسد النهضة، لكنه يُظهر عكس ذلك في وسائل الإعلام الخاصة بالمصريين.
يأتي إعلان هذا الفشل بعد عامين ونصف العام من توقيع إعلان مبادئ وثيقة سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا. ووقتها، نسبت زفة إعلامية الفضل للرئيس عبد الفتاح السيسي في حل الأزمة. واتهمت أحاديث الرئيس محمد مرسي بأنه السبب في الأزمة من البداية، بزعم أنه كانت لاجتماعه مع شخصيات سياسية لمناقشة الموضوع، وأذيع على الهواء، نتائج مدمرة. ولكن، بعد تعثر المفاوضات وإعلان فشلها، وبعد أن حصلت إثيوبيا على ما تريده، واعترفت مصر بحقها في بناء السد، حدث ما كان متوقعا من تحميل كل الشخصيات والكيانات المسؤولية عن هذا الفشل، ما عدا المسؤول الأول والأخير، وهو السيسي.
وجدت صحيفة اليوم السابع الحل السحري للمشكلة، وهو الهجوم على المرشح الرئاسي
الخاسر، حمدين صباحي، واتهامه بأنه أعطى الضوء الأخضر لإثيوبيا لبناء السد عام 2011، عندما ذهب ضمن وفد الدبلوماسية الشعبية لإصلاح العلاقات معها! وكأن السد لم يتم البدء في بنائه منذ عهد حسني مبارك الذي يتباكون عليه، وكأن السيسي نفسه لم يوقع اتفاق المبادئ الذي أعطى لإثيوبيا شرعية بناء السد، بعد أن كانت مصر في موقف أقوى بعدم اعترافها ببناء السد. ثم حملت الصحيفة، في اليوم التالي، مسؤولية الفشل إلى مسؤولين جدد في قائمتها، مرسي وأنور السادات وأيمن نور، ولا تسأل عن علاقة هؤلاء ببعضهم، وعلاقتهم بما يحدث حاليا، فهذا هو حال الصحافة المصرية التي أصبح مستوى كفاءتها في النفاق والتطبيل رديئا ومصحوبا بالجهل والصفاقة.
أما المذيع أحمد موسى فقد قرّر أن يحمّل الشعب المصري بأكمله المسؤولية، فاتهم المصريين جميعهم بأن ثورتهم على المخلوع مبارك السبب في بناء سد النهضة، ووصف الثورة بأنها "خراب"، وأنها من الأعمال السوداء التي قام بها الشعب. وزعم، بجهله المعتاد، أن إثيوبيا اتخذت قرار بناء السد بعد الثورة بالمخالفة للحقيقة، بل تعدت صفاقته إلى مطالبته بمحاكمة الشعب على ما قام به! ولجأ المذيع الآخر، عمرو أديب، إلى حيلة بائسة ومستهلكة ومبتذلة، عبر مطالبة المصريين بعدم تحديد المسؤول عن الكارثة الحالية، ومطالبتهم بترشيد استهلاكهم من المياه في أثناء استحمامهم، وأنهم المسؤولون عن استهلاك المياه! بينما لجأت زوجته، المذيعة لميس الحديدي، إلى حديث أكثر بؤسا وابتذالا، باتهام دولة قطر بأنها وراء بناء السد، كأنهم لم يقرأوا خبر القبض على رجل الأعمال السعودي، محمد العمودي، الذي يعتبر أحد المستثمرين في سد النهضة، لكنهم لا يجرؤون على ذكر ذلك. ولم يجرؤ وزير الري الأسبق، نصر علام، وهو الذي عارض الاتفاق الثلاثي، على اتهام السيسي بشيء، وتقدم ببلاغ للنائب العام ضد وزير سابق لا حول له لا قوة، ولم يحدث شيء، بل حوكم الوزير الأسبق، وصدر ضده حكم بالسجن سبع سنوات بتهمة الفساد!
وقد تزامنت الاتهامات الإعلامية مع تفجير قضية عبارة قديمة للمغنية شيرين، تسخر فيها من مياه النيل، لتصبح الحكاية قضية رأي عام، في حيلة معتادة لإلهاء المصريين والتغطية على فشل المفاوضات، اتبعها قبل ذلك وزير الخارجية، سامح شكري، الذي كانت له صولات مع ميكروفون قناة الجزيرة الذي أطاحه مراتٍ، لصناعة معركة وهمية، وإشغال الرأي العام بها أياما.
وفي النهاية، عرفنا العازف الرئيسي لكل هذه النغمة الإعلامية، إنه السيسي نفسه، الذي حاول
إخراج نفسه من دائرة المسؤولية، محاولا طمأنة المصريين بأنه لا مساس بمياه مصر، وأن الله هو من خلق تلك المياه، وليس أحداً آخر. وعلى الرغم من اقتطاع بعضهم جزءا من كلام السيسي، ليبدو كأنه يحمل الشعب والبرلمان والحكومة المسؤولية من دون أن يتحدث عن نفسه، إلا أن هذا الاقتطاع لا يبرر خطيئة السيسي بتوقيعه على الاتفاق الثلاثي عام 2015، والذي أعطى بموجبه الحق لإثيوبيا في بناء السد، من دون تقديم ضمانات حقيقية لمصر. كما اتبع السيسي نفسه نهج التبرؤ من المسؤولية في ملفاتٍ عديدة أخرى، ويكفي ما تقوله أذرعه الإعلامية، في ملف سد النهضة وغيره، للتيقن من أن هذا النهج هو أسلوب النظام، فتلك الأذرع لا تقول حرفا إلا بموافقة وتخطيط مسبقيْن.
