15 مايو 2024
هل هزم داعش في العراق حقاً؟
احتفل العراق، رسمياً وشعبياً، بعد إعلان رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، حيدر العبادي، في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بنهاية الحرب على ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهزيمته، وتطهير كل الأراضي العراقية من أي وجود عسكري له. فبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على احتلال "داعش" ثلث مساحة العراق وفرضه النظام (الأعنف) ربما في التاريخ الحديث، وسيطرته المطلقة على زمام المبادرة العسكرية والمنهجية لشؤون المحافظات التي هيمن عليها، في ظل صمت وتراخ إقليمي ودولي، ومن قبله عراقي، تجمّع العالم ليعلن الحرب على "داعش" في سورية والعراق، وانتظم التحالف الدولي بشكلٍ لا مثيل له ليوجه الضربات الدقيقة والمؤثرة والمكثفة، دعما لتحرّك الجيش العراقي والقوى الأخرى في الجانب السوري.
اللافت، وما يجب أن لا يغيب عن المشهد أبدا، هو تصريح العبادي في خطاب "النصر": "إن الظروف التي سمحت بنشأة التنظيم لم تختفِ بعد". نعم، وهو ما يجب التركيز عليه، سواء من الناحية المرتبطة بأسلوب إدارة الحكم في العراق (وغيره من مناطق التمدّد الداعشي) أولا، ثم حجم التدخلات الأجنبية، وما يرافقها من ضررٍ لشعوبٍ لم تعد آمنة في أوطانها، جرّاء الاستباحة الدائمة وشبه المطلقة من دول عظمى، وأخرى إقليمية مهيمنة، أو دول ذات نفوذ وسطوة مالية واقتصادية مؤثرة.
الظروف التي أنتجت "داعش" هي اليوم أشد وأقسى، وأكثر إيذاءً وتعقيدا مما كانت عليه في
عام الوثوب الأبرز لهذا التنظيم واحتلاله مدينة الموصل (2014)، ولعل من أبرز القضايا الراهنة التي قد تجعل من عودة التنظيم الإرهابي، أو ربما غيره ممن سيحمل اسما أو شعارا مختلفا، هي قضايا الفساد، النازحين والمهجرّين، سطوة المليشيات المسلحة، السجناء بشكل غير قانوني، البطالة، انتشار الأمية والجهل، الطائفية، تدخلات الدول الإقليمية في الشؤون العراقية والسورية تحديدا، وأضاف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لكل تلك المؤثرات السلبية عاملا خطيرا آخر، إثر قراره باعتماد القدس الشريف عاصمة أبدية للكيان الصهيوني.
كل عامل من عوامل ولادة الإرهاب وانتشاره وتنظيماته يحتاج لصفحات مطوّلة، تكشف تفاصيل مهولة عن حجم الضرر الحاصل بحق الشعب العراقي على سبيل الحصر؛ ففي ملف الفساد، ما زال العراق في أسوأ حالاته التي ربما تتجاوز حاله عام 2014، وهذه حقائق أجملها رئيس الوزراء العراقي، بوصف الفساد مرضا متفشيا في العراق، ويحتل المرتبة الأولى في اهتمامات الرجل الشخصية بالمواجهة والتصدي، وهو يعلم حجم التركة الثقيلة التي عليه أن يواجهها، وهي منذ عام 2003 ربما تسببت بشكل رئيسي في إنتاج تنظيمات إرهابية في العراق، القاعدة و"داعش" وغيرهما.
تقول منظمات حقوقية عراقية إن أكثر من 270 ألف معتقل تحت ظروف تعذيب قاسية، وبغياب شبه كامل لدور القضاء في الاطلاع على ملفاتهم أو حسمها، وهو أمر مرتبط بفساد القضاء وبسطوة المليشيات المسلحة والأحزاب المتنفذة على رجال القضاء في العراق ترهيبا وليس ترغيبا، وحتى لا يعود "داعش" بثوب آخر أو بصيغة أخرى، على العبادي أن يباشر بحسم ملفات هؤلاء المحتجزين؛ فأي مظلوم من هؤلاء ربما يكون مشروعا أقوى من مشروع البغدادي، أو أبو مصعب الزرقاوي، حال توفر الظروف له.
مشكلات كثيرة وخطيرة، كل منها كفيل بزراعة واحدٍ من أشكال الإرهاب ونشره في عراق لا وجود لسلطة وطنية فاعلة فيه؛ فيه ستة ملايين أمي، خمسة ملايين ونصف المليون طفل يتيم، مليونان ونصف المليون أرملة، 40% من الشعب تحت خط الفقر، أكثر من ثلثه بدون عمل، وأكثر من نصفه يتعاطى المخدرات بشكل أو بآخر.
الملف الحساس والخطير جدا، والذي هو عرضة للتلاعب الحكومي والحزبي والسياسي، ملف النازحين والمهجرّين والمدن المدمرة، ففي أحدث تقارير الأمم المتحدة، هناك خمسة ملايين
و400 ألف مهجّر داخل العراق، والمدن التي تم تدميرها بشكل شبه كامل (تكريت، الفلوجة، بيجي، والموصل) ما زالت أنقاضا لم تقدِم الحكومة على إعادة إعمارها، والتي يقول مسؤول يدير صندوقا لإعادة بناء المدن المدمرة في العراق "إنَّ إعادة إعمار هذه المدن سيُكلف نحو 150 مليار دولار"! كيف يمكن أن يصبر النازح، أو المهجّر، وهو يعيش مع أفراد أسرته، من دون حول ولا قوة، وفي ظروف جد صعبة وبدائية، فيما يتنعم ممثلوه من الأحزاب السياسية بنعيم السلطة والمال والنفوذ؟ وما هي الرؤى التي سينشأ عليها أبناء المخيمات لاحقا؟ ومن سيكون عدوهم المفترض؟ تلك هي بعض أسئلة يجب أن يثيرها حيدر العبادي، عند تخطيطه للشروع بمواجهة منابع الإرهاب ومصادره، وأن يبدأ من حيث صنّاعه الحقيقيون، والذين تسببوا جميعا، أحزابا وأفرادا، بتضبيب الهوية الوطنية العراقية، وتعطيل فرص التنمية في العراق بهدر مليارات الدولارات، وتهريب كثير منها لبنوك ومصارف خارجية، وبالاستيلاء على أراضي الدولة والأشخاص، تحت طائلة الترهيب المرتكز على السلاح غير الشرعي والتنظيمات الإجرامية (متعدّدة الأسماء)، حتى باتت محافظات جنوب العراق، وبقية المحافظات العربية، كأنها خارج الزمن، ومدنا ليس فيها ما يشير إلى أنها مدن بمعنى الكلمة.
