09 نوفمبر 2024
حتى لا تنعقد القمم لمجرد الانعقاد
نجح الأردن في تنظيم قمةٍ عربيةٍ جديدةٍ، مستفيدا من موقعه الوسطي من الاستقطابات العربية، ومن العلاقات المتينة التي ينسجها العاهل الاردني، الملك عبدالله الثاني، مع القادة العرب، ومن خبرة هذا البلد في تنظيم المؤتمرات ذات الأهمية، وقد حال دون نشوب خلافاتٍ بين القادة في القمة، وتم التقريب بين بعض القادة، وأمكن التوصل إلى بيانٍ ختامي لا يتحفظ أحد من القادة عليه، ويعكس درجةً من التوافق بين تياراتٍ سياسيةٍ عربيةٍ عريضةٍ في الحكم وخارجه. وأقرّ المؤتمر بسوء الحال العربي، وجرت التهيئة في هذه القمة، وهي الثامنة والعشرون، لقمةٍ جديدةٍ، تستضيفها المملكة العربية السعودية في مثل هذه الأيام من العام المقبل 2018. وبمعايير النظام العربي الرسمي، فإن عقد القمة يمثل نجاحاً، وضع حدا لحالة التباعد بين بعض مكونات هذا النظام، وأعيد قدرٌ من الاعتبار إلى جامعة الدول العربية كمؤسسة قومية، أدار كثيرون الظهر لها في السنوات القليلة الماضية. ومقارنةً بالقمة السابقة، نجحت هذه القمة في إعادة تفعيل هذه المؤسّسة، وهو ما يفسر التغطية الحاشدة لها.
على أن السؤال الذي يثور، بعد التئام كل قمةٍ، بما فيها هذه الجديدة، هو: ماذا بعد؟ يتطلب الجواب الالتفات إلى بعض أوجه القصور التي تعتري هذه المؤسسة المنبثقة عن جامعة الدول العربية، إذ تنعقد هذه المناسبة بمعزلٍ عن أية مشاركةٍ شعبيةٍ، وعن أية مؤسسةٍ تمثيلية، تقوم بالتجسير بين الشعوب وقادتهم، وبغير تحضيرٍ يشارك فيه ممثلو الشعوب، بمن في ذلك البرلمانيون. ولذلك، يتولّد الانطباع بأن الشعوب في واد ومؤسسة القمة في واد آخر. ولم ينجح البرلمان العربي، حتى الآن، في أن يحقق حضورا سياسيا، لا خارج مؤسسة القمة، ولا في
العلاقة معها. جرت محاولات من قبل لأن تتحول مؤسسات المجتمع المدني العربية إلى هيئة من هيئات الجامعة، وأن تشارك في إعداد السياسات والتصورات، لكي تتبناها الجامعة، وتحمل ملفاتها إلى المؤتمرات العربية، بما فيها مؤتمرات القمة، لكن هذه المحاولات أخفقت. والمفارقة أن بيانات القمم، بما فيها القمة الأخيرة، تعكس، وبقدرٍ معقول، ما يهجس به الرأي العام العربي من تطلعاتٍ، وما ينشغل به من شجون، وما يتلمسه من صعوباتٍ وتحديات، غير أنه يتعزّز الآن الانطباع الراسخ أن البيانات والقرارات لا تعدو أن تكون حبرا على ورق، وأنها سرعان ما تذهب إلى الأرشيف. وهنا تبرز مشكلةٌ ثانيةٌ من المشكلات الهيكلية والمتمثلة في أن البيانات الختامية تفتقد أية قوة إلزامية تذكر، وأن متابعة القرارات تتم بصورة شكلية وبطيئة، وتصطدم عادة بالاعتبارات السيادية لكل دولة، وتاليا بالحسابات الخاصة لكل دولة.
