07 نوفمبر 2024
لماذا لا يُؤخذ الإعلام المصري بجدية؟
أشار الكاتب معن البياري، في مقال له في "العربي الجديد" في أثناء بداية الأزمة الخليجية، إلى ملاحظة مهمة، وهي أنه لم يعد أحدٌ في الوقت الحالي يتعامل مع ما يقوله الإعلام المصري بجديّة، وأن فضائيات عبد الفتاح السيسي وصحفه أصبحت لا تؤخذ على محمل الجد. وبالفعل، ظهر هذا واضحا بشدة في الأزمة الراهنة، من خلال تركيز الجميع على ما يقوله الإعلام في كل من قطر والسعودية والإمارات فقط، وإهمال متابعة ما عداه. لكن، لماذا وكيف وصل الإعلام المصري إلى هذا الدرك من انعدام المكانة والأهمية، وقد كان صاحب التأثير الأكبر في الوطن العربي قبل عقود؟
بداية، تجب الإشارة إلى أن معظم الأكاذيب والفبركات التي نشرتها وسائل الإعلام السعودية والإماراتية كانت قد نشرت مرات عدة في الإعلام المصري على مدار السنوات الماضية، خصوصا منذ الانقلاب العسكري في مصر الذي حلت ذكراه الرابعة هذه الأيام، بل كان الإعلام المصري قد شن حملة واسعة للغاية ضد قطر وقناة الجزيرة، بسبب بث الأخيرة فيلم "العساكر" الذي تناول أوضاع المجندين في الجيش المصري، ولم يترك حينها الإعلام المصري أي بذاءةٍ إلا ونشرها، ووصلت وسائل الإعلام المصرية إلى الدرك الأسفل من قاع الانحطاط الإعلامي. مع ذلك، لم تحظ تلك الحملة الإعلامية بأي أهميةٍ أو متابعةٍ تتجاوز حدود استديوهات الفضائيات المصرية وصفحات الصحف، ولم تهتم قطر أو الجزيرة بالرد على جملةٍ واحدةٍ قيلت في تلك الحملة، ما كان يشير بوضوح إلى انعدام تأثير الإعلام المصري وأهميته منذ ما قبل الأزمة الحالية بعدة أشهر.
بعد تفجر الأزمة، وضحت الظاهرة بشدة، ما يرجع إلى حقيقةٍ بسيطة، هي أن الإعلام يتبع
السياسة، وطالما أن مصر السيسي تابعة للدول الخليجية الثلاث، فإن الإعلام المصري لن يحقق نتيجة مختلفة في أدائه.
لم يجرؤ السيسي، طوال الأعوام الماضية، على اتخاذ أي إجراء ضد قطر إلا الآن، والسبب أنه كان واضحا منذ بداية الأزمة، أن قرار مصر قطع العلاقات مع دولة قطر قد اتخذ بعد أن اتخذت الدول الخليجية الثلاث الإجراء نفسه، وقد شهدت القاهرة زيارة قام بها وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قبل ذلك القرار، فيما بدا وكأنه تنسيقٌ بين السعودية والإمارات من جهة ومصر باعتبارها تابعة من جهة أخرى، حتى أن بيان الخارجية المصرية التي أعلنت فيه قطعها العلاقات مع قطر قد احتوى على 14 خطأ إملائيا، وفقا لرصد صحافيين، ما يشير إلى الاستعجال الشديد في إعداده وكتابته، لينشر في أسرع وقت للحاق بالركب الخليجي.
وجدت هذه التبعية صدىً حتى في التعامل القطري والدولي مع مصر السيسي، فلم تذكر دولة قطر مصر على الإطلاق في أيٍّ من بياناتها أو تصريحات مسؤوليها حول الأزمة، ولم يتوجه أيٌّ من الوسطاء الذين حاولوا التدخل لاحتواء الأزمة إلى القاهرة، بدءا من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، مرورا بالوسطاء الأتراك والمغاربة والأميركيين وغيرهم. ومن هذا المنطلق، يمكن تفسير زيارة ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، إلى القاهرة بعد نحو أسبوعين من حصار قطر، إذ بدت كأنها ترضية أو أخذ بخاطر السيسي، بعد التجاهل المهين الذي لاقاه من جميع الأطراف.
