10 ابريل 2019
السيسي وشعوب النيل
أول مرة تنعقد فيها قمة دول حوض النيل كاملةً، في عنتيبي شمالي أوغندا، يوم 20 يونيو/ حزيران الجاري، ما بين مصدّق بنجاحها ومكذّب بفشلها؛ ترتفع علامات الاستغراب من المرونة التي أبداها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، تجاه ملف مياه النيل. وقد سمتها الحكومة المصرية بلورة رؤية استراتيجية شاملة تُحقّق التعاون الأمثل بين دول الحوض، إلى درجةٍ قدم خلالها السيسي الدعوة إلى عقد القمة المقبلة في مصر، فيما تم اعتباره تغاضيا عن حصة مصر التاريخية في مياه النيل.
حرص السيسي على استدعاء إرث جمال عبد الناصر، عندما كانت مصر فى طليعة دعم الكفاح الأفريقي في معركة التحرير من الاستعمار. والحقيقة أنّ ذاك التوجه الناصري كان مبنياً على الاستقطاب إلى الأيديولوجية الاشتراكية تارة، والقومية العربية تارة أخرى، ثم انحسر الاهتمام بأفريقيا بعدها، واستمر تباعد الشقة في عهد حسني مبارك، فلم تعرف مصر قدرات القارة الأفريقية ومعاركها التنموية والتحديث لمنطقة حوض النيل والقارة الإفريقية بأكملها.
وبالنظر إلى أنّ هذه القمة تعويض للقمة المؤجّلة منذ مايو/ أيار الماضي، بناءً على طلب إثيوبيا لدراسة المقترح المصري، فإنّه ليس هناك من تقدّم يُذكر لحل خلافات اتفاقية عنتيبي الخاصة بعدم الإضرار بدولتي المصب، السودان ومصر، والتي تم توقيعها في 2010، ولم تدخل حيز التنفيذ، كما لم تنشأ مفوضية النيل التى نصّ عليها، لعدم تصديق غالبية الدول على الاتفاق، أو عدم انضمامها إليه.
حاولت الحكومة المصرية الاستفادة من الجو العام، فدفعت ببرامج هلامية، ووسّعت من
عباءتها. وإذا كانت قضايا الأمن المائي، والتغيرات المناخية والتعاون الإقليمي ومشروعات التنمية لشعوب النيل قضايا استراتيجية من صميم القضايا التي تؤرّق دول القارة الأفريقية، فإنّ الزجّ بمفردة الإرهاب السياسي المقدّمة في صدر المقترح المصري لدول حوض النيل رسالة ملغّمة تحمل نياتٍ غير طيبة واستفهامات تحتاج إلى مزيد من توضيح ما يُقصد بالإرهاب السياسي.
عاشت دول القارة الأفريقية ومنطقة ما سمّاها مقترح حكومة السيسي شعوب النيل دوماً في حالاتٍ من المد والجزر، والخلاف والتواؤم، من دون أن يؤثّر ذلك على تشبّث أغلب رؤسائها بالسلطة وبقائهم على سدة الحكم سنين عدداً. وعلى الرغم من انعدام الديمقراطية واستشراء الفساد السياسي وتأثيره على اقتصاد هذه الدول، إلّا أنّ التكتلات الاقتصادية الإقليمية تُؤسس وتُحلّ على مرّ العهود من دون فائدة اقتصادية تناسب موارد القارة وإمكاناتها، والسبب يتعلّق بشكل مباشر بنُظم الحكم الدكتاتورية. وقد يسأل سائلٌ لماذا ترك السيسي هذا كله، ولجأ مباشرة إلى الإرهاب السياسي، التعبير المفخّخ الذي تفصّله كلّ دولةٍ، حسب أجندتها ومصالحها.
