24 سبتمبر 2020
ذكرى النكسة وتثبيت آثار العدوان؟
عقدت حكومة العدو الإسرائيلي جلسة خاصة في ساحة البراق (حائط المبكى عند اليهود) في القدس، احتفالاً بمرور خمسين عاماً على احتلالهم المدينة، والضفة الغربية (يهودا والسامرة)، أو تحريرها كما يدّعون. واتخذ مجلس وزراء العدو في الجلسة قرارات مهمة تتعلق باستكمال عملية تهويد القدس الموحدة، باعتبارها العاصمة الأبدية للدولة العبرية. هكذا يحتفل العدو الإسرائيلي بثمرة انتصاره في حرب الأيام الستة، والتي نجح في التمسك بها وتكريسها على مدى الخمسين عاماً الماضية، بل لا يزال يجني ثمارها، بينما تمر الذكرى الخمسينية على العالم العربي، وهو لا يزال يدفع كُلفة تلك "النكسة" فُرقة وتشتتاً وتفريطاً؟
شتّان ما بين المشهدين، الإسرائيلي الاحتفالي في القدس المحتلة واحتفالياتها المستمرة في كل أرجاء العالم، والمشهد العربي البائس، حيث تواكبت الذكرى الخمسين للنكسة مع حدث آخر اكتسب أهمية بالغة للعالم العربي والشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وهو زيارة تكاد تكون تاريخية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومن في معيته، العربية السعودية، حيث عقد قمماً أميركية سعودية وخليجية وإسلامية.. "قبل أن ينفرط عقد مجلس التعاون بقطع العلاقات مع قطر ومحاولة حصارها من نصف دول المجلس"، ثم أتبعها بزيارة إلى فلسطين المحتلة بشقيها، دولة العدو الإسرائيلي والضفة الغربية، وهي أيضاً تحت الاحتلال الإسرائيلي، واستكمل لقاءات القمة مع كل من رئيس حكومة العدو الإسرائيلي ورئيس السلطة الفلسطينية.
في كل تلك القمم، وما دار فيها من أحاديث وخطابات، لم يأت ذكر ما جرى وما كان، منذ
خمسين عاماً، حيث احتل العدو الإسرائيلي كل فلسطين التاريخية، وأعلن توحيد القدس، بشقيها الشرقي والغربي، واتخاذها عاصمة أبدية لدولته، كما احتل هضبة الجولان السورية، ومزارع شبعا اللبنانية، بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية. تلك هي "آثار العدوان" التي كانت تعنيها بيانات، وقرارات، مؤتمرات القمة العربية التي توالت بعد النكسة، بدءاً من مؤتمر الخرطوم في أغسطس/آب 1967، وشاركت فيه كل الدول العربية عدا سورية. وتأتي أهمية ذلك المؤتمر، الشهير بمؤتمر اللاءات الثلاث، من مضمون القرارات التي صدرت عنه، ومن المهم التذكير بنصوصها، لندرك حجم الهوة السحيقة بين ما كنا نسعى إليه قبل خمسين عاماً وما وصلنا إليه اليوم. وأهم تلك القرارات التي أشارت بوضوح إلى العمل على إزالة "آثار العدوان" وإلى اللاءات الثلاث كانت:
وافق المؤتمر على ضرورة توحيد جميع الجهود "للقضاء على آثار العدوان الإسرائيلي على أساس أن الأراضي المحتلة هي أراض عربية، وأن عبء استعادتها يقع على عاتق جميع الدول العربية. وافق رؤساء الدول العربية على توحيد الجهود السياسية على الصعيدين، الدولي والدبلوماسي، "لإزالة آثار العدوان" وضمان انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية التي كانت تحتلها منذ عدوان 5 حزيران، على أن يتم ذلك في إطار المبادئ الرئيسية التي يمكن للدول العربية الالتزام بها، أي "لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات معها"، والإصرار على أحقية الشعب الفلسطيني في بلاده.
وظل مصطلح "إزالة آثار العدوان" يتردد، منذ ذلك الوقت، في كل مؤتمر قمة لقادة الدول العربية، بل تحوّل إلى ما يشبه الأيقونة التي تحافظ على شرعية النُظم، واستمرار الحكام في مواقعهم، باعتبارهم قادة المعركة التي لا يجب أن لا يعلو صوت على صوتها، وهي معركة "إزالة آثار العدوان".