لهذا، تنتقي كل دولة من قرارات القمم ما يتناسب مع سياستها، وما ينسجم مع ما تراه مصالحها. ومن النادر أن يتم الاحتكام إلى هذه القرارات. ومن اللافت أن مؤتمرات وزراء الخارجية العرب تتمتع بديناميةٍ أكبر من القمم، إذ تنعقد مرة كل ثلاثة أشهر على مستوى الوزراء أو المندوبين الدائمين (وهم في العادة السفراء المقيمون في القاهرة). إذ إن قصر الفترة الزمنية بين مؤتمر وآخر يتيح قدرا من المتابعة لقرارات سابقة، كما يتيح التعامل مع المستجدّات، خلافا للقمم التي تبدو كل واحدةٍ منها وكأنها منقطعة عما سبقها، ويبدو مجرد انعقادها كأنه إنجاز بحد ذاته، وتجنح إلى التعميم في مواقفها وقراراتها، تفاديا لإثارة خلافات وانقسامات، كما الحال في قمة البحر الميت، حين تناولت مسألة التدخلات الخارجية بصورة معممة ومُجهّلة، ومن الطبيعي أن تلقى هذه الصيغة الفضفاضة قبولاً عاماً، فلا أحد يقبل (أو يُقرّ) بتدخلات خارجية في شؤون بلده! والتعميم إذ يضمن الاتفاق أو التوافق، إلا أنه يبهت القرارات، ويضعف تأثيرها ويجعلها أقرب إلى مبادئ عامة، بدل كونها قرارات سياسية.
لقد شهدت العلاقات العربية الرسمية البينية ضعفا ملحوظا في السنوات الأخيرة، ونشبت خلافات، وقام تعارض في المصالح والأولويات وفي المفاهيم (مفهوم الشرعية مثلا). ومن الواضح أن الأطراف العربية الرسمية باتت تشعر بالضرّر نتيجة هذا الواقع الذي تساهم هي في صنعه. وعليه، فقد جاء شدّ الرحال إلى عمّان من طرف خمسة عشر زعيما عربيا، ليعكس أزمة تعتري عديداً من مكوّنات النظام العربي، وذلك بأمل البحث عن تغطيةٍ عربيةٍ لهذا النظام أو ذاك، وسعيا للحصول على أشكال من الدعم الاقتصادي والسياسي، ولتعزيز الشرعية في الداخل والخارج. ولهذا، بدت قمة البحر الميت أفضل حظاً من سابقتها في نواكشوط، وتمتع البلد المضيف بصفة واسطة العقد، لكن هذا لا يعني أن التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها العالم العربي قد وجدت لها حلا في القمة.
وقد أثبتت التطورات أن صيغة أو مسمى "العمل العربي المشترك"، وخصوصا في العقد
الأخير، لا تعدو كونها ديباجة، فقد ضعفت، في الأعوام الأخيرة، أو اهتزت واضطربت العلاقات بين دول عديدة في المشرق والمغرب العربيين، ما جعل "العمل العربي المشترك" مجرد طوبى وطموح محلق، فيما ضعُف الوزن السياسي للأمانة العامة لجامعة الدول العربية التي انصرفت الى العمل الإداري، والحفاظ على هيكل الجامعة، ونشطت أشكال مختلفة من التدخلات الخارجية، من أوضحها وأفدحها التدخلات الإيرانية المشهودة، والتي يفاخر بها أصحابها جهارا نهارا، وعلى الملأ.
في عقودٍ سابقة، كان يؤخذ بمبدأ عقد قمم طارئة حين المقتضى، وذلك للتعامل مع المستجدّات، وقد انعقدت بالفعل نحو تسع قمم طارئة، منها قمة عقدت في القاهرة في يونيو/ حزيران 2000، لمواجهة تهديداتٍ إسرائيلية للسلطة الفلسطينية، إلا أنه تم التوقف، منذ ذلك الحين، عن عقد القمم غير الدورية أو غير العادية. كما توقفت القمة العادية في مارس/ آذار من العام 2012 خلال موجة الربيع العربي. وأسوأ ما يمكن أن يحدث مستقبلا أن تنعقد القمم لمجرد الانعقاد، والحفاظ على الشكليات العربية، على الرغم من التباينات، فإذا كان مفهوما أن يكون الرأي العام العربي في واد والقمم في وادٍ آخر، فإنه سيغدو من غير المفهوم أن تكون السياسات العربية الفعلية المتبعة في واد، والقمم في واد آخر!
