09 نوفمبر 2024
لبنان.. العودة إلى الشارع
عاد لبنان إلى الواجهة هذا الأسبوع، على خلفية مناقشة المجلس النيابي قانون الموازنة الجديد، الذي يقضي بفرض أكثر 20 من ضريبة إضافية، لتمويل زيادة متفاوتة في بعض القطاعات، تحت اسم "سلسلة الرتب والرواتب". كالعادة، لم تعمل الدولة على وقف الهدر والفساد، بل ذهبت إلى فرض مزيد من الضرائب لتمويل العجز المالي الذي تعاني منه الخزينة، ولكسب "ثقة" البنك الدولي، وقطاعات دولية أخرى، خصوصاً أن الحكومة كلّفت مصارف لبنانية بإدارة مفاوضات إعادة تمويل سندات دولية بقيمة مليار ونصف المليار دولار، لآجال بعيدة المدى تتراوح بين 10 و15 و20 عاماً. ولتأمين المبلغ المطلوب، على لبنان تقديم نوع من "كشف حساب"، يضمن حصوله على المبلغ المطلوب، كون البلاد رازحةً تحت ديْن هائل، معظمه داخلي. "كشف الحساب" هو الضرائب الجديدة.
في المبدأ، فرض الضرائب أمر طبيعي وصحّي في بلادٍ يُفترض انتهاجها سياسة اقتصادية سليمة، لا أن يقوم جزء كبير من اقتصادها على التهريب والفساد والهدر والرشاوى والسمسرات والوكالات الحصرية وضرب الإنتاج المحلي ورفع إيجارات السكن من دون مقابل تحفيزي، سواء في فرص العمل أو الطبابة والتعليم وغيره. أيضاً، في المبدأ، لا يُمكن تطوير أي دورة اقتصادية من دون ضريبةٍ تصاعدية، وبنسب متفاوتة، تسمح في ديمومة الاقتصاد ونموّه.
كله "في المبدأ"، أما في الواقع، فلا يحتاج الوضع اللبناني إلى ترقيع أبداً، فكثرة الترقيع تجعل من أفخم الملابس مجرد خرقة بالية. خزينة الدولة هكذا وجيوب المواطنين كذلك. مع العلم أن المطلوب هو قرار واحد فقط "مكافحة الفساد مهما كلّف الأمر"، وإلا فسنبقى في الدوامة عينها التي أرستها سياسات اقتصادية سلبية في عهد ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، مدفوعة بانخراط الذهنية المليشياوية في صلب الدولة، والسطو على مقدراتها التي هي فعليا مقدرات المواطنين. هذه الذهنية تحديداً هي من يتوجّب إسقاطها، فاستمرارها يعني قبولنا بمبدأ "تأجيل المعركة ضد الفساد حتى القضاء على آخر مواطن في لبنان".
في المقابل، هناك من يتداعى إلى مكافحة الضرائب الجديدة، وهم سياسيون اعتياديون، يودّون "قطف اللحظة السياسية"، كما فعل بعضهم وغيرهم في 14 مارس /آذار 2005، حين "ركب" موجة الدعوات لخروج الجيش السوري من لبنان، والظهور بمظهر "الاستقلاليين الجدد"، وهم أنفسهم كانوا مجرد أتباع عند النظام السوري. السياسيون الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً من غضب شعبي ما ضد الضرائب الجديدة، ليسوا، في النهاية، سوى سياسيين، يبغون الاستفادة إلى أقصى حدّ من هذا الغضب للفوز بمقاعد نيابية، والدخول في لعبة السلطة. دائماً ما كان "توزيع الأدوار" استثنائياً ومخيفاً في لبنان. يُسأل عنه نبيه بري ووليد جنبلاط تحديداً.
الآن، بمعزل عن السياسيين، يبدو اللبنانيون وكأنهم يكرّرون حلماً غابراً، بعد صيف عام 2015، الذي يُمكن تصنيفه من أبرز المحطات التاريخية التي ساهمت في نشأة وعي اجتماعي محدد، ولو على نطاقٍ ضيّق. خسر من طالب برفع النفايات معركته آنذاك، لأن النظام اللبناني القائم على الطائفية والزبائنية وتقاسم الحصص كان أقوى من الصرخة الشعبية. الإيجابية أن "الخرق تحقق"، أما السلبية فهو أن كثيرين تصرّفوا، ويتصرّفون، كالسياسيين التقليديين، لناحية عشق الأضواء والشهرة على حساب القضية. وهذه مشكلة كبرى، لأن الثورة على الذهنية أهم من الثورة على ما هو ملموس. الثورة على الذهنية أساس لتغيير الذهنية برمتها، وسبل التفكير، ووضع الإطار الاجتماعي أولوية مطلقة، على حساب كل تفكير شخصي أو مناطقي أو طائفي أو غيره.
