03 مارس 2022
استريحوا كي لا تضيع البقية
"شر البلية ما يضحك"، لا شيء يصح عليه هذا القول أكثر من تصريحات المسؤولين العرب والفلسطينيين، وهم يهدّدون الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إذا ما تجاوز "الخط الأحمر"، وقرر نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس. ولا شيء يعبر عن لسان الرئيس ترامب، ولا مبالاته بالنداءات والمناشدات والتحذيرات، أكثر من قول العرب "أعلى ما في خيلكم اركبوه". يعلم ترامب يقينا أن العرب، والقيادة الفلسطينية تحديداً، ظاهرة صوتية. يعلم سيد البيت الأبيض أن لا خيول للعرب ليركبوها، ولا سيوف لهم ليشهروها، فسيوفُهم حطب، وخيولهم خشب.
أكثر ما يضحك في "عاصفة" العرب الصوتية، زعم بعضهم أن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس سوف يدمر عملية السلام؟ لا ندري عن أي سلامٍ يتحدث هؤلاء، بل وأين هي عملية السلام التي يخشون عليها من الدمار؟ ألا يدرك هؤلاء أن ما تسمى بعملية السلام ماتت منذ سنوات طويلة؟ ألا يذكر هؤلاء أن بنيامين نتنياهو نعى عملية السلام في أكثر من مناسبة، لا بالقول، ولكن بفعل جرّافات الاستيطان والتهويد؟ ثم ألا يثير الإشمئزاز، حديث بعضهم عن السلام، وهو يراجع التاريخ القريب، ويتذكّر عدد الحروب التي شنتها إسرائيل على الفلسطينيين منذ توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993؟ وهل نسي هؤلاء أن الولايات المتحدة وإسرائيل ألقيا مبادرة بيروت العربية للسلام في سلة القمامة، وردّت عليها باقتحام المدن الفلسطينية ومحاصرة الرئيس الراحل ياسر عرفات؟
بعيدا عن صراخ العرب وعويلهم، يمكن فهم توقيت إثارة الرئيس الأميركي زوبعة نقل السفارة، لا حبا في إسرائيل، ولا نكايةً في العرب، بل حماية لموقعه الرئاسي، بعد أن اقترب طوفان التحقيقات في قضية العلاقة مع روسيا إلى ذقنه، مع اعترافات مايكل فلين، المستشار السابق للأمن القومي، بالكذب في التحقيقات بشأن الاتصالات مع السفير الروسي في واشنطن، واعترافه بأن مسؤولا بارزا في الفريق الانتقالي لترامب طلب منه الاتصال بالمسؤولين الروس خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2016، أي قبل تولي ترامب منصب الرئاسة. على ضوء ذلك، يمكن فهم سلوك الرئيس الأميركي بأنه أثار السفارة زوبعةً لعله ينجو من أزمته الشخصية في الرئاسة، مستغيثاً بأنصاره من الناخبين الذين وعدهم في الحملات الانتخابية بنقل سفارة واشنطن إلى القدس، وناشداً دعم دوائر اللوبي الصهيوني النافذة في الإعلام، ودواليب السياسة الأميركية، لإبعاد نار التحقيقات عنه. أستاذ الإعلام في جامعة كولومبيا، والصحافي الأميركي، ألكسندر ستل، قال في زيارة لمعهد الدوحة للدراسات العليا، الأسبوع الماضي، إن الرئيس الأميركي يتقن فن إثارة الأحداث للتغطية على تصرّفاته، ويتقن لعبة دفن الملفات المُحرجة بإثارة قضايا أكثر حرجاً.
وفي المقابل، لا يبدو الرئيس الأميركي مكترثا بعواصف التحذير والغضب العربية والإسلامية، وهو يدرك أن أقصى ما يمكن أن تتحول إليه هو زوبعة أخرى من الأسف أو الاستنكار على أبعد تقدير. بل إن بعض فرسان العرب سارع، حتى قبل إعلان الرئيس قرار نقل السفارة، وتطوع في حملة "تخفيف المٌصاب"، لحث الجمهور العربي على عدم المبالغة والتهويل في "خطورة" نقل سفارة واشنطن إلى القدس.
قرار الرئيس الأميركي هو المسمار الأخير، لا في نعش عملية السلام، كما يتوهّم بعضهم، بل هو المسمار الأخير في سراب السلام الذي لهث وراءه هؤلاء، وتاه في فيافيه من اعتقدوا بإمكانية التعايش مع احتلال إحلالي توسعي. ويُلح في هذا المُصاب استدعاء الشاعر إبراهيم طوقان مخاطبا زعماء الأمة: "أنتم المخلصون للوطنية، أنتم الحاملون عبء القضية، وبيانٌ منكم يعادل جيشاً، واجتماع منكم يرد علينا غابر المجد من فتوح أمية... ما جحدنا أفضالكم، غير أنَّا لم تزل في نفوسنا أمنية، في يدينا بقية من بلادٍ، فاستريحوا كي لا تضيع البقية".