العجيب أن مسؤولية السيسي الثابتة عن التفريط في حقوق مصر المائية في قضية سد النهضة أثبتتها صحيفة مصرية موالية له، نشرت حوارا مع عضو مستقيل من اللجنة الدولية للسد، قال فيه إن اتفاق المبادئ الذي وقعه السيسي مع السودان وإثيوبيا، أدى إلى جعل أوضاع سد النهضة قانونية، وحوله من سد غير مشروع إلى مشروع قانوناً، وأن الاتفاق لا يعطي مصر والسودان نقطة مياه واحدة.
ويمكن القول إن السيسي ليس مسؤولا، بمعنى أنه لا يتعرض للمساءلة من أي شخص أو جهة في مصر. وهو غير مسؤول بمعنى أنه لا يتمتع بالحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية التي يفرضها منصبه، حتى لو تغاضينا عن طريقة حصوله على هذا المنصب. والأخطر أنه لن يعترف أبدا بأنه ارتكب خطيئة بتوقيعه على اتفاق المبادئ، بل سيستمر في الإنكار والهروب إلى الأمام، حتى لا يظهر مخطئاً، وعندها ستصبح مؤسسات الدولة المصرية أمام خيارين: إما السيسي أو نهر النيل.
يأتي إعلان هذا الفشل بعد عامين ونصف العام من توقيع إعلان مبادئ وثيقة سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا. ووقتها، نسبت زفة إعلامية الفضل للرئيس عبد الفتاح السيسي في حل الأزمة. واتهمت أحاديث الرئيس محمد مرسي بأنه السبب في الأزمة من البداية، بزعم أنه كانت لاجتماعه مع شخصيات سياسية لمناقشة الموضوع، وأذيع على الهواء، نتائج مدمرة. ولكن، بعد تعثر المفاوضات وإعلان فشلها، وبعد أن حصلت إثيوبيا على ما تريده، واعترفت مصر بحقها في بناء السد، حدث ما كان متوقعا من تحميل كل الشخصيات والكيانات المسؤولية عن هذا الفشل، ما عدا المسؤول الأول والأخير، وهو السيسي.
وجدت صحيفة اليوم السابع الحل السحري للمشكلة، وهو الهجوم على المرشح الرئاسي
أما المذيع أحمد موسى فقد قرّر أن يحمّل الشعب المصري بأكمله المسؤولية، فاتهم المصريين جميعهم بأن ثورتهم على المخلوع مبارك السبب في بناء سد النهضة، ووصف الثورة بأنها "خراب"، وأنها من الأعمال السوداء التي قام بها الشعب. وزعم، بجهله المعتاد، أن إثيوبيا اتخذت قرار بناء السد بعد الثورة بالمخالفة للحقيقة، بل تعدت صفاقته إلى مطالبته بمحاكمة الشعب على ما قام به! ولجأ المذيع الآخر، عمرو أديب، إلى حيلة بائسة ومستهلكة ومبتذلة، عبر مطالبة المصريين بعدم تحديد المسؤول عن الكارثة الحالية، ومطالبتهم بترشيد استهلاكهم من المياه في أثناء استحمامهم، وأنهم المسؤولون عن استهلاك المياه! بينما لجأت زوجته، المذيعة لميس الحديدي، إلى حديث أكثر بؤسا وابتذالا، باتهام دولة قطر بأنها وراء بناء السد، كأنهم لم يقرأوا خبر القبض على رجل الأعمال السعودي، محمد العمودي، الذي يعتبر أحد المستثمرين في سد النهضة، لكنهم لا يجرؤون على ذكر ذلك. ولم يجرؤ وزير الري الأسبق، نصر علام، وهو الذي عارض الاتفاق الثلاثي، على اتهام السيسي بشيء، وتقدم ببلاغ للنائب العام ضد وزير سابق لا حول له لا قوة، ولم يحدث شيء، بل حوكم الوزير الأسبق، وصدر ضده حكم بالسجن سبع سنوات بتهمة الفساد!
وقد تزامنت الاتهامات الإعلامية مع تفجير قضية عبارة قديمة للمغنية شيرين، تسخر فيها من مياه النيل، لتصبح الحكاية قضية رأي عام، في حيلة معتادة لإلهاء المصريين والتغطية على فشل المفاوضات، اتبعها قبل ذلك وزير الخارجية، سامح شكري، الذي كانت له صولات مع ميكروفون قناة الجزيرة الذي أطاحه مراتٍ، لصناعة معركة وهمية، وإشغال الرأي العام بها أياما.
وفي النهاية، عرفنا العازف الرئيسي لكل هذه النغمة الإعلامية، إنه السيسي نفسه، الذي حاول
العجيب أن مسؤولية السيسي الثابتة عن التفريط في حقوق مصر المائية في قضية سد النهضة أثبتتها صحيفة مصرية موالية له، نشرت حوارا مع عضو مستقيل من اللجنة الدولية للسد، قال فيه إن اتفاق المبادئ الذي وقعه السيسي مع السودان وإثيوبيا، أدى إلى جعل أوضاع سد النهضة قانونية، وحوله من سد غير مشروع إلى مشروع قانوناً، وأن الاتفاق لا يعطي مصر والسودان نقطة مياه واحدة.
ويمكن القول إن السيسي ليس مسؤولا، بمعنى أنه لا يتعرض للمساءلة من أي شخص أو جهة في مصر. وهو غير مسؤول بمعنى أنه لا يتمتع بالحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية التي يفرضها منصبه، حتى لو تغاضينا عن طريقة حصوله على هذا المنصب. والأخطر أنه لن يعترف أبدا بأنه ارتكب خطيئة بتوقيعه على اتفاق المبادئ، بل سيستمر في الإنكار والهروب إلى الأمام، حتى لا يظهر مخطئاً، وعندها ستصبح مؤسسات الدولة المصرية أمام خيارين: إما السيسي أو نهر النيل.