06 نوفمبر 2024
رجلان خطيران
لا يمكن فهم الأزمة الخليجية الحالية، المراد منها عزل دولة قطر ومحاصرتها لدفعها إلى تغيير سياساتها، من دون معرفة من يقف وراء هذه الأزمة، ومن هو أو من هم المستفيدون الحقيقيون من إثارتها. قاعدة أساسية تقول إن أول سؤال يجب أن يطرح للكشف عن صاحب الجريمة هو عن المستفيد منها، وكذلك في علم السياسة، معرفة أهداف كل سياسة والمستفيد أو المستفيدين منها يساعدان في الكشف عن خفاياها الحقيقية.
الأزمة الخليجية التي أراد لها من حرّكها، ويريد الاستفادة منها، أن تكون دولية لا تعدو، في نهاية المطاف، أن تكون ناتجةً عن طموحات شخصية لشخصين يمكن أن يعتبرا أخطر رجلين اليوم في المنطقة، يهددان أمنها واستقرارها، وعملا طوال السنوات الماضية على تخريب دولٍ وقتل شعوبها وتشريدهم ودمار عمران هذه الدول. إنهما المحمدان. محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، ومحمد بن سلمان، ولي ولي عهد السعودية.
بعيداً عن القراءات الاستراتيجية والتأويلات الأكاديمية للأزمة الحالية وأبعادها الدولية، فهي، في عمقها، تبقى مجرد رجع صدى لصراع حاد وصامت داخل البلاط حول السلطة في السعودية والإمارات. فكلا المحمدين يغذي طموحه في أن يستولي على مقاليد السلطة في بلاده. وكلاهما يكاد يستفيد من الظروف "الموضوعية" نفسها التي تغذّي طموحه هذا. فكلاهما يتحدر من سلالة الملك أو الأمير الحاكم مباشرة، وكلاهما يريد أن يستفيد من الوضع الصحي لرئيس الدولة لتقديم نفسه بديلاً في حالة الفراغ الذي ينتظره كلاهما بفارغ الصبر لتحقيق حلمه. وكلاهما مندفعٌ بحماس شبابي حقيقي، أو مفترض، لإثبات نفسه في حلبة المنافسة على السلطة التي ظل تداولها يخضع لتراتبية في العمر والقرب والنسل. يضاف إلى هذا جانبٌ مهم في شخصيتيهما، وهو ضعف تكوينهما التعليمي الذي يحاول كلاهما التغطية عليه بفرض الجانب السلطوي أو المتسلط في شخصيته وإبرازه.
يكاد يكون محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، الحاكم الفعلي في أبوظبي، طموحه أكبر من
إمارة أبوظبي ومن دولة الإمارات نفسها، فهو يحلم بأن يتحكّم في المنطقة برمتها، من خلال التحكم في القوى الإقليمية، حتى تكون موالية له، فهو الذي وقف وراء الانقلاب الدامي في مصر، وأطاح نظام الإخوان المسلمين الذين يكن لهم عداءً يكاد يكون "مرضياً". ويعمل على فرض رجله محمد دحلان رئيساً على السلطة الفلسطينية، في إطار تقوية تقاربه مع إسرائيل التي لا يعتبرها عدواً لبلاده. وحاول فرض عدنان الباجه جي على العراق لوقف تغلغل النفوذ الإيراني فيها. وحتى السعودية التي يتحالف مع أحد أمرائها اليوم في ترتيب الأزمة التي تشهدها المنطقة حالياً، لم تكن نظرته إليها وديةً في أي يوم، فقد سبق أن نشر موقع "ويكليكس" عنه قوله للأميركيين عام 2006 "السعوديون ليسوا أصدقائي الأعزاء، وإنما نحتاج لأن نتفاهم معهم فقط". فهو يخشى من التأثير الديني القوي لشيوخ السعودية على شعبه، وخصوصاً على جزء كبير من عناصر الجيش الإماراتي، فلدى الرجل "فوبيا" حقيقية من كل ما هو ديني، سواء كان عبارة عن جماعة "الإخوان المسلمين" أو شيوخ المذهب الوهابي ودعاته الذين لا يريد أن يراهم يقتسمون السلطة في بلاده مع الأمراء كما هو الشأن في السعودية.
