05 أكتوبر 2017
الاستثمار المربح في سردية الإرهاب
تصنيف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في أثناء زيارته الرياض الشهر الماضي، الدول والتنظيمات الإرهابية التي سمّاها في خطابه أمام زعماء العالميْن، العربي والإسلامي، لا يمكن إدراجها ضمن المقاربات الأميركية حول تعريف الإرهاب من الناحية القانونية، ليس فقط لتوقع ضحالة معرفة الرئيس الأميركي بمثل هذه المسائل التقنية، إنما، وهو الأهم، لأن الإدارات الأميركية المتعاقبة، أعاقت جهوداً دولية رامية إلى تعريف قانوني عالمي وموّحَد للإرهاب، وتقنين الجرائم التي ينطبق عليها هذا الوصف. ليس من شك أن وراء ذلك توظيفاً سياسياً واظب عليه الأميركان، كلّما توجب عليهم استحضار سردية الإرهاب، لتأمين مصالحهم في المنطقة والعالم. لكن الملفت أن يقبل زعماء المنطقة وحكامها شمول حركة حماس بالإرهاب إلى جانب تنظيمي داعش والقاعدة وحزب الله، وتنظيمات أخرى لم يذكرها ترامب، كي يبقى حبل الإرهاب مفتوحاً على الغارب.
لا غضاضةَ في ذلك لمن يعوّلون على الحليف الأميركي، لمواجهة إيران ومليشياتها في المنطقة، ولو كلف ذلك إدراج "حماس" على قوائم الإرهاب الأميركية، إرضاءً لإسرائيل تحديداً، إذ أن العيب الجوهري في تلك الأطروحة الأميركية الجوّالة عن "الإرهاب" كان دائماً في الركون لها حقيقة صلبة، لا تحتمل النقد أو التصويب، طالما أن الغطاء العربي والإسلامي الرسميين يوفران لها مشروعية التحايل على الحقائق التاريخية الصارخة التي تسوّغ القول إن
سياسات أميركا في العراق هي من أطلقت إرهاب إيران المنفلت في المنطقة، وقبل ذلك ما كان للإرهاب الإسرائيلي أن يسود في فلسطين، لولا الدعم الأميركي المفرط للاحتلال، والتغطية على جرائمه. وبين هذا وذاك، لم يكن نظام بشار الأسد ليجرؤ على إرهابه المستطير بحق الشعب السوري، لو أرادت الدولة الأقوى في العالم لجمَ إرهابه، وهي تستطيع ذلك. أهمية التذكير بتلك الحقائق لا يمسّ مقتضيات الواقعية السياسية التي فرضت الترحيب بكل من يقف في خندق مواجهة الإرهاب الإيراني، بيدّ أنه تذكير ضروريٌّ للدفاع عن العقلانية السياسية التي تُحتّم تلافي التدليس المقصود في إعطاء إسرائيل مبرّراً، لاتهام كل من يقاوم احتلالها بأنه إرهابي على خطى المثال الحمساوي. من لزوم الاحتكام لتلك العقلانية، وما يقترن بها من أخلاق سياسية، التعامل مع مواجهة إيران قبل محطة ترامب في الرياض وما بعدها، وفق رؤيةٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ، لا تدفع ثمن الحرب ضد أطماع إيران التوسعية، على حساب تقديم فروض الإذعان لإسرائيل، وتمرير مصالح الأخيرة بلسان أميركي مبين.
بيدَّ أن الحال العربي المأساوي اليوم فقدَ، من بين خسائره الكبيرة في المقدّرات والمواقف، أقل ما يرمز إلى ضرورة مراجعة المصالح الوطنية والقومية لشعوبه، ودوله، من دون رهنها جملةً وتفصيلاً بمقاصد اللاعبين الدوليين وسياساتهم في عنوان "الحرب على الإرهاب". المفارقة الخطيرة التي يطرحها هذا العنوان الجارف أنه يقوم على معايير استنسابية ومصلحية صرفة، بذرائع ودواع عالمية وإنسانية نبيلة، من يتحكم بمفاهيم وأدوات الربط بينها، هي القوى الدولية النافذة نفسها التي أدّت سياساتها في المنطقة إلى تنشيط بؤر الإرهاب بأشكالها المتعدّدة، في وقتٍ كانت ترفض فيه بشدة صياغة نظام موضوعي وإجرائي، لمكافحة الإرهاب عالمياً. لم يكن عفوَ الخاطر رفض الولايات المتحدة وروسيا، وغيرها من الدول الأعضاء مجلس الأمن، إدراج جريمة الإرهاب في الاختصاص النوعي لمحكمة الجنايات الدولية في نهاية التسعينيات، بل وإفشال كل مؤتمر أو مسعىً دولي، لتقنين نص جامع مانع يشمل تعريف الإرهاب، والجرائم التي تدخل في نطاقه، والجهة أو الجهات القضائية المختصة بالنظر في الجرائم الإرهابية.