هنا نجد أنّ السيسي ليس معبّراً فقط عن أحلامه باستطالة أمد حكمه، أو خوفه الداخلي ومدى أحقيته بكرسي الحكم انقلاباً على نظام ديمقراطي، وإنّما هناك أيضاً هدفٌ آخر، وهو رسالة حملها بضرورة تجييش هذه الدول الواقعة في نطاق حيوي مهم، مطوّقةً دولا أخرى، يمثّل إليها ما تم تسميته الإرهاب السياسي، من دون شرحه، كابوساً مريعاً. يستبق السيسي الزمن، في أنّ هذه المنطقة قد تستقطبها دول أخرى وقعت في خانة الأعداء. وفي سبيل القيام بهذا الدور، أظهر الوفد الرئاسي المصري استعداده لتجاهل حصة مصر التاريخية في مياه النيل.
ولتحسين وجه هذا المطلب الغريب، طرحت مصر ما تنوي إيراده في الوثيقة الجديدة، بإبداء دعمها استفادة دول الحوض من مياه النيل، بإقامة هذه السدود، مثلما أقامت مصر السد العالي، وأقام السودان بعض السدود أيضاً. وكانت هذه المشاريع محل اعتراض مصري في عهد الرئيس محمد مرسي، لخوف مصر من تأثير السد على حصتها من مياه النيل البالغة 55 مليار مكعب.
قد تكون الفترة المقبلة بداية للتعاون بين مصر ودول الحوض. وفي هذه الخطوة اتجاه مثير
للاهتمام باستبعادها السودان، الذي يُعدُّ شريكاً باعتباره دولة مصب. ومما يرجّح من فرضية أنّ ما سيتم تقديمه في الوثيقة بإنشاء المبادرة المصرية للشراكة من أجل التنمية مع أفريقيا قد يكون حديثاً للاستهلاك الداخلي؛ هو أنّ البلدين خاضا معاً المفاوضات المشتركة، واشترطا النص على مبدأ الحقوق المكتسبة من مياه النيل، ولم يغفلا المطالبة بالنص على الإجراءات التنفيذية لمبدأ الإخطار المسبق عند إقامة المشروعات، وتبني قاعدة الإجماع أو الأغلبية الموصوفة بموافقة السودان ومصر عند التصويت على القرارات.
كان للسودان ومصر معاً أسباب اعتراض على بعض نقاط الوضع القانوني المعني باتفاقية عنتيبي، وبعض آليات التعامل مع هذه الاعتراضات، ما دعا إلى المناداة بوضعها في إطارٍ يوفّق بين ضمان الحقوق المكتسبة للبلدين في مياه النيل وإقامة تعاون مستدام بين دول الحوض. وقد لا يستقيم ما تمت تسميتها مشروعات الرؤية المشتركة بين مصر ودول البحيرات الاستوائية بتجاوزها السودان، ووضع الأمل كله من المشروعات التنموية لدول الحوض التي لا تتمتع بالاستقرار اللازم لرعاية الاستثمارات الدولية.
قد يبرّر هذا كله لهروع السيسي إلى اجتماع دول حوض النيل، وينفضّ سامره من دون التوصل إلى اتفاق حول القضايا المطروحة، وإنّما لعبٌ فقط على وتر الأمن المائي، واستقطاب لدول المنبع من أجل ترويج فكرة الإرهاب السياسي.
حرص السيسي على استدعاء إرث جمال عبد الناصر، عندما كانت مصر فى طليعة دعم الكفاح الأفريقي في معركة التحرير من الاستعمار. والحقيقة أنّ ذاك التوجه الناصري كان مبنياً على الاستقطاب إلى الأيديولوجية الاشتراكية تارة، والقومية العربية تارة أخرى، ثم انحسر الاهتمام بأفريقيا بعدها، واستمر تباعد الشقة في عهد حسني مبارك، فلم تعرف مصر قدرات القارة الأفريقية ومعاركها التنموية والتحديث لمنطقة حوض النيل والقارة الإفريقية بأكملها.
