09 نوفمبر 2024
يوم تقرع طبول الشرق
حالياً، يمرّ الشرق الأوسط بمرحلة هدوءٍ تسبق أي تحوّل عنيف أو فجائي ميدانياً. لعلّ ذلك مردّه تضافر المواقف السياسية وانعكاسها على الميادين العسكرية، سواء لناحية إنهاء تركيا عملية "درع الفرات" في الشمال السوري، أو إعلان الولايات المتحدة أن "إسقاط الأسد ليس من أولوياتنا". يأتي الموقفان في سياق بدء نهاية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسورية. لم يعد التنظيم في موقع "المبادر"، حسبما تدلّ عليه الأحداث، بعد خسارته سلسلة من "القلاع" في العامين الأخيرين، في الرمادي العراقية وسرت الليبية، وقريباً في الموصل العراقية، وغداً في الرّقة السورية. سقوط "داعش" واضمحلاله ميدانياً باتا حقيقة أكيدة، إنما ملامح المرحلة المقبلة غير أكيدة.
قد يعمل "داعش" على تكثيف عملياته الفردية المعروفة بـ"الذئاب المنفردة"، سواء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو في أوروبا، أو قد يستولد تنظيماً جديداً من رحمه، كما "درجت العادة" في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي ـ البريطاني للعراق عام 2003. أما بالنسبة للآخرين، فقد تكون الحروب الصغيرة مفتاحاً لحروب أكبر وأشمل. في العراق، باتت "حرب الأعلام" القومية التي ارتفعت على مبان حكومية في كركوك مؤشراً على مستقبلٍ مرعب ينتظر شمال البلاد. يريد الأكراد إقليمهم، ولم لا دولتهم. العرب يريدون البقاء في سياق الدولة العراقية وعاصمتها بغداد. التركمان يريدون دعماً تركياً صريحاً، والأقليات الدينية والإثنية تنتظر مصيراً مجهولاً. يُمكن إسقاط نموذج كركوك على دولة مجاورة: سورية.
هناك تحوّلت استعدادات معركة الرقة إلى صراعٍ على تقاسم الأرض والقرار قبل حسم المعركة. على اعتبار أن سقوط "داعش" في قلعته السورية أمر محسوم. ومن شأن تكريس خطوط تماسّ محدّدة بين أفرقاء إقليميين ودوليين أن يُشرّع الأبواب أمام مستقبلٍ تتصارع فيه المكونات الإثنية في سورية والعراق، في مرحلة ما بعد "داعش"، للوصول إلى "لا مكان"، أو بالأحرى إلى "لا حلول سياسية حاسمة"، تمدّ معها المنطقة إلى عصرٍ جديد من القتال. ويُمكن إدراج اتفاق الفرز المذهبي في مضايا والزبداني والفوعة وكفريا، في سياق مرحلة النزاعات المتناسلة، ورفدها بمزيدٍ من عناصر الصراع.
هنا، قد يكون الاتفاق بداية نهاية وجود حزب الله في سورية، والتراجع إلى الحدود اللبنانية. لا يتعلق الأمر بموقف رئيس الشؤون الاستراتيجية في معهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية، مصطفى زهراني، الذي قال يوم الخميس، إن "بلاده لا تملك استراتيجية خروج من الحرب في سورية عكس روسيا، وأن الأسد أدار لنا ظهره"، بل يتعلق الأمر بسير العلاقات الروسية ـ الإسرائيلية تحديداً.
منذ نحو أسبوعين تقريباً، شنّت الطائرات الإسرائيلية غارات عدة في سورية، طاولت مواقع وشاحنات تابعة لحزب الله وقوات النظام السوري. بعدها، استدعت روسيا السفير الإسرائيلي، غاري كورين، في موسكو، لا احتجاجاً، بل "للسؤال حول العمليات". مع العلم أن الإسرائيليين شنّوا غاراتٍ عديدة في سورية، أفضت إلى اغتيال كوادر أساسية في حزب الله، ولم تبدِ روسيا أي ممانعة، ولم تسأل حتى. لذلك، في المرة المقبلة حين تسمعون بغارة إسرائيلية على مواقع أو شاحنات تابعة لحزب الله في سورية، تكون روسيا قد أبدت "رغبتها" بصورةٍ غير مباشرة، بخروج الحزب من سورية، كون استدعاء السفير الإسرائيلي يُشكّل خطوةً رمزيةً تطرح الاتفاقات المعقودة تحت الطاولة، فوقها، بالتالي، ستحظى أي "مغامرة" إسرائيلية سورياً بغطاء روسي داعم. انسحاب الحزب من سورية أساساً أمر "متوقع"، قياساً على كرونولوجيا الأحداث من جهة، وعلى دروس التاريخ من جهة أخرى. وهو ما سينطبق بعد حقبة زمنية على الروس والأميركيين الموجودين في سورية أيضاً.
