27 سبتمبر 2018
دول تنهب
لم تغير الثورات من سياسات الدول على الصعيد الاقتصادي، فعلى الرغم من أن الثورات أوقفت السياسة الليبرالية التي فرضها صندوق النقد الدولي، ظهر ذلك كتوقيف مؤقتٍ، من أجل أن تعيد هذه النظم توازنها بعد الهزّة الكبيرة التي شهدتها. لهذا، عادت إلى إكمال ما كان قد توقف بفعل الثورات، وكأن الأمر قد عاد إلى طبيعته. وكأن الشعوب قد عادت إلى السكون، ولم يعد بإمكانها الثورة من جديد. فإضافة إلى العودة إلى الخصخصة التي طاولت التعليم والصحة وبنوك الدولة، فقد ظهر أن تكمل "شروط صندوق النقد الدولي" في مسألتين: تحرير العملة وزيادة الضرائب، فقد قام النظام المصري بتحرير الجنيه، وتسير تونس نحو الهدف نفسه، والدينار يتراجع بشكل مضطرد، وجرى الحديث عن الأمر نفسه في الأردن والمغرب.
إن تحرير العملة يعني خسارة مباشرة للقيمة. لهذا، نجد أن تحرير الجنيه رفع قيمة الدولار من ثماني جنيهات تقريباً إلى 18 جنيهاً إلى الآن، وهذا يعني أن القيم قد انخفضت بنسبة تزيد عن 100%. لكنه يعني أن أسعار السلع قد ارتفعت بنسبة 100%. وإذا كانت معظم السلع، ومنها الأساسية، تُستورد من الخارج، فإن سعرها تضاعف نتيجة ذلك.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث أن النظم تعمل على زيادة كبيرة في الضرائب، ليس على الأرباح، بل على السلع. الضرائب تُفرض على السلع المستوردة، وعلى الخدمات المحلية والأجور، ويمكن القول على كل شيء. ففي مصر، جرى فرض ضرائب تتراوح بين 50 و500%، وهو ما عنى أن السلع الأساسية قد ارتفعت، ليس بنسبة 100% بل بـ 200%، أي تضاعفت ثلاث مرات. وسنلمس أن ضريبة القيمة المضافة تتراوح بين 12 و17% في بلدان عربية عديدة، وهي في زيادة. وهي الضريبة التي تطاول عموم الشعب، لكنها تهري ذوي الدخل المحدود، بالضبط لأنها تنعكس في أسعار السلع الأساسية التي هو مضطر لشرائها لكي يعيش.
بالتالي، إذا كانت ميزانيات الدول تعتمد على الضرائب، كنسبة مهمة من ميزانياتها، فقد وجدت أن عليها زيادتها بشكل كبير، وهي تتحدث عن "عجز الموازنة". ويبدو أن خيارها يتحدّد في زيادة نهب الشعب المفقر من خلال زيادة الضرائب. لهذا، يقع الشعب بين مصاصَيْ دماء: زيادة الأسعار التي فرضها تخفيض قيمة العملة الوطنية في بلدانٍ تعتمد على استيراد نسبة كبيرة من السلع الأساسية، وأيضاً الزيادة الكبيرة في الضرائب. وإذا كان قد ثار نتيجة وضعه الاقتصادي المزري بالأساس، فإن زيادة النهب تعني زيادةً مريعة في الفقر، حتى في الطبقة الوسطى التي كانت تعيش وضعاً مريحاً.
تفسّر السلطة، ويكرّر إعلامها، أن سبب ذلك هو تحقيق الاستقرار الاقتصادي، والتهيئة لتحقيق نهوض يقود إلى تحسين وضع الشعب. وهي تكرّر الخطاب الذي يوهم أن كل ما تقوم به هو في صالح الشعب. لكن، سوف يظهر حين التدقيق في نتائج تلك السياسة أن انهيار الوضع المعيشي سوف يتصاعد نتيجة زيادة أسعار السلع وزيادة الضرائب، من دون أن تتحقق زيادة ملموسة في الأجور. وسوف يلقى هذا الانهيار زيادة جديدة تحت خط الفقر، ولسوف يفرض تعميم ظاهرة العجز عن العيش أصلاً. وفي وضعٍ كسرت الشعوب فيه حاجز الخوف، بعد أن تمرَّدت في ثوراتٍ كبيرة، تكون النتيجة الطبيعية أن الأمور تسير نحو موجةٍ جديدة من الثورات، أعمق وأوسع مما حدث سنة 2011، وسيكون واضحاً أن الأساس الاقتصادي هو الذي فرضها.
