03 نوفمبر 2024
روسيا على حدود تونس
كان الرئيس التونسي الراحل، الحبيب بورقيبة، حذرا في علاقاته بروسيا، إذ كان رهانه الأساسي، بعد الاستقلال، الاعتماد استراتيجيا على أوروبا وأميركا، من دون أن يستفز الاتحاد السوفييتي، أو يدخل البلاد في حلفٍ عسكريٍّ، لن تجني منه سوى الوبال. حتى عندما قرّر بورقيبة تجميد الحزب الشيوعي التونسي في مطلع الستينيات من القرن الماضي، عمل على ألا يؤثر ذلك على استقرار تونس، حيث فصل ما كان يعتبره شأنا داخليا عن إقامته علاقات "طبيعية" مع المعسكر الاشتراكي.
اختفى اليوم الاستقطاب الأيديولوجي، لكن أجواء الحرب الباردة بدأت تعود، بعد أن فشلت القطبية الأحادية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وفي هذا السياق، ما يهم تونس، بشكل أساسي، ثلاث مسائل كبرى، قد يكون لها تداعيات مباشرة على سياستها الخارجية.
أولها الأزمة المستفحلة اقتصاديا وسياسيا لدول أوروبا الغربية، وخصوصا فرنسا التي كانت تعتبر الحليف الرئيسي لتونس. الاقتصاد الفرنسي مريض، ولن يتمكن من استعادة عافيته في وقت وجيز. كما أن الطبقة السياسية الفرنسية منهكةٌ وضعيفة جدا، بعد أن انهار الاشتراكيون، وتشرذم اليمين والوسط، وأصبحت ماري لوبان تحتل صدارة استطلاعات الرأي، وهي التي إن فازت سيكون موقفها متشدّدا تجاه حركة النهضة وتجاه المهاجرين التونسيين.
أما الجانب الثاني فيخص سياسة واشنطن في عهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. صحيح إنه لا توجد إلى حد الآن مؤشرات قوية على احتمال حصول تغير نوعي في سياسة البيت الأبيض تجاه تونس، لكن مع الرئيس الجديد كل الاحتمالات تبقى واردة.
أما الملف الثالث فيخص ليبيا، حيث يلاحظ تصاعد الدور الروسي في هذا البلد المجاور لتونس، والمؤثر بشكل كبير فيها اقتصاديا وأمنيا. لقد تراجع الاهتمام الأميركي بالملف الليبي الذي لا يزال يشكل حالةً بركانية قابلة للالتهاب في كل لحظة. حتى الأوروبيون بات واضحا أن حساباتهم متضاربة، وقدرتهم على معالجة هذا الملف بشكل جدي محدودة.
في مقابل ذلك، بدأت أطراف عديدة ليبية وعربية ترحب بدور روسي "قد يكون ناجعا". وهو أمر ترحب به موسكو وتستثمره جيداً لتعزيز نفوذها ومواقعها داخل هذا البلد النفطي الكبير والمغري.
هكذا تجد تونس نفسها مدعوةً بالضرورة إلى تطوير علاقاتها بروسيا، وتستدرك ما فاتها طوال المراحل السابقة. لكن عليها أيضا ألا تسرع الخطى، وألا تخطئ الحساب.
لقد أخذ التونسيون بعد الثورة يتحسّسون طريقهم بشكل هادئ، حيث تعدّدت لقاءات المسؤولين بنظرائهم الروس، كان آخرها اللقاء الذي جمع وزير الخارجية، خميس الجهيناوي، بنظيره الروسي سيرغي لافروف، خلال انعقاد الدورة الرابعة لمنتدى التعاون العربي الروسي في أبوظبي، وتم خلاله التأكيد على "المستوى المتميز الذي بلغته علاقات الصداقة والتعاون الثنائي". كما تم الاتفاق على تكثيف تبادل الزيارات، والإعداد المحكم لما وصفت بأنها "الاستحقاقات الثنائية القادمة بما يعزّز فرص الشراكة والاستثمار". وفي هذا السياق، يجب التنويه بأن روسيا كانت حاضرةً في فعاليات المنتدى الدولي لدعم الاقتصاد والاستثمار "تونس 2020" الذي عقد في العاصمة التونسية، قبل نهاية السنة الماضية. كما لم يتردّد وزير الخارجية التونسي في دعوة الروس إلى الاستثمار في المشاريع التي تضمنها مخطط التنمية 2016-2020، خصوصا في مجال البنية التحتية.
يضاف إلى ذلك أن الروس لم يفعلوا مثل الأوروبيين والأميركان الذين حين شجعوا مواطنيهم على عدم التوجه نحو تونس، بحجة وجود مخاطر إرهابية، بعد عمليتي متحف باردو وفندق سوسة. على العكس، شجعت موسكو الروس على زيارة تونس، وهو ما جعل عدد السياح الروس يصل إلى أكثر من 600 ألف، ما خفف من عبء الأزمة التي لا تزال تمر بها السياحة التونسية.