أكثر ما يضحك في "عاصفة" العرب الصوتية، زعم بعضهم أن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس سوف يدمر عملية السلام؟ لا ندري عن أي سلامٍ يتحدث هؤلاء، بل وأين هي عملية السلام التي يخشون عليها من الدمار؟ ألا يدرك هؤلاء أن ما تسمى بعملية السلام ماتت منذ سنوات طويلة؟ ألا يذكر هؤلاء أن بنيامين نتنياهو نعى عملية السلام في أكثر من مناسبة، لا بالقول، ولكن بفعل جرّافات الاستيطان والتهويد؟ ثم ألا يثير الإشمئزاز، حديث بعضهم عن السلام، وهو يراجع التاريخ القريب، ويتذكّر عدد الحروب التي شنتها إسرائيل على الفلسطينيين منذ توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993؟ وهل نسي هؤلاء أن الولايات المتحدة وإسرائيل ألقيا مبادرة بيروت العربية للسلام في سلة القمامة، وردّت عليها باقتحام المدن الفلسطينية ومحاصرة الرئيس الراحل ياسر عرفات؟
بعيدا عن صراخ العرب وعويلهم، يمكن فهم توقيت إثارة الرئيس الأميركي زوبعة نقل السفارة، لا حبا في إسرائيل، ولا نكايةً في العرب، بل حماية لموقعه الرئاسي، بعد أن اقترب طوفان التحقيقات في قضية العلاقة مع روسيا إلى ذقنه، مع اعترافات مايكل فلين، المستشار السابق للأمن القومي، بالكذب في التحقيقات بشأن الاتصالات مع السفير الروسي في واشنطن، واعترافه بأن مسؤولا بارزا في الفريق الانتقالي لترامب طلب منه الاتصال بالمسؤولين الروس خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2016، أي قبل تولي ترامب منصب الرئاسة. على ضوء ذلك، يمكن فهم سلوك الرئيس الأميركي بأنه أثار السفارة زوبعةً لعله ينجو من أزمته الشخصية في الرئاسة، مستغيثاً بأنصاره من الناخبين الذين وعدهم في الحملات الانتخابية بنقل سفارة واشنطن إلى القدس، وناشداً دعم دوائر اللوبي الصهيوني النافذة في الإعلام، ودواليب السياسة الأميركية، لإبعاد نار التحقيقات عنه. أستاذ الإعلام في جامعة كولومبيا، والصحافي الأميركي، ألكسندر ستل، قال في زيارة لمعهد الدوحة للدراسات العليا، الأسبوع الماضي، إن الرئيس الأميركي يتقن فن إثارة الأحداث للتغطية على تصرّفاته، ويتقن لعبة دفن الملفات المُحرجة بإثارة قضايا أكثر حرجاً.
وفي المقابل، لا يبدو الرئيس الأميركي مكترثا بعواصف التحذير والغضب العربية والإسلامية، وهو يدرك أن أقصى ما يمكن أن تتحول إليه هو زوبعة أخرى من الأسف أو الاستنكار على أبعد تقدير. بل إن بعض فرسان العرب سارع، حتى قبل إعلان الرئيس قرار نقل السفارة، وتطوع في حملة "تخفيف المٌصاب"، لحث الجمهور العربي على عدم المبالغة والتهويل في "خطورة" نقل سفارة واشنطن إلى القدس.
قرار الرئيس الأميركي هو المسمار الأخير، لا في نعش عملية السلام، كما يتوهّم بعضهم، بل هو المسمار الأخير في سراب السلام الذي لهث وراءه هؤلاء، وتاه في فيافيه من اعتقدوا بإمكانية التعايش مع احتلال إحلالي توسعي. ويُلح في هذا المُصاب استدعاء الشاعر إبراهيم طوقان مخاطبا زعماء الأمة: "أنتم المخلصون للوطنية، أنتم الحاملون عبء القضية، وبيانٌ منكم يعادل جيشاً، واجتماع منكم يرد علينا غابر المجد من فتوح أمية... ما جحدنا أفضالكم، غير أنَّا لم تزل في نفوسنا أمنية، في يدينا بقية من بلادٍ، فاستريحوا كي لا تضيع البقية".