على المستوى الإعلامي، لم يكن الأداء أقل بؤسا وانحطاطا عن الأداء السياسي أو عن الأداء
الإعلامي نفسه في أوقات سابقة، فلم يخرج عن ترويج دور وهمي للسيسي في الأزمة، ونشر الأخبار المضحكة والشائعات التي ينكشف زيفها من اللحظة الاولى، والتي تثير السخرية أكثر من أي شيء آخر، ووجدنا أخبارا في وسائل الإعلام المصرية من نوعية أن أمير قطر، الشيخ تميم، قد تم عزله، وأن وزارة الداخلية القطرية أعلنت حالة الطوارئ، ونشرت الدبابات في شوارع الدوحة، وأن الأغذية المرسلة من تركيا وإيران فاسدة ومسرطنة، وأن مشاجرة نشبت بين وفد قطري وآخر سعودي، ليتضح أن الفيديو قديم، وأن المشاجرة بين كويتيين، وغيرها خزعبلاتٌ كثيرة.
أما الخبر الوحيد (أو الكذبة الوحيدة بمعنى أصح) الذي وجد صدىً، وتعدى حدود مصر، فكان ادعاء وجود قوات من الحرس الثوري الإيراني في الدوحة، وهي كذبة تلقتها قناة العربية ونشرتها، زاعمة أنها تستند إلى "مصادر مصرية"، ولم تكن تلك المصادر سوى صحيفة اليوم السابع، وهي معلومةٌ كفيلة بنسف الكذبة بالكامل. لكن، وللإنصاف، ثمة شيء واحد نجح فيه الإعلام المصري، وظهر في أثناء الأزمة، إذ أصبح يُضرب به المثل في الفبركة والتزوير والابتذال والإسفاف الإعلامي، إذ أصبح المغردون الخليجيون الساخطون على تغطية وسائل إعلامهم للأزمة يشبهون تلك التغطية بأنها تشبه تغطية الإعلام المصري في رداءتها وانحطاطها. ولم يترك الإعلاميون والباحثون المصريون المرتزقة الفرصة في تلك الأزمة، فكانوا ضيوفا مستمرين في وسائل الإعلام السعودية والإماراتية، لتقديم خدماتهم في البذاءة والتطاول، وسب كل ما له صلة بدولة قطر وشتمه، وهي إنجازاتٌ فريدةٌ من نوعها كما نرى.
فيما عدا ذلك، تميز الإعلام المصري في أثناء الأزمة بأنه أصبح تابعا بشكل شبه كامل للإعلام السعودي والإماراتي، إذ يبدو أن الأذرع الإعلامية المصرية أصابها الملل من كثرة التلفيق والكذب، أو أنها ببساطةٍ أفلست، ولم تجد ما تنشره، فأسلمت قيادها للإعلام الخليجي. ومن متابعة كاتب هذه السطور أداء الصحف المصرية، وجد أنها نقلت موضوعات وشائعات نشرها الإعلام الخليجي بالحرف، وبالعناوين والمحتوى من دون أي تغيير، ليكتمل مشهد تبعية مصر السيسي ويتكامل بين المشهدين السياسي والإعلامي. ولذلك، فقدت مصر السيسي الاهتمام، ولم تعد تذكر إلا في إطار السخرية منها، ومن رغبتها في "الرز القطري"، عبر طلب تعويضات من دولة قطر ضمن قائمة المطالب الهزلية التي تقدّمت بها دول الحصار الخليجية الثلاث وتوابعها.
بداية، تجب الإشارة إلى أن معظم الأكاذيب والفبركات التي نشرتها وسائل الإعلام السعودية والإماراتية كانت قد نشرت مرات عدة في الإعلام المصري على مدار السنوات الماضية، خصوصا منذ الانقلاب العسكري في مصر الذي حلت ذكراه الرابعة هذه الأيام، بل كان الإعلام المصري قد شن حملة واسعة للغاية ضد قطر وقناة الجزيرة، بسبب بث الأخيرة فيلم "العساكر" الذي تناول أوضاع المجندين في الجيش المصري، ولم يترك حينها الإعلام المصري أي بذاءةٍ إلا ونشرها، ووصلت وسائل الإعلام المصرية إلى الدرك الأسفل من قاع الانحطاط الإعلامي. مع ذلك، لم تحظ تلك الحملة الإعلامية بأي أهميةٍ أو متابعةٍ تتجاوز حدود استديوهات الفضائيات المصرية وصفحات الصحف، ولم تهتم قطر أو الجزيرة بالرد على جملةٍ واحدةٍ قيلت في تلك الحملة، ما كان يشير بوضوح إلى انعدام تأثير الإعلام المصري وأهميته منذ ما قبل الأزمة الحالية بعدة أشهر.