أما محمد بن سلمان، ولي ولي العهد في السعودية، فهو يسير على خطى نموذجه ومثاله الأسمى، محمد بن زايد، يقلده في كل شيء. فما سُمّيت "رؤية 2030" التي وضعها لتقدّم بلاده تسعى، في نهاية الأمر، إلى إعادة تجربة الإمارات العربية المتحدة في السعودية، أي بناء اقتصاد هجين، يقوم على الانفتاح الاقتصادي ويقلص من النفوذ الديني لشيوخ الوهابية الذين يضفون الصبغة الشرعية على حكم آل سعود منذ قيام المملكة. ومن أجل تثبيت سلطته، وتقوية نفوذه، فرض سيطرته على قيادة الجيش، فورّط بلاده ودولاً أخرى في حرب اليمن المدمرة التي أتت على بلد وشعب بكامله. وسعى إلى تشكيل أكبر حلف عسكري إسلامي سني، يكون موالياً لأميركا ومعادياً لإيران، الدولة التي يشكل نظامها أكبر عقدة نفسية للمحمدين، حوّلا الصراع معها إلى عقيدة قتالية ودينية ووطنية، لتوحيد شعبيهما ضد خطر خارجي، يبالغان في تصوير خطورته وأهدافه الإستراتيجية.
طموحات محمد بن سلمان يمكن تلخيصها في هدف واحد، هو وصوله إلى حكم بلاده، فقد سبق لصحيفة لوموند الفرنسية، أن تساءلت بخصوص طموحه، ما إذا كان "حداثياً وإصلاحياً، أو
سياسياً مقامراً كل ما يهمه هو الوصول إلى كرسي العرش فقط". ولعل هذا هو أكبر ما يجمع بين شخصيتي المحمدين، أي "المقامرة" التي جعلت رؤيتهما تتقارب وطموحاتهما تتلاقى، وهو ما أصبح يشكل اليوم أكبر خطرٍ على المنطقة، وينذر بما هو أسوأ، فأزمة الخليج الحالية هي إحدى النتائج المباشرة لهذا التقارب والتلاقي، وقبلها الحرب المدمرة على اليمن، والانقلاب الدامي في مصر، والحروب الأهلية والطائفية التي أشعلا فتيلها في العراق وليبيا وسورية، وينفخان في رمادها في لبنان وفلسطين، فهذه كلها تجليات للسياسات المدمرة التي يعدان بها المنطقة، في حالة تمكّنهما من بسط سيطرتهما الكاملة على السلطة في بلادهما، وفرض تأثير نفوذهما على أنظمة دول المنطقة. والأزمة التي اختلقاها اليوم مع قطر نموذجٌ للتعامل المتعالي مع كل نظامٍ يريد أن يشق عصا الطاعة عليهما. فقطر كانت شريكة وحليفة لهما عندما تلاقت سياستها معهما في الحرب في سورية والعراق، وانخرطت معهما في حربهما ضد اليمن، لكنها رفضت مسايرتهما في خططهما في مصر وليبيا وفلسطين، وعندما رسمت لنفسها سياسةً مستقلة فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران كانت تلك الشرارة التي فجّرت الأزمة الحالية.
لكن المفارقة في هذه الأزمة التي أراد لها المحمدان أن تكون حاسمةً في تثبيت خيارهما، ورسم خططهما للمستقبل كما يريانه، أنها قد تكون، في الوقت نفسه، هي بداية فشل مشروعهما الذي أسقطت عنه الأزمة الحالية كثيراً من ورق التوت ومازالت.