في ظلّ هذه المعطيات، لا يعود السؤال عن نظام سياسي في سورية، ولا عن اللاجئين السوريين "مهماً"، بل تحوّل إلى بند ثانوي في جحيم الشرق الأوسط.
قد يعمل "داعش" على تكثيف عملياته الفردية المعروفة بـ"الذئاب المنفردة"، سواء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو في أوروبا، أو قد يستولد تنظيماً جديداً من رحمه، كما "درجت العادة" في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي ـ البريطاني للعراق عام 2003. أما بالنسبة للآخرين، فقد تكون الحروب الصغيرة مفتاحاً لحروب أكبر وأشمل. في العراق، باتت "حرب الأعلام" القومية التي ارتفعت على مبان حكومية في كركوك مؤشراً على مستقبلٍ مرعب ينتظر شمال البلاد. يريد الأكراد إقليمهم، ولم لا دولتهم. العرب يريدون البقاء في سياق الدولة العراقية وعاصمتها بغداد. التركمان يريدون دعماً تركياً صريحاً، والأقليات الدينية والإثنية تنتظر مصيراً مجهولاً. يُمكن إسقاط نموذج كركوك على دولة مجاورة: سورية.
هناك تحوّلت استعدادات معركة الرقة إلى صراعٍ على تقاسم الأرض والقرار قبل حسم المعركة. على اعتبار أن سقوط "داعش" في قلعته السورية أمر محسوم. ومن شأن تكريس خطوط تماسّ محدّدة بين أفرقاء إقليميين ودوليين أن يُشرّع الأبواب أمام مستقبلٍ تتصارع فيه المكونات الإثنية في سورية والعراق، في مرحلة ما بعد "داعش"، للوصول إلى "لا مكان"، أو بالأحرى إلى "لا حلول سياسية حاسمة"، تمدّ معها المنطقة إلى عصرٍ جديد من القتال. ويُمكن إدراج اتفاق الفرز المذهبي في مضايا والزبداني والفوعة وكفريا، في سياق مرحلة النزاعات المتناسلة، ورفدها بمزيدٍ من عناصر الصراع.
هنا، قد يكون الاتفاق بداية نهاية وجود حزب الله في سورية، والتراجع إلى الحدود اللبنانية. لا يتعلق الأمر بموقف رئيس الشؤون الاستراتيجية في معهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية، مصطفى زهراني، الذي قال يوم الخميس، إن "بلاده لا تملك استراتيجية خروج من الحرب في سورية عكس روسيا، وأن الأسد أدار لنا ظهره"، بل يتعلق الأمر بسير العلاقات الروسية ـ الإسرائيلية تحديداً.
منذ نحو أسبوعين تقريباً، شنّت الطائرات الإسرائيلية غارات عدة في سورية، طاولت مواقع وشاحنات تابعة لحزب الله وقوات النظام السوري. بعدها، استدعت روسيا السفير الإسرائيلي، غاري كورين، في موسكو، لا احتجاجاً، بل "للسؤال حول العمليات". مع العلم أن الإسرائيليين شنّوا غاراتٍ عديدة في سورية، أفضت إلى اغتيال كوادر أساسية في حزب الله، ولم تبدِ روسيا أي ممانعة، ولم تسأل حتى. لذلك، في المرة المقبلة حين تسمعون بغارة إسرائيلية على مواقع أو شاحنات تابعة لحزب الله في سورية، تكون روسيا قد أبدت "رغبتها" بصورةٍ غير مباشرة، بخروج الحزب من سورية، كون استدعاء السفير الإسرائيلي يُشكّل خطوةً رمزيةً تطرح الاتفاقات المعقودة تحت الطاولة، فوقها، بالتالي، ستحظى أي "مغامرة" إسرائيلية سورياً بغطاء روسي داعم. انسحاب الحزب من سورية أساساً أمر "متوقع"، قياساً على كرونولوجيا الأحداث من جهة، وعلى دروس التاريخ من جهة أخرى. وهو ما سينطبق بعد حقبة زمنية على الروس والأميركيين الموجودين في سورية أيضاً.
في ظلّ هذه المعطيات، لا يعود السؤال عن نظام سياسي في سورية، ولا عن اللاجئين السوريين "مهماً"، بل تحوّل إلى بند ثانوي في جحيم الشرق الأوسط.