وفي إطار ذلك الشعار كانت حرب الاستنزاف، وفى إطاره أيضاً تم الإعداد، والاستعداد، والتنسيق المصري - السوري لحرب أكتوبر 1973، ووقفت الأمة العربية، بل والعالم كله يرقب ويترقب سير المعارك الضارية على مسارح العمليات، تلك المعارك التي أشاد فيها العالم بشجاعة المقاتل العربي وكفاءته، ووقفت الأمة العربية تساند الجيوش في ميادين القتال، وتعلقت القلوب في العالم العربي، من مشرقه إلى مغربه، بالأمل في النصر الذي سيقود إلى تحقيق "إزالة آثار العدوان".
توقفت المعارك بعد نحو ثلاثة أسابيع، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن، بعد تدخلاتٍ دولية قادتها الولايات المتحدة الأميركية والتي لم تسمح بتمكين أيٍّ من أطراف القتال من تحقيق نصر حاسم على الأرض، على الرغم من الأداء القتالي العربي رفيع المستوى، والذي أدى إلى هزيمة الآلة العسكرية للعدو الإسرائيلي في المراحل الأولى للحرب، وصمتت المدافع على الجبهة، المصرية في سيناء، حيث كانت القوات المصرية متمسكةً بما حرّرته من أرض على امتداد شرق القناة بعمق 15-17 كم، وعلى الجبهة السورية في الجولان، كان العدو الإسرائيلي قد تمكّن من استعادة أوضاعه على هضبة الجولان.
وهكذا توقفت حرب أكتوبر، أو آخر الحروب العربية – الإسرائيلية، على حد تعبير أنور
السادات، بعد أن حققت إنجازاً عسكرياً لم يسبق تحقيقه في الجولات العسكرية السابقة، ولكنه لم يصل إلى مستوى "إزالة آثار العدوان". وبدأت على الفور، في أعقاب توقف الحرب، ما عُرف بعملية السلام مع العدو الإسرائيلي، برعاية أميركية. وتداعت المواقف بسرعة، وبشكل دراماتيكي، تمثلت في تجميد الموقف على الجبهة السورية، بتوقيع اتفاقية الفصل بين القوات على جبهة الجولان في 1974، والأهم توقيع معاهدة سلام مصرية - إسرائيلية في 1979، وهى المعاهدة التي أسقطت قرارات قمة الخرطوم ولاءاتها الثلاث، والأهم أنها سجلت أول سابقة للاعتراف الرسمي بدولة إسرائيل، وخروج مصر من دائرة الصراع العربي- الإسرائيلي. ولم تمض بضع سنوات، حتى جاء الاعتراف الثاني والأخطر من منظمة التحرير الفلسطينية في اتفاقية أوسلو 1993. وأعقب ذلك الاعتراف الثالث من الأردن في معاهدة سلام جديدة 1994. كما انفتحت قنوات اتصال غير رسمية بين تل أبيب وعواصم عربية، تحت ستار علاقات ومكاتب تجارية وغيرها، وذلك كله على الرغم من أن الأرض العربية بقيت تحت الاحتلال، وتوارى تماماً شعار "إزالة آثار العدوان".
لم يقتصر الأمر على ذلك. ولكن، وربما بمناسبة الذكرى الخمسين للنكسة، توارت أيضاً قضية فلسطين، وأصبح الأمر مجرد مشكلة سلامٍ بين إسرائيل و"بعض" الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية، تمثلهم السلطة الوطنية الفلسطينية التي تعترف بدولة إسرائيل، والتي أعلن أحد رموزها (جِبْرِيل الرجوب) أخيرا أن حائط البراق من حق إسرائيل، بينما يُعتبر باقي الفلسطينيين، وهم الأغلبية، إرهابيين، وخارج إطار أي تسوية.
خمسون عاماً مرّت على النكسة، تمكن خلالها العدو الإسرائيلي من "تثبيت آثار العدوان"، ووجدت النظم العربية شعاراً جديداً، اتخذته أيقونة لشرعيتها بدلا من "إزالة آثار العدوان"، وهو شعار "الحرب على الإرهاب". ومن المفارقات التي تستحق التأمل أن ذكرى النكسة "5 يونيو" يوافق هذا العام يوم النصر "10 رمضان"... وأمجاد يا عرب أمجاد.