بعد تفجر الأزمة، وضحت الظاهرة بشدة، ما يرجع إلى حقيقةٍ بسيطة، هي أن الإعلام يتبع
لم يجرؤ السيسي، طوال الأعوام الماضية، على اتخاذ أي إجراء ضد قطر إلا الآن، والسبب أنه كان واضحا منذ بداية الأزمة، أن قرار مصر قطع العلاقات مع دولة قطر قد اتخذ بعد أن اتخذت الدول الخليجية الثلاث الإجراء نفسه، وقد شهدت القاهرة زيارة قام بها وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قبل ذلك القرار، فيما بدا وكأنه تنسيقٌ بين السعودية والإمارات من جهة ومصر باعتبارها تابعة من جهة أخرى، حتى أن بيان الخارجية المصرية التي أعلنت فيه قطعها العلاقات مع قطر قد احتوى على 14 خطأ إملائيا، وفقا لرصد صحافيين، ما يشير إلى الاستعجال الشديد في إعداده وكتابته، لينشر في أسرع وقت للحاق بالركب الخليجي.
وجدت هذه التبعية صدىً حتى في التعامل القطري والدولي مع مصر السيسي، فلم تذكر دولة قطر مصر على الإطلاق في أيٍّ من بياناتها أو تصريحات مسؤوليها حول الأزمة، ولم يتوجه أيٌّ من الوسطاء الذين حاولوا التدخل لاحتواء الأزمة إلى القاهرة، بدءا من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، مرورا بالوسطاء الأتراك والمغاربة والأميركيين وغيرهم. ومن هذا المنطلق، يمكن تفسير زيارة ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، إلى القاهرة بعد نحو أسبوعين من حصار قطر، إذ بدت كأنها ترضية أو أخذ بخاطر السيسي، بعد التجاهل المهين الذي لاقاه من جميع الأطراف.
على المستوى الإعلامي، لم يكن الأداء أقل بؤسا وانحطاطا عن الأداء السياسي أو عن الأداء
أما الخبر الوحيد (أو الكذبة الوحيدة بمعنى أصح) الذي وجد صدىً، وتعدى حدود مصر، فكان ادعاء وجود قوات من الحرس الثوري الإيراني في الدوحة، وهي كذبة تلقتها قناة العربية ونشرتها، زاعمة أنها تستند إلى "مصادر مصرية"، ولم تكن تلك المصادر سوى صحيفة اليوم السابع، وهي معلومةٌ كفيلة بنسف الكذبة بالكامل. لكن، وللإنصاف، ثمة شيء واحد نجح فيه الإعلام المصري، وظهر في أثناء الأزمة، إذ أصبح يُضرب به المثل في الفبركة والتزوير والابتذال والإسفاف الإعلامي، إذ أصبح المغردون الخليجيون الساخطون على تغطية وسائل إعلامهم للأزمة يشبهون تلك التغطية بأنها تشبه تغطية الإعلام المصري في رداءتها وانحطاطها. ولم يترك الإعلاميون والباحثون المصريون المرتزقة الفرصة في تلك الأزمة، فكانوا ضيوفا مستمرين في وسائل الإعلام السعودية والإماراتية، لتقديم خدماتهم في البذاءة والتطاول، وسب كل ما له صلة بدولة قطر وشتمه، وهي إنجازاتٌ فريدةٌ من نوعها كما نرى.
فيما عدا ذلك، تميز الإعلام المصري في أثناء الأزمة بأنه أصبح تابعا بشكل شبه كامل للإعلام السعودي والإماراتي، إذ يبدو أن الأذرع الإعلامية المصرية أصابها الملل من كثرة التلفيق والكذب، أو أنها ببساطةٍ أفلست، ولم تجد ما تنشره، فأسلمت قيادها للإعلام الخليجي. ومن متابعة كاتب هذه السطور أداء الصحف المصرية، وجد أنها نقلت موضوعات وشائعات نشرها الإعلام الخليجي بالحرف، وبالعناوين والمحتوى من دون أي تغيير، ليكتمل مشهد تبعية مصر السيسي ويتكامل بين المشهدين السياسي والإعلامي. ولذلك، فقدت مصر السيسي الاهتمام، ولم تعد تذكر إلا في إطار السخرية منها، ومن رغبتها في "الرز القطري"، عبر طلب تعويضات من دولة قطر ضمن قائمة المطالب الهزلية التي تقدّمت بها دول الحصار الخليجية الثلاث وتوابعها.