لعل رئيس الوزراء العراقي في وضع صعب للغاية، فمن يحيطون به لا يرغبون فعلا في أن يكمل مسيرته، فجمهورية الفساد العميقة متجذرة في حيثيات المؤسسة العراقية الحاكمة بكل أشكالها، ولجميع الطوائف والقوميات، وتحتمي اليوم بالملايين من قطع السلاح الثقيل والمتوسط والخفيف (خارج نطاق الدولة)، لكنه موضوعٌ يستحق أن يمضي به، فإن طريق الجهاد الأكبر يبدأ من حيث إعادة الإعمار، وخير إعمار ذاك الذي يبدأ بالنفس، وهو ما يجب أن يبدأ به حيدر العبادي.
اللافت، وما يجب أن لا يغيب عن المشهد أبدا، هو تصريح العبادي في خطاب "النصر": "إن الظروف التي سمحت بنشأة التنظيم لم تختفِ بعد". نعم، وهو ما يجب التركيز عليه، سواء من الناحية المرتبطة بأسلوب إدارة الحكم في العراق (وغيره من مناطق التمدّد الداعشي) أولا، ثم حجم التدخلات الأجنبية، وما يرافقها من ضررٍ لشعوبٍ لم تعد آمنة في أوطانها، جرّاء الاستباحة الدائمة وشبه المطلقة من دول عظمى، وأخرى إقليمية مهيمنة، أو دول ذات نفوذ وسطوة مالية واقتصادية مؤثرة.
الظروف التي أنتجت "داعش" هي اليوم أشد وأقسى، وأكثر إيذاءً وتعقيدا مما كانت عليه في
كل عامل من عوامل ولادة الإرهاب وانتشاره وتنظيماته يحتاج لصفحات مطوّلة، تكشف تفاصيل مهولة عن حجم الضرر الحاصل بحق الشعب العراقي على سبيل الحصر؛ ففي ملف الفساد، ما زال العراق في أسوأ حالاته التي ربما تتجاوز حاله عام 2014، وهذه حقائق أجملها رئيس الوزراء العراقي، بوصف الفساد مرضا متفشيا في العراق، ويحتل المرتبة الأولى في اهتمامات الرجل الشخصية بالمواجهة والتصدي، وهو يعلم حجم التركة الثقيلة التي عليه أن يواجهها، وهي منذ عام 2003 ربما تسببت بشكل رئيسي في إنتاج تنظيمات إرهابية في العراق، القاعدة و"داعش" وغيرهما.
تقول منظمات حقوقية عراقية إن أكثر من 270 ألف معتقل تحت ظروف تعذيب قاسية، وبغياب شبه كامل لدور القضاء في الاطلاع على ملفاتهم أو حسمها، وهو أمر مرتبط بفساد القضاء وبسطوة المليشيات المسلحة والأحزاب المتنفذة على رجال القضاء في العراق ترهيبا وليس ترغيبا، وحتى لا يعود "داعش" بثوب آخر أو بصيغة أخرى، على العبادي أن يباشر بحسم ملفات هؤلاء المحتجزين؛ فأي مظلوم من هؤلاء ربما يكون مشروعا أقوى من مشروع البغدادي، أو أبو مصعب الزرقاوي، حال توفر الظروف له.
مشكلات كثيرة وخطيرة، كل منها كفيل بزراعة واحدٍ من أشكال الإرهاب ونشره في عراق لا وجود لسلطة وطنية فاعلة فيه؛ فيه ستة ملايين أمي، خمسة ملايين ونصف المليون طفل يتيم، مليونان ونصف المليون أرملة، 40% من الشعب تحت خط الفقر، أكثر من ثلثه بدون عمل، وأكثر من نصفه يتعاطى المخدرات بشكل أو بآخر.
الملف الحساس والخطير جدا، والذي هو عرضة للتلاعب الحكومي والحزبي والسياسي، ملف النازحين والمهجرّين والمدن المدمرة، ففي أحدث تقارير الأمم المتحدة، هناك خمسة ملايين
لعل رئيس الوزراء العراقي في وضع صعب للغاية، فمن يحيطون به لا يرغبون فعلا في أن يكمل مسيرته، فجمهورية الفساد العميقة متجذرة في حيثيات المؤسسة العراقية الحاكمة بكل أشكالها، ولجميع الطوائف والقوميات، وتحتمي اليوم بالملايين من قطع السلاح الثقيل والمتوسط والخفيف (خارج نطاق الدولة)، لكنه موضوعٌ يستحق أن يمضي به، فإن طريق الجهاد الأكبر يبدأ من حيث إعادة الإعمار، وخير إعمار ذاك الذي يبدأ بالنفس، وهو ما يجب أن يبدأ به حيدر العبادي.