شتّان ما بين المشهدين، الإسرائيلي الاحتفالي في القدس المحتلة واحتفالياتها المستمرة في كل أرجاء العالم، والمشهد العربي البائس، حيث تواكبت الذكرى الخمسين للنكسة مع حدث آخر اكتسب أهمية بالغة للعالم العربي والشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وهو زيارة تكاد تكون تاريخية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومن في معيته، العربية السعودية، حيث عقد قمماً أميركية سعودية وخليجية وإسلامية.. "قبل أن ينفرط عقد مجلس التعاون بقطع العلاقات مع قطر ومحاولة حصارها من نصف دول المجلس"، ثم أتبعها بزيارة إلى فلسطين المحتلة بشقيها، دولة العدو الإسرائيلي والضفة الغربية، وهي أيضاً تحت الاحتلال الإسرائيلي، واستكمل لقاءات القمة مع كل من رئيس حكومة العدو الإسرائيلي ورئيس السلطة الفلسطينية.
في كل تلك القمم، وما دار فيها من أحاديث وخطابات، لم يأت ذكر ما جرى وما كان، منذ
وافق المؤتمر على ضرورة توحيد جميع الجهود "للقضاء على آثار العدوان الإسرائيلي على أساس أن الأراضي المحتلة هي أراض عربية، وأن عبء استعادتها يقع على عاتق جميع الدول العربية. وافق رؤساء الدول العربية على توحيد الجهود السياسية على الصعيدين، الدولي والدبلوماسي، "لإزالة آثار العدوان" وضمان انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية التي كانت تحتلها منذ عدوان 5 حزيران، على أن يتم ذلك في إطار المبادئ الرئيسية التي يمكن للدول العربية الالتزام بها، أي "لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات معها"، والإصرار على أحقية الشعب الفلسطيني في بلاده.
وظل مصطلح "إزالة آثار العدوان" يتردد، منذ ذلك الوقت، في كل مؤتمر قمة لقادة الدول العربية، بل تحوّل إلى ما يشبه الأيقونة التي تحافظ على شرعية النُظم، واستمرار الحكام في مواقعهم، باعتبارهم قادة المعركة التي لا يجب أن لا يعلو صوت على صوتها، وهي معركة "إزالة آثار العدوان".
وفي إطار ذلك الشعار كانت حرب الاستنزاف، وفى إطاره أيضاً تم الإعداد، والاستعداد، والتنسيق المصري - السوري لحرب أكتوبر 1973، ووقفت الأمة العربية، بل والعالم كله يرقب ويترقب سير المعارك الضارية على مسارح العمليات، تلك المعارك التي أشاد فيها العالم بشجاعة المقاتل العربي وكفاءته، ووقفت الأمة العربية تساند الجيوش في ميادين القتال، وتعلقت القلوب في العالم العربي، من مشرقه إلى مغربه، بالأمل في النصر الذي سيقود إلى تحقيق "إزالة آثار العدوان".
توقفت المعارك بعد نحو ثلاثة أسابيع، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن، بعد تدخلاتٍ دولية قادتها الولايات المتحدة الأميركية والتي لم تسمح بتمكين أيٍّ من أطراف القتال من تحقيق نصر حاسم على الأرض، على الرغم من الأداء القتالي العربي رفيع المستوى، والذي أدى إلى هزيمة الآلة العسكرية للعدو الإسرائيلي في المراحل الأولى للحرب، وصمتت المدافع على الجبهة، المصرية في سيناء، حيث كانت القوات المصرية متمسكةً بما حرّرته من أرض على امتداد شرق القناة بعمق 15-17 كم، وعلى الجبهة السورية في الجولان، كان العدو الإسرائيلي قد تمكّن من استعادة أوضاعه على هضبة الجولان.
وهكذا توقفت حرب أكتوبر، أو آخر الحروب العربية – الإسرائيلية، على حد تعبير أنور
لم يقتصر الأمر على ذلك. ولكن، وربما بمناسبة الذكرى الخمسين للنكسة، توارت أيضاً قضية فلسطين، وأصبح الأمر مجرد مشكلة سلامٍ بين إسرائيل و"بعض" الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية، تمثلهم السلطة الوطنية الفلسطينية التي تعترف بدولة إسرائيل، والتي أعلن أحد رموزها (جِبْرِيل الرجوب) أخيرا أن حائط البراق من حق إسرائيل، بينما يُعتبر باقي الفلسطينيين، وهم الأغلبية، إرهابيين، وخارج إطار أي تسوية.
خمسون عاماً مرّت على النكسة، تمكن خلالها العدو الإسرائيلي من "تثبيت آثار العدوان"، ووجدت النظم العربية شعاراً جديداً، اتخذته أيقونة لشرعيتها بدلا من "إزالة آثار العدوان"، وهو شعار "الحرب على الإرهاب". ومن المفارقات التي تستحق التأمل أن ذكرى النكسة "5 يونيو" يوافق هذا العام يوم النصر "10 رمضان"... وأمجاد يا عرب أمجاد.