هكذا يتبين أن من شأن التحولات الجارية على الصعيدين الإقليمي والدولي أن تدفع ببلد مثل تونس نحو السعي إلى الاقتراب آجلا أو عاجلا من الدب الروسي الذي أصبح له قدم في ليبيا المنهارة، في وقتٍ ينشغل فيه الغربيون بشؤونهم الداخلية وحساباتهم الصغيرة أحيانا.
اختفى اليوم الاستقطاب الأيديولوجي، لكن أجواء الحرب الباردة بدأت تعود، بعد أن فشلت القطبية الأحادية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وفي هذا السياق، ما يهم تونس، بشكل أساسي، ثلاث مسائل كبرى، قد يكون لها تداعيات مباشرة على سياستها الخارجية.
أولها الأزمة المستفحلة اقتصاديا وسياسيا لدول أوروبا الغربية، وخصوصا فرنسا التي كانت تعتبر الحليف الرئيسي لتونس. الاقتصاد الفرنسي مريض، ولن يتمكن من استعادة عافيته في وقت وجيز. كما أن الطبقة السياسية الفرنسية منهكةٌ وضعيفة جدا، بعد أن انهار الاشتراكيون، وتشرذم اليمين والوسط، وأصبحت ماري لوبان تحتل صدارة استطلاعات الرأي، وهي التي إن فازت سيكون موقفها متشدّدا تجاه حركة النهضة وتجاه المهاجرين التونسيين.
أما الجانب الثاني فيخص سياسة واشنطن في عهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. صحيح إنه لا توجد إلى حد الآن مؤشرات قوية على احتمال حصول تغير نوعي في سياسة البيت الأبيض تجاه تونس، لكن مع الرئيس الجديد كل الاحتمالات تبقى واردة.
أما الملف الثالث فيخص ليبيا، حيث يلاحظ تصاعد الدور الروسي في هذا البلد المجاور لتونس، والمؤثر بشكل كبير فيها اقتصاديا وأمنيا. لقد تراجع الاهتمام الأميركي بالملف الليبي الذي لا يزال يشكل حالةً بركانية قابلة للالتهاب في كل لحظة. حتى الأوروبيون بات واضحا أن حساباتهم متضاربة، وقدرتهم على معالجة هذا الملف بشكل جدي محدودة.
في مقابل ذلك، بدأت أطراف عديدة ليبية وعربية ترحب بدور روسي "قد يكون ناجعا". وهو أمر ترحب به موسكو وتستثمره جيداً لتعزيز نفوذها ومواقعها داخل هذا البلد النفطي الكبير والمغري.
هكذا تجد تونس نفسها مدعوةً بالضرورة إلى تطوير علاقاتها بروسيا، وتستدرك ما فاتها طوال المراحل السابقة. لكن عليها أيضا ألا تسرع الخطى، وألا تخطئ الحساب.
لقد أخذ التونسيون بعد الثورة يتحسّسون طريقهم بشكل هادئ، حيث تعدّدت لقاءات المسؤولين بنظرائهم الروس، كان آخرها اللقاء الذي جمع وزير الخارجية، خميس الجهيناوي، بنظيره الروسي سيرغي لافروف، خلال انعقاد الدورة الرابعة لمنتدى التعاون العربي الروسي في أبوظبي، وتم خلاله التأكيد على "المستوى المتميز الذي بلغته علاقات الصداقة والتعاون الثنائي". كما تم الاتفاق على تكثيف تبادل الزيارات، والإعداد المحكم لما وصفت بأنها "الاستحقاقات الثنائية القادمة بما يعزّز فرص الشراكة والاستثمار". وفي هذا السياق، يجب التنويه بأن روسيا كانت حاضرةً في فعاليات المنتدى الدولي لدعم الاقتصاد والاستثمار "تونس 2020" الذي عقد في العاصمة التونسية، قبل نهاية السنة الماضية. كما لم يتردّد وزير الخارجية التونسي في دعوة الروس إلى الاستثمار في المشاريع التي تضمنها مخطط التنمية 2016-2020، خصوصا في مجال البنية التحتية.
يضاف إلى ذلك أن الروس لم يفعلوا مثل الأوروبيين والأميركان الذين حين شجعوا مواطنيهم على عدم التوجه نحو تونس، بحجة وجود مخاطر إرهابية، بعد عمليتي متحف باردو وفندق سوسة. على العكس، شجعت موسكو الروس على زيارة تونس، وهو ما جعل عدد السياح الروس يصل إلى أكثر من 600 ألف، ما خفف من عبء الأزمة التي لا تزال تمر بها السياحة التونسية.
هكذا يتبين أن من شأن التحولات الجارية على الصعيدين الإقليمي والدولي أن تدفع ببلد مثل تونس نحو السعي إلى الاقتراب آجلا أو عاجلا من الدب الروسي الذي أصبح له قدم في ليبيا المنهارة، في وقتٍ ينشغل فيه الغربيون بشؤونهم الداخلية وحساباتهم الصغيرة أحيانا.