على الرغم من ذلك كله، لا يمكن لإيران ومليشياتها المنتشرة خارج حدودها التي باتت تضارع إسرائيل في أخطارها على الشعوب العربية، أن تستفيد من هذه المحاججة السياسية والقانونية حول الإرهاب، للتملص من مسؤولياتها عن تفريخ منظماته المتطرّفة. وفي المقابل، لا يجوز إعطاء اسرائيل حق توظيف هذا المفهوم المعوّم، كي تنجو من جرائمها الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني، وتجريم من يمارس المقاومة المشروعة في مواجهتها. لا سبيل لفضّ الخلط وإزالة الالتباس، عن سردية الإرهاب الرائجة، في ظل القبول والامتثال للمقاربة الأميركية حولها، سواء من خلال تواطؤ المستفيدين منها على تبنيها دفعةً واحدةً، أو دحضها بصورةٍ انتقائيةٍ من المتورّطين بالإرهاب فعلياً. الحل لذلك يكمن في رؤيةٍ دوليةٍ موضوعيةٍ وعادلة، تقطع مع منطق إشهار التصنيفات الإرهابية لمصالح الدول الأقوى وحساباتها، مقابل التضحية بالمشروعية القانونية والأخلاقية والإنسانية، في مكافحة الجرائم الإرهابية بمعايير موّحدة وشاملة. سيما أن المجال التطبيقي لتلك التصنيفات كان دائماً محط ابتزاز سياسي، يقوم على مكاييل مزدوجة، تبعاً للمصالح وتبدّلاتها.
من غير المتوقع، مع استمرار سياسات الظلم، وغياب العدالة في المنطقة، أن تنجح تدابير
مكافحة الإرهاب محلياً وعالمياً، ما دام أن الأسباب والعوامل المغذّية للإرهاب قائمة ومتفشية، لا إرادة دولية في وقف مجازر بشار الأسد وإرهابه، بعد ست سنوات ونيّف من القتل والتدمير والتهجير، وبما يُفضي إلى إجبار روسيا على وقف دعمها له، ولا خطط عملية واضحة لردع إيران عن التدخل وإخراج مليشياتها من المنطقة، بينما تبدد سياسات تعزيز نفوذ إسرائيل وممارساتها القمعية بحق الفلسطينيين كل فرص تحقيق السلام مقابل استعادة الحقوق.
إزاء هذا المشهد الكارثي الطافح بملايين الضحايا، في سورية والعراق واليمن وليبيا وفلسطين، في مقابل استثمار أطراف عديدة المربح في الإرهاب، فإن ما يجافي المنطق حقاً ترويج وهم مواجهة إرهاب الدول والمنظمات والأفراد، بينما يضاعف الفشل المُزمن للنظام الدولي الراهن من رياح التطرّف والعنصرية والإسلاموفوبيا والتوحش، وهي تلف المنطقة والعالم. المطلوب لتجفيف بيئة الإرهاب، وإنهاك مصادره، ومواجهة مدبريه، والقائمين عليه، والمستفيدين منه، ما هو أكبر من إحداث مركز في الرياض لاستهداف تمويل الإرهاب، وهو ما يقتضي البحث فيه جدّياً، وبرؤية أعمق وأشمل، لكيفية مواجهة التحدّيات السياسية والاقتصادية والتنموية التي تواجه شعوب المنطقة، ومعالجة مخلّفات الاستبداد، والظلم، والفقر، والجهل، والفوات التاريخي.