في لبنان ضجيج حالياً، سيؤدي إلى مكانٍ ما، وقد يطيح معه مشروع إقرار قانون انتخابي جديد. لا يهمّ، التاريخ تراكمات، وما بدأ في صيف 2015، سيقطفه أحدهم. قد نكون نحن أو الأجيال الآتية.
في المبدأ، فرض الضرائب أمر طبيعي وصحّي في بلادٍ يُفترض انتهاجها سياسة اقتصادية سليمة، لا أن يقوم جزء كبير من اقتصادها على التهريب والفساد والهدر والرشاوى والسمسرات والوكالات الحصرية وضرب الإنتاج المحلي ورفع إيجارات السكن من دون مقابل تحفيزي، سواء في فرص العمل أو الطبابة والتعليم وغيره. أيضاً، في المبدأ، لا يُمكن تطوير أي دورة اقتصادية من دون ضريبةٍ تصاعدية، وبنسب متفاوتة، تسمح في ديمومة الاقتصاد ونموّه.
كله "في المبدأ"، أما في الواقع، فلا يحتاج الوضع اللبناني إلى ترقيع أبداً، فكثرة الترقيع تجعل من أفخم الملابس مجرد خرقة بالية. خزينة الدولة هكذا وجيوب المواطنين كذلك. مع العلم أن المطلوب هو قرار واحد فقط "مكافحة الفساد مهما كلّف الأمر"، وإلا فسنبقى في الدوامة عينها التي أرستها سياسات اقتصادية سلبية في عهد ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، مدفوعة بانخراط الذهنية المليشياوية في صلب الدولة، والسطو على مقدراتها التي هي فعليا مقدرات المواطنين. هذه الذهنية تحديداً هي من يتوجّب إسقاطها، فاستمرارها يعني قبولنا بمبدأ "تأجيل المعركة ضد الفساد حتى القضاء على آخر مواطن في لبنان".
في المقابل، هناك من يتداعى إلى مكافحة الضرائب الجديدة، وهم سياسيون اعتياديون، يودّون "قطف اللحظة السياسية"، كما فعل بعضهم وغيرهم في 14 مارس /آذار 2005، حين "ركب" موجة الدعوات لخروج الجيش السوري من لبنان، والظهور بمظهر "الاستقلاليين الجدد"، وهم أنفسهم كانوا مجرد أتباع عند النظام السوري. السياسيون الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً من غضب شعبي ما ضد الضرائب الجديدة، ليسوا، في النهاية، سوى سياسيين، يبغون الاستفادة إلى أقصى حدّ من هذا الغضب للفوز بمقاعد نيابية، والدخول في لعبة السلطة. دائماً ما كان "توزيع الأدوار" استثنائياً ومخيفاً في لبنان. يُسأل عنه نبيه بري ووليد جنبلاط تحديداً.
الآن، بمعزل عن السياسيين، يبدو اللبنانيون وكأنهم يكرّرون حلماً غابراً، بعد صيف عام 2015، الذي يُمكن تصنيفه من أبرز المحطات التاريخية التي ساهمت في نشأة وعي اجتماعي محدد، ولو على نطاقٍ ضيّق. خسر من طالب برفع النفايات معركته آنذاك، لأن النظام اللبناني القائم على الطائفية والزبائنية وتقاسم الحصص كان أقوى من الصرخة الشعبية. الإيجابية أن "الخرق تحقق"، أما السلبية فهو أن كثيرين تصرّفوا، ويتصرّفون، كالسياسيين التقليديين، لناحية عشق الأضواء والشهرة على حساب القضية. وهذه مشكلة كبرى، لأن الثورة على الذهنية أهم من الثورة على ما هو ملموس. الثورة على الذهنية أساس لتغيير الذهنية برمتها، وسبل التفكير، ووضع الإطار الاجتماعي أولوية مطلقة، على حساب كل تفكير شخصي أو مناطقي أو طائفي أو غيره.
في لبنان ضجيج حالياً، سيؤدي إلى مكانٍ ما، وقد يطيح معه مشروع إقرار قانون انتخابي جديد. لا يهمّ، التاريخ تراكمات، وما بدأ في صيف 2015، سيقطفه أحدهم. قد نكون نحن أو الأجيال الآتية.