وبالنظر إلى أنّ هذه القمة تعويض للقمة المؤجّلة منذ مايو/ أيار الماضي، بناءً على طلب إثيوبيا لدراسة المقترح المصري، فإنّه ليس هناك من تقدّم يُذكر لحل خلافات اتفاقية عنتيبي الخاصة بعدم الإضرار بدولتي المصب، السودان ومصر، والتي تم توقيعها في 2010، ولم تدخل حيز التنفيذ، كما لم تنشأ مفوضية النيل التى نصّ عليها، لعدم تصديق غالبية الدول على الاتفاق، أو عدم انضمامها إليه.
حاولت الحكومة المصرية الاستفادة من الجو العام، فدفعت ببرامج هلامية، ووسّعت من
عاشت دول القارة الأفريقية ومنطقة ما سمّاها مقترح حكومة السيسي شعوب النيل دوماً في حالاتٍ من المد والجزر، والخلاف والتواؤم، من دون أن يؤثّر ذلك على تشبّث أغلب رؤسائها بالسلطة وبقائهم على سدة الحكم سنين عدداً. وعلى الرغم من انعدام الديمقراطية واستشراء الفساد السياسي وتأثيره على اقتصاد هذه الدول، إلّا أنّ التكتلات الاقتصادية الإقليمية تُؤسس وتُحلّ على مرّ العهود من دون فائدة اقتصادية تناسب موارد القارة وإمكاناتها، والسبب يتعلّق بشكل مباشر بنُظم الحكم الدكتاتورية. وقد يسأل سائلٌ لماذا ترك السيسي هذا كله، ولجأ مباشرة إلى الإرهاب السياسي، التعبير المفخّخ الذي تفصّله كلّ دولةٍ، حسب أجندتها ومصالحها.
هنا نجد أنّ السيسي ليس معبّراً فقط عن أحلامه باستطالة أمد حكمه، أو خوفه الداخلي ومدى أحقيته بكرسي الحكم انقلاباً على نظام ديمقراطي، وإنّما هناك أيضاً هدفٌ آخر، وهو رسالة حملها بضرورة تجييش هذه الدول الواقعة في نطاق حيوي مهم، مطوّقةً دولا أخرى، يمثّل إليها ما تم تسميته الإرهاب السياسي، من دون شرحه، كابوساً مريعاً. يستبق السيسي الزمن، في أنّ هذه المنطقة قد تستقطبها دول أخرى وقعت في خانة الأعداء. وفي سبيل القيام بهذا الدور، أظهر الوفد الرئاسي المصري استعداده لتجاهل حصة مصر التاريخية في مياه النيل.
ولتحسين وجه هذا المطلب الغريب، طرحت مصر ما تنوي إيراده في الوثيقة الجديدة، بإبداء دعمها استفادة دول الحوض من مياه النيل، بإقامة هذه السدود، مثلما أقامت مصر السد العالي، وأقام السودان بعض السدود أيضاً. وكانت هذه المشاريع محل اعتراض مصري في عهد الرئيس محمد مرسي، لخوف مصر من تأثير السد على حصتها من مياه النيل البالغة 55 مليار مكعب.
قد تكون الفترة المقبلة بداية للتعاون بين مصر ودول الحوض. وفي هذه الخطوة اتجاه مثير
كان للسودان ومصر معاً أسباب اعتراض على بعض نقاط الوضع القانوني المعني باتفاقية عنتيبي، وبعض آليات التعامل مع هذه الاعتراضات، ما دعا إلى المناداة بوضعها في إطارٍ يوفّق بين ضمان الحقوق المكتسبة للبلدين في مياه النيل وإقامة تعاون مستدام بين دول الحوض. وقد لا يستقيم ما تمت تسميتها مشروعات الرؤية المشتركة بين مصر ودول البحيرات الاستوائية بتجاوزها السودان، ووضع الأمل كله من المشروعات التنموية لدول الحوض التي لا تتمتع بالاستقرار اللازم لرعاية الاستثمارات الدولية.
قد يبرّر هذا كله لهروع السيسي إلى اجتماع دول حوض النيل، وينفضّ سامره من دون التوصل إلى اتفاق حول القضايا المطروحة، وإنّما لعبٌ فقط على وتر الأمن المائي، واستقطاب لدول المنبع من أجل ترويج فكرة الإرهاب السياسي.