الأزمة الخليجية التي أراد لها من حرّكها، ويريد الاستفادة منها، أن تكون دولية لا تعدو، في نهاية المطاف، أن تكون ناتجةً عن طموحات شخصية لشخصين يمكن أن يعتبرا أخطر رجلين اليوم في المنطقة، يهددان أمنها واستقرارها، وعملا طوال السنوات الماضية على تخريب دولٍ وقتل شعوبها وتشريدهم ودمار عمران هذه الدول. إنهما المحمدان. محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، ومحمد بن سلمان، ولي ولي عهد السعودية.
بعيداً عن القراءات الاستراتيجية والتأويلات الأكاديمية للأزمة الحالية وأبعادها الدولية، فهي، في عمقها، تبقى مجرد رجع صدى لصراع حاد وصامت داخل البلاط حول السلطة في السعودية والإمارات. فكلا المحمدين يغذي طموحه في أن يستولي على مقاليد السلطة في بلاده. وكلاهما يكاد يستفيد من الظروف "الموضوعية" نفسها التي تغذّي طموحه هذا. فكلاهما يتحدر من سلالة الملك أو الأمير الحاكم مباشرة، وكلاهما يريد أن يستفيد من الوضع الصحي لرئيس الدولة لتقديم نفسه بديلاً في حالة الفراغ الذي ينتظره كلاهما بفارغ الصبر لتحقيق حلمه. وكلاهما مندفعٌ بحماس شبابي حقيقي، أو مفترض، لإثبات نفسه في حلبة المنافسة على السلطة التي ظل تداولها يخضع لتراتبية في العمر والقرب والنسل. يضاف إلى هذا جانبٌ مهم في شخصيتيهما، وهو ضعف تكوينهما التعليمي الذي يحاول كلاهما التغطية عليه بفرض الجانب السلطوي أو المتسلط في شخصيته وإبرازه.
يكاد يكون محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، الحاكم الفعلي في أبوظبي، طموحه أكبر من
أما محمد بن سلمان، ولي ولي العهد في السعودية، فهو يسير على خطى نموذجه ومثاله الأسمى، محمد بن زايد، يقلده في كل شيء. فما سُمّيت "رؤية 2030" التي وضعها لتقدّم بلاده تسعى، في نهاية الأمر، إلى إعادة تجربة الإمارات العربية المتحدة في السعودية، أي بناء اقتصاد هجين، يقوم على الانفتاح الاقتصادي ويقلص من النفوذ الديني لشيوخ الوهابية الذين يضفون الصبغة الشرعية على حكم آل سعود منذ قيام المملكة. ومن أجل تثبيت سلطته، وتقوية نفوذه، فرض سيطرته على قيادة الجيش، فورّط بلاده ودولاً أخرى في حرب اليمن المدمرة التي أتت على بلد وشعب بكامله. وسعى إلى تشكيل أكبر حلف عسكري إسلامي سني، يكون موالياً لأميركا ومعادياً لإيران، الدولة التي يشكل نظامها أكبر عقدة نفسية للمحمدين، حوّلا الصراع معها إلى عقيدة قتالية ودينية ووطنية، لتوحيد شعبيهما ضد خطر خارجي، يبالغان في تصوير خطورته وأهدافه الإستراتيجية.
طموحات محمد بن سلمان يمكن تلخيصها في هدف واحد، هو وصوله إلى حكم بلاده، فقد سبق لصحيفة لوموند الفرنسية، أن تساءلت بخصوص طموحه، ما إذا كان "حداثياً وإصلاحياً، أو
لكن المفارقة في هذه الأزمة التي أراد لها المحمدان أن تكون حاسمةً في تثبيت خيارهما، ورسم خططهما للمستقبل كما يريانه، أنها قد تكون، في الوقت نفسه، هي بداية فشل مشروعهما الذي أسقطت عنه الأزمة الحالية كثيراً من ورق التوت ومازالت.