على أن السؤال الذي يثور، بعد التئام كل قمةٍ، بما فيها هذه الجديدة، هو: ماذا بعد؟ يتطلب الجواب الالتفات إلى بعض أوجه القصور التي تعتري هذه المؤسسة المنبثقة عن جامعة الدول العربية، إذ تنعقد هذه المناسبة بمعزلٍ عن أية مشاركةٍ شعبيةٍ، وعن أية مؤسسةٍ تمثيلية، تقوم بالتجسير بين الشعوب وقادتهم، وبغير تحضيرٍ يشارك فيه ممثلو الشعوب، بمن في ذلك البرلمانيون. ولذلك، يتولّد الانطباع بأن الشعوب في واد ومؤسسة القمة في واد آخر. ولم ينجح البرلمان العربي، حتى الآن، في أن يحقق حضورا سياسيا، لا خارج مؤسسة القمة، ولا في
لهذا، تنتقي كل دولة من قرارات القمم ما يتناسب مع سياستها، وما ينسجم مع ما تراه مصالحها. ومن النادر أن يتم الاحتكام إلى هذه القرارات. ومن اللافت أن مؤتمرات وزراء الخارجية العرب تتمتع بديناميةٍ أكبر من القمم، إذ تنعقد مرة كل ثلاثة أشهر على مستوى الوزراء أو المندوبين الدائمين (وهم في العادة السفراء المقيمون في القاهرة). إذ إن قصر الفترة الزمنية بين مؤتمر وآخر يتيح قدرا من المتابعة لقرارات سابقة، كما يتيح التعامل مع المستجدّات، خلافا للقمم التي تبدو كل واحدةٍ منها وكأنها منقطعة عما سبقها، ويبدو مجرد انعقادها كأنه إنجاز بحد ذاته، وتجنح إلى التعميم في مواقفها وقراراتها، تفاديا لإثارة خلافات وانقسامات، كما الحال في قمة البحر الميت، حين تناولت مسألة التدخلات الخارجية بصورة معممة ومُجهّلة، ومن الطبيعي أن تلقى هذه الصيغة الفضفاضة قبولاً عاماً، فلا أحد يقبل (أو يُقرّ) بتدخلات خارجية في شؤون بلده! والتعميم إذ يضمن الاتفاق أو التوافق، إلا أنه يبهت القرارات، ويضعف تأثيرها ويجعلها أقرب إلى مبادئ عامة، بدل كونها قرارات سياسية.
لقد شهدت العلاقات العربية الرسمية البينية ضعفا ملحوظا في السنوات الأخيرة، ونشبت خلافات، وقام تعارض في المصالح والأولويات وفي المفاهيم (مفهوم الشرعية مثلا). ومن الواضح أن الأطراف العربية الرسمية باتت تشعر بالضرّر نتيجة هذا الواقع الذي تساهم هي في صنعه. وعليه، فقد جاء شدّ الرحال إلى عمّان من طرف خمسة عشر زعيما عربيا، ليعكس أزمة تعتري عديداً من مكوّنات النظام العربي، وذلك بأمل البحث عن تغطيةٍ عربيةٍ لهذا النظام أو ذاك، وسعيا للحصول على أشكال من الدعم الاقتصادي والسياسي، ولتعزيز الشرعية في الداخل والخارج. ولهذا، بدت قمة البحر الميت أفضل حظاً من سابقتها في نواكشوط، وتمتع البلد المضيف بصفة واسطة العقد، لكن هذا لا يعني أن التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها العالم العربي قد وجدت لها حلا في القمة.
وقد أثبتت التطورات أن صيغة أو مسمى "العمل العربي المشترك"، وخصوصا في العقد
في عقودٍ سابقة، كان يؤخذ بمبدأ عقد قمم طارئة حين المقتضى، وذلك للتعامل مع المستجدّات، وقد انعقدت بالفعل نحو تسع قمم طارئة، منها قمة عقدت في القاهرة في يونيو/ حزيران 2000، لمواجهة تهديداتٍ إسرائيلية للسلطة الفلسطينية، إلا أنه تم التوقف، منذ ذلك الحين، عن عقد القمم غير الدورية أو غير العادية. كما توقفت القمة العادية في مارس/ آذار من العام 2012 خلال موجة الربيع العربي. وأسوأ ما يمكن أن يحدث مستقبلا أن تنعقد القمم لمجرد الانعقاد، والحفاظ على الشكليات العربية، على الرغم من التباينات، فإذا كان مفهوما أن يكون الرأي العام العربي في واد والقمم في وادٍ آخر، فإنه سيغدو من غير المفهوم أن تكون السياسات العربية الفعلية المتبعة في واد، والقمم في واد آخر!