ما يجب أن نبحث فيه هو السبب الذي جعل النظم تُمعن في نهب المجتمع، وهي تعرف أن الشعوب باتت في أعلى درجات الفقر، وأيضاً أنها كسرت حاجز الخوف.
إن تحرير العملة يعني خسارة مباشرة للقيمة. لهذا، نجد أن تحرير الجنيه رفع قيمة الدولار من ثماني جنيهات تقريباً إلى 18 جنيهاً إلى الآن، وهذا يعني أن القيم قد انخفضت بنسبة تزيد عن 100%. لكنه يعني أن أسعار السلع قد ارتفعت بنسبة 100%. وإذا كانت معظم السلع، ومنها الأساسية، تُستورد من الخارج، فإن سعرها تضاعف نتيجة ذلك.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث أن النظم تعمل على زيادة كبيرة في الضرائب، ليس على الأرباح، بل على السلع. الضرائب تُفرض على السلع المستوردة، وعلى الخدمات المحلية والأجور، ويمكن القول على كل شيء. ففي مصر، جرى فرض ضرائب تتراوح بين 50 و500%، وهو ما عنى أن السلع الأساسية قد ارتفعت، ليس بنسبة 100% بل بـ 200%، أي تضاعفت ثلاث مرات. وسنلمس أن ضريبة القيمة المضافة تتراوح بين 12 و17% في بلدان عربية عديدة، وهي في زيادة. وهي الضريبة التي تطاول عموم الشعب، لكنها تهري ذوي الدخل المحدود، بالضبط لأنها تنعكس في أسعار السلع الأساسية التي هو مضطر لشرائها لكي يعيش.
بالتالي، إذا كانت ميزانيات الدول تعتمد على الضرائب، كنسبة مهمة من ميزانياتها، فقد وجدت أن عليها زيادتها بشكل كبير، وهي تتحدث عن "عجز الموازنة". ويبدو أن خيارها يتحدّد في زيادة نهب الشعب المفقر من خلال زيادة الضرائب. لهذا، يقع الشعب بين مصاصَيْ دماء: زيادة الأسعار التي فرضها تخفيض قيمة العملة الوطنية في بلدانٍ تعتمد على استيراد نسبة كبيرة من السلع الأساسية، وأيضاً الزيادة الكبيرة في الضرائب. وإذا كان قد ثار نتيجة وضعه الاقتصادي المزري بالأساس، فإن زيادة النهب تعني زيادةً مريعة في الفقر، حتى في الطبقة الوسطى التي كانت تعيش وضعاً مريحاً.
تفسّر السلطة، ويكرّر إعلامها، أن سبب ذلك هو تحقيق الاستقرار الاقتصادي، والتهيئة لتحقيق نهوض يقود إلى تحسين وضع الشعب. وهي تكرّر الخطاب الذي يوهم أن كل ما تقوم به هو في صالح الشعب. لكن، سوف يظهر حين التدقيق في نتائج تلك السياسة أن انهيار الوضع المعيشي سوف يتصاعد نتيجة زيادة أسعار السلع وزيادة الضرائب، من دون أن تتحقق زيادة ملموسة في الأجور. وسوف يلقى هذا الانهيار زيادة جديدة تحت خط الفقر، ولسوف يفرض تعميم ظاهرة العجز عن العيش أصلاً. وفي وضعٍ كسرت الشعوب فيه حاجز الخوف، بعد أن تمرَّدت في ثوراتٍ كبيرة، تكون النتيجة الطبيعية أن الأمور تسير نحو موجةٍ جديدة من الثورات، أعمق وأوسع مما حدث سنة 2011، وسيكون واضحاً أن الأساس الاقتصادي هو الذي فرضها.
ما يجب أن نبحث فيه هو السبب الذي جعل النظم تُمعن في نهب المجتمع، وهي تعرف أن الشعوب باتت في أعلى درجات الفقر، وأيضاً أنها كسرت حاجز الخوف.