لا غضاضةَ في ذلك لمن يعوّلون على الحليف الأميركي، لمواجهة إيران ومليشياتها في المنطقة، ولو كلف ذلك إدراج "حماس" على قوائم الإرهاب الأميركية، إرضاءً لإسرائيل تحديداً، إذ أن العيب الجوهري في تلك الأطروحة الأميركية الجوّالة عن "الإرهاب" كان دائماً في الركون لها حقيقة صلبة، لا تحتمل النقد أو التصويب، طالما أن الغطاء العربي والإسلامي الرسميين يوفران لها مشروعية التحايل على الحقائق التاريخية الصارخة التي تسوّغ القول إن
بيدَّ أن الحال العربي المأساوي اليوم فقدَ، من بين خسائره الكبيرة في المقدّرات والمواقف، أقل ما يرمز إلى ضرورة مراجعة المصالح الوطنية والقومية لشعوبه، ودوله، من دون رهنها جملةً وتفصيلاً بمقاصد اللاعبين الدوليين وسياساتهم في عنوان "الحرب على الإرهاب". المفارقة الخطيرة التي يطرحها هذا العنوان الجارف أنه يقوم على معايير استنسابية ومصلحية صرفة، بذرائع ودواع عالمية وإنسانية نبيلة، من يتحكم بمفاهيم وأدوات الربط بينها، هي القوى الدولية النافذة نفسها التي أدّت سياساتها في المنطقة إلى تنشيط بؤر الإرهاب بأشكالها المتعدّدة، في وقتٍ كانت ترفض فيه بشدة صياغة نظام موضوعي وإجرائي، لمكافحة الإرهاب عالمياً. لم يكن عفوَ الخاطر رفض الولايات المتحدة وروسيا، وغيرها من الدول الأعضاء مجلس الأمن، إدراج جريمة الإرهاب في الاختصاص النوعي لمحكمة الجنايات الدولية في نهاية التسعينيات، بل وإفشال كل مؤتمر أو مسعىً دولي، لتقنين نص جامع مانع يشمل تعريف الإرهاب، والجرائم التي تدخل في نطاقه، والجهة أو الجهات القضائية المختصة بالنظر في الجرائم الإرهابية.
على الرغم من ذلك كله، لا يمكن لإيران ومليشياتها المنتشرة خارج حدودها التي باتت تضارع إسرائيل في أخطارها على الشعوب العربية، أن تستفيد من هذه المحاججة السياسية والقانونية حول الإرهاب، للتملص من مسؤولياتها عن تفريخ منظماته المتطرّفة. وفي المقابل، لا يجوز إعطاء اسرائيل حق توظيف هذا المفهوم المعوّم، كي تنجو من جرائمها الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني، وتجريم من يمارس المقاومة المشروعة في مواجهتها. لا سبيل لفضّ الخلط وإزالة الالتباس، عن سردية الإرهاب الرائجة، في ظل القبول والامتثال للمقاربة الأميركية حولها، سواء من خلال تواطؤ المستفيدين منها على تبنيها دفعةً واحدةً، أو دحضها بصورةٍ انتقائيةٍ من المتورّطين بالإرهاب فعلياً. الحل لذلك يكمن في رؤيةٍ دوليةٍ موضوعيةٍ وعادلة، تقطع مع منطق إشهار التصنيفات الإرهابية لمصالح الدول الأقوى وحساباتها، مقابل التضحية بالمشروعية القانونية والأخلاقية والإنسانية، في مكافحة الجرائم الإرهابية بمعايير موّحدة وشاملة. سيما أن المجال التطبيقي لتلك التصنيفات كان دائماً محط ابتزاز سياسي، يقوم على مكاييل مزدوجة، تبعاً للمصالح وتبدّلاتها.
من غير المتوقع، مع استمرار سياسات الظلم، وغياب العدالة في المنطقة، أن تنجح تدابير
إزاء هذا المشهد الكارثي الطافح بملايين الضحايا، في سورية والعراق واليمن وليبيا وفلسطين، في مقابل استثمار أطراف عديدة المربح في الإرهاب، فإن ما يجافي المنطق حقاً ترويج وهم مواجهة إرهاب الدول والمنظمات والأفراد، بينما يضاعف الفشل المُزمن للنظام الدولي الراهن من رياح التطرّف والعنصرية والإسلاموفوبيا والتوحش، وهي تلف المنطقة والعالم. المطلوب لتجفيف بيئة الإرهاب، وإنهاك مصادره، ومواجهة مدبريه، والقائمين عليه، والمستفيدين منه، ما هو أكبر من إحداث مركز في الرياض لاستهداف تمويل الإرهاب، وهو ما يقتضي البحث فيه جدّياً، وبرؤية أعمق وأشمل، لكيفية مواجهة التحدّيات السياسية والاقتصادية والتنموية التي تواجه شعوب المنطقة، ومعالجة مخلّفات الاستبداد، والظلم، والفقر، والجهل، والفوات التاريخي.